منتديات مسك الغلا | al2la.com

منتديات مسك الغلا | al2la.com (/vb/)
-   قسم العام للمواضيع العامه •• (https://www.al2la.com/vb/f2.html)
-   -   هـِجرة لم يلتفت فيها القلب ! (https://www.al2la.com/vb/t128804.html)

عطاء دائم 06-20-23 09:46 AM

هـِجرة لم يلتفت فيها القلب !
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{ وليالٍ عشر } ..

الَّليلة الثانية

اسـأَل رِمالَ مكّة عن آلامِ خُطى هاجرَ و هي تتماسك ؛ كي لا تلحق بإبراهيم !

يَقولون يـا هاجَـر ..
إنَّ إحساسَ المرأة بالحزن و الألم ؛ يَعدِلُ ثمانيةَ أضعاف إحساس الرجل !

فكيفَ صَمتَ الوجعُ فيكِ ؛ و إبراهيمُ يرحـلُ عنكِ و عـن الرّضيـع ؟!

لا شيء كان يُخيف هاجرَ في هذه الصّحراء ؛ مثلَ مَغيبِ الشّمس في هذا المكان !

ترتعشُ هاجَـر في هذه الصّحراء الشاسعة ..
وماتدري أن اليباسَ تحت قدميه سيغدو سقاية الحجيج أبدا !

تهَرع إليه !
يـا إبراهيمُ ..
كيف تجمعُ عَلينا غِيابان ..
غيابكَ أنتَ ، و غيـاب الشّمس ؟!

هل نَذرتَنا للفَناء ؟!
صدّقني لا شَـيء يوحـي بغيـرِ ذلـك !

آاللهُ َأمرَكَ بذلك يـا إبراهيم ؟ فأجابَ : نعَـم !

كَـان اللهُ فـي عَليائِه يَشهدُ تِلكَ اللّحظـة ..
لحظة اختيارٍ بين خطوتَين ..
نَحو ابراهيم أو نحوَ الله !

لحظةً ..
سُجّلت لِهاجرَ في تاريخ الكون ، و بها اعتَلَت المَـرأةُ مكـان الشّمـس !

تسامَت على ضَعفِها ؛ حتى كأنَّها أُسطورةُ من خيال التاريخ !

أيُّ دينٍ هذا الذي يوقِظُ النِّساءَ ؛ كي يَصّعَدنَ من السَّفحِ الى حيثُ تُقيمُ النُّسور !

كَـي يُصبحنَ أيقونةَ الفِداء ..
كي يملأَنَ الصُّخورَ المتشقِّقة من الجَفافِ ؛ بماءٍ لا ينقَطِع !

كانت الدُّروبُ الصّامتةَ ؛ تَسمع وَقعَ أقدام ابراهيم مثقلة بالرَحيل !

{ ربّي إنّـي أسكنتُ مـن ذُريتي بوادٍ غيـرِ ذي زَرع } ..
كم مرةٍ تهدَّجَ صوتُك ، أو تقطَّعَ ، أو تحشّرَجَ يـا خليلَ الله بين الكلماتِ ؟

مَشهدٌ ..
تئنُّ لهُ السّماواتُ ؛ و لا تئنُّ له جارية في مُقتبل العُمر !

كَـان الرّعبُ يحيط بها ؛ الرعب في إنتظار العَتمَة الآتية ، و في بُكاءِ طفلٍ يُحرّكُ سُكونَ الصّحراء المخيفة؛ لتُلقي بأثقالِها في وجهِ الجارية !

تَنحني هاجرُ على الصغير فتبدو أمامها الحقيقة عاريةً ؛ لا شيء الا صُراخ الرّضيع !

تتشبّث بـاليَقيـنِ :
( أنَّ اللهَ لـَن يُضيّعَنا ) !

تَشُدّ اليَدَ الغارقة في عَرَقِ الخوفِ على حبلِ الثّقةِ بالله ؛ ومثلِ لِبؤةٍ مَفزوعة تَهرعُ بيـن الجَبَليـَن !
تهرعُ بين الصفا والمروة ..

ثمَّةَ ما يستَحِقُّ الحَّياة ..
ثَمَّةَ ما يستحِقُّ السَّعي ..
ثَمَّةَ حِكمة وراءَ كلِّ هذا الهَول !

كانت الأنفاسُ المُتلاحقة في هَروَلة الخطوات تَستبيحُ الصَّدرَ المُضطَّرب بالخوفِ المُشتَعِل !

هنا الوِحدة و الوَحشة ..
و مَـوتٌ يفتَرِسُ الطِّفلَ ..
و رَمـلٌ ينتَثِرُ في عَينَيها ؛ كأنَّهُ اللَّهَيب ..
و لا إبراهيمُ يُؤنِس الطَّريق !

ترى هَـل بَكـَت ؟
لم تُسجِّل ذاكرةَ الصَّحراء ؛ الا ارتفاعاً في صوت اليَقين !

هل كَتمَت صرخَتها ؟
لم تَشهد السَّماءُ ؛ الا صَمتَ المُوقِنين !

هل شَكَت ؟
لا ..
إذْ عَلَّمَها إبراهيمُ ؛ أنَّ النّورَ لا يَعبُر الا بعدَ اكتمالِ اللَّيل !
..وعَلَّمَها إبراهيمُ ؛ أن كل مايحجب الثقة بالله خطيئة !

تلك جراحٌ نزفت ..
فأضاءت للأمـّة الطريـق !

يـا هاجَـر ..
لو تَعلمين : أنَّ عَتمة الصّـحراء مـِن يَقينك تكادُ تُضـيء !

كَـانت زمـزم حينها ؛ تنتظـرُ ضَربَةَ قـَدَم الصَّغيـر ..
و كانَ لا بُدَّ لذلك من اكتمالِ مَشهَد التَّضحية ، و تقديمِ كلِّ القَرَابين !

(وعند انسـداد الفـُرَج ؛ تبدو مَـطالع الفَـرج ) !

تَسعى الحَجيجُ اليوم على الخُطى الجَليلة ..
على خُطى جاريةٍ ؛ كَتَبَت من خوفِها انتصار إرادةِ اللهِ عَبرَ امرَأة !

( هَـاجـَرُ ) ..
لكِ من اسمِك أوفر النَّصيب في هِجرَةٍ ؛ تَمَّت للهِ وَحدَهُ ..
هـِجرة لم يلتفت فيها القلب !

أيـا سَيِّْدَةَ المَعاني الكبيرة ..
[ مِنكِ تَستَلهِمُ المُرابطاتُ اليومَ في حَرَمِ الأقصى ؛ حكايَةَ النَّصرِ القَريب ..
ومِنك تستلهم الأسيرات في سُجون الظُلم ؛ مَعاني الثّبات ] !

من كتاب على_خطى_إبراهيم
د_كــِفاح_أبوهَنّـود
وليالٍ_عشر

حاشي نص استوى 06-20-23 03:08 PM

بارك الله فيك

أوتار الأمل 06-21-23 02:13 AM


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ونِعم بالله دائماً طرح جميل / لافتة رائعة وتذكير أروع
بُوركت أناملك:0741:غاليتي / عطاء دائم
وجعل ماقدمتي بميزان حسناتك
الصالحة / تقبلي ودي ...
:

:MonTaseR_205:

عطاء دائم 06-21-23 06:49 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حاشي نص استوى (المشاركة 3541638)
بارك الله فيك

وفيك بارك الرحمن
شكرا لك على كرم مرورك

عطاء دائم 06-21-23 06:50 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أوتار الأمل (المشاركة 3541887)

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ونِعم بالله دائماً طرح جميل / لافتة رائعة وتذكير أروع
بُوركت أناملك:0741:غاليتي / عطاء دائم
وجعل ماقدمتي بميزان حسناتك
الصالحة / تقبلي ودي ...
:

:montaser_205:

اللهم آمين
شكرا لكِ غاليتي على كرم مرورك
ربي يحفظك ويرزقك كل خير

عطاء دائم 06-21-23 06:53 AM

هـِجرة لم يلتفت فيها القلب !
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{ وليالٍ عشر } ..

الَّليلةُ الثالثة
{ و إذ يرفـعُ إبراهيم القَواعـدَ مِـن البيت } ..
كم هوَ عُمرك يا إبراهيم ؟
هِجرات ثلاث ..
و سنوات ممتلِئَة بالتّضحيات ..
و بناء بيت للهٍ ..
و مشاهدَ لا تُحصى ؛ مـِن مواقفِ الثَّبات !
بهذا تُقاسُ الأعمارُ يا سيّدي ..
بِعُمقها ؛ و ليس بِطولها !
تسكـنُ قاماتُ النّخيل العراقيّ فـي عُمرك ..
و تتجذَّر أفعالك ؛ كأنَّها جُذور شجرة زيتونة مقدسيّة ..
و يتّسع عُمرك ؛ كأنـّه صحراء الجَزيرة التي بَنيْتَ للهِ فيها بيتاً ليس لهُ مثيل !
ما أطولَ عُمرك يا سيّدي ..
فَرُبَّ عُمر اتّسعت آمادهُ ، و كثُرت أمدادهُ ، و أمطرت غيماته الى قيام الساعـَة !
رَفَعْتَ بيتاً لله ؛ فَرَفَعَ اللهُ لك ذِكّرَكَ ، و رفَعَ مَقامك ..
فلم يَلقاكَ مُحّمدٌ ﷺ الا في السّماء السّابعة ؛ مُسنِداً ظَهرَك إلى البيتِ المَعمور ..
و وَحدكَ دُون الخلائِقِ ؛ امتلَكتَ هذا الشَّرف الجَليل !
مِـن عُمرك ؛ انبَثَقَت يَقَظةُ الإنسان يـا سيّدي ..
فأنتَ مَن نَزع الحُجُب عن العَقلِ ، و أثارَ كلّ تِلك التَّساؤلات ، و علَّمَنا كيف يكونُ الإيمان مبصِراً و واعياً !
كانت آمالُكَ كُلَّ مساء ؛ تَتَبخّر الى السَـّماء ..
تجمَعُها لك إرادةُ الله ، و تكتُب لك بها مَواعيدك مَع غيثٍ ؛ ستَرتوي منه البشريّة جمعاء !
كم هي المسافةُ بيننا و بينك ؟!
كما هي المسافةُ بين أصواتِنا و صوتك ؛ إذ تُؤذّن { في النّاس بالحَـج } .. فتخلو الآفَاق الا مِن صَـدَى كلِماتِك !
كم هي المسافةُ بين أعمارِنا و عُمرك ؛ الذي يزدَحِمُ بالأحداثِ ، و يَسهر كلَّ ليلةٍ على الأمنياتِ الجليلة ؛ حتى استحقَّ أن يُسطِّره اللهُ على صَفَحاتِ القُرآن !
كَـم كان عُمرك ..
يوم كنتَ ترفَعُ القواعدَ من البيتَ بِيدكَ التي أورقَت بناءً شامخاً ؛ لم تُغيّره الدُّهور !
لَم يكُن ابراهيم يَشيخُ ..
ولَم يكُن لديه وقتٌ للنّهايات الذابلة ؛ فقد كان يعيشُ بقلبٍ يَستمّد زَيتَه مـِن نُـورِ السّـماوات و الأرض !
كان ابراهيمُ موطناً لـ { رَحمةَ الله و بركاتـه عليكُـم أهْـلَ البَيـت } !
كانَ إبراهيمُ يخلَع من خُطوته كًلَّ التَّوافِه ؛ و يُبقي قَدمه على العَتَبات الثَّقيلة !
وكان وحدَه مَن يستحقّ أن يُقال له : ( مَرَّ وهذا الأَثَر ) !
يَـا إبراهيم ..
على قدرِ نِيّتك ؛ اتَّسَعت لَـك الأرض ..
فأَنتَ حاضرٌ اليومَ في صلاةِ الأمّة ، و في مناسِكِها ، و في كُلّ لحظةِ التقاء بالبيتِ العَتيق !
لِـخيرِ هَذه الأمّـة و خيرنا ..
أنتَ رَحلـت ..
و اعتَلَيتَ الصَّخرَ ؛ و بَنَيت ..
و كَتمتَ الدَّمع ؛َ و مَضَيت ..
و غادَرتَ العٍراق ؛ و ما جَزِعت ..
و تَركتَ للهِ جارية و طفلاً ؛ و ما انحَنَيت !
لِـخيرِنا ..
تطاوَلَت كَفّكُ ؛ حتى اغتالَت كُلّ أوثانِ الضّلال ..
و رَسَمَت لنا بعدَها ؛ ميلادَ أمـّةَ الهِـلال !
و لِـخيرنا ..
لَـم تنكسرَ نِصفين ؛ أمام هَولِ النـّار !
لِـخيرنا ..
لم تتمزّق أمامَ جَفاف الخَريف ..
و كنتَ كبيراً في حُزنك ، و في سُؤلِك ، و في انتظارِ الرَّبيع !
و اليوم
لِـخيرِنا يـا موطِنَ الخَليل ..
يـا بَقيَّةَ الخَليل ..
ابقَوا على الرِّبـاط ..
ابقَوا على الطريق ..
‏‎
من كتاب على_خطى_إبراهيم
د_كــِفاح_أبوهَنّـود


الساعة الآن 11:54 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا