،،،، الجزء الرابــع ،،،،
مضى شهرٌ كامل منذ أول رسالةٍ وصلتني من ذاك المعجب المجهول ، شهرٌ تبادلت معه فيه الرسائل
شهرٌ تغيرت فيه حياتي .. استمتعت في أيامه ، حلقت في لحظاته ، حلمت في يقظاته .. كان كل شيءٍ جميل ، عدى أني لا أعرفه!
في أحدِ الأيام ، في المعهد وفي معمل الأحياء بالتحديد .. كنت مع "سارة" منهمكتين في تفحص بعض المواد .. ودار حديثٌ ابتدأته "سارة" ، التي قالت وهي تمسك بضفيرتي الطويلة بإعجاب
- أنتِ تبدين مختلفةً بتسريحة شعركِ اليوم! .. لم أركِ بضفيرة من قبل ، دائما ما تجعلين شعركِ مسدولاً أو كذيل حصان!
نظرت إليها بسعادة وقلت بحماس
- هل أبدو رائعةً بها؟!
- إنها تليق بكِ كثيراً .
ابتسمت وقلت
- لقد سرحت شعري اليوم كما طلبَ مني ذاك المعجب .
رفعت "سارة" حاجبيها وقالت
- حقاً؟!
- نعم ، صحوت فجراً وانهمكت بها ، لست معتادة عليها لذا استغرقت مني وقتاً ، هل هي جيدة؟!
هزت رأسها وقالت بمضض
- جيدة .
حدقت فيها للحظة ، ثم سألته
ا
- و كأن الأمر لم يعجبكِ؟
- في الواقع ، أنا مشفقةٌ عليكِ .. إنه يعيش دور المحبوب والحبيب ، وأنتِ كذلك .. دون أن تعرفي حتى اسمه!
نظرت إليها بصمت ، ثم صددت عنها متضايقة
وضعت يدها على كتفي قائلة
- ما بكِ؟ .. هل ضايقكِ قولي ؟
نظرت إليها وقلت
- بل تضايقني هذه الحقيقة ، لا أعرف لما يصر على إخفاء نفسه! ، انقضى شهر .. وهو لا يريد أن يعطيني معلومةً واحدة عنه! ، رغم محاولاتي .. إلا أني فشلت في معرفةِ اسمه على الأقل .
- يجب أن تتخذي موقفاً ، قولي بحزم .. إما أن أتعرف عليك ، أو لننهي كل شيء!
اتسعت عيناي بدهشة ، وقلت باستنكار
- لستِ جادة بالتأكيد! ، لقد تعلقت به .. كيف أنهي كل شيء؟!
- إن كان متمسكاً بكِ فسوف يعطيكِ معلوماتٍ عنه ، أنا واثقه أنه لن يترككِ .
فكرت فيما قالته "سارة" ، أيعقل أن أهدده بذلكَ لأجل أن أعرف من هو؟! ، نعم .. يعقل لما لا؟!
نظرت إلى "سارة" وقلت
- ربما معكِ حق ، مللت من هذا الوهم ، لا أعرف إن كان حقيقةً أو زيف ، يتلاعب أو جاد ، يجب أن أتخذ موقفاً .
- نعم هكذا يجبُ أن تكوني!
وبعد أسبوع ، كنت في غرفتي أقرأ رسالةً منه وصلتني هذا الصباح .. رغم كلماته الجميلة وحبه وشوقه ، إلا أني كنت حزينةً وأنا أقرؤها .. كلمات "سارة" تتردد على مسامعي ، هل أنا أثير الشفقة فعلاً!؟ ، أبدو كالغبية و أنا أراسلُ شخصاً لا أعرف من يكون ، رغم أنه وأنا في نفس المعهد ، ألا يحق لي أن أعرف من هو كما تعرف كل فتاة صديقها وحبيبها؟ ، ألا يحق لي أن أسير بجانبه ، تحتضن يده يدي ، نتبادل الحديث .. أنظر إلى عينيه ، أناديه باسمه كما يناديني بأسمي .
تنهدت ورميت نفسي على مسند الكرسي ، فكرت قليلاً وأنا أحدق في السقف ، أقلب كلمات "سارة" في رأسي ، نعم حان الوقت لأضع النقاط على الحروف .
اعتدلت على الكرسي وسحبت ورقةً وقلماً ، وبدأت بالكتابة
(( أيها المعجب ، الذي تملكَ قلبَ "آماندا" بكل احتراف! .. أنتَ بارعٌ في الحب ، بارعٌ في الكلام العذب .. لكنك مراوغ ، وغير منصف .. لا تتفاجأ مما أقول ، لكن صبري نفذ ، صرت أضحوكة ، فتاة مثيرة للشفقة بنظر صديقتي! ، أن أهيم في بحر الحب على زورقٍ لا أعرف إلى أين يقودني ، ولمن يأخذني! .. لما تصر على الإختباء؟ ، كفاكَ خجلاً واظهر قبالتي ، إن كنتَ تستمتع في لعبتكَ فإني احترق ، أريد أن أعرف من أنت ، ماهو اسمكَ على الأقل! ، مالذي يمنعك ، مالذي يخجلك؟! .. لا تقل عيناي فعيناي لن تقتلانك ، بدأت أسأم .. بدأت أمل من كل هذا ، إن لم تخبرني بمن تكون؟ .. ومن أنت ، فلا تلمني ولا تعتب علي عندما تنقطع رسائلي إليك ، فالأمر صار مزعجاً بالنسبة لي .. واعذرني لتبجحي هذه المرة ، ولكن الأمر فاق طاقتي على الصبر .
المحبة "آماندا" ))
طويت الورقة ودسستها في ظرفٍ أزرق ، كنت أشعر بالغضب في داخلي ، اتمنى أن لا يخذلني هذه المرة ، فرغم ولعي به ، إلا أني منزعجة من اختبائه .
حملت الظرف و وضعته في حقيبتي ، ثم استلقيت على فراشي بقلق ، كنت خائفة .. خائفة من أن يخيب ظني ، وإلى ما سيؤل به الأمر لو أصر على الإختباء .
==============
جاء اليوم التالي ، فتركت رسالتي الغاضبة في درج طاولتي .. وكلي رجاء أن يعطف علي هذه المرة ويفصح عن نفسه .
وفي الصباح التالي ، ألتقيت بصديقتي "سارة" عند بوابة المعهد .. ألقيت عليها التحية
- أهلاً "سارة" ، صباح الخير .
- صباح الخير "آماندا" ، كيف الحال؟
- بخير ، لكني مرتبكة قليلاً .
- تفكرين في جواب ذاك المعجب؟
- تماماً ، أخشى أن يخذلني هذه المرة أيضاً!
أمسكت بكفي قائلة وهي تقودني
- لندخل إلى القاعة لنعرف جوابه .
مشيت معها ودقات قلبي تعصف بداخلي ، لا أعرف لما ينتابني شعور قوي بأنه لن يفصح لي عن نفسه .
دخلنا القاعة واتخذنا مقعدينا ، و مددت يدي في درج طاولتي أبحث عن الظرف .. سحبته و نظرت إلى "سارة"
فقالت
- ما بكِ؟ ، هيا إقرئي!
قلت بحزن
- خائفة يا "سارة" ، ماذا لو لم يفصح؟ .. هل سأضطر للتوقف عن مراسلته؟
حدقت "سارة" في عيني قليلاً ثم أجابت
- لستِ مضطرة ، لكن يجب أن تكوني شديدة الجفاء معه .
تنهدت بقوة ، ثم فتحت الظرف بارتباكٍ شديد ، سحبت الرسالة وفتحتها و قرأت
(( عزيزتي "آماندا"
هل أثقلتُ عليكِ كثيراً بالتكتم عن هويتي؟! .. سامحيني عزيزتي ، وجدت في رسالتكِ بالأمس غضباً شديداً .. لا أعرف إن كان الأمر يستحق كل هذا الغضب ، اتمنى أن تهدئي قليلاً يا جميلتي ، صدقيني .. لم يحن الوقت بعد ، وعندما يحين سأظهر قبالتكِ على حين غفلة ، سيكون ظهوراً رائعاً ، لن تتخلي عني ولن أتخلى عنكِ أبداً يا "آماندا" ، امنحيني فقط قليلاً من الوقت ، وتحلي ببعضٍ من الصبر ، ستمر الأيام سريعة .. لنستمتع بها قدر ما يمكننا ، والآن دعيني أخبركِ بما حصلَ معي بالأمس ...
لم أكمل قراءة الرسالة ، طويتها بغضبٍ وأعدتها في الظرف وتركتها في درج الطاولة ، قالت "سارة" متفاجئة
- ما بكِ؟! .. لم نكمل الرسالة!
- ما تبقى غير مهم .
ثم نظرت إليها وقلت بعصبية
- لم يكترث لغضبي رغم أن رسالتي بالأمس تشتعل غضباً ، وكان ذلكَ واضحاً بالنسبة له ، يظن أن طريقته ممتعه ، لقد سئمت!
- هوني عليك يا عزيزتي .
لزمت الصمت ، و أنا أفكر في تجاهله هذه المرة ، لن أكتب إليه أبداً حتى يستشعر غضبي ، وليفهم جيداً أن طريقته السخيفة لا تروقني ، أكره الغموض والتلاعب ، وسنرى من سيخضع للآخر في نهاية المطاف .
=============
وصلتني رسالته في اليوم التالي ، كان يتسائل فيها عن سببِ عدم كتابتي له ، استعطفتني رسالته قليلاً .. كدت أن أكتب له لولا أني تمالكت نفسي ، و إصراري الشديد على أن يحقق رغبتي في معرفته ، ذلكَ من حقي!
تجاهلتها جاهدةً ، أنتظر ماذا سيفعل غداً .
و جاء اليوم الذي يليه ، وكالعادة عندما أجلس على مقعدي أبحث في درج طاولتي عن رسالته ، ولكن اليوم .. كان خالياً من رسالته!
تفاجأت قليلاً .. منذ شهرٍ كامل لم تنقطع رسائله عني ، لعله تضايق من عدم كتابتي له في اليوميين الماضيين وقرر أن يتوقف هو الآخر عن المراسلة؟!
سائتني هذه الفكرة ، لما يتوقف؟ .. أنا لا أريد قطيعةً بل أريد إقناعه لا أكثر .. ثم فكرت قليلاً وقلت لنفسي
- لا تخنعي من البداية ، تحلي بالصبر .. إن كانَ عاشقاً لكِ كما يزعم فلن ينسحب بهذه السرعة ، هو يريد إثارة قلقي فقط .
ومضت أربعة أيامٍ ، لا رسالةً مني له ولا رسالة منه لي .. وبينما كنت و "سارة" نغادر المعهد ، قلت لها بقلق
- أخشى أن يستمر في هذه القطيعة يا "سارة" ، لست أستطيع التحمل أكثر!
قالت لي ناهره
- إياكِ! .. إياكِ يا "آماندا" ، تحلي بقليلٍ من الصبر أيضاً .
- انتهى الأسبوع دون تقدم ، إن لم يرسل لي الأحد القادم فسأكتب له .
أمسكتني من ذراعي وقالت وهي تعقد حاجبيها
- لا تفسدي كل شيء يا "آماندا"! .. تمهلي ، وان مضى الأسبوع المقبل دون رسالة منه ، أكتبي .. لكن ستكون رسالة لومٍ وغضب!
توقفت عن السير ، وحدقت في عيني "سارة" ، وقلت لها في نفسي
- تظنين الأمر سهلاً يا "سارة" ، يبدو لكِ ذلك من حيث تنظرين .. لكنكِ محقة ، محقة .. يجب أن أكون على قدرٍ أكثر من الصبر ، طالما أني اتخذت القرار في البداية ، يجب أن لا أتراجع قبل أن احرز تقدماً .
و انقضت الأيام الأخيرة من هذا الأسبوع ، و أقبل يوم الأحد!
كنت قلقة كثيراً قبل ذهابي إلى المعهد .. بل منذ أن صحوت!
لا أريد أن يخيب ظني أكثر ، و دعوت برجاءٍ أن يكتبَ لي اليوم لأني لم أعد أطيق صمته .. أريد منه جواباً يشفي غليلي .
بعد استعدادي للذهاب غادرت المنزل على عجل ، أنطلقت إلى المعهد و وصلت سريعاً ، التقيت بـ "سارة" ، فألقيت عليها تحية الصباح
- صباح الخير .
- صباح الخير "آماندا" ، كيف حالكِ؟
أجبتها بتوتر
- لا تسأليني .
ضحكت و طوقت ذراعي بذراعها قائلة بمرح
- لا تتوتري ، أنا واثقة من أن رسالته تنتظركِ في درج طاولتك .
أخذت نفساً وقلت بهمس
- أتمنى .
تابعنا سيرنا نحو القاعة ، دلفنا إلى الداخل واستقرت كلٌ منا في مقعدها .. نظرتُ إلى "سارة" بقلق ، فمدت يدها إلى درج طاولتي تتحسس الرسالة ، بينما كنتُ أنظر في وجهها اترقب منها ردة فعلٍ تشير إلى وجود الرسالة .
فجأةً سكنت ملامح وجهها .. والتقت عينيها بعيني .. فسألتها سريعاً
- عثرتي عليها؟!
سحبت يدها فارغة و اعتدلت في جلستها قائلة بخيبة
- لا .
أخذت شهيقاً طويلاً و أصدرت زفيراً ، مسحت على شعري بيدي محاولة تبديد توتري الذي تملكني أكثر! ، واتكأت بذراعي على الطاولة و أنا أحدق فيها بقهر
قالت "سارة" مواسيةً لي
- هوني عليكِ ، لا تنزعجي فهو لا يستحق .
نظرت إليها وقلت بصوتٍ مخنوق أخرجته بصعوبة
- إنه يتجاهلني! ، يقول لي بصمته .. شأنكِ أن تقطعيني! .. هو مستعدٌ للتخلي عني ، لا يكترث بي!
قلت هذا و تسللت دمعتين في مقلتي ، فدفنت رأسي فوراً بين ذراعي على الطاولة محاولةً الهدوء و إخفاء دموعي .
لقد خذلتني اليوم خذلاناً كبير ، لقد هشمت قلبي بعد أن كان يأمل منكَ خيراً .. كنتُ أظن أنكَ تعني كلَّ حرفٍ كتبته إليَّ في رسالاتك ، لكنك اليوم .. أثبتت لي أني مجرد فتاةٍ هويتَ معها العبث .