عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-21, 08:11 AM   #27
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (02:04 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



قصة التحكيم وظهور الخوارج:

استمرَّ القتال على أشُدِّه طَوَال الليل, وبدأت الكفَّة ترجح بشدَّة لصالح عليٍّ , وبدأت الهزيمة تدبُّ في جيش معاوية, وكان النصر وشيكًا، عندئذٍ فكَّر "عمرو بن العاص" في حيلة تُخرج جيشه من هذه المشكلة, فأشار على "معاوية" أن يرفع المصاحف, في إشارة إلى تحكيم كتاب الله فيما حدث, وذلك حتى لا يزيد القتل بين المسلمين, ففعل معاوية ذلك, ورضي عليُّ بن أبي طالب وأكثرية جيشه بأمر التحكيم, وأخرج كلا الجيشين رجلاً منهم للتحكيم, فخرج " عمرو" من جيش معاوية, و"أبو موسى الأشعري" من جيش عليٍّ، والتقى أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص -رضي الله عنهما- في مكان (صِفِّين), وبدآ يفكِّران في كيفية إيجاد حلٍّ لهذه المعضلة التي ألمَّت بالمسلمين، فاتَّفقا ابتداءً على كتابة كتابٍ مبدئي يضع أُسُس التحكيم, ولن يكون هو الكتاب النهائي. فكتبوا: "هذا ما تقاضي عليه عليُّ بن أبي طالب, ومعاوية بن أبي سفيان، أننا نزلنا عند حكم الله وكتابه, ونُحْيِي ما أحيا الله, ونميت ما أمات الله, فما وجد الحكمان في كتاب الله عَمِلا به, وما لم يَجِدَا في كتاب الله، فالسُّنَّة العادلة الجامعة غير المتفرِّقة".

ثم ذهب كلٌّ من الحكمَيْنِ إلى كل فريق على حِدَةٍ, وأَخذا منهما العهود والمواثيق أنهما -أي الحكمين- آمنان على أنفسهما وأهليهما, وأن الأُمَّة كلها عونٌ لهما على ما يريان, وأن على الجميع أن يُطيع ما في هذه الصحيفة. فأعطاهم القوم العهود والمواثيق على ذلك, فجلسا معًا, واتَّفقا على أنهما يجلسان للحُكْم في رمضان من نفس العام، وكان حينئذٍ في شهر صفر سنة (37هـ)؛ وذلك حتى تهدأ نفوس الفريقين، ويستطيع كلُّ فريق أن يتقبَّل الحكم أيًّا كان، وشهد هذا الاجتماع عشرة من كل فريق, وممن شهد هذا الاجتماع عبد الله بن عباس, وأبو الأعور السُّلَمِيُّ, وحبيب بن مسلمة, وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد. وخرج الأشعث بن قيس, والأحنف بن قيس رضي الله عنهما، وهما من فريق عليِّ بن أبي طالب ، وقرأ الأشعث بن قيس الكتاب على الفريقين, فوافق الجميع على هذا الأمر, وبدءوا في دفن الشهداء والقتلى, يقول الزهريُّ: كان يُدفن في كل قبر خمسون نفسًا؛ لكثرة عدد القتلى والشهداء.

كادت الفتنة -بهذا الرأي الأخير حول التحكيم وتهدئة الأوضاع الثائرة- أن تنتهي, إلا أن فرقة من جيش عليٍّ , لما رجعت إلى الكوفة أخذت تُردِّد مقولة: "أتحكِّمون الرجال في دين الله؟" وأعلنوا غضبهم من أمر التحكيم قائلين: لا حكم إلا لله.

ظهور الخوارج:

لما عاد عليُّ بن أبي طالب إلى الكوفة, سمع رجلاً يقول: ذهب عليٌّ ورجع في غير شيء!! وفي هذا لوم له على أمر التحكيم. فقال عليٌّ t: لَلَّذِين فارقناهم خيرٌ من هؤلاء، وبلغ عددُ مَن يردِّد كلمة: "لا نحكِّم الرجال في دين الله, ولا حكم إلا لله"، اثني عشر ألف رجل, وكان أكثرهم من حفظة القرآن الكريم, وسُمُّوا بالخوارج؛ لأنهم خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب , وقد تنبَّأ بهذه الطائفة الرسول العظيم ، وهذا من دلائل نبوَّته القائل: "تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ". فلم يكن من عليِّ بن أبي طالب إلا أن ذهب إليهم ليحاورهم, ويردَّهم بالتي هي أحسن, وناقشهم فيما أخذوه عليه, ثم أرسل إليهم حَبر الأُمَّة "عبد الله بن عباس" , فلما دار هذا الحوار بين عبد الله بن عباس t وبينهم على مدار ثلاثة أيَّام, رجع منهم أربعة آلاف وتابوا على يديه, وعادوا معه إلى الكوفة, فكانوا مع عليِّ بن أبي طالب ، أما الباقون الذين عاندوا ولم يرجعوا عمَّا هم عليه فقد ظلُّوا يتردَّدون على الكوفة، ويتردَّد عليهم رسلُ عليِّ بن أبي طالب لإقناعهم, ولكن دون جدوى.

ومع مرور الوقت، وقرب عقد المجلس الذي سيتمُّ فيه التحكيم، بدأ هؤلاء يتعرَّضون لعليِّ بن أبي طالب بما لا يليق، وخرجوا عن دائرة النقاش المهذَّب, وبدءوا بالسباب والشتائم, وعليٌّ يصبر عليهم, ويردُّ عليهم بالتي هي أحسن تجنُّبًا للفتن, واستمرَّ الوضع هكذا يزداد يومًا بعد يوم، حتى قام له رجل منهم, وهو يخطب، فقال له: يا عليُّ، أَشْرَكْتَ الرجالَ في دين الله, ولا حكم إلا لله. وتنادَوْا من كل جانب: لا حكم إلا لله. فقال علي بن أبي طالب : هذه كلمة حقٍّ أُريد بها باطل. ثم قال: إن لكم علينا ألاّ نمنعكم فيئًا ما دامت أيديكم معنا، وألا نمنعكم مساجد الله, وألا نبدأكم بقتال حتى تبدءونا. ثم بدءوا يُعرِّضون بتكفير عليِّ بن أبي طالب , فقابله رجلٌ منهم يومًا، وقال له: يا عليُّ، لئن أشركت ليحبطَنَّ عملك، ولتكونَنَّ من الخاسرين. فقرأ علي بن أبي طالب قول الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} [الروم:60].

ثم اعتزل هؤلاء القوم الكوفة بالكلية, ولجئوا إلى مكان يُسمَّى النهروان، ومكثوا فيه، ولم يدخلوا الكوفة بعد ذلك، فلما رأى أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب t أن أمرهم بدأ يزيد، ويُشكِّل خطورة على المسلمين، بعث إليهم يقول لهم: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم, فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أُمَّة محمد ، وبيننا وبينكم ألاّ تسفكوا دمًا حرامًا, أو تقطعوا سبيلاً أو تظلموا ذميًّا - يهوديًّا أو نصرانيًّا- فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء, {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58].

ومكث الخوارج في النهروان بعيدًا عن الكوفة, وفي هذا التوقيت كان جيش الشام مستقرًّا دون خلاف مع معاوية بن أبي سفيان .

لنا لقاء آخر ان شاء الله