يقول أحدهم تذكرت قصة مبكية عشتها وأنا أقرأ أرقام المخالفات المرورية المهولة والتي ارتفعت بنسبة 220% عن العام الذي قبلها.
قبل سنوات قليلة كنت مرافقا لمريض قريب لي في المستشفى التخصصي بالرياض، كنت ألاحظ شخصا دائم الاكتئاب والتفكير، وأجده أول شخص حضورا للمصلى وآخرهم خروجا منه، كان أثر الكيماوي عليه واضحا إذ كان كل شعره ساقطا، مع نحافة بدنة الملفتة وبياضه الواضح
في أحد الأيام تأخرت في المصلى، ولم يبقى الا انا وهو، في لحظة سمعته يبكي بكاءا مُراً، اقتربت منه، وبدأت أذكره بأجر الصبر والاحتساب وأعظه وأذكره بالله، فقال لي: علتي أعرفها جيداً ولكني لا املك علاجها..
قلت له : كيف ؟
قال : ما أصابني هو دعوات أناس تسببت بالأذية لهم، وأتمنى أن أجد كل واحد آذيته لأتحلل منه، فقد أتعبني المرض وهد جسمي، وشتت أسرتي واتلف مالي..!
هونت عليه وقلت له: لعل ذلك تكفير ذنوب، واصبر واحتسب..
ذكر لي أنه كان يعمل في المرور وأنه مشهور بأوساط الشباب أنه أكثر شخص يمنح مخالفات، ويقول وقتها كنت أتلذذ بهذا الأمر، ويخدعني الشيطان أني أطبق النظام، بينما أنا أفقر عباد الله وأتسبب في الأذية لهم..!

نشج باكيا ثم قال: والله لا انسى ذلك الشاب الذي حاول أن يقبل حتى قدمي، ويحلف بالله انه ليس لديه قيمة أجرة بنزين الان، وأنهم يعيشون على 1500ريال فقط هي راتب أبوه التقاعدي، فكيف يستخرج رخصة قيادة بأكثر من 500 ريال؟ حلف لي أنه يعمل في نقل العمال بريالين لأجل أن يساعد أهله، لكني رغم بكائه لم أرحمه، ومنحته مخالفة، وأثق أنه غمرني بدعوات علي ألمسها في حالي اليوم..!
بل لا أنسى ذلك الرجل الكبير في السن الذي خالفته لوقوف سيارته في موقف خاطئ أمام الصيدلية وهي شغالة، وحلف لي أنه مستعجل لشراء علاج هام لوالدته المريضة بالسكر والضغط، لكني قلت له وقتها (ولو.. هذا لايعفيك من الوقوف الخاطئ) لأسجل عليه مخالفة بدون أي إحساس انساني أو تأنيب ضمير..!
وغيرهم كثير، كنت أترصد للشباب لأي سبب بسيط، وأحرر لهم مخالفات رغم توسلاتهم، لكني كنت (أطبق النظام) الذي أوصلني إلى هذا المكان..!
ذكر لي أنه وبسبب مرضه اضطر أن يبيع بيته لأجل أن يذهب في رحلة علاجيه في أمريكا على حسابه وبعض من تبرعات أقربائه كلفته قرابة نصف مليون ريال، ولم يحصل على أي نتيجة، ليعود لهذا المستشفى منتظرا قدره بعد أن أنهكته إبر الكيماوي، وأقسم بالله لي باكيا أنه مع كل جرعة رغم قوة ألمها، تتداعى له صور من تسبب بأذيتهم بمخالفاتهم دون ذنب منهم..!
ويعتصره الألم أكثر حينما يتذكر أنه أنهيت خدماته في الدولة بعد بلوغه 45 سنة، وراتبه التقاعدي لايكاد يكفي حاجة أسرته الآن، خاصة وقد اضطر لاستئجار سكن لهم بعد بيع بيته، ويقول أجرمت (هكذا قالها) في حق الناس لأجل مارأيته دون رأفة يخدم الوطن وها أنا ذا أدفع الثمن..!
هونت عليه، وطالبته بالاستغفار، والصدقة، ولعل الله يغفر له ما أرتكبه في حق أبرياء بعد أن أغرته سلطة رجل المرور على التسلط عليهم بدون وجه حق، وبمبالغات زائدة لاتحتمل..!

انقلوها لرجال المرور وكل من حولكم في مناصب بالأمانات ليخافوا الله فيمن يتسببون في اذيتهم من الشباب والفقراء والمساكين وأصحاب المحلات وتسلطهم عليهم بمخالفات متسرعة، فلعلها تحميهم وتدفع عنهم دعاء مظلوم منهم ويكون عند الله مستجاب ..

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الله يسلمك ويسعدك عطاء
وشكرا للمرور والتقييم بارك الله فيك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شاكر ومقدر لك على المرور الجميل وجزاكم الله كل خير