عرض مشاركة واحدة
قديم 08-14-23, 12:42 PM   #1
تراجِيدِيا
بُــــكاء قـلـب .

آخر زيارة »  12-21-23 (05:07 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي عَقْلُ النبيّ مُحمَّد صل الله عليه وسلم .



لم يتوافر العقل في إنسان كما توافر في محمد بن عبدالله ﷺ، ولو لم ينزل عليه الوحي ويُخاطَب من السماء لكان عقله وحده كافيًا لأن يُنشِئ دولة، ويُقيم مجتمعًا طيّبًا فاضِلًا، ولكن أتمَّ اللهُ عليه نعمته فجعله نبيّا مرسلًا، فاجتمع له الكسب الذاتي بالإدراك بالفطرة الإنسانية العالية المكتملة بالتكوين الإنساني والرسالة الإلهية الهادية المرشدة، ومُنذ نشأ والعقل المكتمل حليته العليا التي سما بها على أترابه الغلمان، فمنذ استوى غلامًا والعقل يزيّنه، ولقد بدا ذلك لجدّه عبدالمطلب الذي أخذه ليعوّده أخلاق الرجال المكتملين، ولمّا ذهب إلى بيت عمه أبي طالب بعد وفاة جدّه، كان الغلام الرزين المكتمل وسط أولاد عمه، لا يسبق الأيدي إلى الطعام ولا يدخل في زحمة الاغتراف بل يتريّث، فلم يكن جشعًا ولا طامعًا، فهو الهادئ الرزين الذي قد يكتفي بالقليل، حتى يتنبّه إليه عمّه الشفيق فيقرّب إليه ما يبعد، ويخصّه بما يكفيه مؤونة المزاحمة حتى إذا بلغ قدرًا يستطيع فيه الاكتساب.

كان محمدٌ ﷺ أعقل قريش؛ لأن الهوى لم يسيطر عليه كسائر سادات مكة، ومن المؤكّد أنه كبحَ جماح هواه طول حياته قبل البعثة، فلم يفعل ما يفعله الغلمان وهو غلام ولا ما يفعله الشبّان في باكورة حياته، كان القوي الذي يسيطر على أهوائه، فلا تجمح به شهوة ولا ينحرف مع هوى، وإذا ضعف سلطان الهوى قويَ سلطان الحق، وإذا فلّت حدّة الشهوة استقام حكم العقل، فحكمُ العقل يناقض حكم الهوى، والعاقل هو الذي يسيطر على أهوائه وشهواته ويكون عقله هو المسيطر، وما تضلّ العقول إلّا إذا داخلت النفوس الأهواء.

وكان أفصح الناس منطقًا، كان منطقه خاليًا من الفأفأة، والتمتمة، وكل عيوب الكلام، كان ينطق بالحكمة في صوتٍ هادئ عميق التقى فيه عمق النغم الفطري بجمال الصوت وجهارته في غير ضجيج، ولم يكن مندفعًا في القول ولا متابعًا له في استعجال، وإنّ ذلك أفصح النطق وأبلغ الإلقاء؛ لأن الإمهال في القول يجعل السامع يتذوّق جمال الألفاظ، ويتأمل المعاني، ويستحفظ ما قال القائل. وكانت ألفاظه كالجوهر تنثر بين الناس من غير بهرجة، وفيها جوامع الكلم وفصل الخطاب، وإذا تحدّث في معاملات الناس كان كلامه النمير العذب يسري في النفوس سريان النسيم العليل.

وقد قال القاضي عيّاض في فضل عقل النبي محمد ﷺ وآثاره في الإسلام: «وأمّا وقور عقله، وذكاء لُبّه، وقوّة حواسه، وفصاحة لسانه، واعتدال حركاته، وحسن شمائله، فلا مرية أنه كان أعقل الناس وأذكاهم». ويقول ابن كثير: «معلومٌ لكلّ ذي لُبٍ أن محمدًا ﷺ من أعقل خلق الله تعالى، بل أكملهم على الإطلاق».



المصدر: كتاب خاتم النبيّين، للمؤلف محمد أبو زهرة.


 


رد مع اقتباس