عرض مشاركة واحدة
قديم 03-02-17, 01:13 AM   #51
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






أخر قصة سليمان عليه السلام



ثم قال لرسولها إليه ووافدها الذي قدم عليه والناس حاضرون يسمعون: (ارجع
إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)
يقول: ارجع بهديتك التي قدمت بها إلي من قد من بها، فإن عندي مما قد أنعم
الله علي وأسداه إلي من الأموال والتحف والرجال ما هو أضعاف هذا، وخير من
هذا الذي أنتم تفرحون به وتفخرون على أبناء جنسكم بسببه (فلنأتينهم بجنود
لا قبل لهم بها) أي: فلأبعثن إليهم بجنود لا يستطيعون دفاعهم ولا نزالهم
ولا ممانعتهم ولا قتالهم، ولأخرجنهم من بلدهم وحوزتهم ومعاملتهم ودولتهم
أذلة (وهم صاغرون) عليهم الصغار والعار والدمار. فلما بلغهم ذلك عن نبي
الله لم يكن لهم بد من السمع والطاعة، فبادروا إلي إجابته في تلك الساعة،
واقبلوا بصحبة الملكة أجمعين سامعين مطيعين خاضعين، فلما سمع بقدومهم عليه
ووفودهم إليه قال لمن بين يديه ممن هو مسخر له من الجان ما قصه الله عنه في
القرآن:


{ قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت
من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وإني عليه لقوي أمين * قال الذي
عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فلما رآه مستقراً
عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه،
ومن كفر فإن ربي غني كريم * قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من
الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك، قالت كأنه هو، وأوتينا العلم
من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله، إنها كانت من قوم
كافرين * قيل لها ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها، قال
إنه صرح ممرد من قوارير، قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب
العالمين } (سورة النمل:38ـ44)


لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس، وهو سرير مملكتها التي
تجلس عليه وقت حكمها، قبل قدومها عليه (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل
أن تقوم من مقامك) يعني: قبل أن ينقضي مجلس حكمك، وكان فيما يقال من أول
النهار إلي قريب الزوال يتصدى لمهمات بني إسرائيل وما لهم من الأشغال (وإني
عليه لقوي أمين) أي: وإني لذو قوة على إحضاره وأمانة على ما فيه من
الجواهر النفيسة لديك: (قال الذي عنده علم الكتاب) المشهور أنه آصف بن
بزخيا وهو ابن خالة سليمان، وقيل: رجل من مؤمني الجان كان فيما يقال يحفظ
الاسم الأعظم، وقيل: رجل من بني إسرائيل من علمائهم، وقيل: إنه سليمان، وهو
غريب جداً، وضعفه السهيلي بأنه لا يصح في سياق الكلام، قال: وقد قيل فيه
قول رابع وهو جبريل، (أنا آتيك بما قبل أن يرتد إليك طرفك) قيل: معناه قبل
أن تبعث رسولاً إلي أقصى ما ينتهي إليه طرفك من الأرض ثم يعود إليك.


(فلما رآه مستقر عنده) أي: فلما رأى عرش بلقيس مستقراً عنده في هذه المدة
القريبة من بلاد اليمن إلي بيت المقدس في طرفة عين (قال هذا من فضل ربي
ليبلوني أأشكر أم أكفر) أي: هذا من فضل الله علي وفضله على عباده ليختبرهم
على الشكر أو خلافه (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) أي: إنما يعود نفع ذلك عليه
(ومن كفر فإن ربي غني كريم)


أي: غني عن شكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين. ثم أمر سليمان عليه
السلام أن تغير حلي هذا العرش وتنكر لها ليختبر فهمها وعقلها، ولهذا قال:
(ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل: أهكذا عرشك؟
قالت كأنه هو) وهذا من فطنتها وغزارة فهمها؛ لأنها استبعدت أن يكون عرشها
لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن ولم تكن تعلم أن أحداً يقدر على هذا الصنع
العجيب الغريب، قال الله تعالى إخباراً عن سليمان وقومه: (وأوتينا العلم من
قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم
كافرين) أي: ومنعتها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله
اتباعاً لدين آبائهم وأسلافهم لا لدليل قادهم إلي ذلك ولا حداهم على ذلك.


وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج وعمل في ممره ماء، وجعل عليه سقفاً
من زجاج، وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء، وأمرت بدخول الصرح
وسليمان جالس على سريره فيه: (فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه
صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب
العالمين) وقد قيل: إن الجن أرادوا أن يبشعوا منظرها عند سليمان وأن تبدي
عن ساقيها ليرى ما عليهما من الشعر فينفره ذلك منها وخشوا أن يتزوجها؛ لأن
أمها من الجان فتتسلط عليهم معه. يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليه
السلام، ثم أثنى عليه تعالى فقال: (نعم العبد إنه أواب) أي: رجاع مطيع
الله، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل الصافنات، وهي التي تقف على
ثلاثة وطرف حافر الرابعة، والجياد وهي المضمرة السراع.


قال الله تبارك وتعالى:

{ فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما
خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين }
(سورة سبأ:14)


عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان سليمان نبي الله عليه
السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول كذا،
فيقول: لأي شيء أنت؟ فإن كانت لغرس غرست، وإن كانت لدواء أنبتت فبينما هو
يصلي ذات يوم إذا رأى شجرة بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخروب،
قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان: اللهم عليها حولاً
والجن تعمل، فأكلتها الأرضة فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما
لبثوا حولاً في العذاب المهين". قال: وكان ابن عباس يقرؤها كذلك فشكرت
الجن للأرضة فكانت تأتيها بالماء


كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر
والشهرين وأقل من ذلك وأكثر، يدخل طعامه وشرابه، فأدخله في المرة التي توفى
فيها فكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة
فيأتيها فيسألها، ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا، فإن كانت لغرس
غرسها، وإن كانت نبتت دواء لكذا وكذا، فيجعلها كذلك حتى نبتت شجرة يقال لها
الخروبة، فسألها: ما اسمك؟ قالت: أنا الخروبة، فقال: ولأي شيء نبت؟ فقالت:
نبت لخراب هذا المسجد، فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي
على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائط له، ثم دخل
المحراب فقام يصلي متكئاً على عصاه فمات، ولم تعلم به الشياطين، وهم في ذلك
يعملون له يخافون أن يخرج فيعاقبهم، وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب،
وكان المحراب له كوى بين يديه وخلفه، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول
ألست جليداً إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب، فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر،
فدخل شيطان من أولئك، فمر، ولم يكن شيطان ينظر إلي سليمان عليه السلام وهو
في المحراب إلا احترق، فلم يسمع صوت سليمان، ثم رجع فلم يسمع، ثم رجع فوقع
في البيت ولم يحترق ونظر إلي سليمان عليه السلام قد سقط ميتاً، فخرج فأخبر
الناس أن سليمان قد مات، ففتحوا عنه فأخرجوه ووجدوا منسأته، وهي العصا
بلسان الحبشة، قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرضة على
العصا فأكلت منها يوماً وليلة، ثم حبسوا ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة،
وهي قراءة ابن مسعود: فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولاً كاملاً، فأيقن
الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبون، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت
سليمان، ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له، وذلك قول الله عز وجل: (فلما
قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر
تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) يقول:
تبين أمرهم الناس أنهم كانوا يكذبونهم، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة: لو
كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب
الشراب، ولكنا سننقل إليك الماء والطين، قال: فهم ينقلون إليها ذلك حيث
كانت. قال: ألم تر إلي الطين الذي يكون في جوف الخشب فهو ما يأتيها به
الشيطان تشكراً لها. وهذا فيه من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب.


عن عثمان بن أبي شيبة أن سليمان بن داود عليهما السلام قال لملك الموت: إذا
أردت أن تقبض روحي فأعلمني قال: ما أنا أعلم بذلك منك، إنما هي كتب تلقى
إلي فيها تسمية من يموت. قال سليمان لملك الموت: إذا أمرت بي فأعلمني،
فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرت بك، قد بقيت لك سويعة، فدعا الشيطان فبنوا
عليه صرحاً من قوارير ليس له باب، فقام يصلي فاتكأ على عصاه، قال: فدخل
عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متوكئ على عصاه، ولم يصنع ذلك فراراً من ملك
الموت، قال: والجن تعمل بين يديه وينظرون إليه يحسبون أنه حي، قال: فبعث
الله دابة الأرض يعني إلي منسأته فأكلتها حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل
عليها فخر، فلما رأت الجن ذلك انفضوا وذهبوا، قال: قوله: (فلما قضينا عليه
الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن
لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين).

عن ابن عباس أن ملكه كان عشرين سنة وكان عمر سليمان بن داود عليهما السلام
نيفاً وخمسين سنة وفي سنة أربع من ملكه ابتدأ ببناء بيت المقدس فيما ذكر،
ثم ملك بعده ابنه رخعيم مدة سبع عشرة سنة فيما ذكره ابن جرير، وقال: ثم
تفرقت بعده مملكة بني إسرائيل.