عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-23, 03:43 PM   #3
Mammar

الصورة الرمزية Mammar

آخر زيارة »  04-10-23 (06:58 AM)
المكان »  الجزائر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} سورة النساء.


لطالما أثار التفسير السطحي لكتاب الله و الأحاديث النبوية المُتأتي من أفواه بعض الجُهل حنقي، و أشعرني بغثيانٍ و إعياءٍ شديدين، و هو إن نمّ فإنما ينُم عن قصورٍ في إدراكٍ لعظمة كتاب الله، و جهلٍ متجذرٍ باللغة العربية و علومها، و تحريف للآيات بما يتناسب مع أهواء مفسريها و يجانب أفكارهم. و قد كان السلف يعظمون القول في التفسير ، و يهاب أحدهم أن يتكلم في كتاب الله بغير علم، و تفسير كلام الله هو الرواية عن الله تعالى كما قال مسروق ("اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله").

و من بين عشرات الآيات التي أُسيئ فهمها قوله تعالى {وَاضْرِبُوهُنَّ}، فالضرب هنا مشروطٌ بنشوز الزوجة لا بمزاج الرجل، و النشوز هو عصيان الزوجة لزوجها أو إمتناعها عن القيام بواجباتها بدون عذر، فأنت لا تضرب زوجتك لأنها نسيت أن تكوي قميصك، أو أن طبخها لم يعجبك، أو أنها لم تنظف البيت أو تغسل ثيابك، لأنها شرعاً و بإجماع العلماء ليست ملزمة بأيٍ مما ذَكرتُه و إن إختارت فعله -كما تفعل أغلبية المتزوجات- فإنما هو إحسان منها و الإحسان هو أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها الإنسان و أقل مرتبةٍ لا ينبغي لنبيٍ أو رسولٍ أن ينزل عنها . ثم إن الضرب للمرأة الناشر يكون ضرباً غير مبرّح، قال صلى الله عليه وسلم «... فاضربوهن ضربًا غير مبرّح» و قد سُئل ابن عباس عن الضرب غير المبرّح فقال ("الضرب بالسواك و نحوه") لأن الضرب الذي أمر به القرآن الكريم هو ضربٌ للتأديب و التقويم و ليس للإهانة و التحقير. ثم إن الضرب يأتي كحل أخيرٍ بعد أن يعظ الزوج زوجته الناشز، فإن لم تعدل عن أفعالها فالهجر كخيارٍ ثانٍ، فإن لم تعدل فالضرب كحلٍ أخير. و الضرب له شروط و هي
1- أن يتدرج في تقويم زوجته الناشر فيبدأ بالوعظ، ثم الهجر، فالضرب كحلٍ أخير.
2- أن يغلب على ظنه أن الضرب يفيد في رجوعها عن نشوزها، فإن كان غير ذلك لم يَجُز له ضربها. و قد نصّ على هذا المالكية و الشافعية.
3- ألا يكون الضرب مبرّحاً بإجماع الأئمة الأربعة.
4- ألا يكون الضرب على الوجه أو المهالك أو المناطق الحساسة في الجسد. نصّ عليه جمهور العلماء.

و ما أكثر الآيات و الأحاديث التي يساء فهمها و يُفسرها العامة و المُضلون بما يُناسب مزاجهم و يدعم آرائهم. فالواجب على المسلم أن يرجع في تفسير كتاب الله و الأحاديث النبوية إلى المفسرين العالِمين بلغة العرب التي نزل بها القرآن، الذين هم أهل العلم بالقرآن و السنة. تذكرتُ موقفاً حصل معي و كان عمري حينها لا يتجاوز العشر سنين، و قد كنت أحفظ القرآن في المسجد مع طلاب آخرين، و قد جاورني طالبين بالغين فتلى أحدهما قوله تعالى من سورة القصص { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} فنطق الطالب الثاني متهكماً بلهجةٍ عاميةٍ جزائرية ("مالا من ضرك منزيدش نفرح") !!!

و رغم إباحة الضرب بشروط و في حالات معينة كما بيّن القرآن الكريم و دلت عليه السنة النبوية و كما فسره لنا علمائنا الأجلاء، إلا أن ترك الضرب أولى و أفضل و إن إستلزم الأمر الصبر على الزوجة و معالجة نشوزها و عصيانها بالوعظ و الهجر، و هذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله. و لما اُستُأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضرب قال «اضربوا، و لن يضرب خياركم».

أما الضرب المبرّح فهو ممنوع منعاً باتاً في ديننا الحنيف و لا يجوز بأي شكل من الأشكال و لا لأي سببٍ كان. يقول ابن عرفه المالكي ("و لا يجوز الضرب المبرّح ولو علم الزوج أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع فلها التطليق عليه و القصاص"). فالمرأة لها الحق في طلب الطلاق و الإقتصاص من زوجها إن ضربها ضرباً مبرّحا و لو كانت ناشزاً. فما بال أقوامٍ يضربون زوجاتهم المطيعات التقيات العفيفات على أتفه الأسباب، و أبسط الأخطاء، و لأقل الزلات. بل و إنّ بعضهم ليضرب زوجته بلا سبب. نسأل الله السلامة و العافية.

و ختاماً فالحياة الزوجية هي سكنٌ للزوجين و لا تستقيم إلا بالمودة و الرحمة، و لكن الحياة بما فيها من تبعاتٍ وهموم لا تخلو من كدر، فإذا ما هبت رياح الحياة بما يعكر صفو العلاقة الزوجية فعلى كلٍ من الزوجين أن يَلِين مع صاحبه حتى يصلا بعلاقتهما التي وصفها سبحانه في كتابة {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} إلى برّ الأمان. و بالمحبة و الرحمة والحوار القائم على الإحترام المتبادل من الطرفين تكون السعادة الحقيقية و لن يكون هناك ما يدعو إلى الشقاق، و ما أجمل ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ الله تعالى رفيقٌ يحب الرفق و يعطي عليه ما لا يعطي على العنف». و قال أيضاً «عليك بالرفق فإن الرفق لا يكون في شيءٍ إلاّ زانه، ولا يُنزع من شيء إلاّ شانه». و جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «إنّ الله إذا أحب أهل بيتٍ أَدخل عليهم الرفق».


 

رد مع اقتباس