ماهو مشروعك في أولادك ؟!
" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم "ِ
الحمدلله حمداً يفوق شفقة الوالد على الولد ،ويبقى بقاء حب الذرية في البشر ؛والصﻼة والسﻼم اﻷتمان اﻷكمﻼن على خير اﻵباء والرسل واﻷنبياء محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ؛ أما بعد
فهؤﻻء اﻷطفال ذكوراً وإناثاً الذين يعيشون معنا في بيوتنا ؛ أقصد أوﻻدنا !
هم غداً سيكونون كبارا ؛ لكن هل فكرت يوما أو تأملت ولو لدقائق كيف سيكون حالهم غدا ؟
قد تقول الله أعلم ؛ وأنا مؤقن بأن الله أعلم .
لكن علينا أن نعلم أن حالهم غدا متوقف على تعاملنا معهم اليوم وحسن تربيتنا لهم .
صحيح أن هذا الكﻼم ليس على إطﻼقه ،فقد يحدث العكس فقد يكون ابن التقي شقي وابن الشقي تقي ،وابن الناجح فاشل وابن الفاشل ناجحاً .
فخليل الرحمن ابراهيم على نبينا وعليه أفضل صﻼة وأزكى سﻼم ابن عدو الرحمن وولي اﻷصنام آزر .
وغريق الكفر والشرك ابن ولي الرحمن وأول رسله نوح عليه السﻼم .
ﻻ شك في ذلك فأن الله يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي .
لكن الغالب وبتوفيق الله أن البلد الطيب يخرج نباته طيباً والذي خبث ﻻ يخرج إﻻ نكداً .
والتربية بحر ﻻ ساحل له واضحة أهدافه ،ومختلفة طرقه ووسائله بإختﻼف الوالدين واﻷوﻻد واﻷعراف والبيئات والتقاليد والعادات .
غايتها العظمى كما قال الله ( ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها مﻼئكة غﻼظ شداد ﻻ يعصون الله ما آمرهم ويفعلون ما يؤمرون ).
وأول بشائرها قول الله تعالى ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شي ).
وأخوف خسائرها وأشد آﻻمها بينه الله بقوله تعالى ( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أﻻ ذلك هو الخسران المبين ).
وتأثيرهم علينا بينه الله بقوله (وأعلموا أنما أموالكم وأوﻻدكم فتنة والله عنده أجر عظيم ).
وحذرنا سبحانه من جنوح هذه العﻼقة عند فئة منهم بقوله (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأوﻻدكم عدو لكم فأحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ).
ومكانتهم في الحياة الدنيا بينها الله بقوله ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أمﻼ ).
وخير ما يعطيه الوالد ولده جاء مبيناً في هذا الحديث : "ما نَحل والدٌ ولدّه من نحْل أفضل من أدب حسَن" . أخرجه أحمد والترمذي .
وأثرهم علينا بعد مماتنا متوقف على أثرنا عليهم في حياتنا؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا مات اﻹنسان انقطع عنه عمله إﻻ من ثﻼثة إﻻ من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ).
وبعد هذه النفائس من كﻼم ربي وكﻼم نبيه صلى الله عليه وسلم ﻻ من كﻼمي اسأل نفسك أيها اﻻب المبارك واﻷم الرحيمة ما هو مشروعكما في أوﻻدكما ؟
هم أعظم منتج لكما في الحياة !
وهم المنتج اﻷصلي الذي ﻻ يقبل التقليد !
وهم من إذا دعا لهم الناس دعوا لكما معهم وإذا دعوا عليهم دعوا عليكما معهم !
لتكن تربيتهم وصﻼحهم هاجساً يبيت معكما إذا بتما ويستيقظ قبل أن تستيقظا .
ﻻ نملك من اﻷمر شي إنما نبذل اﻷسباب متوكلين على الله ؛ﻻ نغفل عن قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ( إنك ﻻ تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ).
ابنك تتشكل شخصيته في سنين عمره اﻷولى .
صدقني إذا بلغ المرحلة المتوسطة يكون في مخيلته رسماً لشخصيته قد ﻻ تراه أنت لكنك تستطيع أن تحدد من تصرفاته أين وجهته ؟
وهي مرحلة ممكن فيها التعديل والتحفيز .
من يظن أن التربية تبدأ من مرحلة المراهقة ﻻ يفقه في التربية شيئاً وإنما يظهر أثر التربية السابقة في فترة المراهقة وإن كان المصطلح محل نظر .
التربية ليست ردود أفعال على تصرفات اﻷوﻻد ،لكن التربية مبادرات تصنع تصرفات اﻷوﻻد .
التربية ﻻ تعني أن يكون ولدك شيئاً معيناً محدداً معروف سلفاً ؛ وإنما تعني أن يملك ولدك مقومات معينة تمكنه من الحياة الطيبة السعيدة أينما كان قدره .
محاولة إخراج ولدك صورة طبق اﻷصل منك عبث تربوي مهما بلغت من النجاح والفﻼح ؛من أراد أن يسير على طريقك بطوعه واختياره فﻼ تمنعه ومن أراد أن يكون شيئاً مختلفاً فﻼ تقف في طريقه .وما يدريك لعله يبلغ من المجد مالم تبلغ عشر معشاره ؟
كم يحرقك اﻷلم وأنت ترى شباباً بل وأطفاﻻ يغدون ويروحون بﻼ موجه وﻻ رقيب*
كيف سيكون حالهم غداً ؟
أعجبني يوماً قول رجل من العامة ( من أراد أن يخرج رجﻼ فﻼ بد أن يتعب عليه).
فالتربية ليست مهمة يسيرة ؛ بل هي من أشق المهام وأطولها أمداً ؛ فأولها بينها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله كما جاء عنه ( تخيروا لنطفكم ).
وآخرها رسائل من على فراش الموت كرسالة النبي التقي يعقوب عليه السﻼم كما قص الله ذلك عنه (أم كنتم شهداء إذا حضر يعقوب الموت إذا قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائكم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها 7واحد ونحن له مسلمون).
تأمل حال أوﻻدك اليوم والخطاب لﻸب واﻷم كيف سيكونون بعد عشر سنوات إن شاء الله إذا ساروا على ما هم عليه .
ثم قف وقفة حزم وصدق فعزز فيهم من خصال الخير وطرق النجاح ما يحتاج إلى تعزير وعدل ما تراه من سوء يحتاج إلى تعديل تسعد بهم في مستقبلك وتسعد بهم أمتهم.
فإنا نرى من حال البعض عافاه الله وهدانا وإياهم وكأن مشروعه في ولده أن يكون مدمن مخدرات أو مفحط سيارات أو جاهﻼ جهﻼ مركب.
ومهما كبر ولدك ،وتقدم به السن فإن التأثير عليه ممكن وإصﻼحه متاح ؛بل إن بعص اﻷوﻻد أحيى الله قلبه بعد موت والده يوم تذكر 7نصح الوالد ووعظه وتوجيهه .
ﻻ تظهر مشكلة تربوية بحجم كبير على ولدك مباشرة ؛بل هي تظهر صغيرة ،ثم تكبر شيئاً فشيئاً ،وتبقى مهمة المربي ناجحاً أباً كان أو أماً عﻼج هذه المشكلة في مهدها وعدم تركها حتى تستفحل فيصعب عﻼجها .
التربية خطاب لعقل الولد حينا ،وخطاب لقلبه ومشاعره حينا ،وترك الخطاب حينا .
وتذكر جيدا قول الشاعر :
وينشأ ناش الفتيان منا على ما كان عوده أبوه*
وقول اﻵخر :
ومن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادماً يوم الحصاد*
بلغكم الله في أوﻻدكم فوق ما تتمنون وبلغ الله أمتنا في شبابها ذروة أمجادها .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
بقلم |
مصلح بن زويد العتيبي*.