عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-23, 07:50 AM   #49
عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (09:04 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



سلسلة_كن_صحابياً

4⃣9⃣
الصحابة والدنيا

الدنيا حلوة خضرة، وقد استخلفنا الله سبحانه فيها للابتلاء والامتحان، فالكيس من عمرها بما يقربه إلى مولاه، والعاجز من عمرها واغتر بشهواتها وملذاتها، وقد فقه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ذلك المعنى، فجعلوها مزرعة للآخرة، وقدّموا فيها صالح الأعمال ليوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

نظرة الصحابة إلى الدنيا

فيا ترى ما هو مفهوم الصحابة للدنيا؟
وما هي نظرة الصحابة إلى الدنيا؟

في الحقيقة إن نظرة الصحابة إلى الدنيا كانت نظرة عجيبة جداً، فقد كانت نظرة متوازنة بشكل ملفت للنظر، فهم من جانب لا يُعطون لها قيمة تُذكر في حياتهم، فيتنازلون عنها بسهولة وببساطة شديدة، وكأنها لا تساوي درهماً، ومع ذلك هم من جانب آخر يعملون فيها بجد واجتهاد، فيزرعون ويتاجرون ويتكسّبون المال، ويعمّرون الأرض، فكان منهم الأغنياء الذين لا تُحصى أموالهم، والمُلّاك الذين تجاوزت أراضيهم مئات الأفدنة، فالدنيا في أعين الصحابة لم تكن غاية ولم تكن هدفاً، بل كانت وسيلة إلى إرضاء الله عز وجل،

ومعبراً إلى الآخرة، ومن ثم كانت وسيلة إلى تنفيذ كل ما أمر الله عز وجل به، فالله عز وجل أمر بإعمار الدنيا، فليكن الإعمار، والله عز وجل أمر بكفالة الأسرة والزوجة والأولاد والآباء والأمهات، فليكن العمل في الدنيا لتحصيل المال لكفاية هؤلاء، والله عز وجل حض على الجهاد بالمال، فلا بد من وجود المال حتى يجاهد به، والله عز وجل حض على الوقوف في وجه الكافرين، فلا بد من العمل في الدنيا لإعداد العدة لمواجهة الكافرين.

إذاً: فأنا أشتغل في الدنيا لإرضاء الله عز وجل، فأكسب المال لإرضاء الله، وأتزوج لإرضاء الله، وأخلّف لإرضاء الله، وأعمل كل شيء في الدنيا لإرضاء الله، ومن الممكن أن أكون من أغنى الناس في الدنيا، وفي نفس الوقت أرضي الله عز وجل بهذا المال، وفي نفس الوقت أيضاً لا يوجد عندي مانع أن أترك الدنيا بكاملها وأصبح أفقر واحد فيها إرضاء لله سبحانه وتعالى.

إذاً: فهذه علاقة تفاعلية رائعة فقهها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومعادلة صعبة جداً حققوها بسهولة ويسر، عندما ساروا على منهج الله عز وجل.
إن الدنيا في حقيقتها لا تساوي عند الله شيئاً، ومن ثم فهي لا تساوي عند المؤمنين بالله شيئاً، فلا يجوز التصارع من أجلها، ولا يجوز التشاحن والبغضاء من أجل جزء منها ولو كان عظيماً في أعين الناس، وفي ذات الوقت لا يجوز اعتزالها وتركها وإهمالها، ولا يجوز التأخر فيها، ولا يجوز تركها غنيمة في أيدي أعداء الدين.
إذاً: لنتأمل كيف فقه الصحابة هذا الفقه المستنير لحقيقة الدنيا؟ وكيف حققوا هذه المعادلة الصعبة، بل المستحيلة في أعين الكثيرين؟

إن هناك من الناس من يقول لك: إما دنيا وإما آخرة، ولا ينفع أن تعمل للدنيا والآخرة في نفس الوقت!

وعليه فكيف تكون من طلاب الآخرة، وأنت تعمل في الدنيا وتكافح وتتزوج وتكسب وتفرح وتضحك!؟

إن الصحابة الكرام وصل إليهم هذا الفقه العميق والدقيق عن طريق معلمهم ﷺ ، ومعلم البشرية أجمعين ﷺ ، فوصل إليهم عن طريق كلماته وأفعاله ﷺ ، وعن طريق ما نقله عن رب العزة سبحانه وتعالى من آيات ومعجزات القرآن الكريم، فقد كانت حياته ﷺ تطبيقاً حياً دقيقاً لكل كلمة قالها ﷺ .

... يتبـــــــــ؏.....


 

رد مع اقتباس