الحلقة الأخيرة




وبعد فترة صارحت مناير بما يدور في بالي ...
فقلت لها :
- اسمعي مناير .. اعتقد ان الإعجاب او الحب بين فتاة ورجل غير كافي ليكون ارتباط بينهم برباط مثل الزواج فالزواج بحاجة الى تفاهم وتناغم واتفاق في كثير من المسائل ، واعتقد ان بيني وبينك اختلافات كثيرة في التفكير وفي القناعات وفي التصرفات .. حاولت خلال الفترة الماضية بان اقرّب وجهات النظر والمسافات اللي بيني وبينك .. لكن ما لقيت عندك أي مجال للتغيير .. وانا والله ما عاد اقدر أعيش بهذا الأسلوب .. والأفضل لي ولك ان كل واحد يرجع مثل ما كان ..

- مثل ما كان .. !!! ؟ وش قصدك ..!؟؟؟
- قصدي اننا ننفصل على بعض ..
- تقصد طلاق .. ؟؟!
- ايه نعم ..


فنزل الخبر كالصاعقة على مناير ..
فما كان منها إلاّ البكاء ..
ثم قالت وهي تتحامل على نفسها وتحاول ان لا تبكي :
- اسمع يا ناصر .. انت بيدك العصمة والقرار .. بس لازم تعرف إني ...... [ احبك ] ...... احبك يا ناصر ولا اقدر أتركك ابد .. وترى كل شئ أسويه [ ثم سكتت لحظات وهي تصارع دموعها وحشرجت صوتها ..] ثم أكملت تقول :
كل شئ أسويه بسبب عادات تعودتها من يوم انا صغيرة .. غطاء الوجه لقيت اللي حولي كلهم يرون عدم أهميته .. السوالف مع الآخرين عادي .. الروحه للأسواق متعة .. اجتماعات مع قريباتي عادي .. وغيرها كلها عادي عندنا .. وانا أشوفك تدقق كثير في تصرفاتي ... انا يا ناصر عايشه كذا .. ومو معقولة بين يوم وليلة تبي تغيّر حياتي ..
[ بعد ما شفتها في هذه الحالة .. رحمتها .. وقلت ..]

- طيب .. طيب .. خلااااص .. خذي اشربي مويه .. وبعدين نتفاهم ...
- اشرب مويه ...ههه هه .. خايف عليّ ..!!
- ايه .. خايف عليك ..
- فيه احد يخاف على حبيبته ويقول لها لازم ننفصل ...!!!؟
- ترى أحيانا تكون بعض القرارات القاسية من الحب ..!
- هذي فلسفة يا أستاذ / ناصر والا ايش ..؟؟!
- يا عمري اللي بيني وبين مختلف تماما .. تفكيري غير تفكيرك .. عاداتي غير عاداتك .....


وفي لحظة انفعال لأول مرة أشوف مناير فيها صرخت في وجهي وهي تقول :
- ليش طيب تزوجتني ... ليش خلتني احبك ... ليش .. ليش ... [ ثم راحت في موجة بكاء شديدة ..]
بعد هذا الموقف قلت في نفسي لازم تطلع وتعطي مساحة للتفكير اكبر ... وبعدين ترجع ..
ولما جيت امشي ..
قامت مناير من مكانها ومسكت يدي ...
- ناصر .. أرجوك لا تطلع .. حبيبي لا تتركني ..!! [ وكان صوتها مخنوق ودموعها في عيونها ..]
- قلبي ..... انا طالع شوي وراجع ...
- لا لالآلآ لا تتركني .. ناصر .. أرجوك .. لا تتركني ..
- طيب يا عمري .. روحي غسلي وجهك وتعالي ..


وفعلا .. راحت ودخلت الحمام تغسل وجهها .. وانا في هذه اللحظات سحبت نفسي وطلعت من الغرفة ...
وبعد ما وصلت عند باب الشقة طالع ..
سمعت صوتها تنادي ..
- ناصر .. ناااااصر .. نااااصر ... لا تخليني .. ناصر
سكرت باب الشقة وطلعت ...
بعد دقائق ......
جوالي يرن .. .. ..
حبي الوحيد تتصل ... [ هكذا كنت مسميها في جوالي ..]
ما رديت على الجوال
شغلت سيارتي .. ولا ادري عن الاتجاه
جلست أدور بالسيارة لمدة ساعتين ...
وكل فترة تدق مناير على جوالي او ترسل رسالة ..
شعرت في نفسي إنني قسيت عليها كثير ..
اتصلت فيها ..
- الووووووه ...ناصر .. وينك .. [ قالت هذه الكلمات بلهفة ...]
- قريب .. وراجع بعد شوي ...
- حرااااام عليك .. [ وكانت تبكي بشدة ...] خوفتني عليك ...
- انا راجع بعد شوي ..
- طيب .. طيب انا في انتظارك حبيبي ...

رجعت للشقة ولقيت مناير في استقبالي بطريقة جنونية .. وأنفاسها كانت تتسارع
شعرت بحبها لي .. واهتمامها بي ...
ومع هذا كنتُ قد قررت الانفصال ...
وكنتٌ ابكي في داخلي .. واحمّل نفسي سبب معاناة مناير ومعاناتي ..



فجأة قالت مناير :
- ناصر .. حبيبي .. أحس بتعب .. ما اقدر أتنفس ..!
- سلامات يا عمري .. وش فيك ...!!؟
- ما ادري .. بس أحس قلبي يعورني ...
[ كانت تمسك على قلبها ...]
- ي الله .. ي الله خليني أخذك للمستشفى ..
أخذتها للمستشفى .. كانت أنفاسها متقطعة .. وكلماتها ثقيلة ..
- انا ... اسفه ... ناصر .... شكلي .. .. تعبتك معي ... انا اسفه يا عمري .. سامحني .. الله يعافيك
- يا عمري . أهم شئ سلامتك ... اللحين .... ... لا تتكلمين كثير
[ أسرعت بالسيارة أكثر .. شعرت ان لون وجه مناير تغير .. صار شاحب وازرق ..]
وصلنا للمستشفى ..
كانت مناير في حالة صعبة جدا
لا تستطيع التنفس .. ..
دخلت معها في غرفة الكشف المبدئي
بعد ما كشف عليها الدكتور ..
أعطاها بخار ..
وطلب لها تخطيط قلب عاجل
أخذتها الممرضة لغرفة تخطيط القلب وهي على السرير
كنت جنبها .. أمشى مع الممرضة بالقرب من السرير ..
شعرت بيد مناير تمتد وتمسك يدي .. وتضغط على يدي وهي تنظر اليّ وعيونها يغالبها الألم .. والدموع
- مناير يا قلبي توكلي على الله .. ان شاء الله خير .. قدامك العافية ان شاء الله ..
أحس قلبي يتقطع عليها ... ويتألم بألمها ...
وصلنا غرفة تخطيط القلب ..
ساعدتُ الممرضة في تجهيز مناير لعملية التخطيط
كانت مناير تناظرني بطريقة عجيبة وتحاول تبتسم ..
وانا كنت ابتسم لها وأقول ..
- ما تشوفين شر يا الدلوعة .. خوفتيني عليك ...
وفي هذه اللحظة أغمضت عينيها وسالت الدموع ...
واحنا نسوي عملية التخطيط ..حضر الدكتور اللي كشف عليها ...
بعد ما شاف تخطيط القلب ..
طلب صورة إشاعة للصدر .. وكتب عليها عاجل جدا
زاد خوفي على مناير ..
كنت أدعو الله لها بيني وبين نفسي ...
اسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان يشفيك ...
عملنا إشاعة الصدر ..
بعد ما شافها الدكتور ...
أخذني على جنب وقال :
- للأسف .. زوجتك عندها تصلّب في الشرايين ... ولازم عملية جراحية حالا ...!!!
- وش تقول يا دكتور .... عملية جراحية ..!!!!
- وبسررررعة ...
- كيف ... يعني ...!!
- ما فيه وقت يا عم ... المهم .. اللحين ادعي لها ان العملية تنجح .. وضعها خطير ..
- يا ااا دكتور ...


تركني الدكتور .. وكان يكتب في الأوراق ..... ..
رجعت لمناير .. ولقيت وضعها يزداد سوءا ..
- مناير .. قلبي ... كيف حالك ..!!؟
كانت تنظر لي وتحاول تقاوم التعب .. وتبتسم .. والدموع لم تفارق عينيها ...
أشارت بيدها تطلب ان امسكها ..
مسكت يدها .. .. .. وكأنها توادعني ..
بعد دقائق اخذوا مناير لغرفة العمليات ...
لا اصدق .. بهذه السرعة ...
ذهبت للمصلى ... وجلست أصلي وأدعو الله لها بالشفاء ..
وانا أصلي اسمع صوت المنادي يتكلم في المايكروفون وينادي باسمي
فشعرت بان هناك أمرا - ما – ضروري
قابلني الدكتور وقال :
- للأسف مناير وضعها حرج جدا ..
- كيف .. يا دكتور ..!!
- مناير يمكن ما تقدر تسوي العملية ...
- وش تقول يا دكتور .. ليش .. وش فيها .. ؟؟؟؟
- الحقيقة ما ادري وش اقول لك ... ولكن .... مناير .......... [ عظم الله أجرك ..] ما قدرنا نلحق عليها ... مناير توفت ...




لم أتمالك نفسي في تلك اللحظة .. فسقطتُ مغشيا عليّ ...
أفقت بعد فترة ..
لقيت عمي وعيال عمي وبعض أقاربي حولي في المستشفى ..
وأول ما صحيت .. كنت أصيح ..
- وين مناير ..!!؟ وين مناير ..!!؟ مناير ماتت ..
- الحمد لله على كل حال وانا عمك .. وهذا قضاء الله وقدره .. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه .. انا لله وانا اليه راجعون ..
والجميع من حولي يبكي ....
لم يكن لدي كلمات .. وإنما البكاء كان سيد الموقف .. فأغمي عليّ مرة أخرى .. وبعد الإفاقة ..
شعرت بأنهم أعطوني إبرة مهدئة .. فلم تكن أحاسيسي ومشاعري كما هي .. اشعر بدوران وهبوط .. واشعر بان الدنيا لا تسوى شئ بعد مناير ...
جلست تحت الملاحظة 6 ساعات تقريبا ..
وبعدها طلعت .. من المستشفى ..
في اليوم التالي ..
كان موعد دفن مناير ...
طلبت اني ادخل عليها بعد تغسيلها وتكفينها ...
دخلت وانا اشعر بأنني أمشى على الهواء .. قدماي لا تحملني ولكنني كنت أتحامل على نفسي ..
شفت مناير ... ولم أتمالك نفسي ...
فرميت نفسي على صدرها ...
وكنت أصيح .. باسمها ... منااااير .. منااااير ...
أخذوني من عندها ... وانا أصيح وأناديها ...


أخذوها للمقبرة
وهناك ...
كنت انا من دفنها بيدي ..
لقد دفنت حبي الوحيد ...
مرت الأحداث ومواقف الحزن والألم ..
وجلست فترة لا استطيع الدخول لشقتي ..
وبعد فترة من الزمن ..
رجعت لشقتي ..
فوجدت أنفاس وطيف .... [ مناير ... ] في كل ركن من الشقة ...
وتذكرت كل الأحداث ... والمواقف التي مرت بي مع مناير ...
وجلست أحاسب نفسي على تعاملي مع مناير ... وقسوتي عليها ...
وتمنيت أنني لم أكن هناك عندما كانت سيارتهم متعطلة ... [ بعد منتصف الليل ..]