عرض مشاركة واحدة
قديم 07-31-18, 11:38 AM   #217
مرجانة

الصورة الرمزية مرجانة
~ رونق التوليب ~

آخر زيارة »  05-13-24 (11:32 AM)
المكان »  في ثنايا أحرفي
الهوايه »  قراءةُ النثرِ ، و كتابتُه .
اللهُمَّ برَحمَتِكَ .. أعِنّا .
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



•• الجزء الأخير •• 🌸

استدعيت الإسعاف ، و نقلت ( جودي ) إلى المستشفى ..
كانت ( روز ماري ) في حالةٍ يرثى لها .. لا تستطيع استيعاب ما حدث !
وجدت شقيقتها مرميةً على الأرض دونَ حراك .. فاقدةً وعيها و بالكاد تتنفس !

في المستشفى ، كانت ( روز ) جالسةً على أحد المقاعد عند قسم العمليات و معها ( آرثر ) ، فقد تبين أن ( جودي ) تعاني من كسور ..

كانت تتمتم ( روز ) ببعض الكلمات مع نفسها و الدموع تتناثر من عينيها ، ترجو أن تخرجَ ( جودي ) من غرفةِ العمليات سالمةً معافاة .

نظرَ إليها ( آرثر ) .. و شعر بالقلقِ حيال ( روز ماري ) .. تبدو مرتعدةً و خائفة بشكلٍ رهيب .
أقتربَ منها و وضع يده على كتفها و قال بصوتٍ هادئ

- أرجوكِ يا ( روز ) ، اهدئي قليلاً !.. ستكون ( جودي ) بخير صدقيني !

نظرت إليه و قالت بصوتٍ مذعور

- كان منظرها مرعباً ، أحسستُ أن روحها قد غادرت جسدها يا ( آرثر ) !..

اتسعت عينيها الغارقتين بالدموع و هي تقول

- كانت بالكاد تتنفس ! .. ألم تسمع ما قالت الممرضة ؟.. قالت أنها تتنفس بصعوبةٍ شديدة !.. أنا خائفة يا ( آرثر ) ، خائفة !

و عادت تجهش بالبكاء بصوتٍ مسموع .. احتضنها ( آرثر ) محاولاً مواساتها و التخفيف عنها ..

و بعدَ مضي نصف ساعة .. خرجَ الطبيب مع بعض الممرضين .
وقفت ( روز ) و وقفَ ( آرثر ) وجلاً .. و تساءل بصوتٍ منخفض

- ماذا حدث ؟!

تقدمت ( روز ماري ) عند الطبيب و قالت تسأل على عجلة

- أخبرني أيها الطبيب .. كيفَ حال ( جودي ) الآن ؟

نظر الطبيب إلى ( روز ماري ) بأسف ، و قال

- تضررت الرئة اليمنى كثيراً ، و لم يدركنا الوقت لفعل أي شيء !.. أنا آسف ..

اتسعت عينا ( روز ) و الدموع تساقطت على وجنتيها .. و قالت بذهول

- ماتت ؟!..

هز الطبيب رأسه بأسفٍ و مضى ..
فانهارت ( روز ماري ) و سقطت على الأرض باكيةً و هي تنحب .
مشى إليها ( آرثر ) و انحنى إليها محاولاً مساعدتها على الوقوف ..
فوقفت بصعوبةٍ و هي تستند ذراعيه .. تنظر إليه قائلة بصوتٍ مبحوح

- ماتت ( جودي ) يا ( آرثر ) ، لقد ماتت ( جودي ) !..

غرورقت عيناه بالدموع ، و ضم ( روز ماري ) بقوةٍ و بكى هو الآخر .. و ارتفع صوت بكاء ( روز ) ..

ضج المكان ببكائها ، و ما من حيلةٍ عند ( آرثر ) ليجعلها تكف النحيب .. سوى أنه غادر بها إلى خارج المستشفى ..

========

في سيارة ( آرثر ) ، كانت ( روز ماري ) تستند في مقعدها حزينة ، تنظر بعينيها المتعبتين إلى المستشفى من خلال النافذة .. تفكر في المصيبةِ التي حلت فوق رأسها .
كان ( آرثر ) ينظر إليها بقلق ، يريد منها أن تحدثه قليلاً بما تفكر فيه !
قد مرت خمسة عشرة دقيقة و هي صامته تحدق من النافذة .. تبكي قليلاً و تعاود الصمت ..

أخيراً قرر محادثتها ، فسألها بهدوء

- ( روز ) ؟.. هل أنتِ أفضل حالاً الآن ؟

أصغت إليه و لم تحرك ساكناً .. ثم أدارت رأسها إليه بهدوءٍ شديد .. و أجابت و الإنهاك بادٍ عليها

- لا أعرف .. تقتلني الحيرة يا ( آرثر ) .. ماذا سأفعل الآن ؟

رنّ هاتفها فجأةً ، ففزعت و اعتدلت في جلستها و هي تشهق .. جفل ( آرثر ) من حركتها المفاجأة و قال محاولاً تهدئتها

- هوني عليكِ !.. إنه الهاتف ..

قالت و قد بدى عليها التوتر

- أمي !.. لعلها أمي ، ماذا سأقول لها ؟!
- اهدئي قليلاً يا ( روز ) حتى تحسني التصرف .

أخذت نفساً عميقاً محاولةً ضبط هدوئها .. ثم أمسكت بهاتفها و نظرت إلى الهاتف ، و شعرت بالارتياح حينَ كان المتصل السيدة ( سارة ) ..

قالت لـ ( آرثر )

- إنها السيدة ( سارة ) ، أجب عليها أرجوك .

قال و هو يلتقط الهاتف من يدها

- حسناً .

ثم غادر السيارة و أغلق الباب خلفه و أجاب ..
أبتعد قليلاً ، حيث كانت ( روز ماري ) لا تستطيع سماعه .. فعادت و ألقت بنفسها على المقعد و هي تفكر بوالدتها و ( صوفي ) .

كيفَ ستخبرهما بما حصل ؟..
مسحت الدموع من عينيها و مسحت على رأسها بكلتا يديها و هي تقول

- يا إلهي ..

بعد دقائق قليلة عاد ( آرثر ) ، أعطى ( روز ماري ) هاتفها و هو يوضح سبب اتصال السيدة

- كانت تتساءل أينَ نحن ، لأجل الاحتفال ..

قالت ( روز ) متذكرة

- آه !.. لقد نسيتُ أمر الحفل .
- لا تحملي هماً ، قد وضحت لها الأمر .

قالت و هي تنظر إلى هاتفها بهدوء

- جيد .

نظر إليها ( آرثر ) صامتاً ، ثم قال

- يجب أن آخذكِ إلى منزلكِ الآن .

تجمعت الدموع في عينيها اللتينِ لم تبعدهما عن هاتفها .. و أصدرت زفرةً عميقةً من جوفها المحترق ..

أمسكَ ( آرثر ) بيدها و قال مهوناً عليها الأمر

- يجب أن تذهبي و تخبري السيدة ( كاثي ) و ( صوفي ) بالأمر ، سأكون بجانبك .. لا تخافي .

التفتت إليه و قالت باكية

- ماذا أقول لهما ؟.. لا أستطيع أن أزف لهما خبراً كهذا .. لا أقوى !..
- سأفعل أنا ذلك نيابةً عنكِ إذاً .. حسناً ؟

هزت رأسها موافقةً على رأيه ، فقال لها

- حسناً .. نامي قليلاً الآن .. هيا .

مسحت دموعها و اسندت رأسها المثقل بعظم المصيبة ، لكنها لم تستطع أن تغمض عينيها .. صورة ( جودي ) تحضرها كل حين ..
( جودي ) التي ماتت و هي غاضبةً منها ، التي ماتت باكية و مخذولة منها و من ( آرثر ) ، ( جودي ) التي ماتت حزينة و خاسرة رغم كل محاولاتها ..

غادرت ( جودي ) ، و ظلت ( روز ماري ) تحمل هماً ثقيلاً .. كيف تواجه والدتها و شقيقتها ( صوفي ) به ؟!..


=========

توقفت سيارة ( آرثر ) بالقرب من منزل السيدة ( كاثي ) ، فتسارعت نبضات ( روز ) و هي تنظر إلى المنزل ، تسللت البرودة إلى أطرافها .. فضمت يديها و نظرت إلى ( آرثر ) بعينينٍ خائفتين .

نظر إليها ( آرثر ) و قال محاولاً إبعاد التوتر عنها

- إن لم ترغبي بالنزول معي فانتظري هنا .. حتى أخبرهما بالأمر .

استحسنت ( روز ماري ) الفكرة ، و قالت بعد أن أخذت نفساً بددَ خوفها قليلاً

- حسناً .. لكن رجاءً ، لا تفاجئهما ..
- سأحاول ..

قال ذلك ثم غادر السيارة ، و ظلت ( روز ماري ) تراقبه بعينينٍ مغرقتين ..

وصل ( آرثر ) عندَ الباب ، فرنّ الجرس .. و طرقَ الباب .

كانت السيدة ( كاثي ) في المطبخ ، فصاحت على ( صوفي ) حينَ سمعت صوت الجرس

- ( صوفي ) ؟.. انظري من بالبابِ يا عزيزتي .

قالت ( صوفي ) و هي تقف

- ذاهبة لأرى يا أمي ..

و ذهبت عند الباب ، فتحته .. و اتسعت عيناها دهشةً من رؤيةِ ( آرثر ) ..
قال ( آرثر ) بعد لحظات

- كيفَ حالكِ يا ( صوفي ) ؟

عقدت ( صوفي ) حاجبيها و قالت باغتضاب

- كيفَ جئت ؟!.. ما هذه الجرءة التي تحملها حتى جاءت بكَ إلى هنا يا ( آرثر ) !؟..

صمتَ ( آرثر ) ، و لم ينزعج من قولها .. بل تفهمَ ذلك ..
سألت ( صوفي )

- ماذا تريد ؟
- أينَ السيدة ( كاثي ) ؟
- إنها بالداخل .
- ليتكِ تطلبينَ منها المجيء إلي ، أريد رؤيتها .

صمتت تنظر إليه بعينينٍ متسائلتين ، ثم قالت

- يمكنكَ أن تتفضل .

و افسحت له الطريق ، لكنه امتنعَ الدخولَ قائلاً

- إني مستعجل ، سأنتظرها هنا .

لم ترغمه على الدخول ، لكنها شعرت بالارتياب .. فدلفت إلى الداخل ، و التقت بها والدتها عندَ غرفة المعيشة و سألتها

- من بالباب ؟

قالت ( صوفي ) و هي تنظر في عيني والدتها بقلق

- إنه ( آرثر ) ، يريد رؤيتك .

عقدت السيدة حاجبيها في دهشة ، و قالت بانزعاج

- ( آرثر ) ؟!.. و ماعنده ؟
- لا أعرف يا أمي ، لكن بدى لي أنّ الأمر ضروري .

صمتت السيدة ( كاثي ) مفكرة ، ثم قالت

- سأرى ما عنده .

ذهبت عند الباب ، و حينَ أقبلت على ( آرثر ) قالت بهدوء

- طلبت رؤيتي !.. ماذا تريد ؟
- كيفَ حالكِ سيدتي ؟

قالت السيدة متعجبة

- أوَ تسألني عن حالي يا ( آرثر ) ؟!.. ألستَ تعرفُ كم أرقتني بفعلكَ الشنيع بابنتي ؟!

قال ( آرثر ) و هو ينزل نظره

- أنا آسف .. لكن ..

قاطعته السيدة ( كاثي ) بانفعال

- و والدتكَ لم تكتفي بما فَعلْتَه !.. جاءت لتُطيحَ بآخرِ قواي !.. ألا تخجلون ؟؟

رفعَ بصره إليها و قال

- لستُ هنا لأتحدثَ عن كل هذا يا سيدة ( كاثي ) ، لدي ما هو مهم .. اسمعيني رجاءً .

صمتت لبرهة ، ثم قالت و هي لا تزال منفعلة

- أنا أسمعك .

صمتَ قليلاً ليفكرَ كيفَ يبدأ بالأمر .. ثم قال

- ( روز ماري ) معي ، هي لا تزال جالسةً في السيارة ..

و التفتَ حيث سيارته .
أطلت السيدة ( كاثي ) فرأت ( روز ماري ) التي كانت تنظر نحوها من خلال زجاج النافذة ..

نظرت السيدة لـ ( آرثر ) من جديد و هي تتساءل

- ماذا هناك ؟.. لا أستطيع الفهم !.. هل حل شيءٌ بـ ( روز ) ؟
- لا .. لكن .. قد حل شيءٌ بـ ( جودي ) .

شعرت السيدة ( كاثي ) بقلبها ينقبض .. فعادت النظر إلى السيارة ، ( جودي ) لم تكن هناك .!

نظرت من جديدٍ إلى عيني ( آرثر ) و سألت و هي ترتعد

- ماذا أصاب ( جودي ) ؟.. أينَ هي ؟

صمتَ قليلاً و أنزل رأسه ، ثم قال بنبرةٍ حزينة

- لقد تعرضت ( جودي ) لحادثٍ ، و ماتت .

ظلت تنظر السيدة في وجه ( آرثر ) بعينينٍ مشدوهتين .. ثم أدمعت عينيها و هي تقول بألم

- ابنتي ..

و صرخت باكية بصوتٍ أعلى

- ابنتي ( جودي ) ..

خرت قواها .. فجلست على عتبة الباب تبكي بكاءً شديداً ..

نظرَ ( آرثر ) خلف السيدة ( كاثي ) ، فإذا بـ ( صوفي ) واقفةً تضع يديها على فمها من هول الصدمة ، و عينيها تسكبان الدمع بغزارة

التفتَ نحو ( روز ) ، التي كانت تنظر إلى والدتها و تبكي ..
حين استدار إليها ( آرثر ) ، خرجت من السيارة و ذهبت مهرولةً إلى والدتها .

جلست عندها و ضمتها ، قالت السيدة ( كاثي ) لـ ( روز ) و هي تبكي

- ماتت ( جودي ) يا ( روز ) ، ماتت حبيبتي ..

اقتربت منهما ( صوفي ) و جلست عندها ، و قالت

- انهضا أرجوكما .. انهضي يا أمي ..

حينها غادرهم ( آرثر ) ، و دخل الجميع إلى المنزل بالنحيب و العويل .. قد انطفأت شمعة ( جودي ) و ها هن ينصبن العزاء و الرثاء لفقدها .

==========

في صباح اليوم التالي .. فتحت ( روز ماري ) عينيها على صوت بكاء شقيقتها ( صوفي ) ، التفتت نحوها .. فوجدتها جالسةً قبالة سرير توأمها الراحلة ( جودي ) .. تضع وجهها في كفيها و تبكي .

نهضت ( روز ) و مشت عند ( صوفي ) ، جلست بجانبها و احتضنتها قائلة

- عزيزتي ، كفي عن البكاء أرجوكِ .

قالت ( صوفي ) و هي تجهش باكية

- لقد رحلت شقيقتي ( جودي ) ، رحلت توأمي .. رفيقةَ عمري .. لقد فقدتُ جزءً مني يا ( روز ) .
- أفهم ذلك ، لكن أرجوكِ اهدئي ..

مسحت دموعها و قالت و هي تنظر في وجه ( روز ) برجاء

- أريد رؤيتها قبل أن تدفن !.. أريد معانقتها قبلَ أنْ تكونَ تحتَ الثرى .. أريد الاكتفاء قليلاً منها ..
- سيمكنكِ ذلك .. سترينها و تعانقيها و تقبلينها أيضاً .

فجأةً سمعت الفتاتين صوتَ بكاءٍ قادمٍ من الأسفل ..
وقفت ( روز ) فزعةً قائلة

- أمي !

و تحركت بسرعةٍ لتغادر الغرفة و تنزل حيث والدتها ..
تبعتها ( صوفي ) و قد كفت عن ذرف الدموع ، فقد أثارها صوت البكاء .. كان شديداً ، لم يكن هذا الصوت لوالدتها فقط !

حينَ نزلت الفتاتين ، وجدتا والدتهما و السيدة ( جوان ) و ( إيميلي ) .

كانت السيدة ( جوان ) تبكي معانقةً السيدة ( كاثي ) التي ثارت بالبكاء و النحيب .

وقفت الفتاتين تنظران .. بينما اقتربت منهما ( إيميلي ) و الدموع قد انحدرت على وجنتيها .
عانقت ( صوفي ) التي انفجرت بالبكاء هي الأخرى .. و بعد دقيقةٍ عانقت ( روز ) التي ذرفت دموعها بصمت ..

و بعدَ أن كفتا البكاء ، قالت ( إيميلي ) لـ ( روز )

- إن ( آرثر ) يريد رؤيتكِ يا ( روز ) .

حدقت ( روز ماري ) في ( إيميلي ) متفاجئة ، ثم نظرت إلى ( صوفي ) التي بادلتها النظرات .. بعد ذلك قالت و هي تنظر إلى ( إيميلي ) متسائلة

- أينَ هو ؟
- في الخارج .
- حسناً .

و مشت إلى الخارج ، فتحت باب المنزل فوجدت ( آرثر ) .
نظرَ إليها ( آرثر ) و قال

- ( روز ) !..
- أهلاً ( آرثر )

تأمل ( آرثر ) ملامحَ ( روز ) .
كان الإرهاق بادٍ على وجه ( روز ماري ) المصفرّ الشاحب .. عيناها ذابلتان ، و وجهها هزيل !
قال ( آرثر ) متألماً على حالها

- تبدينَ متعبةً جداً !

صمتت قليلاً ، ثم قالت بهدوء

- فَقْدُ ( جودي ) كان صعباً ، و حال أمي و ( صوفي ) يمزق القلب ..

انكس ( آرثر ) رأسه و قال بصوتٍ حزين

- آسف .. ربما كنت أنا السبب فيما حدث .

اتسعت عينا ( روز ) حينَ سمعت ذلك من ( آرثر ) ، بينما استطردَ قائلاً و هو ينظر بعيداً

- فكرتُ كثيراً بما حدثَ ليلةَ البارحة ، لو لم أصفعها .. لو لم أصرخ في وجهها و أنزل عليها غضبي .. ما كان ذلكَ قد حدث .

قالت ( روز ماري ) متعاطفةً مع ( آرثر )

- لا تُحمّل نفسكَ ذنباً لم ترتكبه ، هي غادرت بذاتها و اندفعت في الشارع ، لم تدفع بها أنت !

نظرَ إليها و قال بذاتِ النبرةِ الحزينة

- لقد أثارتني .. حتى آخر لحظةٍ كانت تسعى لأن تحول بيني و بينكِ رغمَ انفصالنا ..

لزمت ( روز ماري ) الصمت و هي تنظر إليه .. فأضافَ و الحزن ظهرَ على وجهه

- فهمتُ أخيراً .. أنّي ظلمتكِ كثيراً ..

صمتت ( روز ماري ) و انزلت عينيها ، شعرت بالدموع تقتحم مآقيها ..
تأخرَ ( آرثر ) كثيراً في فهم ذلك ، لكن من الجيد أنه قد فهم ، على الأقل هو يعترف بذنبه .

رفعت عينيها نحوه حينما سمعته يقول

- أراكِ عندَ مراسيم الدفن ، كوني بخير .

لم تقل شيئاً .. لكن دموعها تساقطت من عينيها و هي تحدق فيه .
استدار ( آرثر ) و غادر مبتعداً .. ظلت ( روز ) تحدق فيه .. و تتساءل ، ترى ماذا حصلَ بينه و بينَ ( جودي ) بالأمس ؟..

تنهدت بحرقةٍ و همست

- آهٍ يا ( جودي ) .. قد أضعتينا و رحلتي ..

========

بعد مضي ثلاثة أيامٍ من وفاة ( جودي ) ، سكنَ البكاء و النحيب .. إنما غمامة الحزن لم تنجلي .. ما زال يسود منزل السيدة ( كاثي ) الحزن و الكآبة .

قبيلَ الغروب .. كانت ( صوفي ) تمشي بهدوءٍ شديدٍ في المقبرة ، و هي تحمل في يدها وردة حمراء .. تتجه إلى قبر شقيقتها ( جودي ) و ألم فقدها يعتصرها .

حينَ اقتربت من قبرِ ( جودي ) ، توقفت .
كان هناك شخصٌ يقف عند قبر ( جودي ) .. و تساءلت من ذاك الذي يقف على قبر شقيقتها ؟

اقتربت و علامات التساؤل باديةً على وجهها .
حينَ أحسَ الشاب بخطوات ( صوفي ) .. التفتَ إليها ، فتوقفت ( صوفي ) متفاجئة .. و قالت

- ( بيتر ) !..

استدار إليها و ألقى التحية

- مرحباً ( صوفي )

اقتربت منه و هي تجيبه

- مرحباً بك ..
- آسفٌ لما حدث .. لم أستطع حضورَ الدفنِ لأني كنت منشغلاً .. فجئتُ لزيارةِ ( جودي ) .

لم تعقب ( صوفي ) .. بل جلست عندَ قبر شقيقتها و وضعت الوردة على ثراه .
سألَ ( بيتر )

- كيفَ حال السيدة ( كاثي ) .

وقفت ( صوفي ) و نظرت إليه قائلة بهدوء

- أفضل حالاً من الأمس .. على الأقل توقفت عن البكاء و التحسُّر .

عقد ( بيتر ) حاجبيه و تساءل

- تتحسرُ على ماذا ؟!
- على شدتها مع ( جودي ) في الأيام الأخيرة .

صمتَ ( بيتر ) برهةً .. ثمّ سألَ و قد هدأ صوته

- ماذا عن ( روز ) ؟.. كيفَ حالها ؟
- جيدة .

و نظرت من جديدٍ إلى قبر شقيقتها .
فكّر ( بيتر ) ، ثم قال بصوتٍ هادئ

- هل ستغفر ( روز ) لـ ( جودي ) ؟!

فاجأها سؤال ( بيتر ) ، فالتفتت إليه بعينينٍ واسعتين .. بينما أردفَ ( بيتر ) و هو يحدق في قبر ( جودي )

- لقد أفسدت ( جودي ) حياة ( روز ) ، تحايلت كثيراً حتى استاطعت أن تحقق مبتغاها .

في هذه الأثناء ، كان ( آرثر ) مقبلاً نحو قبر ( جودي ) ، و لكنه توقفَ حينَ رأى ( بيتر ) ..

تناهى إلى مسامعه سؤال ( صوفي )

- كنتَ شريكاً معَها ، أليسَ كذلك ؟

أجاب بعد صمتٍ قصير ..

- ليسَ منَ البداية .. قد تلقيتُ الرسالةَ من هاتف ( روز ماري ) دونَ أنْ أدركَ أنها لعبةٌ من ( جودي ) ، لذلكَ كنتُ واثقاً أنها ( روز ) من أرسلت إلي .. حتى واجهتني ( روز ماري ) و نفت أنها المرسلة .. و اعترفت لي ( جودي ) بعدها أنها هي من أرسلتها ، كانت قد دبرت لقائي بـ ( آرثر ) ، استغلتني حتى تفسدَ ما بينَ ( روزي ) و ذاك الشاب .

تجمدَ ( آرثر ) في مكانه و هو يصغي لحديثِ ( بيتر ) ، و أفلتت يده باقةَ الوردِ الأبيض التي جاء بها لـ ( جودي ) .. فما سمعه أفقده الإدراك للحظات ..

قالت ( صوفي ) بانزعاجٍ و هي تحدق في عيني ( بيتر )

- معَ ذلكَ لزمتَ الصمت و لم تعترف يا ( بيتر ) ، لم تفصح لنا عن حقيقةِ الأمر .. بل راقت لكَ خططَ ( جودي ) و استمريتَ في التحايل و الخديعة معها !

قال ( بيتر ) و قد علت نبرة صوته

- كان هدفنا مشتركاً ، كلانا سيحصل على فرصةٍ للاقتراب ممن يحب !.. لذلكَ تعاونت معها ، لقد أذنبتُ حقاً و أنا نادمٌ على ذلك .. لأنه اتضحَ لي أنّ ( روز ) لا ترغب بي مهما حدث .

ثم أضاف بأسف

- أتمنى أن تسامحني أنا أيضاً .. فكم من كذبةٍ كذبتها ..

جاءهُ صوت ( آرثر ) قائلاً بغضب

- إن سامحتكَ ( روز ) فأنا لن أسامحكَ أبداً !

ألتفتَ ( بيتر ) ناحية الصوت ، و كذلكَ ( صوفي ) التي اتسعت عيناها الزرقاوتين و قالت بقلبٍ مقبوض

- ( آرثر ) !؟.

أقتربَ ( آرثر ) مسرعاً و دفعَ ( صوفي ) من أمامه ليعبر لـ ( بيتر ) ، و وجّه لكمةً مباشرة إلى وجهِ ( بيتر ) .
شهقت ( صوفي ) و نادت بفزع

- آه !.. ( آرثر ) ماذا تفعل ؟!

تراجع ( بيتر ) و هو يضع يده على وجهه متألماً .
أقتربَ ( آرثر ) منه و شدّه من ياقته و قال صارخاً

- لقد أفسدتَ حياتي !.. أتعرف ذلكَ أيها الدنيء ؟!
-
- و وجه لكمةً أخرى لـ ( بيتر ) ، و كذلكَ ثالثة !

أمسكت ( صوفي ) بـ ( آرثر ) و الذعر يملؤها و هي تتوسل إليه

- أتركه يا ( آرثر ) ، أرجوك !

قال ( آرثر ) و هو ينظر لـ ( بيتر ) و الشرر يتطاير من عينيه

- هل تعرف كم عانينا بسببك ؟!.. كم تألمنا و تأرقنا ؟.. أنا لن أغفرَ لكَ و لا لـ ( جودي ) إن لم تقبل بي ( روز ماري ) ثانيةً !

لم ينطق ( بيتر ) بكلمةٍ واحدة ، كان يضع يده عند أنفه الذي بدأ بالنزف .

اشتدّ قلق ( صوفي ) على ( بيتر ) ، فقالت و هي تشد على ذراع ( آرثر )

- دعه يا ( آرثر ) ، أتوسل إليك !

دفعه ( آرثر ) و هو يقول

- أغرب الآن .. أغرب عن وجهي !

ابتعد ( بيتر ) و هو يلهث ..
قالت ( صوفي ) بانفعال

- ماذا فعلت ؟.. لقد أدميته !

ألتقطَ ( آرثر ) أنفاسه ، ثم قال

- قتله لن يكونَ كافياً يا ( صوفي ) ، لقد دمرني أتفهمين ؟!

قالت ( صوفي ) و هي تعقد حاجبيها

- قد جئتُ إليكَ بذاتي و أخبرتكَ عن حقيقةِ الرسالة ، لكنكَ كذبتني !.. كلكم مذنبون ، و الضحيةُ الوحيدة هي ( روز ماري ) .

حدق في عينيها الغاضبتين ، ثم تنهدَ و لزم الصمت .. نظرَ إلى الساعةِ على معصمه ، كان الغروب قد حل .. و يجب عليه الآن الذهاب إلى المدرسةِ الداخلية للعودةِ للعمل .

قالت ( صوفي )

- أنا ذاهبة الآن ..

قاطعها قائلاً بعجل

- أينَ ( روز ) ؟
- في المنزل !
- سآتي معكِ إذاً .. هيا بنا .
=========

عندَ باب منزل السيدة ( كاثي ) ، وقفت ( صوفي ) و ( آرثر ) .. الذي قال لها

- حينَ تدخلينَ استدعي ( روز ماري ) .

نظرت إليه قاطبةً و قالت

- سأناديها ، و لكن ثق أن قلبَ ( روز ) متحاملٌ عليكَ كثيراً .. ربما لن تسامحكَ على ما فعلته بسهولة .

ازدردَ ريقه و قال محرجاً

- مع ذلكَ لابدّ لي من المحاولة .. لابدّ أن تغفرَ لي ، أحبها يا ( صوفي ) صدقيني ! .. لن أقبلَ إلا أن نعودَ حبيبين كما كنا .

تنهدت ( صوفي ) ، ثم فتحت الباب و دخلت إلى الداخل .

كانت ( روز ماري ) في المطبخ تساعد والدتها على تحضير طعام العشاء ، دخلت عليهما ( صوفي ) و ألقت التحية .. فأجابت السيدة و ( روز ) ، ثم قالت ( روز ) تخاطب ( صوفي )

- لقد غَرُبتْ الشمس و حل المساء ، و كأنكِ تأخرتي ؟!

هزت ( صوفي ) رأسها بالإيجاب ، و قالت موضحةً السبب

- كنتُ قد رأيت ( بيتر ) هناك ، فتبادلنا الحديث .
- اها !

ثم مشت ( صوفي ) مقتربةً من ( روز ماري ) و قالت بهدوء

- ( آرثر ) في الخارج ، يريد الحديث معكِ .

التفتت السيدة ( كاثي ) إليهما حينَ سمعت اسم ( آرثر ) ، فشعرت ( روز ماري ) بالتردد .. نظرت إلى ( صوفي ) بصمتٍ و حيرة ..

قالت السيدة ( كاثي )

- انظري ماذا يريد ، لقد وقفَ طويلاً على الباب .. أدخليه إلى المجلس .

قالت ( روز ) طائعةً

- حسناً .

و مشت بسرعةٍ إلى الخارج و التساؤلات تغزو رأسها ، ماذا يريد ( آرثر ) الآن ؟!

رأته عند الباب ، و حين وقعت عينيه على ( روز ماري ) اعتدل في وقفته و قال بقلبٍ يخفق

- ( روز ) !
- ما الأمر يا ( آرثر ) ؟.. ثم لما تقفُ خارجاً ، تفضل .
- لا داعي لذلك ..

قالت ( روز ) بإلحاح

- تعال إلى حديقة المنزل إذاً ، هيا !

افسحت له و دخل إلى الداخل ، و وقف ينتظرها .
أغلقت هي الباب و قالت له و هي تشير على المقعد

- تفضل أرجوك .
- أنا مستعجل ، سأذهب إلى عملي الآن .. لكن ..

صمتت تنظر إلى عينيه باهتمام ، فقال بهدوء

- أتذكر جيداً ما حدثَ هنا .. كيفَ أسأت إليكِ ، و أقسمتي أن لا تغفري ..

أبعدت ( روز ) عينيها الخضراوتين عنه .. و شعرت بدقات قلبها تسرع ارتباكاً ، كم كانت تلكَ الليلةُ قاسيةً عليها ..

تابع ( آرثر )

- أعرفُ أني أخطأت ، و أذنبت بحقك .. لكنّ الغيرةَ قد أعمت بصيرتي .. و ( جودي ) و ( بيتر ) قد أحسنا خداعي .. لكني تيقنت الآن من تسرعي و براءتك .. و جئت معتذراً نادماً إليكِ ، قد أصغيت لحديثِ ( بيتر ) مع ( صوفي ) منذ قليل ، و قد اعترفَ بكذباته و خداعه هو و ( جودي ) ..

صمتَ برهةً و قال و هو ينكس رأسه

- أحسست بداخلي يحترق ، لقد استغفلاني و كنتُ .. كنتُ أحمقاً لأني لم أثق بك .

أعادت ( روز ) عينيها إليه ، و رفعَ ( آرثر ) رأسه إليها .. و التقت عيناهما .. فقال برجاءٍ و انكسار

- سامحيني .

بعدَ صمتٍ ، قالت ( روز ) بهدوء

- سامحتك ..

اتسعت عينا ( آرثر ) دهشة ، لم يكن يتصور أنّ ( روز ماري ) ستسامحه بهذه السهولة ! ، كان يعتقد أن الأمر سيكلفه العناء .

ابتسم بسعادةٍ ثم قال

- شاكرٌ لكِ .

صمتت و لم تقل شيئاً .. فقال بارتياح

- أريد الذهاب إلى عملي و قلبي مطمئن ، أتمنى أنْ .. أنْ نعودَ لبعضنا .

قالت و قد احتدت نبرة صوتها

- ذلك مستحيل .

علت تعابير الخيبة وجهه ، و قال

- أرجوكِ ( روز ) ..
- لا يا ( آرثر ) ، وفاة ( جودي ) .. جعلنا في موقفٍ واحدٍ صعب .. لذلكَ ساعدني على مسامحتك .. لكنني لا أستطيع النسيان ، و الجرح بقلبي لا أعتقد أنه سيتلاشى .. لقد تركتَ وصمةً في قلبي من ناحيتك !.. لا أستطيعُ المسحَ بكرامتي و الارتباط بكَ من جديد .

استمع إليها بكل حواسه ، حتى شعرَ أنه يحترق ، ربما هي محقة .. لقد أهانها كثيراً ذات ليلة ، ألا يكفي أنها عفت عنه ؟!

لا .. لا يكفي ..

أمسكَ بيديها ، لكنها سحبت يديها من كفيه و قالت بحزم

- أرجوك ، انتهى الحديثُ الآن .

تنهدَ و القهر يحطم قلبه ، ثم قال

- حسناً ، لكن لنا حديثٌ آخر .. سأمنحكِ وقتاً ، حينها فكري بي ، و بقلبي الذي أحبكِ باخلاص .. فأنا لم استطع رغم انفصالي عنكِ أن اتخلى عن عشقك .. أتمنى أن تمنحيني قلبكِ يوماً ما من جديد .. و أنا سأكون منتظراً إياكي ، سأعود ..

تجمعت الدموع في أحداقها و هي تنظر في عينيهِ الصادقتين .. فابتسم و تابع في همس

- أتمنى حينها أن لا تكسري قلبي .. فقد كُسِرَ مخذولاً مني ، و لن يقوى على خذلانٍ آخرَ منكِ .. فلن يضركِ أن تهبيه السعادة ، و هو سيكون واثقاً بكِ و وفياً طولَ العمر .
-
- انحدرت دموعها على وجنتيها .. و لزمت الصمت ، فاستدار بصمتٍ و غادر .
-
أخذت نفساً عميقاً و أطلقت تنهيدة طويلة ، ثم رفعت رأسها إلى السماء و قالت في داخلها

- كخيالٍ جميل ، تبدو يا ( آرثر ) .. لكنكَ خلفتَ واقعاً مريراً أجهشني و هشمَ قلبي .. أنْ أتغاضى عما فعلت ، و العودة إليكَ بندبةٍ في القلب أمرٌ صعب .. كيفَ أحتوكِ بقلبٍ مثقوب !.. لكن ربما .. ربما يوماً ما ..


 

رد مع اقتباس