|
:: تنويه :: |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
05-18-23, 06:00 AM | #1 | |||||||||
|
تغريدات د.طارق هشام مقبل 6
لما دعا زكريا: ﴿ربّ لا تذرني فردا﴾؛ أردف قائلا: ﴿وأنت خير الوارثين﴾؛ قال الألوسي هنا: "كأنه قالَ: إنْ لَم تَرْزُقني ولَدا يَرثُني فأنت خير وارثٍ؛ فَحَسبي أنتَ".. و هو معنى لطيف في أدب الدعاء.. إن لم تعطني ما طلبتُ فالأمر لك.. أنت حسبي.. وفيك العوض الجميل.. العُمق في العلاقات الإنسانية يعوض عن الكثرة.. ﴿إذ يقول "لصاحبه"﴾.. حفاظُك على قلبك الرحيم، والتمسك باللين والسماحة.. أمامَ قسوة هذا العالم.. يتطلّبُ قدراً من الشّجاعة: ﴿قال: لا تثريبَ عليكم اليوم﴾.. والتزامُ الخلق والأدب حين ينازعك كلُ ما حولك.. مقامٌ عالٍ: ﴿فقولا له قولا ليّنا﴾.. فكرةُ قول زكريا ﴿ربّ أنى يكون لي﴾.. ودرسُ قصّة مريم ﴿هو عليّ هيّن﴾.. أن العالم محكوم بقوانين عليا من الصعب إدراكها.. وأن المستحيل ممكن الوقوع.. وما ذلك على الله بعزيز.. وإنّا لنرى بقلوبنا أوَّلا .. القلبُ يُبصِرُ قبلَ العين .. ﴿ما كذبَ (الفؤادُ) ما رأى﴾ .. يُقال إن من أجمل اللحظات .. هي تلك التي يستحضر المرءُ فيها الآيةَ في الوقت المناسب .. ويتطابق فيها النّص القرآني مع المُشَاهَد .. شعور فريد حين يجتمع الغَيب بالشهادة .. ويتّصل الوحيُ بالرُوح وواقع الحياة .. أنتَ القادر يا الله على جمع المُتفرّق .. ولم الشّتات .. مهما يَكُنْ .. ورغمَ كلّ شيء .. ﴿ثمّ ادعُهُنّ يأتينَك سَعْيا﴾ .. بالحُبّ.. ﴿فأَلَّفَ بين قلوبكم﴾.. يُزهر القلب.. وترتفع النفس.. ويضيء كل شيء.. ﴿فأصبحتم بنعمته إخوانا﴾.. كلماتُك: ﴿كما أتمّها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق؛ إن ربك "عَلِيمٌ حكيم"﴾؛ لا تُغادرني .. أحمِلها في رُوحي .. ترافقني عبرَ السّنين .. ولا أنساها: ﴿إن ربِّي لطيفٌ لما يشاءُ؛ إنه هو "العليمُ الحكيم"﴾ .. علّمني القرآنُ أن الحياةَ تغييرٌ مستمرّ: ﴿وتلكَ الأيامُ نداولها﴾.. فالأجدرُ بالمرء أن يَتقبّل هذه الحقيقة، ولا يلتفت للماضي كثيرا: ﴿قال: فما بالُ القرون الأولى؟﴾.. بل يحاول التَّكيّف مع الواقع: ﴿فرجالا أو ركبانا﴾.. ويرضى بقدر الله الجَميل: ﴿ويُسلِّموا تسليما﴾.. من الأجدر أحيانا ألا تقتربَ كثيرا .. أن تُبْقيَ مَسافة؛ بعضُ الأشياء جمالُها في بُعْدها .. ﴿لا تسألوا عن أشياءَ إن تُبْدَ لكم تَسُؤْكُم﴾ .. قد يكون لك الكثيرُ من الأصدقاء وأنت في أفضل حالاتك، أو حين لا تُكَلّفُ صحبتُك الكثير: ﴿لو كان عرضا قريبا، وسفرا قاصدا؛ لاتّبعوك﴾، وأما في ساعة العسرة، وفي ضعفك؛ فلا يبقى معك إلا الذين أحبّوك صدقا: ﴿يقولون: لا تُنفِقُوا على من عند رسول الله حتى ينفَضوا﴾؛ فلا تعدُ عيناكَ عنهم. ولا تدري .. قد يكون أعظم ما تُقَدِّمه لإنسان؛ أن تستمع إليه باهتمام .. أن تُطَمْئنَه .. أن تُذْهِبَ عنه الرّوع .. ﴿فلما جاءه وقصّ عليه القصصَ؛ قال: لا تَخَفْ﴾ .. ثم إنّ السّعةَ شعورٌ، وإحساسٌ، ومفهوم روحيٌ قبل كل شيءٍ؛ فلرُبّما اتسعت النّفس والمكان ضيّق: ﴿فأووا إلى الكهف؛ ينشرْ لكم ربُّكم من رحمته﴾، وقد تشعر بالضيق رغمَ اتساع المكان: ﴿حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقتْ عليهم أنفسُهم﴾.. كمالُ سعادة المرء إنما يحصلُ بالشعور بالحُب: ﴿وما قلى﴾، والقُرب ممنْ يُحبّ؛ ألا يُفارقَه: ﴿ما ودّعك ربك﴾. بعضُ الأشياء الجميلة لا تبدو على حقيقتها من بعيد .. أو عند النظرة الأولى .. لابدّ أن تقتربَ أكثر؛ لتتَعرف على ذاك الجمال .. ﴿فلما رأتهُ؛ حسبتهُ لُجّةً، وكشفتْ عن ساقيها. قال: إنه صرحٌ ممردٌ من قوارير﴾ .. أعلى مراتب العلم والمعرفة؛ الرّبانية: ﴿ولكن كونوا ربّانيّين﴾ .. تتأتى بأمرين: التّعلم والدّراسة: ﴿وبما كُنتم تَدْرُسون﴾، والتّعليم -التّدريس- المستمر: ﴿بما كُنتم تُعَلِّمُونَ الكتاب﴾. ﴿لرادُّكَ إلى معاد﴾ .. "وتشاءُ حكمةُ ربّنا أنْ تجمَعك .." من كلمات الله التي تَنزِلُ بردا وسلاما على قلوب المُتْعبين .. ﴿وتُخرج الحيّ من الميّت﴾ .. اللهُمّ ما زَوَيْتَ عني ممَا أُحِبّ.. فَاجعَلهُ فَرَاغا لِي فيمَا تُحِبّ.. عبّرَ القرآنُ عن ضيق الصدر -في موضعين- باستخدام الظرف "في".. ففي سورة النحل: ﴿ولا تَكُ في ضيق﴾.. وهي إشارة -والله أعلم- إلى أن الاكتئاب والقلق وضيق الصدر= أمرها شديد.. لأنها تحيط بالإنسان.. بل وكأنه واقع فيها.. فلابد إذن من طلب العلاج.. من الأمور التي تَدْفع الإنسانَ.. تُحَفّزهُ.. وتبُثّ فيه الثّقة= إشعارُه "بالاختصاص".. بأنه ليس -عندك- كالبقية.. أنه مُمَيّز.. ويعني لك الكثير.. ﴿"وأنا اختَرْتُك"؛ فاستَمِع﴾.. البعض يجد نفسَه في العطاء.. ويجد في ذلك سعادَته.. كهؤلاء الذين وصفهم القرآن بأنهم "يحبون" البذلَ للآخرين: ﴿ويُطعِمون الطعامَ "على حبّه"﴾.. وهم الذين يتألمون حين لا يجدون من يُحسنون إليه.. إنها -كما قال جبران- "أوجاعُ الميسورِ الذي لا يُؤخَذُ منه".. فكرةُ 'الهجرة' هي أن أرضَ الله واسعة.. الحياة لا تقفْ على مكان ولا على أحد.. أن من واجبنا الأخلاقي أن نبحث عن البدائل حين تضيق السبل.. وأن البعيد قد يكون أجملَ بكثير ممن ظنَنْته قريبا.. ﴿ألَم تكُنْ أرضُ الله واسعةً فتُهاجروا فيها؟﴾.. أظن أننا غالبا لا نستطيع إدراكَ ترابط القدر.. وحكمة التوقيت ونحن "داخل الحدث".. لابد أن ننفصل ونبتعد حتى نرى الصورة بوضوح.. وقد يطول الزمن.. وإلى ذلك الحين فَقَدَرُنا هو الإيمان.. الصبر.. الأمل.. العمل الجاد.... ﴿واللهُ يعلَمُ وأنتُم لا تعلمون﴾.. يتجلّى تآلفُ الأرواح في قوله ﷻ ﴿يَبْنؤُمّ لا تأخذْ بلحيتي﴾ حيث أجرى موسى أخاه مجرى نفسه—كأنهما شخص واحدٌ—لأنه كانَ شريكه، كما لمَحَ الرازي.. ويَظهر عمقُ الشعور في قوله ﷺ: "فَاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها".. وفي كلمات الثبيتي: "ولنا مَطرٌ واحدٌ..كلّما بلّ ناصيتي بلّلَك".. علّمَني القرآنُ بواقِعِيّته أن الحياةَ لن تسير كما أريد ﴿لن تراني﴾.. تلك سنت الله ﴿ليبلوكم﴾.. ولكنه علّمني كذلك أن الحُلمَ مشروعٌ ﴿إنا فتحنا لك فتحا﴾.. وأنّ أبعد الأحلام في نظري.. قد تتَحقّق يوما ما ﴿ما ظنَنْتُم أن يَخْرُجوا﴾.. لا يُمكن أن تندمَ على الإحسان.. ولو أُصِبْتَ بخيبة أمل.. قد تحزن ولكنك لن تندم.. فالبرُّ لا يبلى.. الله الموعد.. و ﴿إنْ أَحْسَنتم؛ أَحْسنتُم لأنفُسكم﴾.. حين يُخبرك القرآن بطريقته الفريدة.. أن اللهَ مع المُنكسرةِ قلوبُهم.. ﴿وإن يتَفرّقا؛ يُغن الله كلّا من سَعَتِهِ﴾.. أُحِبّ أنْ أَقرأَ قول الله ﴿وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم﴾.. في ضوءِ قوله ﷻ ﴿ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير﴾ والذي قيل في تفسيره "إن الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلبا لشيء يعتقد أن خيره فيه، مع أن ذلك الشيء قد يكون منبع شره".. فلا بديل، إذن، عن الإيمان.. مؤمنٌ بأن جزءا كبيرا من "التأثير" نابعٌ من قبول الناس ومحبتهم للشخص، وهو معنى قرآني: وُصِفَ يوسف بالتمكين مرتين، وبنفس الألفاظ: ﴿وكذلك مكنا ليوسف في الأرض﴾—تمكينُ محبته في قلوب الناس أولا، ثم تمكينه من خزائن الأرض بعد ذلك.. قال الألوسي: "جعلنا قلوب أهلها كافّةً مَحالّ محبّتِه." إنسانٌ أحترمه كثيرا.. ذاك الذي يقومُ من مقعده في القطار، حين يرى قريبين من بعض (مثلا: أم وابنتها) جالسين في مقعدين متفرقين، ويعرض عليهما أن يجلسا بقرب بعض.. ربما يكون عملا بسيطا ولكنه يعبر عن حساسية أخلاقية عالية؛ يقول ﷺ: "وإنَ أَبْغَضكُم إليَ ... المُفرِقون بين الأَحِبّة." أَدَبُ الصّداقة في القرآن آسِرٌ.. الصديق -كما يخبرنا القرآن- لا يتخلى عنك في حيرتك ﴿حيرانَ له أصحاب يدعونه إلى الهدى﴾.. يُلازمك في ساعة العسرة ﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن﴾.. لا حواجز "رسمية" بينكما ﴿أو صديقكم﴾.. ثم إن الصديقَ نادر.. ربما لا يجاوز الواحد.. ﴿ولا "صديق" حميم﴾.. إنْ لم تكن معي.. ﴿وإن لم تؤمنوا لي﴾؛ فلا تَقِفْ في طريقي.. ﴿فاعتزلون﴾.. على الأقل.. وكأن هذه الآية.. ﴿هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم﴾.. تقولُ: لا تَهَب شعورك وقلبك إلا لِمَن يستحق.. الأشياء في وقتها أجمل.. ﴿وَلَوْ أنّهم صَبَرُوا حتى تخرجَ إليهم؛ لكانَ خيرا لهُم﴾.. ألقى الأستاذ علي عزّت محاضرةً في جامعة أكسفورد سنة ٢٠٠١، وختمها بقوله: "أؤمن أن الله يُحبّ الاختلافَ"، واستشهد بقوله ﷻ ﴿ولو شاءَ اللهُ لجعلكم أمّةً واحدةً﴾.. وهو معنى جميل.. فإِدْراكُ الإنسان أنه مختلفٌ عن غيره= يجعله أكثر رضىً وتصالحا مع ذاته.. لأنه ليس في منافسةٍ مع أَحَد.. من أعظم العِبَر في سجود السّحَرة ﴿وألقِيَ السّحَرَةُ ساجدين﴾ هو أن الحال قد يتبدل في لحظات.. مهما تأخرت فمن الممكن أن تبدأ من جديد.. أن الله ﷻ قد يطوي لك البعيد.. وأنه ﷻ -كما قال الألوسي- "قد يمُنّ على من يشاء بالتوفيق والوصول إليه سبحانه في أقصر وقت".. يقال إن اللحظاتِ الجميلةَ يشوبها حزن خفي.. بسبب الخوف من انقضائها.. فالمرء كثيرا ما يطلب الدوام، لا مجرد اللقاء؛ تأمل كيف أشار القرآن -ولو من بعيد- لهذا المعنى حين قال: ﴿كي تقرّ عينها﴾، أي: بلقائه، ثم أعقب بذلك بقوله: ﴿ولا تحزن﴾، أي: على فراقه بعد ذلك.. | |||||||||
|
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
| أصدقاء منتدى مسك الغلا | | |||||