عرض مشاركة واحدة
قديم 02-20-21, 03:34 PM   #30
أعيشك

الصورة الرمزية أعيشك
غيّمُ السّلام.

آخر زيارة »  يوم أمس (07:51 PM)
المكان »  عاصِمة النساء.

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



لم أُولد لأعيش،
هكذا عرفت الطريق الذي سأسلكهُ جيدًا،
منذُ أن أدركت بأني أكبر عن أبي
في غُرفة ضيقة بدون أُم،
وإن عليّ التسلُل إلى نوافذ المدرسة،
كُل صباح لأرى من أكبر مني،
وأسمع مايقوله لهم المُعلمون من خلف الجدران.
كبرت وأنا أُشاهدهم بِرفقة آبائهم بكرّاساتهم،
وألعابهم والبعض منهم بهواتفهم،
وأنا التي لم أستطع إقتناء هاتفًا إلّا بعد
أن تجاوزت ثلاثة وعشرين سنة،
ودفعت آخر قسط منه بعد أن أتممت الرابعة والعشرين.
في الوقت الذي كانوا يستظلّون فيه تحت أسقف مدارسهم،
كنت أقف في مُنتصف شارع ما من أجل إزدحام السير،
أنظر للسيارات بأنواعها،
وأُحدق بوجوه من فيها،
أبتسم كثيرًا حين أقف هُناك،
وأعود باكية في المساء دون أن أذرف دمعة واحدة.
حتى هذه اللحظة لم أتجرأ يومًا بمُشاركة أي شيء مع الآخرين،
ولا التفكير بالإنخلاط معهم،
كبرت وحدي بعيدًا عنهم،
مُكتفية بمُراقبة أؤلئك الذين يُبادلون الأحضان
والقُبل والتلويح والشتائِم.
لطالما أردتُ أن أكسر هذا الحاجز،
فكّرت بكُل شيء،
حتى بِأن أخوض شجارًا مع أحد المّارة،
وأعتذر له بعد ذلك.
ولكن مع السنوات ماتت تلك الرغبة تمامًا.
الآن لا أستطيع التخيّل ولو لمرة واحدة،
بأنني سوف أعترف بمشاعري لرجُل،
أو سأخوض علاقة مع آخر،
رُغم كوني أُحب مشاهدة العشّاق يسيرون،
أستمتع بالنظر دائمًا لإيماءاتهم وخجلهم،
وإرتباكهم وجُرأتهم،
وأرى رغباتهم جليّة بينهم في نظراتهم
الخاطفة لبعضهم البعض.
الأمر ليسَ تقصيرًا على الواقع فحسب،
حتّى هُنا حين جئت إلى "المُنتدى"
لم أجرؤ على وضع قلبًا أو يد كصورة عرض،
أنا لستُ عرضة للحُب،
ولا أستطيع الإمساك بأحد،
وليست لديّ صورة لوجهي،
لأن لا أحد يراني،
وضعت صورة مُشوشة لأني لم أُولد لأعيش،
بل ولدتُ لأُراقب فقط.


 

رد مع اقتباس