عرض مشاركة واحدة
قديم 01-10-20, 09:50 AM   #14
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (01:41 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



_10_

الوسائل المفيدة للحياة السعيدة

العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة
وأنها قصيرة جداً، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال
مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار، ولا فرق في هذا بين البر والفاجر، ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر، والنصيب النافع العاجل والآجل.

وينبغي أيضاً إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره.

وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه وخوفه، ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه، فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت، ويسعى في دفع ما لم يقع منها وفي رفع ما وقع أو تخفيفه.

ومن الأمور النافعة أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصاً في الأقوال السيئة، لا تضرك بل تضرهم، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تضع لها بالاً لم تضرك شيئاً.

واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة. وإلا فالأمر بالعكس.

ومن أنفع الأمور لطرد الهم أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق، فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله. فلا تبال بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه:

(إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً) (16).

ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد ومن قوة اتصالك بهم فمتى وطنت نفسك على إلقاء الشر عنهم، فقد أرحت واسترحت، ومن دواعي الراحة أخذ الفضائل والعمل عليها بحسب الداعي النفسي دون التكلف الذي يقلقك، وتعود على أدراجك خائباً من حصول الفضيلة، حيث سلكت الطريق الملتوي، وهذا من الحكمة، وأن تتخذ من الأمور الكَدِرَة أموراً صافية حلوة وبذلك يزيد صفاء اللذات، وتزول الأكدار.

اجعل الأمور النافعة نصب عينيك واعمل على تحقيقها، ولا تلتفت إلى الأمور الضارة لتلهو بذلك عن الأسباب الجالبة للهم والحزن واستعن بالراحة وإجماع النفس على الأعمال المهمة.

ومن الأمور النافعة حسم الأعمال في الحال، والتفرغ في المستقبل لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة، فتشتد وطأتها، فإذا حسمت كل شيء بوقته أتيت الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل.

وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم فالأهم، وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة، فما ندم من استشار، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.

والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[كتاب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله]

............

16- سورة الإنسان: آية 9.