عرض مشاركة واحدة
قديم 06-22-23, 06:39 AM   #7
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (09:46 AM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



{ وليالٍ عشر } ..

‏‎ الَّليلةُ الرابعة

‏‎{ ربّي إنّي أسكنتُ من ذُريتي بِوادٍ غَير ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحرّم ربّنا لِيقيموا الصلّاة } ..
‏‎كـَانَ السّاكنُ ولداً واحداً ..
‏‎و كَـانَ الدُّعاء ؛ لِيقيموا " بواو " الجَماعة .. فكيفَ يتَّسِق ذلك ؟!
‏‎كيفَ يَصِحّ أن يودِعَ إبراهيمُ طِفلاً ؛ ثُمَّ يَنوي بِه فِعلَ الجماعة ؟!
‏‎الحقيقة ُ..

‏‎أَّنهُ لم يَكن لإبراهيم ساحِلَ في ُطموحه .. إذ رأى في الرّضيع ؛ فِعلَ أُمّة !
‏‎{ لِيقيموا الصلّاة } ..
‏‎ تُرى هل كانت تُؤرِقُكَ إقامةُ الصّلاة يـا إبراهيم ؛ في هذا الفراغ الهائل من الصّحراء الصامتة ؟

‏‎ بِمن سيُقيمُ إسماعيلُ الصّلاةَ ؟
‏‎ و على أيِّ قِبلةٍ سيتّجه ؟!

‏‎كان إبراهيمُ في دُعائِه ؛ يَنسَكبُ أنهاراً من الفَهم ..
‏‎ كان يُخبّىءُ مكنونَ أُمنية ؛ أن يصّطَفي اللهُ إسماعيلَ لِبناءِ البَيت !
‏‎و يُحّيي به مَواتَ الحَياة ..
‏‎ فتولدُ بِميلادِه خَيـرَ أُمـّة !

‏‎ما أبدعَ القُرآن ..
‏‎إذ تصّطَفُ الحَقائق فيه ؛ لِتُنهي عصراً كانت الأُمنياتُ فيه ضَئيلة !
‏‎إنّهُ يقولُ لك ..
‏‎ ما أوهنَ الذُّريّة ؛ وما أسرع ذُبولها يومَ تكونُ { زينَةُ الحَياة الدُّنيا } !
‏‎و للزّينة مَواسم ..

‏‎ و المواسمُ لا تَدوم !
‏‎ها هو يَقلِبُ التّاريخ ؛ و يصنع زمناً جديداً .. زمناً فيه معنى : { إنّي نَذَرتُ لَكَ ما في بَطني مُحرراً } ..

‏‎و مهمّة جَليلة : { ليُقيمـوا الصّـلاة } !
‏‎و مَقاماً في الحَياةِ رَفيعاً : { و إذ يرفعُ إبراهيمُ القَواعدَ مِن البَيتِ وإسماعيلُ } !
‏‎{ وإذ يرفعُ } ..

‏‎بِيَدٍ تَخّتَزِنُ دُعاء الأبِ الصّالح ، و تتّسع لِقدرٍ إختارها اللهُ لهُ ..
‏‎ " وبياءِ " المُضارع ؛ حتّى كأنَّ الفِعلَ لا زالَ حيَّاً !
‏‎سُبحان الله ..

‏‎أيّ حياةٍ هذه التي لا تَمـوت !

‏‎ حتّى كأنَّ دُعاءَ إبراهيم { رَبِّ اجعلني مُقيمَ الصّلاة و من ذُريتي } ؛ حُفرَ في مَسامِعِ السّماء .. فَلَم يبقَ الا أن تَنهمرُ لهُ السّماء إجابةً و عَطاء !

‏‎من يَقدِرُ ؛ أن يَنوي في الطِّفل القادم غَير فَرح نَفسه ؟!
‏‎ من يَقدِرُ ذلك ؛ يَجمعَ اللهُ له في الطّفل مَدائنَ الأَفـراح !
‏‎مالِحة هي النِيّات ؛ إن لَم تَكُن للغاياتِ الجَليلة ..

‏‎ نَتَجرّعها ؛ و لا نكادُ نُسيغُها !
‏‎و ربّما نَقطِفها ؛ مَثل عُمرِ الوَردِ القَصير ..
‏‎ربّما لم يَلمس إبراهيم يَدَ الصّغير ؛ و لم يُناغِيها ..
‏‎ لكنَّ اللهَ خَبَّأها لهُ ؛ ساعداً شَديداً ترفًعُ مَعَهُ أَعمِدةَ البَيت !
‏‎و يا للمُفارقةِ في التَّعبيرِ القُرآنيّ .. اذ يَصِفُ اللهُ سَريرةَ إبراهيم في إسماعيل بِقولهِ { ليِقيموا الصّلاة } ..

‏‎ و في الإقامةِ ؛ مَعنى رفع البِنيانِ حتّى يكتمل !
‏‎ثُمَّ يَصفُ فِعلَ إسماعيلُ : إذ كَبّر بِقوله { يرفعُ } ، {القَواعدَ} ..
‏‎ فَيظـَلُّ بِذلك { عنـدَ رَبـِّهِ مَـرضيّاً } !

‏‎لَكَأنَّ إبراهيمُ أرادَ من رَبّه طِفلاً لِكلّ العُصور ؛ و كلّ الدّهور ..
‏‎ طفلاً يَكبرُ ؛ فَتكّبُرُ مَعَهُ سَنابلُ القَّمحِ ، و يعرِفُ كيفَ يَنشُر العَبير !
‏‎يَـا إبراهيم ..

‏‎في سَريرتِكَ كُنتَ تصّنعُ لَنا إيقاعاً جَديداً ؛ لا نَعرِفُ عَزفَه ..
‏‎ و كنتَ تُعلّمنا ؛ أنَّ البُطولةَ أنْ تتفَرِدَ في إيقاعِك !

‏‎قيلَ يومـاً :
‏‎{ عُلوًّ في الحَياةِ و عُلوًّ في المَمَات } ..

‏‎وانا أقـولُ :
‏‎إنَّ عُلوَّ النِّياتِ ؛ يَنفي عـن صاحِبِها المَمَات !
‏‎ألا تَسمعُ صَوت زَمزم كَيفَ ظـَلُّ يفـور !

‏‎ألَا تَرى البَيتَ ؛ و هُوَ يَكّتَظُّ بِالحَجيج !
‏‎أَلا تُبصِرُ نَسلَ إسماعيل ؛ يَنساحُونَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميق !
‏‎مَن أرادَ صَهيلَ الخُلود في الملأ الأعلى ؛ فَليركب خَيلَ { كـانَ أُمَّـةً }

من كتاب على_خطى_إبراهيم
د_كــِفاح_أبوهَنّـود


 

رد مع اقتباس