عرض مشاركة واحدة
قديم 06-21-23, 06:53 AM   #6
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (12:00 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

Icon22 هـِجرة لم يلتفت فيها القلب !



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{ وليالٍ عشر } ..

الَّليلةُ الثالثة
{ و إذ يرفـعُ إبراهيم القَواعـدَ مِـن البيت } ..
كم هوَ عُمرك يا إبراهيم ؟
هِجرات ثلاث ..
و سنوات ممتلِئَة بالتّضحيات ..
و بناء بيت للهٍ ..
و مشاهدَ لا تُحصى ؛ مـِن مواقفِ الثَّبات !
بهذا تُقاسُ الأعمارُ يا سيّدي ..
بِعُمقها ؛ و ليس بِطولها !
تسكـنُ قاماتُ النّخيل العراقيّ فـي عُمرك ..
و تتجذَّر أفعالك ؛ كأنَّها جُذور شجرة زيتونة مقدسيّة ..
و يتّسع عُمرك ؛ كأنـّه صحراء الجَزيرة التي بَنيْتَ للهِ فيها بيتاً ليس لهُ مثيل !
ما أطولَ عُمرك يا سيّدي ..
فَرُبَّ عُمر اتّسعت آمادهُ ، و كثُرت أمدادهُ ، و أمطرت غيماته الى قيام الساعـَة !
رَفَعْتَ بيتاً لله ؛ فَرَفَعَ اللهُ لك ذِكّرَكَ ، و رفَعَ مَقامك ..
فلم يَلقاكَ مُحّمدٌ ﷺ الا في السّماء السّابعة ؛ مُسنِداً ظَهرَك إلى البيتِ المَعمور ..
و وَحدكَ دُون الخلائِقِ ؛ امتلَكتَ هذا الشَّرف الجَليل !
مِـن عُمرك ؛ انبَثَقَت يَقَظةُ الإنسان يـا سيّدي ..
فأنتَ مَن نَزع الحُجُب عن العَقلِ ، و أثارَ كلّ تِلك التَّساؤلات ، و علَّمَنا كيف يكونُ الإيمان مبصِراً و واعياً !
كانت آمالُكَ كُلَّ مساء ؛ تَتَبخّر الى السَـّماء ..
تجمَعُها لك إرادةُ الله ، و تكتُب لك بها مَواعيدك مَع غيثٍ ؛ ستَرتوي منه البشريّة جمعاء !
كم هي المسافةُ بيننا و بينك ؟!
كما هي المسافةُ بين أصواتِنا و صوتك ؛ إذ تُؤذّن { في النّاس بالحَـج } .. فتخلو الآفَاق الا مِن صَـدَى كلِماتِك !
كم هي المسافةُ بين أعمارِنا و عُمرك ؛ الذي يزدَحِمُ بالأحداثِ ، و يَسهر كلَّ ليلةٍ على الأمنياتِ الجليلة ؛ حتى استحقَّ أن يُسطِّره اللهُ على صَفَحاتِ القُرآن !
كَـم كان عُمرك ..
يوم كنتَ ترفَعُ القواعدَ من البيتَ بِيدكَ التي أورقَت بناءً شامخاً ؛ لم تُغيّره الدُّهور !
لَم يكُن ابراهيم يَشيخُ ..
ولَم يكُن لديه وقتٌ للنّهايات الذابلة ؛ فقد كان يعيشُ بقلبٍ يَستمّد زَيتَه مـِن نُـورِ السّـماوات و الأرض !
كان ابراهيمُ موطناً لـ { رَحمةَ الله و بركاتـه عليكُـم أهْـلَ البَيـت } !
كانَ إبراهيمُ يخلَع من خُطوته كًلَّ التَّوافِه ؛ و يُبقي قَدمه على العَتَبات الثَّقيلة !
وكان وحدَه مَن يستحقّ أن يُقال له : ( مَرَّ وهذا الأَثَر ) !
يَـا إبراهيم ..
على قدرِ نِيّتك ؛ اتَّسَعت لَـك الأرض ..
فأَنتَ حاضرٌ اليومَ في صلاةِ الأمّة ، و في مناسِكِها ، و في كُلّ لحظةِ التقاء بالبيتِ العَتيق !
لِـخيرِ هَذه الأمّـة و خيرنا ..
أنتَ رَحلـت ..
و اعتَلَيتَ الصَّخرَ ؛ و بَنَيت ..
و كَتمتَ الدَّمع ؛َ و مَضَيت ..
و غادَرتَ العٍراق ؛ و ما جَزِعت ..
و تَركتَ للهِ جارية و طفلاً ؛ و ما انحَنَيت !
لِـخيرِنا ..
تطاوَلَت كَفّكُ ؛ حتى اغتالَت كُلّ أوثانِ الضّلال ..
و رَسَمَت لنا بعدَها ؛ ميلادَ أمـّةَ الهِـلال !
و لِـخيرنا ..
لَـم تنكسرَ نِصفين ؛ أمام هَولِ النـّار !
لِـخيرنا ..
لم تتمزّق أمامَ جَفاف الخَريف ..
و كنتَ كبيراً في حُزنك ، و في سُؤلِك ، و في انتظارِ الرَّبيع !
و اليوم
لِـخيرِنا يـا موطِنَ الخَليل ..
يـا بَقيَّةَ الخَليل ..
ابقَوا على الرِّبـاط ..
ابقَوا على الطريق ..
‏‎
من كتاب على_خطى_إبراهيم
د_كــِفاح_أبوهَنّـود


 

رد مع اقتباس