العنوان:
((ذكريات خالدة))
الذكريات تُخلد بخلود شخوصها ’’ بذكراهم بهم ’’ وتكون الذكرى في انسيابيها بين ما يطيب ذكره ’’ وما يكره ’’ لكنها هنا بعد قراءة كل أبيات القصيد ’’’ هي حب طفولي نما وشب وترعرع ’’ حتى باب حب صامد ’’ برئ بداية ’’ عذابه مؤلم بتلك الذكرى ’’ تلك الذكريات والحنين تنوعت بين ذكرى جدران بيت أو لنقل مكان إقامة فلربما هو خيمة في بادية لكنه ضمه ’’ ضم ذكريات الطفولة وشقاوتها ’’ والأهم هي تلك الحبيبة التي ما أن ذكرت حتى تبارت العبرات ’’ من غيمة وسحابة أثقلها الحمل ’’ فما كان منها إلا أن تنهمر ’’ وللذكرى ناقوس يخبرنا أن النسيان ليس له سبيل هنا
موفق جدا العنوان ’’

ذكرى أولى
*** ذكرى حنين ***
1
بعد البطــــا مريــــــت ذيك الديارا
مهد الطفولة من قديم الزماني
2
مريتهـــــــا وقت الضحى بالنهارا
مدري وش اللي جابني للمكاني
لقد مر وقت طويل منذ آخر زيارة لتلك الأماكن والمرابع ’’ لتلك الديار والحنين إليها ’’ ديار لها ذكرة تستوطن الذات ’’ وتسكن القلب ’’ لذا كان الانسياق لها دون شعور ’’ تلك الديار ’’ حيث كانت طفولة شاعر منذ زمن بعيد ’’ منذ فترة ليست بالهينة اليسيرة ’’ للدلالة إن ذاك الطفل غدا رجلا غادر أدراج طفولته ولعبته ’’ وثوبه الصغير ’’ إلى مرحلة أخرى لا تحسب على الطفولة إلا بصلة الذكرى وما بها من أحداث تشده للحنين لها ’’ و من ثم يحدد وقت الزيارة لقد كانت الوقت (( الضحى )) حيث يمثل أول النهار بارتفاع الشمس إلى ربع السماء ’ وفي البيئة الخليجية هناك ما يطلق عليه مسمى (( الضحى العود )) أي الضحى الكبير ’’ وهو آخر وقت الضحى قبيل صلاة الظهر ’’ فامتداده ينحصر بين ارتفاع الشمس لربع السماء حتى قبيل آذان الظهر ’’ لكن أيضا لأتوقف عند كلمة (( الضحى )) تحديد الوقت هنا جميل ’’ لماذا ؟؟؟ الضحى وقت قسم في القرآن الكريم قال تعالى في سورة الضحى قال تعالى : " والضحى " ’’ كما أنه وقت تسن فيه صلاة الضحى التي بها أجر كبير حث عليه نبينا محمد " صلى الله عليه وسلم " هنا هذا الوقت له قدسية ’’ له روحانية جميلة ’’ وجميل أن تكون تلك الأماكن بالوقت ذلك بعيدا عن القدسية إلا أن لها ذكرى القداسة في قلوبنا ’’ ذكرى تُحترم وله طهارتها الخاصة بشاعرها ’’ له جمالية الاستحضار ’’ رائع جدا ’’ ولكن هنا معنى أجمل وأروع في القادم: حيث أن الشاعر بدا محتارا متسائلا: ما الذي أتى بي إلى هنا!!! ولا عجب حيث القلب هو من سيره ’’ هو من حن وغير مسار المركبة لتلك الجهة ’’ لتلك الربوع والمرابع التي شهدت له وعليه حكايات لا تكاد تطوى بمرور رقم من أرقام التاريخ ’’ رائع جدا حيث الشوق والهوى والحنين جعله يقبل على مكان يألفه ’’’ روعة ’’


الصور والمحسنات والأساليب:
((بعد البطــــا)): كناية عن الوقت الطويل،
((مدري وش اللي جابني للمكاني)): أسلوب إنشائي طلبي ’ نوعه: استفهام ’ غرضه: اظهار الشوق والحنين الذي ساقه لا شعوريا لأماكن حفرت بالذاكرة ’’
جمييل ’’

ذكرى ثانية
*** ذكرى خلود ***
3
شفـــت المرابـــــــع كلها باختصارا
مع منـــزلٍ كـم ضمنـي واحتواني
4
ومـــــع ذكريـــــاتٍ خالــــدة ماتوارا
حفظتها حفـــــظٍ عليــه الضماني
لقد جالت العينان تتفقد مكان احتضنه وهواه ’’ ومرت مرور سريع مجملي على الأماكن التي ربعت بها الأقدام ’’ كانت مصدر بهجته وفرحته ’’’ كان المرور باختصار حيث هي مهمة ورائع جدا هنا ’’ حيث أن المرور السريع ذاك ’’’ للتنبيه أن هناك ما هو أهم يستحق التدقيق بتفاصيله ’’ والمكوث المطول ’’ كما أنه يحفظ ذاك المكان جيدا ’’’ فمروره السريع لتفحص وتأكد ’’’ كمقارن بين قبل أيام الطفولة ’’’ وبعد هل حصل تغيير كبير ’’’ هل لا زالت تلك الديار والمرابع على ما هي عليه أم تغيرت ’’’ ثم جاء التخصيص في الشطر الثاني من البيت على ذاك المنزل ’’ على ذلك الدار الذي شهد طفولته ’’’ بيت الشاعر القديم ’’’ بيت ترعرع فيه ’’’ شهد شقاء طفولة ’’’ كان شاهدا على حب سيأتي على ذكره لاحقا ’’’وكم يبدو التعبير جميلا هنا ’’’ حيث كلمتي (( ضمني )) و (( احتواني )) تلك الكلمتان وتوظيفهما هنا جاء في قمة الجمالية والروعة ’’ حيث تلك الصفات تدل على إن ذاك المنزل كان دافئا ’’ كان سعيدا ’’ فالضم والاحتواء دليل على الرعاية والاهتمام والحنان ’’’ دليل على أنه محمود الذكرى ’’ رائع ’’ وبالفعل هو كذلك لأن البيت الذي يليه يشهد وبقوة ’’’ وهو الذي تصدر القصيدة بأكملها عنوانها (( ذكريات خالدة )) ’’’
فتلك الذكريات خالدة ’’’ ولكن من الذي خلدها؟؟؟ الشاعر بذاته خلدها لأنه أحب خلودها ’’’ آمن بأبدتيها ’’’ عشق تلك الذكريات ’’ ورائع هنا التعبير وواقعتيه حيث الإنسان بطبيعته ذاكرته كألبوم ذكرى تحفظ من الصور ما تحن إليها ’’’ وعند ذكراها والمرور بها يرافقها حنين عاطفي مصدره عاطفة القلب التي تكون خاضعة ’’ مستسلمة أمام عظمة تلك الذكريات ’’’ حيث تلك الذكرى غير قابلة للطمس والتواري ’’’ والاختباء هي ذكرى فخر من الأساس فلماذا لها أن تختبأ!! هي ذكرى جليه واضحة مزروعة في الذات واضحة بدرجة عالية الجودة ’’ وكما قلت ودلل عليه الشطر الثاني والأخير هنا فالذي تولى حفظها شاعرها ’’ لا وأكثر من ذلك وضع لها ضمان أبدي بعدم فنائها ’’ الله الله الله هنا على استخدام كلمة (( الضماني )) الشيء المضمون هو القابل للتلف في سنوات الضمان ’’ والمتعهد بالضمان ينطلق من ثقته بمن ضمنه سواء إنسان ’’ أو مادة أو منتج ’’ فالثقة تنبع من جودة من قام بكفالته ’’ روعة وبشدة هنا ’’ أن تتعهد تكون الضامن لتلك الذكرى ولمدة غير محددة ذلك لبيان أن تلك الذكرى مميزة لدرجة أنها تُضمن للأبد وهذا للفخر بتلك الذكرى بكل ما حوته ’’ روعة جدا ’’’

الصور والمحسنات والأساليب:
((باختصارا)): كناية على المرور السريع ’’’
((كـم ضمنـي واحتواني)): ((كم)) هنا كناية عن الكثرة الغير محددة بعدد يُذكر ’’’
((ضمنـي واحتواني)) : استعارة ’ شبهت المنزل كالإنسان يضم ويهتم ويرعى ’ الغرض منها: بيان مدى الحنان الذي كان في ذلك البيت ’’’
((ذكريـــــاتٍ خالــــدة)): استعارة ’ شبهت الذكرى كمن قابل للخلود ’ الغرض منها: بيان عدم قدرته على نسيان تلك الذكرى لجماليتها والحنين لها ’’’
((ماتوارا)): استعارة ’’ شبهت الذكريات قابل للاختباء ’’ الغرض منها: بيان عدم اختباء تلك الذكرى بل هي جلية واضحة يُفخر بها ’’’
((الضماني)): كناية عن الفخر بها ’’’
((الضماني)): استعارة ’ شبهت الذكريات كالإنسان أو المنتج الذي يُضمن ويكفل ’’ الغرض منها : بيان الثقة الغير محدودة بها فهي ما يفخر به ولا يوجد ما يشنها أو يعيبها لذا تضمن وبقة كبيرة ’’
روعة الصور هنا ’’’

ذكرى ثالثة
*** ذكرى جنون ***
5

وحرك شريـــط الذاكــرة واستدارا
وعرض عليّ المحتوى في ثواني
6

ذكرت من راحـــــــة بعقلــي جهارا
من بين ربعي والاهـــل والخواني

هنا الأبيات بروعتها عالية ’’ فقد دُمج فن التكنولوجيا ’’ بتراث وأصالة الذكرى ’’’ حيث الأشرطة فن سينمائي حديث ’’’ والأطلال ترتبط بمادة تراثية الذكرى عادة ’’’ فالمزاوجة هنا جاءت جدا رائعة ’’’ فكيف الحياة وكأنها فيلم سينمائي قابل للدوران وعرض ما مضى من زمن قد ولى ولكن لم يرحل من النفس ’’’ ففي تلك البقعة ’’ في تلك المرابع وفي ذاك المكان ’’’ قد داجت الرجل ’’ ودبت الحياة بها ’’ في شريط يعرض الحياة ’’ ذاك الشريط الذي أخذ مادته من الذكريات ’’ وعرضها على أمام العينين بلا شاشة ’’ ولا غرفة مظلمة فالتقنيات كلها قد جاءت ملبية ’’’ ذلك الفيلم كان قصيرا وقصيرا جدا لم يتعد ثوان معدودة ’’’ لكن كانت حياة بأكملها ’’’ولكن ما فحوى تلك الذكرى ؟؟؟
لتلك لبطلة المحتوى ’’ لمن سلبت العقل والقلب قبله ’’ ليجن بها وهي بتلك السرقة لم تنتظر ليلا حيث الليل ساتر ’’ واللصوص موعدهم المناسب لنيل مبتغاهم مما خف حمله وغلا ثمنه ’’ لكنها لصة محترفة في عز النهار ’’ مجاهرة بالسرقة ’’ وروعة روعة روعة ذلك المعنى تلك التي راحت بالعقل ’’ المسروق سلم السارق أغلى ما يملك ((العقل)) روعة هنا عدد بلا مدد لماذا؟؟؟ فعلا العقل هو من يميز الإنسان عن الكل ’’’ ويجعله متفردا على سائر المخلوقات وسيدها ’’’ ففي سورة الإسراء/ 70 قال تعالى: " وكرمنا بني آدم " والتكريم هنا بالعقل ’’’ فكونها تأخذه هي أخذت أغلى ما يملك الشاعر’’’ هنا للدلالة أنه مذ رآها سُلب عقله ’’’ عشقها وهواها وهي حب طفولي لذا هو متجذر وبشدة ’’ أصالته كأصالة ذاك المكان تماما ’’’ روعة جدا ’’’

وكما يكمل أنها من بد كل الناس استطاعت هي وهي فقط أن تسلب ذاك العقل ’’’ حتى اختار صحبتها وتركه ليجن من دونها ’’ وما الإنسان من غير لب ’’ وعقل ’’ هي كانت المتصدرة بالسلب حتى أقرب الأقرباء لم تكن لهم تلك الخاصية ’’ ولا الأصدقاء ظفروا بما ظفرت هي به، رائع،

لحظة توقف هنا ’’ هنا يتجلى الوقوف على الأطلال بصورته الواضحة ’’ المقدمة لدى الشعراء الأوائل هي الوقوف على الأطلال ’’ ومن أبرزهم وعلى رأس الشعراء بقصيدته المتفردة والرائعة ((قفا نبكِ))
(( امرؤ القيس ))
لننظر إليه وهو يحاكي الأطلال قائلا:
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل *** بسِقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها *** لما نسجتها من جنوب وشمأل

من أروع أروع المعلقات هي وتلك مقدمة الأطلال كما أنت هنا ’’ حيث يذكر الأماكن التي لم تدرس: لم يختفي أثرها ’’ يعني فيه مباني تدل أن هنا كان فيه سكن وناس ’’

أيضا لنذكر شعر
(( الحطيئة ))
الرائع الذي قال:

ألا طرقتنا بعد ما هجدوا هند *** وقد سرن غورا واستبان لنا نجد
ألا حبذا هند وأرض بها هند *** وهند أتى من دونها النأي والبعد

وأنت تشبه الحطيئة هنا في أمر الأطلال من ناحية ارتباطه بذكرى محبوبته ’’ فهو يعشق تلك الأرض لأن حبيبته كانت بها ’’’
شكلت قصائد الوقوف على الأطلال وقتها ركن رئيسي لدرجة يُقال من لم تكن له حبيبة كان يبتدع له أي اسم فقط ليتغنى بها ’’ ويبكي على أطلالها ’’’
جدا راقت ليّ الأبيات ’’’