الموضوع: أشباه الظلال
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-23-17, 01:04 PM   #10
حسين سلطان

الصورة الرمزية حسين سلطان

آخر زيارة »  10-15-23 (07:46 AM)
المكان »  البحرين
الهوايه »  القراءة والكتابة

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



الجزء الثالث والعشرون




رنيم






عند الغداء كنا نجلس على طاولة الطعام الموجودين في العادة والغائبين ككل مرة بحر وأديم والجد

لقد كان كل شيء في ليلة البارحة غريبا ترى أين كان غيث طوال يوم الأمس وما سر كابوس البارحة
ولازلت أحاول إيجاد تفسيرا لذلك
" رنيم هلا ناولتني العصير "
كان هذا صوت غيث الذي وصلني بهدوء تجمدت في مكاني للحظات فمنذ فترة ليست بقليلة كل منا يتجنب
الآخر ناولته كوبا بعد أن سكبت له عصيره المفضل وبعد قليل قال
" رنيم هلا ناولتني طبق السلطة أمامك "
لاااااااااااا الأمر لا يبدوا لي طبيعيا اليوم لابد وأن كابوس البارحة قد أثر فيه ناولته إياه
فقال زبير " حور هلا سكبت لي الأرز في صحني "
ثم ضحك وضحكنا جميعا فقال " من الرائع أن تكون لك زوجة تخدمك "
قال صهيب من بين ضحكاته " نعم كان سيقول لك بعد قليل رنيم هلا أطعمتني بالملعقة "
قال غيث بضيق " لما تفسدان علي زوجتي يا لكما من شقيقان "
قالت خالتي بابتسامة " إنهما يحسدانك فقط "
قال زبير " على ماذا سأحسده لدي واحدة أيضا في خدمتي صهيب ممكن أن يكون كذلك "
قال صهيب بضيق " ما تعنيه بما تقول قريبا ستكون لي زوجة فلما أحسده "
قالت ميس ببرود وعيناها على الطعام " هل تتزوجون النساء ليخدموكم "
قال صهيب وعينيه عليها " كلن له مهامه الزوج والزوجة "
ابتسمت بسخرية وقالت " أنا لا أرى ذلك إنهما يقضيان جل اليوم في المطبخ "
قلت بهدوء " وهل نترك خالتي تخدمنا جميعا لما نحن زوجات أبنائها إن لم تجد منا يد العون "
قالت ببرودها ذاته " ولما يوجد أناس اسمهم خدم وشيء اسمه نقود "
شعرت الآن بإحساس غيث عندما كان يغضب من برودي يا له من سلاح فتاك
قال غيث بهدوء " لن يكون هناك خدم هنا رضي من رضي وكره من كره وبعد موتي اصنعوا
ما يحلوا لكم "
شعرت بانقباض في صدري لتلك الفكرة وهي أن يموت غيث لا أعرف لما شعرت بذلك قد يكون
لأني أحتاج حمايته أو أن ما علمته ليلة البارحة أحدث أشياء لا أعرف ما تكون
قالت خالتي بهدوء " أطال الله في عمرك بني لما تذكر الموت الآن "
قال ببرود " يبدوا أني مصدر هموم كثيرة فما نفع وجودي "
لا يبدوا لي غيث طبيعيا أبدا اليوم لو أعلم فقط ما حدث معه وهل للخدم علاقة بالأمر أم لا
قالت خالتي " لديك زوجة وابن تنتظرانه لقد أصبحت مسئولا عن عائلة وهي تحتاجك "
رفعت بصري فوجدته ينظر إلي فأرخيت نظري للأسفل وقلت بهدوء
" يكفيني ما أخد الموت مني لا تقل ذلك يا غيث أرجوك "
ساد المكان صمت غريب وموحش أنهى فيه الجميع طعامهم وغادر كل لحال سبيله وأنا وحور
للمطبخ طبعا بعد قليل جاءت ميس وقفت وقالت " هل أساعدكما "
نظرنا لبعضنا باستغراب ثم لها فقالت " لما أنتما مستغربتان هكذا لا تعتقدا أني كسولة ومدللة لقد
كنت أعمل لسنوات في تنظيف النوادي لأجني المال "
قالت حور بصدمة " تنظيف النوادي "
اقتربت ميس وبدأت بترتيب الأغراض معنا وقالت
" نعم فلم أعش حياة مترفة كنت فتاة من عائلة بسيطة يعمل والدي في سكك الحديد ومات ولم
يترك لنا شيئا سوى منزل هوا لوالدتي "
ابتسمت وقلت " معك حق في أن تكرهي العائلة كلها أنا كنت دائما أعذرك على ما تشعري "
قالت حور " ولكن هذه العائلة مختلفة تماما صدقيني "
تنهدت ميس وقالت " لن أنسى أن الجميع تخلا عنا وعن والدي قبلنا لن أنسى ذلك "
" ولكن ثمة أشخاص عذرهم معهم يا ميس "
نظرنا جميعنا لمصدر الصوت فكان صهيب متكأ على حافة الباب مكتفا يديه لصدره ونظره على ميس
تنهدت ميس وقالت
" ليس عليكم الهروب من الحقيقة فما من مذنب يعترف بخطئه فحتى أعمامك نكروا حق والدي "
قال بهدوء " ولكننا لم ننكره ولن ننكره أبدا وما كنا نعلم عنكم "
قالت بضيق " ولكن والدكم كان يعلم أليس كذلك "
أجاب صهيب " لقد شرحت لك سابقا ولكنك ترفضين فهم ذلك لقد بحث عنه والدي ثم عنكم لسنوات "
تركت ميس ما في يدها وغادرت المطبخ مستاءة فقال لنا صهيب
" جربا تليين دماغها فيبدوا أنها ألفتكما ولا تراكما من العائلة "
نظرنا لبعضنا ثم قلت " قد تكرهنا أيضا إن أصررنا عليها "
قال مغادرا " حاولا ولو لمرة واحدة فقط "
نظرت لحور وقلت " هل تفهمين شيئا "
هزت رأسها نفيا ثم قالت بابتسامة " هل افهم نفسي لأفهم غيري "
ضحكت وقلت " وأنا لم أعد أفهم نفسي أيضا يبدوا أنها تعويده وليست وصية "
ضحكت حور فقلت لها بهدوء " لما لا تطلبي من زبير العيش بعيدا عن هنا "
تنهدت وقالت " كيف أطلب طلبا كهذا لن يبتعد عن عائلته ولن أجني شيئا فما في القلب
سيرحل معي "
قلت بهدوء " على الأقل ستتوقفين عن رؤيته "
عادت للتنظيف وقالت " هوا شبه تارك للقصر فليس عليا فعل ذلك "
عدنا للعمل في صمت حتى انتهينا فضحكت وقلت
" كنا سنحصل على بعض المساعدة اليوم لولا أن صهيب أفسد علينا ذلك "
ضحكنا معا ثم غادرنا نمضي الوقت في الأحاديث كعادتنا بعد الظهيرة وقد دعونا ميس لمشاركتنا أيضا
عند المساء وبعد انتهائنا من أعمال المطبخ صعدت لجناحنا دخلت الغرفة فكان غيث نائما استحممت
ونمت على السرير فجاءني صوته هادئا يقول " رنيم ما الذي قلته البارحة "
قلت بعد صمت " لا أعلم لم تقل شيئا معيننا وواضحا لقد كنت تتحدث عن أشخاص دون أسماء لقد
كنت فزعة عليك ولم أركز "
قال بعد صمت طويل " هل خفتي عليا حقا "
فاجأني سؤاله حتى أنني عجزت عن الرد فتابع قائلا بهدوء
" كنت أشعر بيدك تمسك يدي وأنتي تقرئين القرآن طوال الليل ظننتك تكرهينني يا رنيم "
قلت بذات الهدوء " لا , لا أكرهك فكلنا ضحايا لأشياء خارجة عن إرادتنا أعلم أنك لا تريد التحدث
عن الأمر ولكني متأكدة من أنك تحمل سببا بداخلك يرغمك على أن تكون كذلك "
أمسك يدي قبل كفها بعمق ثم نام في صمت وتركني جامدة كالتمثال من الصدمة







جود







لم أتوقع منه هذا السؤال وفي هذا الوقت تحديدا ترى ما يعني بسؤاله هذا الآن , آه لا تكوني حمقاء يا جود
ولا تنسي ابنة من تكونين وأنه رهن وصية تتحكم بمصيره يا إلهي ما العمل أتمنى أن لا توقعني مشاعري
في مأزق , وما هي إلا لحظات ووصلتني منه رسالة مكتوب فيها
( أحببتك رغم أني لا أحتضنك , ولا أراك أبدا , أحببتك لأني كتبت بك ! وقرأت لك
وضحكت من أجلك ! وتغيرت لأجلك "حتى وأنت بعيد " ...... هذا جواب السؤال يا بلسم )
احتضنت الهاتف بحب وكدت أطير فرحا ثم أرسل بعد وقت ( هيا أين جوابك )
حرت في أمري ماذا أفعل هل أبوح بمشاعري أم أصمت يا إلهي ماذا أفعل
وصلت رسالة أخرى منه وفيها ( بلسم لا تلعبي بأعصابي قولي جوابك أيا كان )
أمسكت هاتفي وأرسلت
( شخص يوصيني بأن أنتبه لنفسي كثيرا , أريده أن يعلم أنني أفقد نفسي عندما يغيب )
وما هي إلا لحظات ورن هاتفي وكان المتصل الرجل الكئيب ترددت كثيرا يا إلهي ماذا
حدث له كيف سأجيب بعد رسالتي تلك وبعد إصرار منه أجبت فجاءني صوته مندفعا
" هل حقيقة ما قرأت هل أنا في حلم "
قلت بخجل " بل في مسلسل أم نسيت "
ضحك وقال " لا لم أنسى وها أنتي صرتي جزءا منه , هل ستنتظرينني يا بلسم "
قلت بهمس " حتى آخر العمر "
قال بسرور " أنت أجمل ما حدث لي في حياتي يا .... "
قطع حديثه وقال " ألن تخبريني الآن باسمك أريد أن أعرفه وأن أراك وكل شيء "
ما إن فتحت فمي لأتحدث حتى سمعت الصوت الذي يعيدني دائما لواقعي بعد إخراجي من
أحلامي الجميلة التي لن تبقى سوى أحلام فقلت بخوف " يا إلهي ليس من جديد "
ورميت بالهاتف وركضت مسرعة للأسفل فكان والدي يصرخ مناديا لي وأمي تحاول منعه من
الصعود وما أن رآني حتى رمى بأمي أرضا وصعد لي وجرني من يدي جرا وأنا أحاول منعه والإمساك
بكل ما هوا أمامي وأصرخ وهوا يصرخ ويقول " أمامي الآن فالرجل في انتظارنا "
قلت ببكاء " إلى أين تأخذني إلى أين "
قربني من وجهه وقال " أخذك لمن ننتفع منه , خير لك من بقائك هنا دون نفع "
كنت أصرخ وأصرخ وأنادي باسم بحر وأنا على يقين أنه لن يأتي ولن ينقذني فنحن وقت
الفجر وقد غادر لرؤية والدته منذ الأمس





أديم




رغم إخفائي خبر زواجي بليان إلا أنني سررت كثيرا أنها تحمل طفلي الطفل الذي طالما تمنيت
امتلاكه لحبي الشديد للأطفال فسيكون من ليان تحديدا , كدت أصرخ فرحا حينما أخبرتني فلكم أن
تتوقعوا صعوبة كبت مشاعرك وعدم الإفصاح عنها حينما تندفع بقوة للخارج كنت سأجلب الدنيا
واضعها بين يديها حتى أنني أخذتها لشروق وزارتها لقد أصبح أمرها شغلي الشاغل ترى هل سأبقيها
سرا كما خططت وأعيش عالمي وحياتي وأتزوج بغيرها واعزلها عن الجميع ترى هل سأقدر على فعل
ذلك , لقد أصبحت جزءا مني فكيف سأفصلها عني بسهولة كيف لي أن أهملها وكيف لي أن أضمها لعالمي
وهي تكره الغنى والأغنياء وأديم خصوصا وأنا السبب في ذلك طبعا
ثم أنا لازلت على اعتقادي أن الفقراء سيتعرضون للذل حال زواجهم بالأغنياء وقد تواجه ليان الكثير
من ذلك كما سأتعرض أنا لسخرية البعض منها وهذا رأي ليان دائما , كشف حقيقتي لها يخيفني كما
أني ارغب بوجودها دائما معي , أنا حقا في حيرة من أمري فلن يرحمني أصدقائي لو علموا بمن
تزوجت وأنا من كان ينفخ رؤوسهم دائما بمعتقداته حتى أنني لم أكن أصادق الفقراء أبدا
طردت كل تلك الأفكار من رأسي وأمسكت هاتفي وأرسلت لها ( كيف هي ابنتي الآن )
أرسلت من فورها ( وماذا عن أمها )
ابتسمت وأرسلت ( إنها حبيبتي وأم ابنتي )
كنت أتمنى أن يكون المولود فتاة لأننا حرمنا دائما منهم فلم يكن لدينا إلا الأولاد فحتى أشقائي من
والدي ووالدتي أولاد أيضا
أرسلت لي بعد قليل ( ابنتك تريد شيئا )
أرسلت لها ( فلتأمر وأنا أنفذ )
أرسلت ( تريد أن تراك سريعا فهي تشتاق إليك كثيرا )
قفزت من على الأريكة حملت مفتاح سيارتي وخرجت من الشقة متوجها إليها لقد أصبح بقائي
في الجنوب اقل مللا فقد تغير في حياتي الكثير منذ زواجنا ويبدوا أنه في القريب ستصبح الإجازات
التي أقضيها مع عائلتي هي المملة
بعد عدة أيام اتصلت بي ليان وأنا في الشركة استغربت من ذلك وتذكرت يوم حاول شاهد القفز
لبيتها فخرجت من فوري تاركا عملي وسرت بسرعة جنونية إلى هناك وما أن دخلت المنزل
وجدتها جالسة على الأرض ومتكئة على حافة الكرسي وتبكي بشدة توجهت ناحيتها وحضنتها
بقوة فقالت من بين شهقاتها " لقد مات عمي يا وسيم مات وتركني "
زدت من احتضاني لها أكثر ونزلت من عيني دموع لم تسألني إن كنت آذن لها بذلك أم لا , نزلت حزننا
على الرجل الطيب الذي عشت معه لأشهر من حفظ سري حتى مات معه , وها هي ليان بقيت في هذا
العالم لا أحد لها بعد الله غيري فبأي قلب ومشاعر سأتخلى عنها
بعد وقت طويل من بكائها في حضني ساعدتها على الوقوف وأدخلتها غرفة نومنا وتوجهت لغرفة
العم سعيد الذي كان ممدا على السرير دون حراك اقتربت منه قبلت جبينه وعينيه ذكرني هذا بيوم
وفاة والدي دائما الطيبون هم من يرحلون سريعا وهم من يتركون فراغا بحجم الكون
غطيت له جسده ووجهه باللحاف بعدما وجهته جهة القبلة وخرجت توجهت لليان لأتفقدها ثم غادرت
وجلبت معي من يساعدني على نقله وفي اليوم التالي قمنا بدفنه لم يحظر العزاء أحد فلا أهل لليان
غيره وأشقائها ما كانوا ليكترثوا لأمرها ولعمها ولا من أهلي أحد بالطبع فقد حرمتها حتى من أن يكون
لها عائلة زوج تقف بجانبها فلو كان أحد الأغنياء لجاءت الناس من كل البلاد لتقديم التعازي رغم سوء
خلقه ودناءة أصله ولكن هذا العجوز الطيب لأنه لا يملك شيئا لم يأتي أحد ليعزي ابنة شقيقه فيه
أما ليان فقد حضرت شروق لتعزيتها وقضت معها بعض الوقت حمدا لله أنه زارها ولو شخص واحد
لقد عاشت ليان بعدها أيام حزن كنت بجانبها خلالها قدر الإمكان فلم يعد هناك من يبقى معها غيري
وأصبحت فيما بعد مُطرا للبقاء معها باقي اليوم وحتى الإجازات لم أعد اذهب خلالها لعائلتي فلم يكن
بإمكاني تركها وحيدة ليومين أو ثلاث بعد وفاة عمها فلن اطمئن لنومها في المنزل لوحدها وخاصة
أنها في الأشهر الأولى المتعبة من حملها فقد تتعب في أي وقت وتحتاج لزيارة المستشفى , ودخلت
في دوامة سؤال أهلي المُلح دائما عن عدم سفري إليهم وعدم مقدرتي على ترك ليان لوحدها













صهيب












الأمور تزداد سوءا والألسن تلتهم ميس التهاما وعنادها يفوق ذلك ولا شيء اکبر منه إلا كرهها لنا
" صهيب حالك لا يعجبني منذ عدت من سفرك "
تنهدت وقلت " لا تشغل بالك يا عوف "
أمسك حجرا ورماه وقال " هل هوا موضوع ابنة عمنا الجديدة "
قلت بضيق " إنه في تأزم مستمر "
قال بهدوء " الكلام لا يتوقف عنها "
اتكأت للخلف ونظرت للسماء وقلت " عليا التصرف سريعا "
نظر إلي وقال " وما ستفعل حيال ذلك "
قلت بهدوء " سأتزوجها "
قال بصدمة " ماذا .... تتزوجها "
قلت بذات الهدوء " نعم ألا تسمع جيدا "
قال باندهاش " ولكنها ...... "
قلت بحدة " ولكنها ماذا يا عوف تكلم "
تنهد وقال " أنت تعلم ما أعني الفتاة كانت مختطفة لمدة طويلة وما يدريك قد تكون .... "
قاطعته بغضب وأنا استوي جالسا " عوف هل جننت أنت أيضا فلن ألوم الآخرين بعد اليوم "
قال بحدة " اسمع يا صهيب من الطبيعي أن يفكر أي شخص بما أفكر وحتى أنت , هل تعلم ما
حل بها وهل تري زواجك منها حلا , فسيقول الجميع أنك تسترت عليها لأنها ابنة عمك "
صرخت به قائلا " بل الجميع يفكر کما تفكر ها أنت ابن عمها هل فكرت بالتستر عليها لقد كنت
ترميها بظنونك للتو , الناس يعلمون جيدا أنه لا أحد يتستر علي هذه الأمور ولا حتى أبناء العم وأنت
من قال لي بعظمة لسانه سابقا أنها قد تكون علي اتفاق مع من قاموا باختطافها , فزواجي بها وحده
ما سيحل الموضوع "
قال ببرود " وماذا لو أکتشفت أنهم فعلوا بها شيئا "
قلت ببرود مماثل " الطب تطور وقد أکتشفت سلامتها بنفسي "
قال بهدوء " ولما أنت تحديدا من عليه التضحية "
قلت ببرود " لأني المتسبب بذلك "
قال بعد صمت " ولما وضعت نفسك بذلك الموقف "
قلت بشرود " أحياننا تحاول إصلاح الأمور فتفسدها "
تنهد وقال " وهل زواجك سيصلحها أم يفسدها أيضا "
قلت بذات النبرة " قد يصلح ولو جزئا بسيطا ثم من سيفعل ذلك أنت مثلا "
ابتسم بخبث وقال " ولما لا مادمت تأكدت من الأمر ووالدتها أيرلندية فلابد أنها رائعة الجمال "
قلت بغضب " أري کلامك تغير فجأة "
قال بابتسامة " أردت الأجر فقط "
قلت بذات الغضب " لن تنالها ولا في منامك سمعت "
نظر لي بصدمة ثم قال بدهشة " صهيب تبدوا لي وقعت غريقا "
عدت للإضجاع علي الأرض وقلت " إنها تكره الجميع کره العمى "
ابتسم وقال " أذا سأحاول أنا "
نظرت له بحدة فضحك وقال " امزح يا رجل فما هوا لك مُحرم علي "
نظرت للسماء وقلت " من الجيد أنك عقلت في الوقت المناسب ثم يكفيك علياء "
تنهد وقال بضيق " أتعلم ما قال لي والدي بالأمس "
ثم ابتسم بسخرية وقال " لقد قال أن عمي يوافق على تزويجها بي "
جلست وقلت " جيد أليس هذا ما كنت تريد "
قال بسخرية " الآن صار مرغوبا بي من والدها بعد الذي شاع عن ميس وتصور
أنه قال إن كان أحد من أخوتي يريد الزواج بزمرد فهوا موافق أيضا يا لا السخافة "
قلت بضيق " يفكر في ابنتيه ولا يهتم لأمر ابنة شقيقه "
قال بابتسامة " ولما يتعب نفسه بذلك فهناك من يفكر بأمرها نيابة عن الجميع "
تجاهلته وقلت " حسننا وما المانع من زواجك بابنته لقد كنت تريدها دائما "
قال بحزن " أريدها ولكن ليس مكرهة علي فهي لم تفكر بي يوما ولقد غضضت النظر
عن الأمر منذ زمن "
وقفت وقلت " هيا علينا المغادرة کي نصل قبل حلول الظلام "
قال باستغراب " ألن نقوم برحلة صيد جديدة اليوم "
قلت متوجها للسيارة " لا سنرجع في يوم آخر هيا لنجمع الأغراض "
قطعت رحلتي عائدا للقصر وفور دخولي سمعت أصوات في الحديقة اقتربت منهم فكانت
رنيم وحور وميس معهم أيضا
قلت بابتسامة " هل تهربون من أعمال المطبخ يا كسولات "
ضحكت رنيم وقالت " لا ولكن زبير قرر إعفائنا اليوم وسيحظر طعاما من الخارج "
قلت بابتسامة " ويل له من غيث إذا , فهوا يكره طعام المطاعم "
ثم قلت بخبث " عليك أن لا تتركي زوجك بدون عشاء يا رنيم فزبير يفكر في راحة زوجته وإفساد
ليلتك بمشكلة مع غيث "
وقفت حينها ميس تنوي المغادرة فقلت " انتظري يا ميس علينا التحدث "
قالت وهي تتابع سيرها " لا أريد "
وانصرفت ونظري يتبعها فقالت رنيم " اصبروا عليها إنها تعاني مما أصابها "
نظرت لها بحيرة وقلت " ماذا حدث "
تنهدت وقالت " لقد تقابلت مع إحداهن اليوم بالمصادفة وحدثت مشادة کلامية بينهما "
قلت بضيق " ماذا قالت لها "
قالت بحزن " سألتها تلك السيدة هل أنتي الفتاة التي اغتصبها الرجال يالك من مسكينة "
قلت " وما كان جواب ميس "
قالت " لقد قالت لها : إن كان لديك بنات فجهزي نفسك فسيصيبهم ما رميتني به فقالت لها
بغضب : بناتي عفيفات شريفات لهن من يرعاهن , يا لها من سليطة لسان "
قلت بغضب " وکيف لأمي أن تستقبل هكذا سيدات "
قالت حور " لن يلومها أحد فليست وحدها من يتحدث غير أن البعض لا يتكلمون في وجهها "
غادرتهما مستاءً وتوجهت لغرفتها قرعت الباب عدة مرات ولم تجب قلت بعدها مناديا
" ميس افتحي الباب لنتحدث أو سأدخل "
قالت بحدة " لا أريد التحدث مع أحد "
تنهدت وقلت " إن لم تفتحي دخلت الآن "
فتحت الباب وتوجهت للداخل ووقفت عند النافذة مولية إياي ظهرها فقلت بهدوء
" ميس أنا آسف لكل ما يجري سأخبر الجميع أنني من قام باختطافك إن كان سيصلح الأمر "
قالت باستياء " ما الذي ستصلحه من ماذا الآن لقد فات الأوان "
اقتربت منها وقلت " ميس لنتزوج وننهي الأمر "
التفتت إليا وقالت بألم " وهل سينتهي ذلك بزواجنا برأيك , إلى متى سأعاني بسببكم هل أنا النجسة الدنيئة
والفتيات الأخريات بكل عيوبهن الشريفات العفيفات هل بضنك لو تزوجتني سيتغير الأمر , سأبقى أنا هي
ذاتها "
ثم التفت للنافذة وقالت بحزن " وتريد مني أن أدرس هنا يالك من حالم لقد أضعتها علي كما كل شيء "
قلت بحدة " إن كنتي لا تريدين الدراسة فلن تدرسي أما موضوع الزواج فلا نقاش فيه ووالدتك موافقة أيضا "
نظرت لي بصدمة وقالت " والدتي ... هل تحدثت معها في الأمر "
قلت بهدوء " نعم لم أخبرها ما حدث ولكني صارحتها برغبتي في الزواج بك "
قالت بضيق " لن يحدث ذلك أبدا لن تتزوجني لتغطي الفضيحة أنا لست لعبة بيدك فهمت "
قلت بعد صمت " وماذا لو أخبرتك أني أريد ذلك حقا "
قالت بحدة " كاذب ولن أصدق ذلك أبدا "
قلت بهدوء " لك أن تصدقي أو لا تصدقي ولكنها الحقيقة "
ثم قلت مغادرا " سنسافر في الغد فكوني جاهزة "









الجزء الرابع والعشرون




جود




أي قسوة هذه وأي جبروت تموت معها المشاعر والقلوب فتجعل الأب يبيع ابنته ثمننا للمال , لقد جرني جرا
كالشاة وهم يسوقونها ليذبحوها ولا يحق لها أن تعترض وما أن وصلنا للباب حتى كان بحر راكضا باتجاهنا
فياله من ربيع يزهر على أرضنا القاحلة عندما يظهر بحر في الوقت المناسب
سحبني منه بقوة وقال " إلى أين تأخذها هل جننت "
قلت وأنا ارتجف خلفه ببكاء " يريد أن يبيعني يا بحر يريد بيعي لأحدهم "
صرخ والدي قائلا " لا دخل لك بابنتي فأنا والدها ابتعد أو حطمت رأسك "
صرخ به بحر قائلا " لن تأخذها إلا على جثثي سمعت وإن لم تبتعد عنها الآن أوسعتك
ضربا كما فعلت بالإمعة شبيهك ذاك اليوم "
قال والدي بغضب وهوا يؤشر بإصبعه لي " لن ينقدك مني دائما سمعتي وسيحدث
ما أريد رغما عنك وعنه ولن أخافه ثانيتا لأنني سأفعل ذلك بالقانون "
ثم خرج من المنزل ونزلت أنا على الأرض أبكي بمرارة شديدة احتضنني بحر وهوا
يطمئنني قائلا " لا تبكي يا جود لن يفعل لك شيئا ما دمت حيا "
قلت بين بكائي وشهقاتي " لقد سمعت ما قال سوف يدمر الباقي مني سوف يدمرني تماما يا بحر "
أمسكني وقال " هيا قفي يا جود سنغادر المنزل فورا "
نظرت له بصدمة وقلت " نغادر ولكن أين "
قال بجدية " هيا قفي ستغادرين معي الآن لن أبقيك له لحظة أخرى فلن يكون بإمكاني
حمايتك منه دائما هنا , وحمدا لله أنني جئت في الوقت المناسب "
أوقفني وسار بي جهة السلالم وقال " أجمعي كل أغراضك سنغادر الآن "
قلت بحيرة " وأمي ومازن "
قال " سيبقيان هنا , عليا الآن أبعادك فهما لن يؤديهما مثلك "
قلت معترضة " سيضرب والدتي إن لم يجدني "
قالت والدتي من خلف بحر " فليضرب كما شاء فلن يستفيد مني في شيء المهم أنتي يا جود فكري
في نفسك الآن فلو بقيتي هنا سيعود لأخذك وقد لا يتمكن حتى بحر من منعه "
صعدت السلالم ببطء وكل درجة منه تشهد على جريان دموعي فوقها وصلت لغرفتي وبدأت بجمع
أغراضي ووالدتي تساعدني ثم قالت " جود هاتفك لا يتوقف عن الرنين أنظري من المتصل "
قلت بألم " دعيه يا أمي فأمثالنا ليس لهم الحق حتى أن يحلموا أحلاما جميلة "
أنهيت جمع أغراضي ثم أخذته ووضعته على الوضع الصامت ودسسته في حقيبتي فما كان علي
أن أسافر بمشاعري كثيرا وأنسى واقعي المرير, بعد أن انتهيت احتضنت والدتي بشدة وبكيت
بكاء لم أعرفه في حياتي وقلت " أمي لا أريد الابتعاد عنكم لا أريد لا تغيبوا عني طويلا "
قالت وهي تمسح على شعري
" اطمئني يا ابنتي فطالما أنتي مع بحر لن تكوني إلا بخير وسنتقابل يوما بالتأكيد "
قلت وأنا أزيد من حضني لها " أخشى أن يكون بعيدا أبعد مما نتصور "
أبعدتني عنها وقالت " لا تفقدي إيمانك بالله واحمديه أنك مغادرة الآن مع شقيقك وليس مع
والدك حيث الله وحده يعلم أين "
مسحت دموعي بيدي وقلت " حمدا لله على كل حال , أمي أعتني بنفسك جيدا وبمازن وأخبريه
أني أحبه كثيرا "
ونزلت دموعي من جديد تبكي على بكائي ومأساتي
نزلتُ للأسفل حيث كان بحر وغادرنا سويا لحيت لا أدري أين المهم بعيدا عن والدي حاليا












بحر
















غادرت القصر كما دخلته بحطام حلم ونزيف قلب تمنى الحياة يوما غادرت لا أعلم إلى أين ولكنني
جلت كل الأماكن وأنا لا أرى أمامي شيئا وعند المساء دخلت مدينة عائلتي ذهبت لصديق لي هناك لعلي
أجد من يسليني قليلا فأخذنا الوقت حتى مقربة الفجر ثم غادرت متوجها لمنزل والدي كي أزورهم قبل
سفري لأيام من أجل العمل وما أن اقتربت من الباب حتى سمعت صراخ جود وهي تستنجد بي الصراخ
الذي زلزل كل ما بداخلي صوت شقيقتي التي لا أحزن لدي من سماع بكائها فكيف بصراخها هكذا
ركضت كالمجنون باتجاه المنزل ودخلت لأجد المأساة تنتظرني هناك , كيف لهذا الرجل أن يفعل بابنته
هكذا أين قلبه أين إنسانيته
كنت في صغري ألوم والدتي على طلاقها وتركها لي مشردا بينهما ولكني الآن أعذرها فرجل كوالدي
لا يستحق الزوجة والأبناء أبدا , كان عليا أخذها من هنا قبل أن يُضيع باقي مستقبلها بجنونه عليا إبعادها
لأي مكان , جمعت كل أغراضها وغادرنا كانت تبكي طوال الطريق في صمت حاولت مواساتها
إسكاتها وطمأنتها ولكن دون جدوى سافرت آخذا إياها معي حيث كنت سأذهب أقم نا في فندق لأيام
واتصلت بعدها بغيث فأجابني من فوره قائلا " مرحبا يا بحر هل الأمور على ما يرام "
قلت بهدوء " نعم لقد قمت بكل شيء اطمئن "
قال بسرور " رائع أنا أعتمد عليك "
قلت بعد صمت " غيث أنا أعاني مشكلة تخصني هل لك بمساعدتي "
قال مباشرة " بالتأكيد ماذا هناك يا بحر هل من مكروه "
حكيت لغيث عن كل ما حدث منذ دخولي منزل والدي حتى الآن فقال بحزن
" يا إلهي كيف له أن يكون بهذه القسوة إنها ابنته يا رجل "
قلت بألم " لم يعتبرها كذلك يوما "
قال بهدوء " بما أساعدك يا أخي أنا في الخدمة "
قلت بعد صمت " أريد مكانا تكون فيه محمية عن والدي ولا أطر للبقاء معها دائما وأكون
مطمئننا عليها فلم أجد غير قصر العائلة "
قال من فوره " لك ذلك يا بحر ومن دون إذني هوا قصرك كما لنا جميعا وسأتحدث مع والدتي
عن قدومها ومع المحامي عارف سنرفع قضية تلغي أي سلطة له عليها وستكون أنت وليها "
قلت بامتنان " شكرا لك يا غيث لن أنسى لك ذلك "
قال " هذا ليس تفضلا منا عليك أنت واحد منا يا بحر أم نسيت "
قلت بهدوء " لا لم أنسى ولكن ليس أن أجلب باقي عائلتي "
قال بذات الهدوء " كن مطمئنا فهي ستكون بخير هناك ولن يصل إليها والدك أبدا حتى لو علم بمكانها "
قلت بجدية " غيث لا أريد أن يعلم أحد بما حدث أخبر والدتي فقط إن أطر الأمر "
قال مؤكدا " لا تقلق ودع الأمر لي ووالدتك لن تعلم أيضا حسننا "
قلت براحة " لقد حملت عني عبئا ثقيلا شكرا لك يا أخي ووداعا الآن "



















رنيم







بعد تلك الليلة الغريبة رمادية اللون سوداء الملامح بيضاء الخيوط وكأنها ليلة صيفية هطل فيها
المطر فجأة وهبت رياح البرد وجمدت كل شيء ليعود الحر من جديد , الليلة التي بقيتُ طوال ساعاتها
أقلب كف يدي في حيرة وكأنه ليس لي وأتساءل ترى هل ما حدث حقيقة أم خيال هل يعي حقا أنها يدي التي
قبلها بعمق وحنان أم أنه كان يضنها شيئا آخر , كان ما حدث سيكون شيئا عاديا بين أي زوجين أما معنا فهوا
حدث يجب أن تتناقله الصحف ونشرات الأخبار
وبعد تلك الليلة التي لم تشبه أي ليلة قضيتها معه خلال كل هذا العام مرت الأيام بيني وبين غيث هادئة ساكنة
خالية من كل أنواع المشكلات وانزاح ذاك البرود والصمت , لم يتطور الأمر كثيرا ولكننا عدنا نتبادل بعض
الكلمات القليلة ومزاج كلينا عاد لطبيعته
علمت اليوم من صهيب أن غيث لا يأكل أكل المطاعم وبما أن عشائنا اليوم من الخارج فقررت طهوا الطعام
له وحده وأعددت أكثر من طبق من أطباق دولتي وعند العشاء كانت أطباقه لوحده جهة كرسيه ووقف صهيب
وزبير أمام الكرسي يتناقشان من سيجلس هناك ليأكل الطعام الذي أعددته وأنا وحور وخالتي نضحك لشجارهما
حينها دخل غيث قائلا " ما بكما أصواتكم تصل للخارج "
نظرت له خالتي وقالت ضاحكة " تعالى وانقد عشائك قبل أن لا تجد منه إلا الأطباق الفارغة "
اقترب مستغربا وقال " ولما عشائي تحديدا "
ثم نظر للطعام أمامنا وقال بصدمة " هل جلبتم الطعام من الخارج من صاحب هذه الجريمة "
ثم نظر للجميع باحثا عن الجاني فأشار لي زبير وقال " إنها زوجتك "
شهقت بصدمة وقلت " أنا لا لم يحدث "
ضحك الجميع ثم قالت خالتي " زبير صاحب الجريمة ويستحق العقاب أيضا "
قال زبير بضيق " هل الكل ضدي الآن لم أرى منكم اعتراضا حين قررت جلب الطعام "
كل هذا ولم يلحظ غيث وجود أطباق مختلفة عما لدينا فقال بضيق
" ولما سأنقد عشائي إن كنت لن آكله "
قال زبير بحماس " ها سمعتم قال لن يأكله هوا من نصيبي إذا "
ضحكت خالتي وقالت " ولما جلبت الطعام إن كنت لا تريده "
قال بتذمر " أردت أن ترتاحوا من أعمال المطبخ ولو لنصف يوم ولم أكن أعلم أن رنيم ستخوننا وتطهوا
لزوجها طعاما مخصصا وغريبا عن أطباقنا المعتادة "
نظر غيث لطعامه ثم لي مطولا ولم أفهم ما كان مغزى تلك النظرة ثم نظر لهما وقال
" هيا ابتعدا كليكما عن طعامي "
قال صهيب وهوا يجلس على كرسيه " هذا ليس عدلا أبدا هل لأنه ليس لي زوجة يعني أن آكل من
هذا وأنت لا "
قال زبير مازحا " حور سأطلقك الليلة "
ضحكت حور وقالت " وكيف لي أن أطهوا طعاما لا أعرفه ثم أنت من جلب الطعام "
وقف غيث عند كرسيه وأشار بأصبعه للكرسي المجاور له وقال
" رنيم تعالي واجلسي هنا سنأكل نحن من هذا وهم يأكلون طعامهم "
وقف صهيب بيننا وقال معترضا " لن أسمح لهذا أن يحدث وإن لم آكل منه فسأقلب الطاولة
رأساً على عقب "
قال زبير " وأنا كذلك "
تنهد غيث بضيق وقال " رنيم لمن أعددت الطعام "
قلت بابتسامة " لك أنت "
نظر لهما ثم لي وقال " وهل يأكلان منه "
نظرت لهما بخبث وقلت " لا "
قال مبتسما وهوا يجلس " إذا قضي الأمر وعندما أشبع كلا ما تبقى هيا تعالي يا رنيم واجلسي "
نظر لي زبير وقال " لم أتوقعها منك يا رنيم لقد صدمتني بك "
ضحكت وقلت " تلك هي الحقيقة هل تريدني أن أكذب "
قال صهيب " على الأقل كنتي سمحت لنا بالأكل معه يا لكما من أنانيان "
ضحك غيث وقال " إذا سأكله كله ولو قتلني الليلة "
كنت أنظر له خلال حديثه مع أخوته باستغراب فلم أكن أتصور أن شيئا بسيطا مني كهذا قد يسعده, يبدوا
أن خالتي كانت على حق فكان علي أن لا أساعد في تكبير الفجوة بيننا قد أحتاج وقتا طويلا لتغيير نظرة
غيث لي ولكن ما علمته عن ماضيه وإن كان غير واضح جعلني أتحمس لمحاولة البدء من جديد فإما أن
أنجح وأنا الكاسبة في ذلك أو أن أفشل وحينها لن أخسر شيء , وبعد أن أنهينا العشاء وقد سمح لهما غيث
بتناول القليل معه مع كثرة ما أعددت له توجهنا أنا وحور للمطبخ لتأدية تقوسنا المعتادة بعد كل وجبة عشاء
فقالت حور مبتسمة " لقد ضحكت الليلة كما لم أضحك من قبل هنا "
قلت مبادلة لها الابتسامة " أجل فزبير صاحب ضل خفيف جدا "
قالت لي بهدوء " يبدوا لي أن الأمور تحسنت كثيرا بينكما أنتي وغيث "
قلت بعد صمت " أتمنى ذلك فأنا حقا سأحاول تقليص المسافة بيننا رغم صعوبة المهمة "
قالت بابتسامة " ستنجين يا رنيم ما لم يجد اليأس لك طريقا "
قلت بهدوء " وأنتي يا حور ألن تفكري في تغيير حياتك "
خيم الحزن فجأة على ملامحها وقالت " كيف ذلك يا رنيم كيف "
قلت بإصرار " حاولي التأقلم مع وضعك الجديد ونسيان الماضي "
تسللت دمعة من عينها وعبرت طريق أنفها لتنتهي في حوض المغسلة وقالت
" مستحيل , هذا أشبه بالمستحيل فحتى الليلة كنت أفتقد وجوده معنا على طاولة الطعام فكل مكان
هنا أراه خاليا بدونه حتى غرفتي أشعر أنها تفتقده أكثر من أي شيء آخر رغم أنها لم تعرفه يوما "
قلت بحزن " ولكن هذا لن يجدي بشيء يا حور "
قالت بابتسامة حزينة " يبدوا أنك لم تجربي الحب يوما فلو جربته ما كنتي لتقولي ذلك "
قلت بأسى " إن كان كذلك فأتمنى حقا أن لا أجربه "
قالت بذات الحزن " إذا أحبي زوجك قدر الإمكان فعلى الأقل هوا ملكٌ لك "
ابتسمت بسخرية وقلت " وما نفع ذلك إن لم يحبني هوا فالأمران سيان "
انهينا أعمالنا وصعدت لجناحنا استحممت وجلست بردهة الجناح متجنبة الدخول لغرفتنا , لا أعلم
لما ولكنني كنت أريده أن ينام قبل دخولي ولا تسألوا عن السبب فحتى أنا لا أملك الجواب
شغلت التلفاز وجلست والنوم يسحبني إليه سحبا ولا أدري عن ما يعرض على الشاشة شيئا , بعد قليل
انفتح باب الغرفة نظرت باتجاهه فكان غيث واقفا أمامه وقال بهدوء
" رنيم ألن تنامي "
قلت بتوتر وكأني أنام معه للمرة الأولى " ليس بعد "
قال بذات الهدوء " مؤكد أنك متعبة وهذه ليست عادتك هيا تعالي "
قلت وعينيا للأرض " حسننا قليلا فقط "
توجه ناحيتي أغلق التلفاز ثم سحبني من يدي وقال " بل الآن ما بك الليلة "
دخلنا الغرفة أقفل الباب وأخذني للسرير أجلسني جهة نومه وجلس بجانبي وأبعد خصلات شعري عن
وجهي ثم وجهه ناحيته وقال " شكرا لك يا رنيم على كل ما فعلته لأجلي اليوم "
نظرت للأسفل بخجل وقلت " هذا واجبي اتجاهك يا غيث لما الشكر "
قال بهمس " رنيم انظري إلي "
رفعت عيناي لعينيه فقبلني على شفتي بحنان وقال بهدوء
" أريد الليلة مختلفة عن كل سابقاتها أريدها الأروع حسننا "
نظرت للأسفل بخجل وقلت " سأحاول "
وكانت بالفعل مختلفة عن كل الليالي السابقة أحسست فيها معه أنني أنثى للمرة الأولى

















ميس






هل جن هذا أم ما أسمعه خيالا كيف يريد إقناعي بأنه يرغب بالزواج بي رغبتا منه وليس تكفيرا
عن أفعاله أو رحمتا بي إنه مخادع ويحاول خداعي ونيل ما يريد بالحيلة كما يفعل دائما فسيتزوجني
ليرتاح ضميره ومن تم سيرمي بي ليتزوج بأخرى يريدها , عائلة مخادعة فاشلة في كل شيء
لم أنزل بعد ذلك من غرفتي ولا حتى لتناول العشاء لقد كانت رنيم وحور يحاولان تعديل مزاجي
طوال النهار بعدما حدث وجاء هوا ليفسده كله لقد أخبرتني والدته أنه في رحلة صيد فما الذي جاء
به فجأة لا أعلم
نمت تلك الليلة كالريشة التي سكنت الريح لتريحها من عناء سفرها ولا تعلم متى ستعصف لتحملها من
جديد استيقظت صباحا على صوت رنين هاتفي نظرت للمتصل فكان صهيب فقلت بتأفف
" ما أجمل هذا الصباح "
أجبت بعد حين فقال " هل كنتي نائمة آسف لإزعاجي لك "
تنهدت وقلت " تسرق نومي وتوقظني منه يالك من مصدر للسعادة "
قال بصوت مبتسم " لم أعلم أنك قضيتي الليل تفكرين بي حتى غاب النوم عن عينيك لكنت
شاركتك سهرتك "
قلت بضيق " يالك من واهم لا تفسر الأمور كما تريد "
ضحك وقال " صباح الخير إذا "
قلت ببرود " يفترض أن تقولها في بداية المكالمة وليس نهايتها "
قال بضحكة " ومن قال أنها انتهت ثم أنتي أيضا لم تفكري في قولها لي "
قلت بضيق " لأني لست خيرا على أحد يصبح بي ولا من أصبح به "
قال بهدوء " إهانة مقبولة منك يا ابنة عمي "
قلت ببرود " ألا ترى أننا منحوسان حقا , لما اجتمعنا لا أعلم "
قال بصوت يشبه الهمس " بل هذا أجمل ما حدث لي "
ياله من وقح لقد صدق نفسه وكلامه البارحة لم يكن إلا القطرة التي يبدأ بها المطر الغزير
قلت بعد صمت " لا تكذب على نفسك فهي أيضا لن تصدقك "
قال بعد صمت طويل " ميس هلا تحدثنا بجدية "
قلت بحدة " أنا لم أمزح معك يوما "
تنهد وقال " حسننا دعينا من ذلك الآن ستكون رحلتنا عند الواحدة ظهرا فكوني جاهزة حسننا "
قلت ببرود " شكرا لك وداعا "
ضحك وقال " ما أكبر كرهك لي يا ميس , حسننا وداعا الآن "
عند الظهيرة غادرنا سويا أرض الوطن الذي لطالما كرهت العودة إليه متمنية أن تكون رحلتي
الأولى والأخيرة , ركبنا الطائرة ونمت من فوري طوال الرحلة وكأنني لم أنم من قبل حتى استيقظت
على صوت صهيب يقول " ميس استيقظي هيا ما كل هذا النوم "
قلت بنعاس " اتركني أنام ماذا تريد مني "
قال بحدة " هيا يا ميس عليك ربط الحزام لقد وصلنا "
تأففت واعتدلت في جلستي أفرك عيناي من النوم مد يديه وأمسك بالحزام وقال بنفاذ صبر
" على هذا الحال لن تربطيه إلا بعد هبوط الطائرة "
قلت بضيق " إذا لماذا توقضني إن كنت ستفعل ذلك بنفسك "
اقترب مني فصار وجهه مقابل وجهي وقال
" ميس لا تحاولي إكراهي فيك بما تفعليه فلن أكرهك أبدا سمعتي "
قلت بسخرية وعينيا في عينيه " أنا لا أتعمد ذلك ولا يحتاج الأمر أن أفعل فأنت لا تحبني "
قال بابتسامة " هل تختبرينني بكلامك "
دفعته بعيدا وقلت " ولما أختبرك فأنا لا أشك في الأمر لأتأكد ولا يهمني معرفة الحقيقة "
نزلنا من الطائرة وهوا يضحك طوال الوقت لا أعلم ما أصاب عقل هذا الفتى غادرنا المطار
متوجهين لمنزل صديقتي جيسي وما أن وصلنا حتى نزلتُ ركضا وطرقت الباب ففتحت
لي واحتضنتها بحب ثم قلت بلهفة " أين هي والدتي "
قالت " في الداخل هيا أدخلي "
ثم نظرت خلفي وهمست " هل هذا هوا خطيبك كم يبدوا أنيقا ووسيما ومميزا "
ضربتها على كتفها وقلت " حمقاء هيا ابتعدي عن طريقي "
دخلنا للداخل فخرجت والدتي من إحدى الغرف ارتميت في حضنها كالغريب الذي وجد وطنه بل من
هذا الذي قال أن الوطن أم فالأم هي كل الأوطان متجمعة بكيت في حضنها كثيرا بكيت كل ما مررت
به من يوم ذهابي وتركي لهذا الحضن
مسحت على رأسي وقالت بحنان " ميس حبيبتي توقفي عن البكاء واتركيني اسلم على ابن عمك "
قال صهيب مبتسما " دعيها فهي تخزن كل هذا منذ شهور "
ابتعدت عنها فسلمت على صهيب ودعتنا جيسي للجلوس لكنني قلت رافضة
" سنذهب لمنزلنا فيكفي ما بقيته معك وأعدك أن أسدد كل ما دفعتي "
ابتسمت وقالت وهي تنظر لصهيب " لا عليك فخطيبك من كان يدفع وليس أنا "
نظرت له بصدمة ثم لها ثم لأمي وقلت " هل صحيح ما سمعت يا أمي "
قالت بهدوء " نعم يا ابنتي صحيح إنـــ ..... "
قاطعتها قائلة بحدة " لماذا يا أمي لماذا هل أنقصت عليك شيئا من قبل لتطلبيه منهم "
قالت بدهشة " بنيتي أنا لم أطلب منه شيئا هوا من قـــ ..... "
قلت بغضب " أمي لما لا تشعري بما أشعر ألا يهمك أمر والدي أبدا ألا يهمك ما عانينا طوال حياتنا "
ثم خرجت مغادرة للمنزل بغضب وسرت في الشارع على قدماي وصهيب يتبعني قائلا
" ميس عودي الآن ما بك أنا لم أفعل شيئا يستدعي منك كل هذا الغضب "
وقفت وقلت ببكاء مرير " أخرجوا من حياتنا أخرجوا الآن "
شدني إليه وحضنني وقال " أصمتي يا حمقاء أصمتي هيا هل كنتي ترضين أن تصرف عليها صديقتك
ونحن عائلتكم نتفرج أقسم أني ما كنت لأرضاها "
قلت من بين دموعي " أكرهكم لما لا تتركوننا وشأننا "
زاد من احتضاني وقال " حسننا تكرهيننا وتتمنين زوالنا من هذا العالم ولكن توقفي عن البكاء يا ميس
فبكائك يؤلمني كثيرا "
ابتعدت وقلت " كاذب "
ابتسم وقال وهوا يشدني من يدي عائدا بي لمنزل جيسي " وكاذب أيضا هل يريحك ذلك "
دخلنا المنزل فقلت بضيق " سأنتظر في الخارج "
قالت والدتي " لن أخرج من هنا مادمت غاضبة مني "
تنهدت وقلت " أمي لست غاضبة هيا لنرحل "
قالت بهدوء " بل غاضبة وبدون سبب أيضا "
نظرت لها بصدمة فقالت بحدة " هل لك أن تخبريني ما ذنب هذا الشاب لتعامليه هكذا لقد دفع لي أموالا
كثيرة وفوق ما أحتاج ليساعدني وشرح لي كيف علم بأمرنا وكم بحثوا عنا , هيا توقفي عن جنونك يا ميس "
قلت بضيق " أمي لا تجعليني أغضب منك بالفعل هذه المرة "
دخلت أمي الغرفة دون كلام لتجمع أغراضها فنظرت لي جيسي وقالت
" أنتي فتاة متعبة جدا يا ميس ووالدتك لن تعيش طويلا بسببك "
قلت بغضب " لما الجميع على صواب ووحدي المخطئة ضعوا أنفسكم في مكاني ولو لدقيقة وأقسم
أنكم لن تستحملوا الأمر "
وضع صهيب يده على كتفي وقال
" هيا لنغادر للخارج يا ميس أقسم أننا نشعر بك ولكن ليس لأحد أن يغير الماضي فدعينا نحاول
إصلاح ما بقي منه "
خرجت مستاءة وجلست في السيارة وبعد وقت خرج الجميع ركبوا السيارة واقتربت جسي من نافذة
صهيب وقالت لي " قومي بزيارتي قبل أن تعودي لدولتك يا ميسي "
نظرت للجانب الآخر بضيق ولم أجب فضحكت وقالت
" لا أحسدك على خطيبتك هذه فلا تتزوجها وانجوا بنفسك "
قال صهيب بضحكة " لن أتزوج غيرها أبدا وبكل عيوبها "
غادرنا في صمت من جانبي ووالدتي تصف له مكان منزلنا , عند وصولنا دخلنا جميعا ثم استأذن
صهيب للذهاب فقالت والدتي " ابقى بضيافتنا يا بني لما تريد المغادرة "
قال بابتسامة " شكرا على كرمك يا خالة سأذهب للفندق إن احتجتما أي شيء فأخبراني فقط وسأجلب
لكما الطعام حالا ولا تتعبا نفسيكما بالتنظيف اجمعا الأغراض الخفيفة فقط وسنسافر في أقرب وقت "
ثم نظر لي وقال " في الصباح سأمر بك لنزور الرجل الذي أخبرتني عنه حسننا "
لذت بالصمت وأنا أنظر لعينيه دون كلام فابتسم لي وخرج مغادرا

















أُديم








تحولت إقامتي من شقتي لمنزلي وليان ومن قضاء الإجازات مع عائلتي لقضائها معها اشتريت لنا تلفازا
نقضي عليه بعض وقتنا رغم إصرار ليان أن أعود لعملي الإضافي الذي كنت أعمله وأن أعود لحياتي
الطبيعية ولكني ما كنت لأطمئن لذلك وأكون هناك وبالي معها هنا , لقد حكيت لصديقي خيري عنها في حال
أصابني أي مكروه خصوصا بعد وفاة عمها الذي كان وحده من يعلم بالأمر كنت أقضي الساعات الطوال
جالسا بمنزلنا وهي في حضني تتحدث أحيانا كثيرة معي وكأنني أسمعها رغم أني كنت أسمعها فعلا
وأستمتع بحديثها وهذيانها كالأم وهي تستمع لثرثرة صغيرها الغير مرتبطة ببعضها بحب وسرور وكأنه
لم يتحدث شخصٌ قبله, أنا أفهمها فهي تعاني الوحدة بعد وفاة عمها الذي كان الشخص الوحيد الذي تتحدث
معه كنت أحتضنها بحب وأقبل رأسها كل حين وأحيانا لأغامر وجهي فيه لأكتم ضحكتي عندما تقول شيئا
مضحكا وحتى مشاعرها اتجاهي كانت تبوح لي بها دائما وهي تنام على صدري عوضا عن الحبر على
بياض الورق وكأنها اختارت نقشها هنا على ضلوعي لتعيش للأبد بدلا من أن تُرمى مع بقايا الأوراق
والدفاتر رغم أن ليان لا ترمي منها شيئا وتحافظ عليهم وكأنهم أحد كنوزها حتى أنها يوما أحضرتهم لي
لنقوم بقراءتهم ونسترجع كل ما كتبنا وضحكنا كثيرا على بعض الكلمات
ما تزال ليان في شهور حملها الأولى ولكن بطنها بدأ بالانتفاخ قليلا إنها ابنتي تخترق صغر حجمها لتكبر
كالزهرة رويدا رويدا كنت أجلس محتضننا لها كعادتي نشاهد التلفاز عندما جلست ليان وكتبت لي
( ابنتك تريد عنبا أسودا )
ضحكت وكتبت لها ( ألم يكفيها الأخضر )
ابتسمت وأومأت برأسها نفيا فوقفت لأغادر وأجلبه فوقفت معي وأمسكت بيدي وابتسمت
آه الخبيثة تريد الخروج معي إذا
كتبت لها ( هل ابنتي تريد العنب أم أن والدتها تريد الخروج )
ابتسمت وأخذت الدفتر وكتبت ( بلى هي تريد العنب وأنا أريد الخروج )
أشرت لها بأصبعي على وجهها بمعنى أرتدي حجابك فانطلقت مسرعة وارتدت عباءتها وحجابها
وخرجنا معا ولففت بها الأماكن على قدمينا حتى أنهكها التعب وأصبحت تترجاني لنعود
وكانت أيامي تمضي معها هكذا حتى ذاك اليوم الذي اتصلت بي وأنا في الشركة فقفزت كالمجنون لعلمي
أن اتصالها لن يكون إلا لأمر طارئ فهكذا اتفقنا وعندما وصلت للمنزل وجدت بعض الرجال بالخارج اقتربت
فكان صوت صراخ ليان يخرج من المنزل تستنجد بالناس عدت لسيارتي أخذت مسدسي الخاص ركضت
باتجاههم فكانوا يصرخون ويتناقشون لكسر الباب يا لهم من حمقى وما ينتظروا فصرخت بهم قائلا
" ابتعدوا إنه منزلي وزوجتي بالداخل "
ابتعدوا عن الباب ففتحته ودخلت وافجعني ما رأيت فرفعت مسدسي ورميته بالرصاص















الجزء الخامس والعشرون





رنيم




كانت ليلة البارحة غريبة ومميزة ولا أعرف ما أقول غير أنني لم أعد أفهم غيث ولا نفسي حتى
عند الصباح استيقظت ولم يكن غيث موجودا نزلت للأسفل فقابلت خالتي وتوجهنا للجلوس معا
وتبادلنا الأحاديث المختلفة ثم قالت " رنيم في أي شهر أنتي الآن "
قلت بعد برهة " في منتصف الخامس "
قالت بابتسامة " ظننتك أكثر من ذلك "
نظرت لجسمي وقلت " نعم يبدوا لي أن بطني ينتفخ بسرعة هل هذا غير طبيعي "
" هذا ليكون رجلا قويا فاتركا ابني ينموا كما يريد "
نظرنا كلينا لمصدر الصوت الذي كان صاحبه غيث بالتأكيد فقالت خالتي
" قد يكون فتاة فما يدريك "
جلس وقال بابتسامة " بل رجلا قويا لقد اتصلت بالطبيبة وأخبرتني "
نظرت لي خالتي بصدمة وقالت " هل علمتما بذلك "
قلت بصدمة " لا أنا لا علم لي إلا الآن "
نظرت لغيث وقالت بضيق " محتال لما طلبت منها أخبارك ألم أنهاكما عن ذلك "
قال بذات الابتسامة " لم استطع الانتظار "
قالت بضيق " أنتم الرجال هكذا دائما تصابون بالجنون إن لم تعلموا إن كان ذكرا أم لا "
قال بهدوء " المهم أن يسلم كليهما كان ما يكون "
آه ما هذه الهدية الصباحية الرائعة , آخ لقد أصبحت مدعاة للضحك فأتفه الأشياء تشعرني بالسرور لقد
صدق من قال أن أطيب وجبات الطعام تلك التي تأكلها على جوع
وقف غيث وقال " هل توصيان شيئا "
قالت خالتي بحب " سلامتك فقط بني "
ثم قال مغادرا " رنيم هلا لحقتِ بي أريدك في أمر "
وقفت وغادرت خلفه تقودني عدة أشياء قدماي ليست منهم إطلاقا , دخل المكتب ودخلت خلفه وأغلقت
الباب ثم وقف ووقفت مقابلة له فقال بعد صمت
" أحد اللذان يهددانك سابقا أقحمته في قضية ودخل السجن والآخر تحت التهديد حاليا وهم يطالبونني أن
أعفوا عن السجين فاشترطت عليهم أن يوقعوا تعاهدا على عدم الاقتراب منك ووالدتك أو أدخل الأخر
معه ووافقوا "
نظرت له بصدمة ثم تحولت لابتسامة وقلت " حقا هل صحيح ما تقول أَقسم على ذلك "
قال بابتسامة " صحيح وسنسافر لإتمام الأمر "
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أحتضنه وأتمسك بعنقه بقوة وأبكي فرحا وأقول
" حمدا لله لقد كان بالي منشغلا على والدتي ومستقبلنا كثيرا شكرا لك يا غيث "
مسح على ظهري وقال " لما البكاء الآن يا رنيم "
ابتعدت عنه وقلت وأنا أمسح دموعي " أنت لا تعلم ما يعنيه الأمر لي لقد أسكنوا الرعب بداخلي طويلا
وحتى والدي شامخ رحمه الله لم يوافقوا على عرضه للتفاوض فكان يهددهم فقط وهم خافوا من مركزه "
قال بهدوء " هذا لأن والدي لم يكن يريد استخدام القوة معهم أما أنا فلم أجد حلا غيره إنهم ممن يخافوا ولا يستحوا "
قلت بذات الهدوء " هل عليا السفر هناك لهم أنا لا أريد ذلك أذهب أنت وزوج خالتي "
قبلني على خدي وقال مغادرا " عليك أن تكوني معنا لتوقعي على التعاهد معهم "
غادر المكتب وتركني كصورة في تلفاز انقطع عنها الإرسال لتتجمد على آخر حركة فعلتها
ثم مررت أصابع يدي على خدي ونظرت لهم وكأنني أريد التأكد مما حدت بل وكأنني سأجد قبلته
لازالت عاقة على خدي مكانها وستسحبها أصابعي لأتأكد منها بعيني










جود







( بعض المشاعر تبدوا غريبة حقا لا ننتمي إلى أصحابها ولكننا نعيشها أحياننا وبكل تفاصيلها هل جربت يوما
ذلك .... هل جربت أن تمشي وسط الأحياء ولكنك لا تشعر بالانتماء لهم وكأنك مجرد جثة تمشي علي قدمين
ثابتتين... عينان يكسوهما صمت غريب ... ابتسامتك ميتة وكلماتك تخرج محترقة بالرغم من أن أنفاسك باردة
كالجليد ، كبرودة جسدك المتهالك ... لا تسمع سوي الفراغ ولا تري سوي الظلام ولا تستنشق إلا رائحة التراب
تماما كالأموات يرونك جميعهم ولكنك لست معهم لا تراهم لا تسمعهم ولا تشعر إلا بالوحدة والسكون .... إنهم
مثلك تماما أحياء ولكنك لست مثلهم فأنت بلا حياة وبلا مستقبل ولا أمل تماما كأولئك الذين بكتهم العيون
وفقدهم الأحباب وتركوا هذا العالم للآبد
هل جربت يوما هذا الشعور إنه حقا شعور قاسي ومؤلم ولكنه أحيانا يبدو مريحا للغاية )
أغلقت دفتري بعدما دونت فيه حكاية جديدة من حكايا ألمي في كلمات علها تكون شيئا يعبر عن جزء
منه , أغلقته واحتضنته وأنا أبكي ألما وحزنا وفقدا ودسسته في ظلمات حقيبتي ليروي لها مالم تسمعه اليوم
لقد خرجت يومها من منزلي كالحافي الذي يبحث عن حدائه في قدميه رغم علمه أنه ليس موجودا وأنه لم
يمتلكه يوما وكأنه يخبر الجميع أنه لديه حداء ولكنه لا يعلم أين , فخرجت كذلك مجردة من كل أمياتي مخلفة
خلفي أهلي الذين عشت حياتي معهم وحلم ولد تلك الليلة ليموت فيها خرجت محرومة منهم وأبحث عنهم بين
ثنايا أملي وأنا أوقن أنهم رحلوا ولست أنا من رحلت
أمضيت أيام عديدة هنا سجينة هذه الغرفة كان الفندق فخما وراقيا للغاية لكنني كرهت حتى التجول
فيه , بحر كان يقضي أغلب يومه خارجا فهوا جاء من أجل العمل ويعود منهكا ومتعبا يحاول إقناعي
بالخروج سويا ولكني أرحم حاله وأعلم بحالي فلا رغبة لي إلا في الموت , حاول ذاك الشاب الاتصال بي
كثيرا يومها ولم اجب فليس لدي ما أقول فالأمر يخجل لساني من ذكره وعقلي من تذكره, بعدها أغلقت
هاتفي ولم افتحه إلا اليوم لأتحدث مع والدتي فوصلتني رسالة معلقة منه منذ البارحة كتب فيها
( تبا لمكالمة هاتفية ننتظرها كل ليلة ونحن متأكدون أنها لن تأتي أبدا )
ثم بعدها وعلى الفور أرسل رسالة فيها ( إن كنت أعني لقلبك ولو كذبة صغيرة أجيبي على اتصالاتي )
بكيت كثيرا بحرقة وألم ثم أرسلت له ( لا أستطيع مهاتفتك حاليا أعذرني فظروفي لا تسمح بذلك )
وصلت منه رسالة فيها ( إذا عديني أنك ستتصلين بي قريبا )
لم أجب فأرسل بعد وقت ( عديني الآن ولا تنسي عهدك القديم بانتظاري عديني يا بلسم )
أرسلت له ( أعدك ما لم تمنعني الظروف في كلا العهدين )
ثم عدت وأغلقت هاتفي من جديد لعلي أغلق معه بابا يطرقه هذا الغريب كل حين ليشعل بداخلي أملا جديدا
في الحياة ويرمي في حجرات قلبي أزهارا من صنع يديه وخيوط خيالي
ما كان عليك أن تحبيه يا جود فأمثالك ليسوا للحب وليس الحب لهم أمثالك ليس عليهم التعلق بشيء إلا الموت
في اليوم التالي أخبرني بحر أننا سنعود للوطن وأني سأقيم في قصر عائلة والدته حتى حين ولا أعلم ما عناه
بذلك الحين ومتى سيكون يا لي من مصيبة حلت على رأسك يا بحر وجعلتك تلجأ لهم لحملها معك حاولت
الاعتراض ولكن هل من حل غيره , أخبرني أنهم لن يعلموا بحقيقة الأمر وذلك أفضل لي وله وقد أخبرهم أني
في فترة للعلاج هناك في إحدى المستشفيات لا أعلم أي مرض هذا الذي سأخترعه ليصدقه الجميع فلا شيء
يؤلمني سوى قلبي المكسور وحلمي الضائع وشبابي المسافر مع الريح
في اليوم التالي غادرت وبحر للقصر وما أن وقفت أمامه حتى أبهرني جمال ما رأيت إنهم عائلة مترفة
لابد وأن أمانيهم وأحلامهم كقصرهم جميلة وتتحقق بسهولة , وما أن اقتربنا من باب القصر حتى خرج
شابا وسيما ببنية جسدية قوية بني الشعر بعينان عسليتان واسعتان ولحية خفيفة محددة بإتقان وكأنها رُسمت
على وجهه رسما وابتسامة رقيقة قابل بها أخي بحر قائلا " مرحبا يا بحر متى عدت "
قال بحر مرحبا " مرحبا زبير لقد عدت للتو كيف هي أمورك "
يبدوا لي أنه أحد أخوته من ترحيبه به , قال بهدوء " جيدة وأنت "
ثم نظر لي وقال هامسا لبحر بابتسامة " من هذه يا بحر هل تزوجت "
قال بحر بعد ضحكة هادئة " وهل أتزوج شبيهة لي ألا ترى الشبه بيننا "
نظر لي ذاك الشاب بتركيز حتى أشعرني بالخجل ثم قال بذات الهمس متبسما
" يا رجل إنها أجمل منك بكثير "
ثم ضحك وبعدها قال " قل صراحة من هذه يا بحر "
قال بحر " إنها جود شقيقتي "
نظر لي بصدمة ثم لبحر وقال " شقيقتك , أقسم بذلك لقد ظننتها صغيرة فنحن لم نرها يوما "
ياله من قليل ذوق هل يضنني لا أكبر أبدا
قال بحر " وهل يبقى الصغير صغيرا دائما إنها في التاسعة عشرة الآن "
نظر لي وقال بابتسامة " عذرا منك يا جود ومرحبا بك عندنا , أعذراني عليا المغادرة "
وغادر ودخلنا القصر غاب بحر قليلا ثم جاء برفقة سيدة تشبه شقيقه ذاك أو بالتأكيد هوا من يشبهها
فهي من أنجبته احتضنتني بحب وقالت
" مرحبا بك في بيتك يا جود لقد سرني التعرف عليك كثيرا "
لقد كدت أبكي في حضنها فقد ذكرتني بوالدتي كثيرا غير أن هذه السيدة تخلصت من والدي وأمي
لازالت تعاني ويلاته حتى اليوم
ثم أعتذر بحر مغادرا وهوا لم يصل إلا الآن وكأنه يهرب من جدران هذا القصر وتركني خلفه في
مكان مجهول وعائلة غريبة عني لم أرها يوما , عرفتني السيدة على زوجات أبنائها كن لطيفات للغاية
وجميلات خصوصا تلك زوجة الذي قابلنا عند الباب وحدثتني عن جميع أبنائها الحاضرين منهم والغائبين
فأحدهم يعمل في بلدة أخرى والأخر سافر مع ابنة عمه التي هي أحدى سكان هذا القصر والأكبر زوج
اللطيفة المسماة رنيم وكانوا هم هؤلاء أربعة أبناء من غير بحر ثم أخذوني لجناح الضيوف لأقيم فيه أيامي
الغير معلومة هنا , كان كبيرا وفخما للغاية نمت فيه من شدة تعبي لساعات طويلة وتعمدت عدم الخروج كي
لا أضايق أحدا وبعد الغروب جاءت رنيم وحور لتفقدي وجلسا معي لعلمهما بتعمدي عدم الخروج محاولتان
تبديد وحدتي فقلت مستفسرة "رنيم تبدين لي حاملا صحيح "
ابتسمت وقالت " نعم وسأكون قريبا في الشهر السادس "
قلت بابتسامة مماثلة " أتمنى لك ولجنينك السلامة "
قالت بحنان " سلمك الله يا جود "
ثم سألتني قائلة " هل أنتي شقيقة بحر الوحيدة "
قلت بهدوء " لا لديه مازن أيضا وهوا أصغر مني بسبع سنين "
حمدا لله أنه لم يسألني أحد عن طبيعة مرضي الوهمي واكتفوا بسؤالهم إن كان خطيرا أم لا
تحدثنا كثيرا ثم وقفت حور وقالت " هيا يا رنيم سنتأخر عن تحضير العشاء "
نظرت لهم بحيرة وقلت " هل أنتم من يطبخ الطعام هنا "
قالت رنيم بابتسامة " نعم وسيعجبك أكلنا بالتأكيد "
قلت بحيرة أكبر " ألا يوجد خادمات هنا "
أجابت حور مباشرة " في المطبخ لا ليس غيرنا وباقي القصر تتولاه شركة تنظيف "
قلت باستغراب " ولما "
ضحكت حور وقالت " زوج هذه الحامل يمنع الخادمات هنا "
نظرت رنيم لحور بضيق وقالت " ولما لم يجبره زوجك على تغيير رأيه "
قالت حور بابتسامة " وهل يمكن لأحد كسر كلمته هوا لم يفكر حتى بزوجته الحامل "
نظرت لها رنيم بنصف عين وقالت " أتحداك أن تقولي هذا له "
ضحكتُ وقلت " يكفيكما فستتشاجران ويبقى الجميع بدون عشاء الليلة "
ثم قلت " هل أساعدكما "
قالت رنيم " لا فأنت ضيفتنا يا جود "
قلت بهدوء " ولكني ضيفة سيطول بقائها فدعاني أساعدكم أفضل من تمضية الوقت وحدي "
قمنا سويا بتحضير العشاء وتناولت عشائي وحدي بعد إصرار كبير مني على ذلك ففوجئت
ببحر يدخل الجناح ليشاركني العشاء ثم أضجعت على السرير وقادني الحنين أو هوا الجنون أم غربة
المشاعر لفتح هاتفي والاتصال بذاك الشاب فأجاب من فوره وكأنه كان جالسا داخل الهاتف وقال
" لما أنتي قاسية هكذا أيعجبك ما فعلته بي "
نزلت دموعي رغما عني وأجهشت في البكاء فقال بلهفة
" بلسم ما بك لما البكاء هكذا حبيبتي توقفي أرجوك "
فزدت بكاء على بكائي وأغلقت الخط وبعد لحظات موجعة كجمال كلماته والعشرات من محاولات
الاتصال بي أجبت على اتصاله فقال معاتبا " ارحميني بالله عليك وقولي ما بك أرجوك "
قلت بحزن " لا شيء مهم أو لا شيء جديد "
قال بهدوء " هل هوا والدك "
قلت بذات الحزن " كان يريد بيعي لأحدهم تخيل يريد المتاجرة بي من أجل جني المال "
وعدت للبكاء من جديد فقال بحسرة
" سحقا لي ... لولا هذه الوصية الرعناء لتزوجتك على الفور ودفعت له كل ما يريد يا لي من عديم نفع "
قلت من بين شهقاتي " علمت الآن معنى كلماتك حين قلت لي لم أعد أرغب في الحياة "
قال بحدة " إياك والتفكير بذلك ولا تنسي ما أرسلته لي حين قلت ذلك , بلسم لا تفعلي ذلك بي أرجوك "
ثم تنهد وقال " وكيف حللتم الأمر "
قلت بحزن " وجدنا له حلا مؤقتا ولا أعلم ما النهاية "
قال بجدية " هل أساعد في شيء هل يمكنني ذلك "
قلت بهدوء " لا , فلديك ما يكفيك "
قال بعد صمت " ألن تخبريني ما اسمك على الأقل "
قلت بألم " ليس الآن اتركها للزمن "
قال " إذا هل تريدي معرفة اسمي "
قلت بحزن " لا فلنتركهما يخرجان للنور معا أو يموتان كالحلم معا "
قال بجدية " بل سيخرجان للنور يوما فأبقي على الوعد وانتظريني وحاربي كل شيء من أجل ذلك "
قلت بأسى " سأحاول قدر استطاعتي وأتمنى أن لا يفشل الأمر فالواقع أقسى مما تتصور "
ثم قلت " وداعا الآن تمنى لي حضا سعيدا "
قال بحنان " أتمنى أن أجدك يوما أمام عينيا حقيقتا , أعتني بنفسك جيدا حبيبتي وداعا "








ميس






قضيت ووالدتي الليل في الشجار والجدال وتنظف غرفتينا والمطبخ لا أعلم هل هي طيبتها الزائدة من
تجعلها كذلك أم أنها لا تهتم لما حدث لوالدي , حتى حكيت لها ما قالاه شقيقاه عنه فنزلت الدموع الغالية
من عينيها الواحدة تركض خلف الأخرى فحضنتها بحب وقلت
" لا تبكي يا أمي أرجوك لو كنت أعلم أن هذا ما سيحدث ما قلت لك ذلك "
مسحت دموعها وقالت " رحمك الله يا نبيل لا تستحق كل ما قيل عنك "
قلت بحزن " أقسم أن يرجع حقه ومكانته كما كانت وستتحدث الناس جميعهم عن براءته من علم ومن لم
يعلم بما حدث في الماضي "
مسحت والدتي على شعري وقالت " وافقي على ابن عمك يا ميس كي يرتاح قلبي يا ابنتي "
تأففت وقلت " أمي هل يرتاح قلبك بتعبي أنا "
تنهدت وقالت " لو تفعلين مرة واحدة ما أقول لك "
قلت بضيق " بلى يا أمي فقد فعلت ما قلتي وذهبت إلى هناك وما جنيت إلا المآسي والمعاناة "
نظرت لي باستغراب وقالت " عن أي مآسي ومعاناة تتحدثين "
تنهدت وقلت " أمي لن أطيل الحديث في الأمر لأنه لن يكفيني الليل بطوله لأحكي لك ما عانيت ولكن ما
عليك معرفته أنهم لم يستدعوني ولم يرد جدهم رؤيتي كلها كانت كذبة من صهيب ليجبرهم على ذلك "
نظرت لي بصدمة ودون كلام للحظات ثم قالت " كانت لعبة من صهيب ولم يستدعك الجد "
قلت بحزن " ولم يفكر بي أبدا ولا بك وحده عمي شامخ من بحث عنا طويلا وقد تأكدت من ذلك من
السيد جيمس وقد كلف صهيب أن يكمل ذلك أما البقية فلا يرونه إلا مختلسا سرق أموالهم ولا حق لنا لديهم
وحدهم أخوة صهيب من اعترفوا بحقنا "
قالت بحزن " لا حق يضيع مهما طالت السنين يا ابنتي "
قلت بغيض " على الفاعل أن ينال ما يستحق ويقاسي كما قاسى والدي "
ثم قلت بجدية " أمي يكفيك هذا لقد تعبتِ كثيرا وستمرضين "
ابتسمت وقالت " وما فعلته أنا فأنتي من فعل كل شيء "
أمضينا الوقت على ذلك الحال حتى انتهينا ثم نمت من شدة التعب وصحوت صباحا على صوت
رنين الهاتف طبعا , فأجبت وعينيا مغمضتين وقلت بهمس ونعاس
" جيسي ما بك هكذا مزعجة أنا لم أنم البارحة "
جاءني صوت رجولي قائلا " هل بسبب التفكير بي أيضا "
قلت بضيق " أهذا أنت "
ضحك وقال " ما كل هذا النوم لا أريد زوجتي أن تكون كسولة "
تأففت وقلت " صهيب ألن ترحمني من هذا "
قال بهدوء " ألن ترحميني أنتي من هذه الكلمة إما قوليها دائما لأعتادها وإما لا تقوليها أبدا "
قلت بحيرة " عن أي كلمة تتحدث "
ضحك وقال " هيا انهضي بسرعة يا كسولة ورائنا مشوار أم أنك نسيتي "
أغلقت الهاتف في وجهه ورميت به وعدت للنوم ثم وصلتني رسالة بعد قليل فتحتها فكانت منه وكان
فيها " إن أغلقت الخط في وجهي ثانيتا سيكون حسابي معك عسيرا فهمتي أنا خارج من الفندق الآن
كوني جاهزة "
أرسلت له " دعني أنام قليلا أرجوك فأنا لم أنم حقا "
اتصل وعاد الهاتف للرنين المزعج وضعت الوسادة على رأسي وقلت بضيق
" ما هذا المزعج لما هوا مستعجل هكذا "
أجبت فقال من فوره بحدة " لما أغلقت الهاتف في وجهي "
قلت ببرود " لأن المكالمة انتهت "
قال بغضب " أنا من بدأها وأنا من ينهيها وفي كل الأحوال كان عليك احترامي أم تريني طفلا أمامك "
تنهدت وقلت " حسننا آسفة أيها السيد هلا تركتني أنام قليلا "
قال بحدة " لا "
قلت من فوري "هل هوا والدك أم والدي ما كل هذا النشاط "
قال " لن تعلمي أبدا ولن تفهمي ما يعنيه الأمر لي أقسم أن أدمر من فعل به ذلك شر تدمير ولو كان شقيقي "
بقيت صامتة طويلا لما سمعت منه فقال " هيه ميس هل عدتي للنوم "
قلت بسخرية " نعم وأحلم حلما جميلا أيضا "
قال بغيض " هل تسخرين من كلامي يا ميس "
قلت بحدة " لما تفهم كل ما أقول بشكل سيء هل أنا سيئة لهذا الحد كي لا تتوقع مني إلا السخرية منك "
قال بحدة " وما معنى ما قلتيه الآن "
تأففت وقلت " لم أعني ما فهمت أقسم لك بذلك "
قال بضيق " إذا هيا قومي فأنا سأصل قريبا "
تنهدت وقلت " حسننا ها قد قمت هل أنت مبسوط الآن "
ضحك وقال " ليس بعد حتى توافقي على الزواج بي "
قلت بضيق " لو اعلم فقط كيف يتبدل مزاجك فجئه , هيا وداعا ولا تقل أني أغلقت الخط في وجهك "
قال بهدوء " حسننا وداعا حتى دقائق فقط "
أغلقت الهاتف وقلت " متى سأتخلص منك لا أعلم "
بعد نصف ساعة نزلت للأسفل وكان هوا ووالدتي منسجمان في الحديث تماما لما لا يتزوجها ويريحني
ضحكت للفكرة وتابعت نزولي للأسفل نظرا إلي كليهما ثم قال صهيب مبتسما
" لو كنت أعلم أنك قضيتي الليل كله في التنظيف لما كنت أيقظتك باكرا وأجلنا ذلك للغد "
نظرت لوالدتي بضيق وقلت " يبدوا أنه كان عليا وضعك على الصامت البارحة "
ضحكا فقالت والدتي " لقد سألني وأجبت ما المشكلة في ذلك "
تنهدت وقلت " هل لي أن أتناول إفطاري أم ممنوع أيضا "
وقف وقال " سنتناوله خارجا هيا علينا الذهاب "
قلت برجاء " ولا حتى كوب قهوة "
جلس وقال مبتسما " حسننا بسرعة كلي ولا تتأخري كالاستيقاظ "
قلت بتذمر " آه أنا لست كسولة فقط كنت متعبة يا لك من قاسي قلب "
ضحكت والدتي وقالت " انظروا من يتحدث عن قسوة القلب "
نظرت لها وقلت بضيق " لو سأسمع رأيك فسأحضن عائلة والدي بحب جميعهم واحدا واحدا "
نظر لي صهيب بنصف عين وقال " ومن سيسمح لك بذلك "
قلت بابتسامة وأنا أغادر " من سيكون غير الذي كذب كذبة وصدقها بالطبع "
قال لوالدتي بهدوء " ابنتك هذه ستصيبني بالجنون هي لا تعترف بي في كل قواميسها "
ضحكت والدتي وقالت " أخبرتك بذلك منذ البداية "
عدت خطوتين للوراء وقلت " لقد سمعتكما وستريان "
قال صهيب " اسمعي يا ميس إن كنتي عنيدة فأنا أعند منك "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت " وإن كنت زوجة سيئة "
قال بابتسامة " أنا أسوء منك "
قلت بمكر " وإن كنت أكرهك "
ضحك وقال " أنا أكثر منك ...... أحبك "
قلت بغيض " معتوه وواهم هيا لنخرج قبل أن تغسل دماغ والدتي أكثر "
قال ضاحكا " والإفطار "
قلت متوجهة ناحية باب البيت " لم أعد أريده "
حمدا لله أن والدتي لا تفهم العربية
















زبير













( قد نسافر ونحن لا ننوي السفر بدون تذكرة ولا طائرة ولا موعد للهبوط , نسافر بأفكارنا بخيالاتنا
بأمانينا التائهة التي تنتظر فرصة للتحقق بل نسافر حتى في منامنا ونزور من لن تأتي بهم الصدف
ولا السنين مهما طالت إنه السفر الذي لا يعترف بحدود ولا يجلب إلا الحنين )
منذ أيام كنت جالسا أقلب هاتفي الذي أصبح لا يفارق عيناي لحظة أقلبه كما أقلب ما فيه أنظر إليه من جميع
الاتجاهات لتخترق عيناي كل تفاصيله من الداخل وكأن ثمة شيء يوجد هناك وسيخرج في أي حين
وكأنها تسكن بداخله ولن أصل إليها إلا من خلاله فكما يقولون
’’ نحن لا ندمن هواتفنا نحن ندمن أشخاص لا يجمعنا بهم سواها ’’
لو لم تتحدث معي يومها لكنت سأصاب بالجنون كيف لها أن تختفي فجأة لتتركني معلقا بين متاهاتي وظنوني
ياله من قاسي ذاك الوالد الذي لا يقدر قيمة ما لديه تنهدت للمرة الواحد بعد المائة ثم أرسلت لها رسالة كتبت
فيها ( كيف هي حبيبتي اليوم )
أرسلت بعد قليل ( بخير مادمت بخير )
كم أتمنى أن تظهري أمامي الآن لكي أشعر أنني فعلا بخير
" مرحبا بحر هل بـــ ..... "
نظر بحر كما نظرت أنا لصاحب الكلمات المبتورة الواقف عند الباب ثم ابتسم وقال
" مرحبا يا جود لقد بحثت عنك لنذهب لزيارة الطبيب ولم أجدك فطلبت من والدتي البحث عنك "
هذه كانت جود شقيقة بحر فما أن رأتني حتى بترت جملتها لتكملها بهمس كم هي رقيقة هذه الفتاة ولا
أستغرب ذلك من شقيقة بحر وهوا الرجل لا تكاد تشعر بوجوده معك كيف بها هي
قالت وعيناها أرضا " لقد كنت مع حور و رنيم في الحديقة سأجهز نفسي حالا "
وغادرت كالنسيم كما دخلت أستغرب أن فتاة بجمالها ورقتها لم تتزوج بعد صحيح أنها ما تزال صغيرة
ولكن لما فوت الكثيرين فتاة مثلها نظرت لبحر وقلت
" مما تشكوا شقيقتك هل من مكروه ما "
قال بهدوء " لا هوا شيء بسيط جدا ولكنه يحتاج لفترة من العلاج "
ابتسمت وقلت " أسأل الله لها العافية ولك الأجر "
بحر شاب تحاصره الظروف من كل جانب ولا تراه إلا صامتا حتى أنني لم أعرف عمر شقيقته إلا الآن
ولا أعرف عن حياته هناك سوى أن والده أهمل عائلته وهوا من يهتم بشؤونهم , لما لا تتزوج شقيقته
ويرتاح قليلا , بعد قليل غادر بحر فأمسكت بهاتفي واتصلت بأديم فأجاب بعد وقت فقلت مباشرة
" من أين أتتك هذه المرة أجبت دون أن ترسل رسالة بأنك ستتصل بي فيما بعد "
ضحك وقال " ما لديك من الآخر "
قلت ببرود " يالك من شقيق متحجر القلب , على كلن لدي لك عروس "
ضحك وقال " منذ متى اشتغلت خاطبا "
ضحكت وقلت " منذ الآن , إنها لا تُفوّت يا رجل جميلة ورقيقة كأنها نسمة هواء عليلة "
ضحك أكثر وقال " ومنذ متى صرت شاعرا "
قلت بابتسامة " منذ رافقت الشعراء , المهم ما رأيك "
قال " ما رأيي في ماذا يا رجل هل أنت جاد اعتقدت أنك تمزح "
قلت بحدة " وهل هناك مزاح في هذه الأمور "
قال بصوت مبتسم " ومن تكون هذه الأسطورية "
ضحكت وقلت " شقيقة بحر التي اسمها جود "
قال باستغراب " شقيقة من !! ولكن من أين عرفتها "
قلت " إنها في القصر الآن المهم ها ما رأيك فأنت وحيد هناك وأعزب لما لا ترفع الحمل عن شقيقك "
ضحك وقال " ومنذ متى اشتغلت بجمعية حقوق الإنسان "
قلت بلهجة جافة " ليس بعد , في القريب ممكن "
قال بهدوء " زبير ابتعد عن عالم الفقراء فإن حاولت إصلاح أمر لهم أفسدت كل شيء "
قلت باستغراب " أديم قل شيئا مفهوما من فضلك "
تنهد بضيق وقال " عالمهم لا يعرفه ويفهمه أحد سواهم فلا تفسده بمحاولة إصلاحه "
قلت بلامبالاة " أسمع أسمع أتركنا من الغموض والألغاز فعائلة بحر ليسوا فقراء صحيح أن والدهم
شبه متخلي عنهم ولكن بحر يوفر لهم حياة مترفة كما نعلم جميعا "
قال بتذمر " أخرجني من دماغك يا زبير وحاذر أن تدخل الفكرة برأس أمي , أمامك صهيب لما لا تجرب
معه فبحر المفضل لديه بين الجميع "
قلت ببرود " الحق علي لقد كان في بالي عريس آخر ولكني فضلت أخي أولا , أنت ترفس النعيم بقدميك
وستندم فيما بعد , وما كنت سأفوتها على صهيب لو كان مناسبا , وداعا الآن فلا نفع من هذه المكالمة "
أديم الغبي لقد ضيعها منه سوف أتصل بجبير لأعرض عليه هذه الماسة وها أنا اليوم جاءني رد جبير أنه
موافق اتصلت بأديم لأشمت به ولكنه لم يجب ولم يرسل حتى رسالة غريب فهوا لم يفعلها سابقا

أُ














ديم






لم أرى شيئا أمامي سوى الظلام والحقد والغضب وأنا أرى شاهد يصفع ليان على وجهها بعدما
أخرجها من الغرفة التي يبدوا لي أنها كانت مختبئة فيها فرفعت مسدسي ورميته بالرصاص كانت ذاتها
اللحظة التي دخلت فيها الشرطة ويبدوا أن من كانوا في الخارج هم من أبلغوهم وذاتها اللحظة التي سقطت
فيها ليان مغشيا عليها ركضت ناحيتها حضنتها وقلت
" ليان ما بك حبيبتي استيقظي أرجوك هيا استيقظي "
أمسك بي الشرطي بعدما أخذوا المسدس مني ووضعوه بكيس بلاستيكي وبدئوا بسحبي وأنا اصرخ بهم
" اتركوني اطمئن على زوجتي أولا فليس لديها أحد أتركوني "
ولكن ما من فائدة ولا من مجيب سحبوني وأنا أناديها وهي كالجثة الهامدة لا أعرف إن كانت على قيد الحياة
أم لا وما هي إلا لحظات حتى كنت في سيارة الشرطة ثم في مركزهم ثم في الزنزانة وها هي جرتني الأحداث
لأكون ما كنت عليه الآن
بعد ثلاثة أيام لم يروني فيها ولا يتفقدوني وكأني نسيا منسيا أجلس على الأرض بين اللصوص والمجرمين
أخرجوني للتحقيق فطلبت منهم الاتصال بشقيقي غيث وبالمحامي عارف اللذان وصلا في وقت قياسي جدا
وما أن دخلا حتى أمسكت بغيث من يديه وقلت
" أخرجاني من هنا يا غيث "
قال بأسى " ما الذي دفعك لذلك يا أديم لما فعلت ما فعلت "
طلب المحامي الاستفراد بي لأني موكله فوافقوا وجلسنا ثلاثتنا فقال
" أحكي لي ما حدث يا أديم لنرى ما سنفعل "
نظرت لهما وقلت " ليان إنها هناك ولا أحد لها إنها حامل ومغمى عليها إنها .... "
ثم أمست براسي وقلت " آه ما حل بها يا ترى "
قال غيث بصدمة " من ليان هذه "
قلت بحزن " زوجتي وتحمل طفلي لم يتركوني أطمئن عليها لا أعلم إن كانت حية أم ميتة "
زادت الصدمة على ملامحه حتى كاد تنفسه يتوقف وقال " ماذا ... زوجتك ولكن كيف ومتى "
تنهدت وقلت " تلك قصة طويلة "
قال عارف " وما علاقتها بما حدث "
قلت بغيض " النجس الحقير لقد هجم عليها وأنا غير موجود ولم تكن الأولى فقتلته "
قال عارف بعد صمت " وهل هناك شهود غيرها على ما حدث "
قلت " وجدت بعض الرجال خارج المنزل وهم من استدعوا الشرطة "
قال بهدوء " جيد فلدينا زوجتك والشهود قد يكونوا من الجيران والمسدس مرخص قد يساعدنا ذلك
هل زواجك بها شرعي وموثق "
قلت " نعم شرعي وفي المحكمة أيضا "
قال " جيد وماذا عن المرة الأخرى التي تهجم فيها عليها هل من شاهد "
قلت بألم " لا أحد غير عمها الضرير وقد توفي منذ شهور قليلة "
قال غيث بضيق " وما الذي دفعك للزواج في السر يا أديم لماذا "
تنهدت وقلت " أخبرتك أنها قصة طويلة وأحداث متعاقبة وما حدث قد حدث "
هز رأسه وقال " لا أصدق ما يجري وكأنني في حلم كيف لأخي أن يقتل رجلا "
قلت بغضب " لو كنت مكاني ما فعلت وأنت تصل منزلك لتسمع صراخ زوجتك من هي قطعة من
قلبك وتحمل طفلك تستنجد بالناس وتصرخ ثم تدخل لتجد دنيئا حقيرا سخر منك ودخل منزلك في غيابك
وتهجم عليها ماذا ستفعل "
قال " علينا البحث عنها وأخذها أعطني العنوان يا أديم "
قلت باستغراب " ألن أخرج من هنا "
قال عارف " ليس الأمر كما تتصور يا أديم سيحتاج لوقت سينهون التحقيق ثم يحولون القضية للمحكمة
وعلينا فتح ملف لها وجمع الشهود والمعلومات والتحدث مع أهل المقتول أيضا الضابط المسئول هنا يشتكي
منه الجميع ولن تنفع الوساطة لإخراجك حتى ننقلك للعاصمة لصدور الحكم لقد حاولنا كثيرا "
أمسكت به وقلت " ولكنه المذنب هوا من فعل ما فعل كيف سأبقى هنا أنت لم ترى المكان كيف يبدوا "
قال غيث بجدية " كن قويا يا أديم سينتهي كل شيء قريبا وسنفعل ما في وسعنا "
مسحت قفا عنقي بيدي وقلت " غيث أذهب لها وخذها من هناك ولكن لا تخبرها عني شيئا ولا أي شيء "
قال بحيرة " لم أفهم ما تعني "
قلت بجدية " هي لا تعلم من أكون ومن أين أتيت أخبرها أنك شقيقي فقط ولا تأخذها للقصر حتى أتحدث
معها حسننا عدني بذلك يا غيث "
تنهد وقال " أنا حقا في شيء لا يشبه الواقع أبدا "
غادرا بعد حين وأعادوني لتلك الزنزانة المقرفة أنا أديم أكون هنا هذا ما لم أتخيله أبد كي لا أتمناه , وفي
اليوم التالي عاد غيث لزيارتي جلست وقلت باندفاع
" هل هي بخير هل جنينها بخير أخبرني يا غيث "
نظر لي نظرة غريبة في صمت تام وكأنه يقول لي مت يا أديم مت شيئا فشيئا
















الجزء السادس والعشرون






حور





كان ينقصني من الحنين إليه أن تكون شقيقته التي تشبهه في كل ملامحه أمامي كل حين ليزداد الحديث
عنه والشوق إليه , كم هوا رائع في تعامله معها حتى أنه يتناول أغلب وجبات الغداء والعشاء هنا ليكون
معها بجناحها ولا تأكل وحيدة هي لا تتوقف عن الحديث عنه وعن ما يعني لها ولعائلتها وكأن أحدهم أخبرها
أن هناك شخص هنا يموت شوقا إليه فلا تدعيه ينساه وزيدي شوقه شوقا لقد طلب مني زبير
أن أكون معها في وجبات الطعام التي تكون فيها وحيدة فقررنا أنا وهي اليوم أن يكون غدائنا مميزا فطهوناه
بطريقة مختلفة وأعددنا الأطباق وكأننا في مطعم فخم جدا ومرحنا كثيرا في إعداده وجلست معها في جناحها
لنتناوله وما أن بدأنا حتى انفتح الباب ودخل من لم أتمنى دخوله اقترب منا وقال بهدوء وابتسامة وهوا ينظر
لجود " ما كل هذا هل تحتفلين بعدم وجودي معك اليوم "
قالت بذات الابتسامة " بل أرفه عن نفسي لأنسى غيابك عن طاولتي "
نظرت لها بضيق وقلت " تقولينها في وجهي يا جود "
ضحكت وقالت " لا لا لم أقصد ذلك , آه ياله من مأزق "
وقفت وقلت مبتسمة " استأذن منكما فخدا راحتكما في الطعام "
قال بحر معترضا " لا فأنتم من جهز كل هذا إن خرجتِ فلن آكل "
قالت جود برجاء " ابقي برفقتنا يا حور رجاءً "
آه منك يا جود ومن شقيقك هل تعلمين ما صنعتي بي , جيد أن زبير غير موجود على الغداء اليوم كي
لا يسألني سؤال ليس له جواب لدي , جلسنا ثلاثتنا نتناول وجبة الغداء في صمت حين كسرت جود ذلك
الصمت بحجارة كلماتها وقالت " حور هل درستِ بالجامعة هنا هل هي كالتي هناك أنا لم أرهما يوما "
قلت بعد صمت " درست ثلاث سنين هناك وواحدة هنا "
قالت مباشرة " وأيهما كانت الأفضل "
قلت بحزن " المكان لا يحدد جمال الأيام التي تقضينها فيه بل هم الأشخاص والأشياء الجميلة التي تعيشيها
هناك تجعله جميلا أو سيئا "
قالت بهدوء " إذا لابد وأن ثمة سنة كانت أجمل "
ابتسمت بحزن وقلت " نعم كانت تلك التي تحولت بعدها جميع السنين لخراب وجميع الأماكن لمنفى
للذكريات كانت واحدة جميلة وأخرى تعيسة حد التعاسة واثنتين لم يساويا عندي شيئا "
قال بحر بصوته الهادئ " هناك من لازال يزور خراب الذكريات ذاك حتى اليوم لعلها السنين تعود
ليتغير فيها الكثير "
قلت بحزن كادت تتفجر معه عيناي دموعا " لا شيء قد تعيده الذكريات وأماكنها إلا الوجع والحنين "
قال بألم " والكثير من الندم أيضا "
قالت جود بحيرة " فيما تتحدثان أنا لا أفهم شيئا "
وقف بحر وقال " فيما تحدثت أنتي فيه لكن يبدوا أنك شاردة الذهن اليوم "
ثم غادر وقالت لي " هلا شرحتِ لي شيئا "
ابتسمت ابتسامة تعصرني ألما وأحاربها جاهدة لتكون طبيعية وقلت
" عن الدراسة والسنين لا شيء مهم "
انهينا طعامنا الذي لم أتذوق منه طعما ولم أرى له شكلا غير أشياء تدخل جوفي وتسافر فيه خرجت
وصادفت زبير داخلا فقال " حور ما بك "
قلت " لا شيء ألم تعدني أن تأخذني اليوم لمنزل عمي "
قال مبتسما " وأنا عند الوعد هيا جهزي نفسك "













رنيم











لقد سافرت منذ فترة برفقة غيث ووقعنا ورقة التعاهد التي سوف تحميني منهم مدى الحياة لقد كان من أهم
الإحداث في حياتي وأخيرا انزاح الهم الذي عاش معي منذ صغري وعشت في رعب وخوف دائمين
بسببه , لم أرى أدهم الذي اختفى منذ وصولي هناك وقمت بزيارة والدتي أيضا لقد صنع لي غيث معروفا
لن أنساه أبدا , بدأت أحاول تقليص المسافة قدر الإمكان رغم علمي بمشاعر غيث اتجاهي وأصبح الحديث
بيننا يأخذ مناحي أخرى ولكن لن يتغير شيء مادام غيث لا يسمح لي بالخروج أو اقتناء هاتفا خاص بي لقد
تغيرت نظرتي للأمر قليلا وصرت أعذر تصرفاته
" رنيم لحظة من فضلك "
التفتت لمصدر الصوت فكان غيث ويبدوا على وجهه بعض التعب والشحوب وقفت وقلت
" عن إذنك يا جود قليلا "
قالت بابتسامة " خدي راحتك يا رنيم "
سار وسرت خلفه ولا أشعر بالاطمئنان أبدا وقفنا في طرف الحديقة تنهد بضيق فقلت
" غيث ما بك يبدوا لي أمرا سيئا قد حدث "
مرر أصابعه في شعره الأسود الكثيف وقال " أديم في السجن "
شهقت ووضعت يدي على فمي ثم قلت " ماذا حدث "
تنهد بضيق وقال " قتل رجلا في الجنوب "
أحسست بالأرض تدور من تحتي وأنني أفقد توازني فأمسكني وقال
" رنيم ما بك أردتك أن تسانديني لا أن أساندك "
وقفت على طولي وقلت " يا إلهي ما هذه المصيبة يا غيث هل أخبرت خالتي "
قال بضيق " لا لذلك أردت الحديث معك علينا أن نرى كيف سنخبرها "
قلت " ولما فعل ذلك "
قال " دفاع عن العرض "
قلت بحيرة " عن عرض من "
قال بعد صمت " زوجته "
كادت عيناي تخرج من الصدمة وقلت بنفس متقطع
" غيث أرحمني أنت تعلم أني متعبة من الحمل خفف الصفعات عني "
أشاح بوجهه وقال بضيق " مع من سأتحدث إذا مع زوجة زبير أم مع شقيقة بحر "
أمسكت يده بكلى يداي وقلت بحنان " أنا آسفة لم أقصد ذلك ولكن الخبرين مفجعان وغير متوقعان "
تنهد وقال " علينا أن نجد طريقة لنخبر والدته "
قلت بحزن " من علم من إخوتك "
قال " لا أحد حتى الآن لا أعلم ما سأفعل وعليا العودة إليه والبحث عن زوجته التي اختفت منذ
يوم الحادث "
قلت وأنا أمسح بيدي على ظهره وكتفه
" عليك أخبارهم لمساندتك لا تحمل كل هذا لوحدك يا غيث فستشعر بالراحة لوجودهم بقربك "
قال " شكرا لك يا رنيم جدي لنا حلا لنخبرها أرجوك "
قلت بهدوء " اترك الأمر لي فقط كن قريبا تحسبا لأي طارئ "
قال في حيرة " أخاف من وقع الخبر عليها قد نخسرها بسبب ذلك "
قلت " لما لا تخفوا الأمر عنها إذا حتى تجدوا حلا للقضية "
تنهد وقال " لن يجدي ذلك وستعلم إن منا أو من غيرنا "
قلت بهدوء " زبير موجود هنا يمكنك المغادرة الآن وسأطلب منه أن لا يخرج في حال احتجناه
وما أن تغادر ضيفة خالتي سأتحدث معها بطريقتي "
وضع يده على كتفي وقال " اتصلي بي لو حدث أي شيء حسننا وأنا سأذهب للشركة وعليا زيارة
المحامي والتحدث مع بحر وصهيب أيضا إن اطر الأمر "
أمسكت يده بقوة وقلت " أعانك الله يا غيث كن قويا كما عرفتك دائما "
قبلني على خدي وغادر في صمت سرت بخطوات ثقيلة كأن ساقاي مقيدة بالسلاسل وصلت
عند جود ولاحظت خروج ضيفة خالتي فقلت لها " جود هلا أسديتِ لي معروفا "
قالت بحيرة " ما بك يا رنيم تبدين لي شاحبة جدا هل قال لك غيث شيئا "
تنهدت وقلت " سنتحدث فيما بعد قومي الآن فقط بالبحث عن زبير وأخبريه أن لا يخرج من
القصر ولا من مكانه حتى أطلب منه ذلك والحقي بي عند خالتي فساقاي بالكاد تحملانني "
وقفت جود وغادرت من فورها وتوجهتُ أنا حيث كانت خالتي دخلت فنظرت لي بابتسامة وقالت
" مرحبا برنيم يبدوا لي أن حملك أصبح متعبا لك جدا "
جلست بجانبها وقلت " لي صديقة لديها مشكلة هي من تتعبني "
قالت بتوجس " خيرا يا رنيم ماذا حدث "
تنهدت وقلت " ابنها مسجون في قضية قتل لكن خروجه منها يبدوا قريبا "
قالت بحنان " حمدا لله فهوا على الأقل سيخرج منها سالما ولتحمد الله أنه لم يمت فالموتى
وحدهم من لا يعودون "
قلت لها بهدوء " لو خيروك بين موت أحد أبناءك لا قدر الله أو سجنه ما كنتي ستختارين "
قالت " لا أتمنى كليهما لأبنائي ولكن قضاء الله لا راد له وسجنه عشرين عاما ويعود إلي أرحم
عندي من موته "
أمسكت يدها وقلت " خالتي أنت هي صديقتي وأديم هوا أبنها "
شهقت بقوة ووقفت على طولها فوقفت معها وقلت
" خالتي أذكري الله واحمديه أنه لم يمت وقضيته سيخرج منها قريبا "
قالت والدموع بدأت تنزل من عينيها " حمدا لك يا رب على كل حال وويل قلبي عليك يا بني "
أجلستها وأعطيتها كوب ماء وقلت
" كوني قوية يا خالتي من أجل أبنائك أرجوك وسيعود لك قريبا إن شاء الله "
قالت بحزن " من قتل ولما وكيف "
قلت بهدوء وأنا أحتضن كتفيها " دعي غيث يحكي لك فهوا من يعلم كل شيء فقط أعلمي أنه ليس
ظالما في قتله له والقانون يقف في صفه "
تنهدت وقالت " علمت أن كثرة غيابه لم تكن أمرا طبيعيا فلم نره منذ شهور , كله من وصيتك يا شامخ
انظر ما فعلت بابني "
قلت وأنا أربت عل كتفها " قدر الله وما شاء فعل يا خالتي لا تستمعي لكلام نفسك والشيطان "
قالت بهمس " استغفر الله استغفر الله "
قلت بحنان " هل تشعرين بشيء يا خالتي "
قالت بتعب " لا , أحظري لي عسلا فقط "
نهضت من فوري توجهت للمطبخ فدخل زبير وقال بانفعال " ماذا هناك يا رنيم ماذا حدث "
تنهدت وقلت " أديم في السجن وكان عليا أخبار خالتي وأردتك أن تبقى هنا في حال حدث لها مكروه "
قال بفزع " في السجن لماذا "
قلت مغادرة " تكلم مع غيث وافهم منه , عليا العودة لها حالا وعدم تركها ولا تخرج من القصر رجاء يا زبير "
عدت لها فكانت تمسك رأسها بيديها ناولتها ملعقة من العسل وأخذتها لغرفتها لترتاح هناك بعد عناد طويل
منها وبقيت ممسكة بيدها أحاول تثبيتها بكلماتي وأقرأ على مسمعها آيات من القرآن ثم اتصل غيث بهاتفها
أجبت فجاء صوته مباشرة قائلا " ماذا حدث معك يا رنيم "
قلت بهمس " كل الأمور بخير وهي ستنام الآن "
قال " ما كان ردة فعلها هل تعبت "
قلت بذات الهمس " لا والحمد لله لقد بسطت لها الأمر "
قال " هل أخبرتها بكل شيء "
قلت " أخبرتها أنه في السجن وأنه قتل شخصا ولم أخبرها عن السبب أو زوجته "
تنهد وقال " لقد أزحت عن عاتقي حملا ثقيلا يا رنيم "
قلت بهدوء " وما نفعي إن لم تجدني لمثل هذا الوقت سأكون بجانبها وإن حدث شيء سأتصل
بك فكن مطمئنا "
قال " حسننا أنا أعتمد عليك فلا تتركيها أبدا حتى أعود للتحدث معها "
قلت بهدوء " حسننا وداعا الآن "
قال بهدوء " وداعا وشكرا لك "
لازمت خالتي طوال الوقت وزبير كان يطمئن عليها كل حين وجود المسكينة هي من قامت بتحضير
العشاء لوحدها فحور في بيت عمها منذ الظهيرة , كانت خالتي تلح عليا طوال الوقت لتتحدث مع غيث
ولكني كنت أمانع ذلك فيكفيه ما هوا فيه الآن وبعد أن أتعبتني معها خرجت واتصلت به فقال بتوجس
" ما بك يا رنيم هل من مكروه "
قلت مطمئنة " لا كل شيء على ما يرام فقط هي خالتي حاولت معها جهدي ولكنها تصر على الحديث معك
أعلم أنك مشغول الآن ولكن عليك طمأنتها بنفسك لتصدق "
قال " هل أنتي بجانبها الآن "
قلت " لا لقد خرجت لأكلمك وحدي وفي حال رفضت لن تصر علي لتأخذ مني الهاتف "
قال بهدوء " حسننا دعيني أكلمها "





















جود












لا تقلقوا فلن أنسى أن أحكي لكم ما حدث طلبت مني رنيم أن ابحث عن زبير فجلت القصر كثيرا
ثم وجدته نازلا من السلالم فقلت له بحياء " زبير "
وقف ونظر لي مطولا ثم قال " نعم يا جود هل من مكروه "
قلت وعينيا أرضا " أوصتني رنيم أن أبحث عنك وأخبرك أن لا تخرج من القصر وتكون قريبا "
قال بحيرة " لماذا ما الذي حدث "
نظرت له ثم أخفضت عينيا مجددا وقلت
" لا أعلم لقد ناداها زوجها وتحدثا ثم طلبت مني أن أخبرك بذلك "
قال بتوجس " ماذا قال لها وماذا قالت لك "
رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم ولكنها لم تكن بخير "
قال بحيرة " وأين هي الآن "
قلت " مع والدتك "
قال " أين "
قلت " لا أعلم "
قال بضيق " لا أعلم لا أعلم ألا يوجد لديك شيئا غيرها "
قلت ودموعي بدأت بالنزول " لأنني حقيقتا لا علم لي ولا يحق لي أن أتدخل فيما لا يعنيني "
وغادرت راكضة نزولا وتوجهت لجناحي الحالي دخلت إلى هناك وارتميت على السرير
وبكيت كثيرا ولم أخرج يومها إلا وقت تخضير العشاء فلا أحد غيري رنيم مع والدة بحر ولا أعلم
لما ولم اسأل وحور غير موجودة , بعد لحظات دخل المدعو زبير كان يتحدث عبر الهاتف مع أحدهم
وما فهمت من الأمر أن أحد أخوته يواجه مشكلة خطيرة خفت جدا وخشيت أن يكون بحر ولكني لن
أساله أبدا هذا الفض قليل الدوق , أنهى مكالمته ثم اتصل بزوجته وأخبرها أنه لن يذهب اليوم لإرجاعها
ثم اتصل ببحر فحمدت الله أنه بخير ولكن انشغل بالي على شقيق بحر كان من يكون , ألم يجد هذا مكانا
غير المطبخ ليتحدث فيه , ثم أخد قارورة ماء وغادر ولم يعتذر حتى عن فظاظته معي لابد وأنه يرى
أني أنا المخطئة في حقه
وعند العشاء لم تجلس لا رنيم ولا الخالة لتناول العشاء فقد رفضتا ذلك وضعت عشاء زبير على الطاولة
وغادرت لحجرتي فليأكل أو ليمت جوعا فلن أخبره عنه










ميس







غادرنا صباح اليوم متوجهان لمنزل السيد جيمس هوا ضابط شرطة وقد اتفق معنا على أن نزوره باكرا
قبل ذهابه لعمله وخلال الطريق كان صهيب يتحدث عبر الهاتف مطولا لقد أتته مجموعة من الاتصالات
كان غاضبا ويتحدث معهم بحدة وغضب يبدوا لي مختلفا جدا ويبدوا أنه كان صادقا عندما قال أنني لم
أرى وجهه الحقيقي بعد , صرخ بالرجل كثيرا ثم رمى بالهاتف وقال
" عديمو النفع وكأنني أشرح للجدار "
نظرت له باستغراب فنظر لي وقال بضيق " هل ترينني للمرة الأولى "
قلت بعد صمت " نعم بكل تأكيد "
تنهد بضيق وقال " أنظري إذا لنظرة الناس لك "
قلت بصدمة " لي أنا "
قال " نعم فهل تعلمين ما قال أخي يوم لقائك بأعمامي قال لي إنها تشبهك تماما "
قلت بصدمة " حقا قال ذلك "
ثم ابتسمت وقلت " تبدوا لي رائعا وجذابا وأسلوبك راقي جدا ومميز "
ضحك وقال " هل تغيرت نظرتك لي الآن يالك من محتالة "
وصلنا حينها فنزلت وأنا أقول " لا لم يتغير رأيي بك ولكن الصفات التي تشبهني فيها رائعة جدا "
أغلق باب السيارة وقال " إذا لما لا تتزوجين بي "
قلت وأنا أتوجه للمنزل " لأني لا أريد زوجا رائعا أريد واحدا سيئا جدا "
ضحك وقال وهوا يتبعني " آه شكرا هل ترينني رائعا "
وقفت واستدرت نحوه وقلت بحدة " صهيب لننهي الأمر "
قال بابتسامة " أوامرك سيدتي فقد قلتي شيئا سحريا "
هززت رأسي بيأس وقلت " لو أفهم ألألغاز التي تقولها فقط "
قال ونحن نقف أمام الباب " أخبرتك سابقا لن تفهمي ولن تهتمي "
استقبلنا السيد جيمس بالترحيب فهوا كان أحد أصدقاء والدي المقربين وبعد وفاته لم ينقطع
عن السؤال عنا , دخلنا ثلاثتنا لمكتبه الخاص جلست وصهيب مقابلين له فقال
" نعم يا ميس عما تريدي التحدث معي في موضوع والدك "
قلت بهدوء " كل ما تعرفه عن قضية سجنه والقضية الأخرى في دولته "
وقف وجلب ملفا بحث عنه لبعض الوقت ثم عاد للجلوس وقلب الورق كثيرا ثم قال
" لقد أتهم والدك باختلاس أموال من من شركة تأمين عمل بها هنا وكانت القضية كبيرة جدا وملفقة
أيضا حكم عليه بالسجن خلالها عشرون عاما لتظهر براءته بعد أربعة سنين على يد محامي أسمه
جورج جيلاس وخرج من السجن بعدها وأعاقت يد خفية كل تحركاته للحصول على فرصة عمل جيدة
من جديد للعمل بالشركات مما أطره للعمل بعيدا عن شهادته وتخصصه أما القضية الأخرى فلم يكن
يتحدث عنها مطلقا وأعتقد أن المتسبب فيهما واحد "
قلت باستفسار " ومن وراء ذلك "
هز رأسه نفيا وقال " لا أعلم "
قال صهيب " وكيف أثبت المحامي براءته أي من كان المذنب الحقيقي لابد وأنه يعلم "
قال وعيناه على الملف " المحامي أيضا كان من طرف شخص مجهول عني ويبدوا لي أن السيد
نبيل كان يعرف من يكون ذاك الشخص جيدا وباقي تفاصيل القضية قد ينفعكم هوا بها "
قال صهيب " هل يعيش هنا في دبلن "
قال " أجل أعتقد ذلك سأجلب لكم المعلومات عنه فانتظرا حتى الغد فقط "
وقفت ووقف صهيب بعدي مباشرة فقال السيد جيمس
" هل أنفعكما بشيء آخر إن احتجتما شيئا فأعلماني "
قال صهيب مصافحا له " شكرا جزيلا لك سأكون عندك في الغد من أجل المعلومات "
نظر لصهيب باستغراب ويده لا تزال تصافحه وقال " هل تقرب للسيد نبيل أيها الشاب "
قال صهيب " أجل أنا ابن شقيقه شامخ "
قال بابتسامة " حقا هل أنت ابن شامخ "
قال بذات الابتسامة " نعم وهل تعرف والدي "
قال جيمس " نعم فأنا من أخبره عن وفاة نبيل لأنه هوا من طلب مني ذلك وقد اتصل بي قبل
عامين أيضا وهوا يحاول البحث عن عائلته فكيف هوا الآن لقد كان متعبا قليلا "
قال صهيب بحزن " لقد توفي منذ العامين ذاتهما قبل أن يوفق في الوصول إلى هنا "
قال بحزن " ليرحمه الرب هوا الشخص الوحيد الذي حكا لي عنه نبيل لقد كان يحبه على ما يبدوا "
قال صهيب " وكيف علمت أنني أقربه "
قال جيمس بابتسامة " من طريقة مصافحتك لي إنها واحدة نبيل وشامخ وأنت الآن "
نظرت باستغراب فأنا لم ألحظ ذلك أبدا وقلت بابتسامة " يفترض بهم أن يجعلوك محققا وليس ضابطا "
ضحك وقال " بعد كل هذا العمر , المحققين عملهم يحتاج لعقل لازال صغيرا "
صافحته وشكرته ثم غادرنا عائدين للمنزل وفي الطريق نظر لي صهيب وقال
" يوجد هنا شارع يسمى بشارع قرانفتون إنه من الشوارع الأشهر بأوروبا وبه محلات راقية جدا ما رأيك أن
نقوم بالتجول فيه ونشتري بعض الأغراض "
نظرت للنافذة وقلت " لا أريد "
تنهد وقال بضيق " ألا يوجد لديك جملة غيرها أبدا "
قلت ببرود " بلى لدي "
قال بذات الضيق " إذا غيريها بها من فضلك "
نظرت له وقلت " أخرج من حياتي "
ضحك وقال " لا لا أتركي الأولى أفضل "
نظرت للأسفل وقلت بصوت هادئ يشبه الهمس " صهيب "
نظر لي مطولا وقال بهدوء " نعم يا ميس "
طال صمتي فقال " ما بك يا ميس هل كنت تنوين قول شيء "
نظرت للنافدة وقلت " لا لاشيء "
قال بعد صمت " ميس "
نظرت له وقلت " نعم "
قال مبتسما " لا شيء " ثم ضحك
ضربته بحقيبتي على كتفه وقلت " تبا لك هل تحسبني طفلة لتعاملني هكذا "
قال من بين ضحكاته " بلى فأنتي تتصرفين كالأطفال "
نظرت جهة النافذة وقلت بضيق " يا لك من عديم ذوق هل تقول هكذا لفتاة "
قال مبتسما " وهل يوجد من هم أجمل وألطف من الأطفال فالجميع يحبونهم "
عدت للصمت وأكملنا طريقنا عليه , ترى لما يعاملني عكس طبعه لا يحبني بالتأكيد ولن
أصدق ذلك أبدا , نظرت له وقلت " هل الشفقة علي ما يجعلك تعاملني بلين عكس طبعك "
قال بهدوء " لا قطعا "
قلت " ولما إذا "
تم هددته بسبابتي وقلت " لا تقل لن تفهمي ولن يهمك ذلك قم بتغيير هذه الجملة فهمت "
نظر لي ثم للطريق وقال " وهل ستفهمين حقا إن أخبرتك "
وصلنا حينها للمنزل فقلت وأنا افتح باب السيارة
" لا تقل لي ذلك كان ما سيكون فأنت مخادع ومحتال دائما ومراوغ فلن أصدقك "
قال بصوت مبتسم " تعرفين الجواب إذا وترفضين تصديقه "
نظرت له من النافذة وقلت " لأنك كاذب وليس لأني أرفض التصديق "
ثم غادرت ودخلت المنزل










أديم








كل ما حدث كان كالكابوس وها قد سحبني ذاك العالم لحيت أنا الآن لا بل سرق مني ليان أيضا كما
أهداها لي نظرت لغيث نظرة خوف وتوجس وحيرة بقدر ما تمنيته أن يتكلم تمنيت أن لا يقول شيئا
فهل كان سؤالي يحتاج منه كل هذا الجهد لإخراج الجواب , جمعت شتاتي وقلت
" قل شيئا يا غيث لا تقتلني بصمتك أرجوك "
تنهد وقال " لم أجدها هناك لقد اختفت "
قلت بصدمة " اختفت ولكن كيف "
قال بهدوء " هذا ما حدث يا أديم وحتى من كانوا هناك قالوا أنها غادرت سيرا على قدميها ولم
تتحدث مع أحد "
قلت باندفاع " ولكن ليس لها أحد غيري لا أحد "
ثم قلت " أشقائها أو شروق وحدهم من تعرفهم ليان أذهب للسؤال عنها هناك "
قال " حسننا أعطني عناوينهم وسأذهب فورا وسأتردد على المنزل دائما فقد تعود إليه "
قلت " عد لأخباري اليوم يا غيث أرجوك "
قال بقلة حيلة " لا أستطيع فالزيارات ممنوعة وعارف وصديقك فعلا كل ما بوسعهم ليسمحوا لي برؤيتك
وهذا الضابط متعب جدا ولم تجدي حتى الأوامر التي جاءته من مركز العاصمة "
تنهدت وقلت " لا تتأخر عني إذا "
قال بعد صمت " خلال الأيام القادمة سينقلونك لسجن العاصمة "
قلت بصدمة " سجن العاصمة .... هل صرت مجرما حقيقيا هل سيعلم الجميع بما حدث "
ربت على كتفي وقال " لا تخف يا أديم إن صرت هناك أخرجناك على الفور حتى صدور الحكم وكثر مروا
بنفس القضية وخرجوا منها ووالد رنيم أحدهم كما تعلم "
قلت بأسى " بعد كم من السنين سيكون ذلك "
قال " لن يكون سنينا أبد اطمئن فأنت تعرف المحامي عارف جيدا وسنحاول التفاوض مع أهله "
قلت بيأس " لابد أنها نهايتي هناك في السجن هذا ما أراده والدي لنا "
قال بغيض " بما تهدي يا أديم فوالدي لم يطلب منك قتله إنها مشيئة الله يا رجل "
قلت بحرقة " بلى هوا من أدخلني هذا العالم الغريب عني وأقحمني فيه هوا من وضع ليان في طريقي "
وقف وقال " لا تدع الشيطان يستغل ضعفك الآن يا أديم وأخبرتك أن الأمور تجري لصالحنا فقد وجدنا
كل من كانوا موجودين يوم الحادث وسيشهدون لصالحك "
ثم غادر وتركني كالغريق الذي مدوا له بعصا وأمسك بها فلا هم رفعوه وأخرجوه ولا هم تركوه يغرق
فبقي يعيش على الأمل الكاذب
بعد يومين عاد غيث ليزيد ناري اشتعالا وهوا يخبرني أن ليان غير موجودة عند أخوتها وأنهم لم يروها
منذ تزوجت وشروق قد رحلت من المدينة قبل الحادث وحتى هاتف ليان وجده محطما في المنزل ولم
تأخذه معها ولم تعد حتى الآن أخبرته أن يبقي البيت مستأجرا ومفتوحا أيضا ويترك لها رسالة تجدها
حين تأتي فلا مكان لليان غيره فقد سأل عنها حتى في الحي الذي كانت تسكنه وذهب لبيتها القديم ووجده
قد تم بيعه ولم يرى ساكني المنزل الجدد أي واحدة بمواصفاتها
أين ذهبتِ وتركتني يا ليان وكيف فعلتي ذلك بي , ترى ما جرى لك وأين أنتي الآن فحتى المستشفيات
جابها غيث وسأل عنها وبلا فائدة
وبعدها بأيام قليلة تم نقلي لسجن العاصمة بعد جهد كبير من خيري لنقلي من براثن هذا الضابط الهمجي
والمحامي عارف سيتكفل بباقي المهمة الآن بعد أن صرت هنا , سمعت طرقات على الباب فوقفت من
فوري منتظرا بلهفة فانفتح الباب ودخل إخوتي احتضنتهم واحدا واحدا بحب حتى جاء دور سليط اللسان
زبير فضحك وقال حاضنا لي " مرحبا بالزواج السري وحركات الغموض والإثارة "
ضربت بقبضتي على ظهره وقلت ضاحكا " قل مرحبا بالإجرام والقتل "
ابتعد عني وشد كتفي وقال بجدية " بل بطل دافع عن أهله وعرضه "
ضحكت وقلت " لو سمعك أهله لقتلوك بدلا عني "
ضحك بحر وقال " لقد غطيت على ميس عند ألسن الناس "
ضحكت كثيرا ثم قلت " صحيح أين هوا صهيب ألم يرجع بعد "
قال زبير بابتسامة غامزا بعينه " لا , ويبدوا أنه تزوجها بالسر أيضا "
قلت بضحكة " لن أسلم من لسانك أبدا كنت أعلم , ولكن هل أخبرتموه "
قال غيث " كنت أنوي ذلك لكني قررت تأجيل الأمر وسأخبره الآن كي لا يغضب منا "
قال بحر " ألم ينتهي ما ذهب من أجله بعد "
قال غيث " لا ليس بعد إنه يبحث عن أمر لن يجده بسهولة "
ودعني إخوتي وغادروا بعدما بشروني بخروجي القريب جدا