الموضوع: الطفلة زيزفونة
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-16, 07:33 PM   #2
general

الصورة الرمزية general

آخر زيارة »  05-02-24 (02:57 PM)
المكان »  في ظل سلمان الحزم
الهوايه »  قصص العالم الاخر ( الجن )

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



- الحلقة 2

نظر الفتى إلى خالد وهو يقول: هل أتيت لتراها؟!!

لكن ما أن نظر في عيني الفتى حتى لاحظ أمراً غريباً… سرت قشعريرة قوية في جسده…

نظر خالد إلى عيني الفتى ليجدهما بلمعان عيون القط… لاحظ الفتى تركيز خالد في عينيه فأغلقهما لبرهة قبل يفتحهما فيجدها خالد بلون أبيض مشع لا سواد بهما أقنع خالد نفسه بأنه يتوهم…. رأى الفتى علامات التعجب في وجه خالد فأغمض عينيه من جديد… فتحهما فرآهما خالد كعيون البشر قبل أن يشيح الفتى برأسه مشيراً لخالد أن يسلك اتجاه الوادي…

شعر خالد بأنه في مكانٍ نسيه بني البشر…
بدأ يشعر بخوفٍ لم يعرف كنهه…
خوفٌ من المجهول… من العالم السفلي…
لكنه و رغم ذلك يحاول أن يقنع نفسه بالعكس…

سار خالد بسيارته في الوادي وهو مسلوب الإرادة…

يعجز عن التوقف يعجز عن الكلام أيضا…

دخل خالد بين جبلين عظيمين وفي الأمام جبل آخر يغلق الطريق…طلب الفتى من خالد التوقف… فقد وصلا إلى القرية…

ترجل الفتى فتبعه خالد…

نظر إلى الخلف فرأى أنه بين جبال أربعة…

سار الفتى وخالد خلفه لينزلا إلى منطقة منخفضة عن الوادي…

ما أن نزل خالد حتى رأى القرية أمامه…

قرية مظلمة إلا من بعض الأضواء المنبعثة من أمام أبواب المنازل…

هناك بعض الفوانيس الضوئية موزعة على أرجاء القرية…

منازل صغيرة متباعدة…

هدوء غريب و سكون رتيب…

كانت خطوات الفتى سريعة فأسرع خالد للحاق به…

انعطف الفتى بعد أول منزل في القرية فهرول خالد ليدركه…

وما أن انعطف خالد حتى شد انتباهه مشهد غريب…

رأى رجل ضخم الجثة يجلس القرفصاء و قد ربطت إحدى قدميه بسلسلة كبيرة مثبتة إلى جذع شجرة شامخة…

ظنه خالد في بادئ الأمر مجنوناً

إلا أن قدم الرجل الأخرى كانت مربوطة بسلسلة أصغر لكن نهايتها رُبِطت حول رقبة شاة سوداء…

حين مر خالد بجوار الرجل وثبت الشاة مطلقة صوتاً غريباً…
رفع الرجل رأسه لتلتقي نظراته بنظرات خالد…
هاج الرجل وصاح صيحة عظيمة و هو يندفع باتجاه خالد لكن السلسلة حالت دون وصوله إليه…

كان الرجل قريباً من خالد بحيث لفحت أنفاسه النتنة وجه خالد…
كان يطلق زمجرة غريبة و يتمتم بكلمات لا قِبل لخالد بها…
هنا .. و هنا فقط سكن الرعب بين أوصاله فسرت في جسده قشعريرة كادت أن توقف قلبه…شعر أنه لا يقوى على الوقوف على قدميه…

تراجع خالد خطوات إلى الوراء ثم تلفت حوله في خوف…
رأى الفتى بعيداً ينظر إليه…
تحرك خائفاً وجلاً وانطلق في إثر الفتى و الذي بدوره اختفى بين المنازل…

في هذه الحظة لمح خالد شخص يقترب منه بطء…
ثبت خالد في مكانه و هو موقن أنه ليس بين بني البشر…
حركة الشخص الغريب تدل على أن هناك خطبٌ ما…
شعر أن ما سيحدث أمرٌ لن تحمد عقباه…
كان الشخص الغريب مخيفٌ في خطواته…
يخطو خطوة ثم يقفز في الثانية و يرجع رأسه إلى الوراء بقوة… أوجس خالد منه خيفة و سلَّم أمره لله.

حين تبين خالد شكل الشخص الغريب صُعِقَ ما رأى…
رجلٌ بلا ملامح!!!
بل بلا وجه!!!
لا شيء سوى فتحات تقوم مقام الفم و العين أما الأخرى فمسوحة…
قطعتا لحم سوداء تتدلى من كتفيه بدلاً من الذراعين…
ساقان قصيرتان متصلتان بقدمين مفتوحتين في الاتجاه الآخر…

أنحلت العقدة عن لسان خالد ليصيح بأعلى صوته”أعوذ باله من الشيطان الرجيم”…
توقف الرجل أمام خالد مباشرة …
تقلص حجم ما يفترض أن تكون عينه الوحيدة…
كشر عن فمٍ لا أسنان فيه أطلاقاً…
تمتم بكلماتٍ غريبة و بصوت كالرعد يصم الآذان…

تحدث إلى خالد بغلظة وقال: لماذا تستعيذ باله؟!!
هل رأيت شيطاناً؟!!!
لم يجبه خالد بل فتح عينيه على مصراعيها…
تابع الغريب كلامه قائلاً: هل تظن أن أشكالكم أنتم بنو البشر تعجبنا؟!!
هل تعتقد بأن هذا التشكل القبيح يعجنا؟!! لقد أُجبِرنا من ملك القبيلة بأن نتشكل بهيئة البشر بسب وجودك على أرضنا…

كان خالد يستمع وقد تجمدت أوصاله حتى عن الهرب…
يشعر بردٍ يسري في أطرافه…
يقرأ في سره ما قد حفظه من كتاب اله…

لم ينتظر الغريب أي ردٍ من خالد بل باغته بسؤال:
هل تريد أن ترى شكلي الحقيقي؟!!
قلها… ليس عليك سوى أن تطلب ذلك!!!
استرسل الغريب قائلاً: لا داعي لأن تطلب سترى شكلي الحقيقي

بدأ الغريب في التشكل…
أول ما لحظه خالد كان تلك القطع الحمية و هي تكتسب صلابة…
تمدت القطع الحمية و اكتست بأجزاء مثل قشور السمك…
تلاشت القدمين ليسقط الغريب على ركبتيه ويتخذ وضعية السجود…
من منتصف ظهره برزت مجموعة عظمية متصالبة ذات رؤوس حادة…
تمتد الرؤوس الحادة لتغرس في جانبي الرقبة…
أنفتق رأس الغريب ليكشف عن رأس صغير جداً شبيه برؤوس الكلاب…

ترنح خالد في مكانه وسقط أرضاً و هو يطلق صرخة عظيمة “يا اله”…
سمع خالد صوت من خلفه كصوت الريح و لاحظ أن الغريب قد جمُد مكانه…
التفت خالد إلى الخلف برعب ليرى تلك الطفلة مقبلة إليه مهرولة…
لكنها في هذه المرة كانت أكبر من قبل…
فقد رآها بحدود السابعة أو الثامنة من عمرها…

تجاوزت الطفلة خالد و وقفت بينه و بين الغريب فكان العجب ما رآه خالد…

رأى الطفلة واقفة بينه و بين الغريب…
أستطاع أن يرى وجهها و هو يزداد صلابة و غموضاً…
وقفت الطفلة برهة…
أطرقت برأسها إلى الأرض و الغريب ثابت لا يتحرك…
رفعت رأسها بهدوء و هي تنظر إلى النجوم…

أشارت للكائن الغريب بأصبعها و هي ترسم علامة دائرة في الهواء…
مع أشارتها تموج الغريب قبل أن يبدأ شكله في التحول الى ما يشبه الكلب لكنه بدا برأسين…
أشارت بيدها مرة أخرى فتكور الغريب على نفسه و برزت على ظهره ثلاثة أقدام مسطحة…

عادت الطفلة تشير بيدها عِدة مرات و هي تطلق زمجرة خافتة…
استوى الغريب واقفاً على قدميه إلا أن الجزء الأعلى من جسده كان مطموس الشكل هلامي الحركة…

تراجعت الطفلة إلى الخلف فتجاوزت خالد ليصبح من جديد بينها و بين الكائن الغريب…
أستطاع خالد و بقايا عقله المحطم أن يفكر في الهرب فها هي الطفلة تعجز!!! وقد تصبح هي الضعيفة بلا شك!!!

زحف خالد محاولاً الهرب…
وما أن أدار إلى الخلف حتى اصطدم بوجه الطفلة أحمر قاني بعينين تومضان بشدة و كل غموض الأرض على محياها…
عاد خالد ليسقط مكانه بينما بدأ الغريب يقترب من الطفلة رويداً رويدا…

ضربت الفتاة بقدمها الأرض فاهتز الكائن الغريب و تمد على الأرض ويصبح كحيةٍ جرداء على جوانبها ما يشبه الأجنحة…
بدا الكائن الغريب عاجزاً عن إتقان أي شكل يتحول إليه…
وما هي إلا برهة حتى برز للكائن الغريب رأس أسود كبير…
بدأ الرأس يكبر و يتعاظم حتى أصبح أكبر من الجسد…

أقترب الكائن من الطفلة فرفعت يدها و هوت بها على ذلك الرأس لتطوح الكائن بعيداً بقوةٍ لا تصدر عن أعتا الرجال…
تدحرج الكائن و هو يطلق خواراً هائلاً و يغرس رأسه في الأرض قبل أن يبدأ بالتلاشي و الذوبان…

على صوت خوار الكائن العالي رأى خالد أبواب منازل القرية تُفتح و النوافذ تُشَرَّع…
من هذا المشهد, أنخرط خالد في بكاء مرير وكأنه طفل…
سلوته الوحيدة أنه كان يتمتم بآياتٍ كان يحفظها…

التفت الطفلة إلى خالد …
تقدمت باتجاهه…
أمسكت برأسه…
قربت وجهها منه…
همست في أذنه بصوتٍ طفولي عذب: لا تخف, لن يؤذيك بعد الآن!!!
و كانت هذه أول مرة يسمع فيها خالد صوت الطفلة و هي تتكلم.

في هذه الأثناء رأى خالد أشباحاً تعبر الأبواب و النوافذ…
رأى رهطاً منهم يتحرك في الظلام باتجاهه…
منهم من يمشي على قدمين و منهم ما يزحف زحفاً…
و منهم أيضاً ما يبدو أنه يطير…

أغتم خالد لهذا الأمر كثيراً…
لم تعد كلمة “رعب” تصف ما يشعر به…
تمنى أن يتوقف قلبه عن النبض علَّه يرتاح…
تمنى أن يشرق قرص الشمس و يزيح هذا الظلام…
و بيأس الغريق الذي فقد الأمل في النجاة بكى…
اتسعت عيناه هلعاً وهو ينظر إلى الطفلة تسقط على ركبتيها…

نعم!!!
لو استطاعت الطفلة على ذلك الكائن الغريب فلن تقوى على المجموعة القادمة…
بدأ عدهم يزداد و هم يتقدمون باتجاهه…
لسان حاله يقول: كم شيطاناً منهم سيتلبسه؟!!

حين وصلوا إلى حيث استطاع خالد أن يتبين أشكالهم شرع في قراءة آية الكرسي بصوت عالٍ…
وقفوا أمامه برهة, يتقدمهم شيخ مهيب كامل الخلقة بلحيةٍ بيضاء…
في الأمر شيء واحد غريب جعل خالد يتأكد بأن الشيخ أيضاً من الجن!!!

كانت قدما الشيخ حافيتان والأغرب من ذلك أنهما لا تلامسان الأرض…
قامت الطفلة من جلستها و تعلقت بيد الشيخ و هي تشير إلى خالد…
أنقطع صوت خالد و أصبح يقرأ آية الكرسي همساً…
تبسم الشيخ في وجه الطفلة و تقدم من خالد…

انحنى الشيخ و سأل خالد بصوتٍ غليظ: ماذا تقرأ و على من؟!!!
أبتلع خالد لعابه و هو يفكر: لماذا لا تردعهم حتى آية الكرسي؟!!
لمن سيلجأ بعد الله و بمن يحتمي؟!!
ماذا سيكون مصيره الآن و قد عجز عن دفعهم عنه؟!!

لم يجب خالد على كلام الشيخ و الذي بدوره استرسل قائلاً: يا خالد!!! لا تقلق فلن يؤذيك أحد, نحن مثلك ندين بالإسلام و نعرف حرمة أذية المسلم…
قال خالد بوجل: من أنتم و ماذا تريدون مني…
أجاب الشيخ باسماً: نحن قوم من الجن وأنا ملك الجن في هذا الوادي و قد أمرت القبيلة بحسن استقبالك بعد ما فعلته لابنتي”زيزفونة” و أشار الشيخ إلى الطفلة…

نظر خالد إلى الطفلة و قد بدأ يزول ما به من خوف فابتسمت له بوداعة…
نظر خالد إلى الشيخ و سأله بصوتٍ متهدج: هل تحلف باله بأنكم لن تؤذوني؟!!
رَبْتَ الشيخ على رأس خالد فشعر بيده دافئة دفئ يسري إلى القلب سكينة و هدوء…
تنحنح الشيخ قبل أن يقول لخالد: لا تقلق فلن يعصي أمري احد من القبيلة…

تلفت خالد حوله فرأى الفتى واقفاً
أشار إليه و هو يسأل الشيخ: و هذا الفتى هل هو أبنك؟
أجاب الشيخ:لا أنه “طارخ” أبن أخي و هذا الذي بجواره والده, أخي ” هيدبا”…
قال خالد و قد أكتسب ثقة أكبر و مسح دموعه: لكن لماذا كانت الطفلة وحيدة هناك و كيف تغفلون عنها؟
قبل أن يجيب الشيخ تدخل الفتى”طارخ” قائلاً: أراك قد مسحت دموعك و صرت تتكلم بحرية و للتو كنت تبكي كالطفل الرضيع…

صمت خالد و هو يشعر أن الفتى”طارخ” يمقته و قد يضره
هنا تدخل “هيدبا” والد طارخ موجهاً كلامه إلى أبنه: ومن سمح لك بالكلام؟
أطرق الفتى برأسه إلى الأرض بطاعة في حين اقتربت الطفلة من خالد و أمسكت بيده تحثه على الوقوف…
قال ملك الجن بصوتٍ حنون: هيا يا خالد, قم بنا إلى قصري سأشرح لك كل شي قبل أن يحل الصباح فأنت اليلة في ضيافتنا…

وقف خالد و عن يمينه الطفلة” زيزفونة” و عن يساره ملك الجن و “طارخ” و “هيدبا”…
وقفوا مواجهين لأفراد قبيلة الجن قبل أن يقول ملكهم بصوت عالٍ:
مرحباً بك يا خالد في قرية الجن مرحباً بك خارج عالم البشر!!مرحباً بك…
أنت الآن في ضيافتنا, أنت الآن!!!!!!!!
"في ضيافة الجن".!!!!
امتلأ الوادي بالترحيب و ضجت أركانه بالهتافات و الصيحات الغريبة…
أما خالد فقد تلفت ينظر إلى تلك الشخوص في الظلام …
فلا يدري كيف ستكون الضيافة…

أنطلق خالد معهم و خلفه باقي أفراد قبيلة الجن…
شعر بهم يحتفون به و ستقبلونه استقبال الأبطال…
حين يلتفت حوله يراهم يزدادون عدداً…
الذين يستطيعون التشكل بأشكال قريبة من أشكال البشر هم القريبون منه أما اللذين تنقصهم الخبرة و المهارة فهم في الصفوف الخلفية…
و يستطيع أيضاً أن يرى بعض الأشكال المرعبة و الأعين المتوهجة لكنه و بعد طمأنة ملك القبيلة له وجد نفسه أكثر ثقةً…

ساروا جميعاً و هو مسك بيد الطفلة حتى إذا وصلوا إلى جبل عظيم التفوا حوله ليراه خالد من الجهة الأخرى قصراً منيفاً…
رحبوا بخالد كثيراً و أجلسوه في صدر المجلس عن يسار ملك القبيلة, جوار خالد جلست الطفلة و كان على يسار الشيخ شقيقه “هيدبا” و يليه “طارخ”…
مجلسٌ كبير امتلأ بالجن المتشكلين على هيئات بشر
أما المجلس المقابل فقد جلس فيه أنصاف البشر!!

دارت أقداح القهوة على الحضور, تذوقها خالد ليجدها من ألذ ما ذاقه يوماً…
دار الحديث بين خالد و ملك الجن و “هيدبا” .. أحياناً يتدخل الفتى “طارخ” فبدا ذا عقلٍ راجح يسبق سنه بكثير عكس ما توقع خالد…

قال الشيخ: يا خالد!! سأخبرك الآن سبب استضافتنا لك و استقبالك في عالمنا…
نحن يا خالد من قبائل الجن المسلمة و هناك حرب دائرة بيننا و بين قبيلة أخرى من الجن و هذه القبيلة لا تدين بالإسلام, فهم من عبدة النار و قد جعلنا بيننا و بينهم منطقة عازلة و حدوداً يراقبها مجموعة من خيرة شباب القبيلة و في مقدمتهم قائدهم “طارخ”…
في بعض الأحيان تغير علينا تلك القبيلة فيتصدى لها “طارخ” و الذين معه حتى يلتحق بهم باقي أفراد القبيلة…
و بين حدود قبيلتنا و حدود القبيلة الأخرى هناك منطقة عازلة نستطيع بلوغها لكن بحذر !! فهم لا يؤمن جانبهم…

في تلك اليلة ابتعدت ابنتي”زيزفزنة” كثيراً عن حدود قبيلتنا…
و المشكلة أن عيناً من تلك القبيلة رصدت تحركاتها فأوصلت الخبر إلى ملك تلك القبيلة لينطلق في إثرها و معه الكثير من أتباعه ناوٍ اختطافها…
و من فضل الله استشعرت “زيزفونة” الخطر و حاولت العودة قبل أن يظفروا بها…

طارت “زيزفونة” في محاولة منها الوصول إلى حدود القبيلة حيث يستطيع “طارخ” حمايتها!!!

نظر خالد إلى الطفلة” زيزفونة” قبل أن ينقل بصره إلى الشيخ و هو يسأل بدهشة: و هل تطير “زيزفونة”؟
أجاب الشيخ بابتسامة: نعم يا خالد, منا نحن معشر الجن من يطير و منا من يمشي و هناك أيضاً من يعيش في الماء كالسمك…
نظر خالد إلى طارخ و هو يسأل: و هل تطير أنت يا “طارخ”؟
أجاب “طارخ”: نعم يا خالد فأنا أيضاً من عائلة الملوك و طبعاً أفضل الجن هو الجن الطائر…

أعتدل خالد في جلسته و نظر إلى “زيزفونة” المبتسمة و هو يمسح على شعرها لتغمض عينيها في سكون آسر…
عاد الشيخ يتابع كلامه: حين طارت” زيزفونة” في محاولة منها النجاة أجبرتها أضواء سيارتك على أن تتشكل بسرعة إلى أي صورة فلم تجد إلا أن تتشكل بصورة طفلة حتى لا تُرعِبك…

و قد أدركوها على مشارف سيارتك حتى قبل أن نعلم بما بيجري…
حين أوقفت سيارتك و حملت زيزفونة صار من الصعب عليهم الاقتراب أتدري لماذا؟
أجاب خالد باستغراب: لماذا؟!!
قال الشيخ: لأنك و قبل بداية رحلتك قرأت دعاء السفر فجعل الله لك حافظاً من عنده يمنعهم عنك…

استرسل الشيخ في كلامه قائلاً: وصلنا الخبر من طارخ بأن زيزفونة في يد إنسي ما جعلنا نغتم كثيراً فانطلق أهل القبيلة في إثرك لأننا خفنا أن يكون ساحراً من الأنس قد تمكن منها…
أول من وصل إليك كان”طارخ” ناوياً الهجوم و القضاء عليك لكنك كنت في حفظ الله فوقف طارخ حائراً…
قر أن يخلصها رغم أمكانية احتراقه للأبد و لأنك في حفظ الله ,فلن يستطيع أن يلمس منك شعرة , غير إن زيزفونة شرحت له الموقف بلغة لا تعيها أنت و أخبرته بأن الموت قادم و أبن ملك القبيلة الأخرى في إثرها…

أخذ”طارخ” “زيزفونة” منك و قد أدركهم فرسان القبيلة الأخرى في نفس المكان الذي كنتَ تقف فيه…
كانوا ينتظرون ابتعادك فقط فلن يستطيعوا العبور مادمت واقفاً…
وحين اختفى “طارخ و زيزفونة” في الظلام شرعا أجنحتهما و طارا مبتعدين…
في هذه الأثناء كنت أنت ساكن تفكر ما منحهما الوقت الكافي للابتعد عن الخطر, فتقابل طارخ مع باقي أفراد القبيلة و قد تجمعوا فأرسل “زيزفونة” مع أحدهم و عاد مع باقي الفرسان لصد الهجوم فوجدوك و قد أسندت رأسك بمقود سيارتك ساكنا…

قال خالد: نعم فقد كنت أفكر في “زيزفونة” و جمالها الطفولي و رائحتها العبقة, لأني حين قبلتها…….
قاطعه الشيخ هازاً رأسه و هو يقول: نعم.. بلغنا يا خالد أنك كنت تقبل زيزفونة في سيارتك…
أجاب خالد باسماً: لا بد انه “طارخ” أنت من أخبرهم يا طارخ أليس كذلك؟
أجاب “طارخ” بغلظة: نعم أنا من أخبرهم , هل هناك ما يمنع؟
لم يجب خالد بل اكتفى بالنظر إلى “زيزفونة” و هو يسأل باسماً: تطيرين أيضاً؟ و ماذا بعد؟
لم تجبه” زيزفونة” بل ابتسمت و هي تشيح بوجهها عنه بهدوء و خجل؟؟؟

قال خالد و هو موجهاً كلامه إلى الشيخ: و ماذا حدث بعد ذلك أيها الملك؟!!
قالت “زيزفونة” و هي تلكز خالد : أيها الملك؟ ثم ضحكت…
رد عليها خالد قائلاً: حسبتك لا تحبين الكلام…
ضحك الملك و هو يقول: الحظات التي كنت مسنداً فيها رأسك بمقود السيارة كانت كانت كافية لفرساننا بأن يشكلوا صفوفهم و يقدروا عدد العدو و تشكيلاتهم و لم يكن سيتسنى لنا تجاوزك و معرفة وضعهم لولا أن كنا من المسلمين خاصةً أننا لم نكن نوي أذيتك فدعاء السفر الذي قرأته قبل أن تبدأ رحلتك لم يحمك بفضل الله من السوء فقط بل كان سلاح معنا و كأنك في صفوفنا…

صمت الشيخ قليلاً قبل أن يقول: هل تذكر يا خالد تلك الحجارة التي انهمرت على سيارتك؟!!
اتسعت عينا خالد و هو ينتظر الإجابة فقد كان يظنها من أبناء البدو…

تابع الشيخ كلامه قائلاً: لقد لاحظ أحد فرساننا أن في سيارتك الكثير من أشرطة الغناء و المعازف فخشينا أن تدير آلة التسجيل فينطلق منها صوت الموسيقى و كما تعلم فإن المعازف من المحرمات…
و لو حدث ذلك لكانت فرصة للقبيلة الأخرى بأن تؤذيك
فكيف ترجو الحفظ من الله و أنت تصدح بالأغاني و في قلب الظلام؟
وهذا يا خالد ما جعل فرساننا يرمون على سيارتك بعض الحجارة علك تنطلق مبتعداً في حفظ الله و هذا ما حدث بالفعل…
و بمجرد ابتعادك اندلعت حرب طاحنة كانت الغلبة فيها لنا و كان الفضل لله ثم لك بقراءة دعاء السفر و بذلك تكون قد ساعدتنا مرتين
مرة بإنقاذك “زيزفونة” و مرة بمنحنا فرصة معرفة تشكيلة العدو و معرفة عدته و عتاده…

قال خالد مبتسماً: حماها الله من كل شر
نظر إليها فرآها تبتسم , انحنى خالد و طبع قبلة حانية على خد الطفلة ليطلق “طارخ” زمجرة خفيفة جعلت خالد ينظر إليه بتعجب و يرجع ليطبع قبلة ثانيه على خذ الطفلة الآخر قبل أن يستطرد موجهاً سؤاله إلى الشيخ: لكن ما قصة المجنون المربوط إلى الشجرة و الشاة المسلسلة إلى قدمه؟

رفع خالد رأسه ليلاحظ نظرات قاسية موجهه إليه من كل من في المجلس و لاحظ أن “طارخ” يغلي غضباً لكنه أطمأن حين سمع ضحكة الشيخ و هو يقول: ذلك الذي رأيته ليس مجنوناً يا خالد, لو عرفت من هو لتعجبت!!! انه…………..

انه أبن ملك القبيلة الأخرى أسرناه بعد المعركة و قد حاول الهجوم عليك لأنك السبب فيما هو فيه…

قال خالد: لكن شكله كالبشر و لو ظهر لي بشكله الحقيقي ربما مت رعباً…
ابتسم الشيخ و هو يجيب: ليس ذلك باختياره إلا لفعلها لكنه مجبر على ذلك فهو أسيرنا, و ما رأيته سلسلة في قدمه ليس كذلك في حقيقة الأمر لكنه جهاز تعذيب و تحكم نحول شكله كيف نشاء و نتركه عليه, عندنا يا خالد من العلم ما لم تصلوا إليه انتم بنو البشر…

سأل خالد: و الشاة المربوطة بقدمه الأخرى…
الشيخ: تلك كانت دابته!!!

قال خالد بجدية: إذاً هو أبن الملك و أنتم أسرتموه!! ألا يعني هذا أنهم سيهجمون عليكم باستماتة بغية تخليصه؟
الشيخ: بلا!!! و قد يهجمون في أي وقت…
خالد: إذا فكوا وثاقه و أكفوا القبيلة شر الحرب…
الشيخ: سبب احتفاظنا به يستحق المخاطرة…

خالد: لم أفهم يا شيخ!!
الشيخ: كما تعلم يا خالد فإن السحرة يستعينون بالجن أو بمردة الجن و الكفرة منهم و بالجن العاصي, و قبيلة الجن تلك هي خير معين للسحرة على أذية الأنس و لذلك ترى في القرى المجاورة لهذا الوادي الكثير من البشر بين من به مس من جن أو سحر قضى عليه أو عين أقعدته, و بعض البشر هداهم الله لا يذكرون اسمه في الخلاء و في دخولهم و خروجهم, فذكر الله خير يا خالد…
تابع الشيخ حديثه و خالد يستمع باهتمام: سنقايض أبن ملكهم بخروج أفراد قبيلتهم من المسوسين و المسحورين و المجانين و تقريباً وُفِقنا في ذلك إضافةً إلى أنهم قد طلبوا هدنة معنا رغم أننا نخشى الغدر منهم فليسوا بمسلمين حتى نعاهدهم على اسم الله لا ينقضوه و من الممكن أن يهاجمونا في أي وقت…- الحلقة 2

نظر الفتى إلى خالد وهو يقول: هل أتيت لتراها؟!!

لكن ما أن نظر في عيني الفتى حتى لاحظ أمراً غريباً… سرت قشعريرة قوية في جسده…

نظر خالد إلى عيني الفتى ليجدهما بلمعان عيون القط… لاحظ الفتى تركيز خالد في عينيه فأغلقهما لبرهة قبل يفتحهما فيجدها خالد بلون أبيض مشع لا سواد بهما أقنع خالد نفسه بأنه يتوهم…. رأى الفتى علامات التعجب في وجه خالد فأغمض عينيه من جديد… فتحهما فرآهما خالد كعيون البشر قبل أن يشيح الفتى برأسه مشيراً لخالد أن يسلك اتجاه الوادي…

شعر خالد بأنه في مكانٍ نسيه بني البشر…
بدأ يشعر بخوفٍ لم يعرف كنهه…
خوفٌ من المجهول… من العالم السفلي…
لكنه و رغم ذلك يحاول أن يقنع نفسه بالعكس…

سار خالد بسيارته في الوادي وهو مسلوب الإرادة…

يعجز عن التوقف يعجز عن الكلام أيضا…

دخل خالد بين جبلين عظيمين وفي الأمام جبل آخر يغلق الطريق…طلب الفتى من خالد التوقف… فقد وصلا إلى القرية…

ترجل الفتى فتبعه خالد…

نظر إلى الخلف فرأى أنه بين جبال أربعة…

سار الفتى وخالد خلفه لينزلا إلى منطقة منخفضة عن الوادي…

ما أن نزل خالد حتى رأى القرية أمامه…

قرية مظلمة إلا من بعض الأضواء المنبعثة من أمام أبواب المنازل…

هناك بعض الفوانيس الضوئية موزعة على أرجاء القرية…

منازل صغيرة متباعدة…

هدوء غريب و سكون رتيب…

كانت خطوات الفتى سريعة فأسرع خالد للحاق به…

انعطف الفتى بعد أول منزل في القرية فهرول خالد ليدركه…

وما أن انعطف خالد حتى شد انتباهه مشهد غريب…

رأى رجل ضخم الجثة يجلس القرفصاء و قد ربطت إحدى قدميه بسلسلة كبيرة مثبتة إلى جذع شجرة شامخة…

ظنه خالد في بادئ الأمر مجنوناً

إلا أن قدم الرجل الأخرى كانت مربوطة بسلسلة أصغر لكن نهايتها رُبِطت حول رقبة شاة سوداء…

حين مر خالد بجوار الرجل وثبت الشاة مطلقة صوتاً غريباً…
رفع الرجل رأسه لتلتقي نظراته بنظرات خالد…
هاج الرجل وصاح صيحة عظيمة و هو يندفع باتجاه خالد لكن السلسلة حالت دون وصوله إليه…

كان الرجل قريباً من خالد بحيث لفحت أنفاسه النتنة وجه خالد…
كان يطلق زمجرة غريبة و يتمتم بكلمات لا قِبل لخالد بها…
هنا .. و هنا فقط سكن الرعب بين أوصاله فسرت في جسده قشعريرة كادت أن توقف قلبه…شعر أنه لا يقوى على الوقوف على قدميه…

تراجع خالد خطوات إلى الوراء ثم تلفت حوله في خوف…
رأى الفتى بعيداً ينظر إليه…
تحرك خائفاً وجلاً وانطلق في إثر الفتى و الذي بدوره اختفى بين المنازل…

في هذه الحظة لمح خالد شخص يقترب منه بطء…
ثبت خالد في مكانه و هو موقن أنه ليس بين بني البشر…
حركة الشخص الغريب تدل على أن هناك خطبٌ ما…
شعر أن ما سيحدث أمرٌ لن تحمد عقباه…
كان الشخص الغريب مخيفٌ في خطواته…
يخطو خطوة ثم يقفز في الثانية و يرجع رأسه إلى الوراء بقوة… أوجس خالد منه خيفة و سلَّم أمره لله.

حين تبين خالد شكل الشخص الغريب صُعِقَ ما رأى…
رجلٌ بلا ملامح!!!
بل بلا وجه!!!
لا شيء سوى فتحات تقوم مقام الفم و العين أما الأخرى فمسوحة…
قطعتا لحم سوداء تتدلى من كتفيه بدلاً من الذراعين…
ساقان قصيرتان متصلتان بقدمين مفتوحتين في الاتجاه الآخر…

أنحلت العقدة عن لسان خالد ليصيح بأعلى صوته”أعوذ باله من الشيطان الرجيم”…
توقف الرجل أمام خالد مباشرة …
تقلص حجم ما يفترض أن تكون عينه الوحيدة…
كشر عن فمٍ لا أسنان فيه أطلاقاً…
تمتم بكلماتٍ غريبة و بصوت كالرعد يصم الآذان…

تحدث إلى خالد بغلظة وقال: لماذا تستعيذ باله؟!!
هل رأيت شيطاناً؟!!!
لم يجبه خالد بل فتح عينيه على مصراعيها…
تابع الغريب كلامه قائلاً: هل تظن أن أشكالكم أنتم بنو البشر تعجبنا؟!!
هل تعتقد بأن هذا التشكل القبيح يعجنا؟!! لقد أُجبِرنا من ملك القبيلة بأن نتشكل بهيئة البشر بسب وجودك على أرضنا…

كان خالد يستمع وقد تجمدت أوصاله حتى عن الهرب…
يشعر بردٍ يسري في أطرافه…
يقرأ في سره ما قد حفظه من كتاب اله…

لم ينتظر الغريب أي ردٍ من خالد بل باغته بسؤال:
هل تريد أن ترى شكلي الحقيقي؟!!
قلها… ليس عليك سوى أن تطلب ذلك!!!
استرسل الغريب قائلاً: لا داعي لأن تطلب سترى شكلي الحقيقي

بدأ الغريب في التشكل…
أول ما لحظه خالد كان تلك القطع الحمية و هي تكتسب صلابة…
تمدت القطع الحمية و اكتست بأجزاء مثل قشور السمك…
تلاشت القدمين ليسقط الغريب على ركبتيه ويتخذ وضعية السجود…
من منتصف ظهره برزت مجموعة عظمية متصالبة ذات رؤوس حادة…
تمتد الرؤوس الحادة لتغرس في جانبي الرقبة…
أنفتق رأس الغريب ليكشف عن رأس صغير جداً شبيه برؤوس الكلاب…

ترنح خالد في مكانه وسقط أرضاً و هو يطلق صرخة عظيمة “يا اله”…
سمع خالد صوت من خلفه كصوت الريح و لاحظ أن الغريب قد جمُد مكانه…
التفت خالد إلى الخلف برعب ليرى تلك الطفلة مقبلة إليه مهرولة…
لكنها في هذه المرة كانت أكبر من قبل…
فقد رآها بحدود السابعة أو الثامنة من عمرها…

تجاوزت الطفلة خالد و وقفت بينه و بين الغريب فكان العجب ما رآه خالد…

رأى الطفلة واقفة بينه و بين الغريب…
أستطاع أن يرى وجهها و هو يزداد صلابة و غموضاً…
وقفت الطفلة برهة…
أطرقت برأسها إلى الأرض و الغريب ثابت لا يتحرك…
رفعت رأسها بهدوء و هي تنظر إلى النجوم…

أشارت للكائن الغريب بأصبعها و هي ترسم علامة دائرة في الهواء…
مع أشارتها تموج الغريب قبل أن يبدأ شكله في التحول الى ما يشبه الكلب لكنه بدا برأسين…
أشارت بيدها مرة أخرى فتكور الغريب على نفسه و برزت على ظهره ثلاثة أقدام مسطحة…

عادت الطفلة تشير بيدها عِدة مرات و هي تطلق زمجرة خافتة…
استوى الغريب واقفاً على قدميه إلا أن الجزء الأعلى من جسده كان مطموس الشكل هلامي الحركة…

تراجعت الطفلة إلى الخلف فتجاوزت خالد ليصبح من جديد بينها و بين الكائن الغريب…
أستطاع خالد و بقايا عقله المحطم أن يفكر في الهرب فها هي الطفلة تعجز!!! وقد تصبح هي الضعيفة بلا شك!!!

زحف خالد محاولاً الهرب…
وما أن أدار إلى الخلف حتى اصطدم بوجه الطفلة أحمر قاني بعينين تومضان بشدة و كل غموض الأرض على محياها…
عاد خالد ليسقط مكانه بينما بدأ الغريب يقترب من الطفلة رويداً رويدا…

ضربت الفتاة بقدمها الأرض فاهتز الكائن الغريب و تمد على الأرض ويصبح كحيةٍ جرداء على جوانبها ما يشبه الأجنحة…
بدا الكائن الغريب عاجزاً عن إتقان أي شكل يتحول إليه…
وما هي إلا برهة حتى برز للكائن الغريب رأس أسود كبير…
بدأ الرأس يكبر و يتعاظم حتى أصبح أكبر من الجسد…

أقترب الكائن من الطفلة فرفعت يدها و هوت بها على ذلك الرأس لتطوح الكائن بعيداً بقوةٍ لا تصدر عن أعتا الرجال…
تدحرج الكائن و هو يطلق خواراً هائلاً و يغرس رأسه في الأرض قبل أن يبدأ بالتلاشي و الذوبان…

على صوت خوار الكائن العالي رأى خالد أبواب منازل القرية تُفتح و النوافذ تُشَرَّع…
من هذا المشهد, أنخرط خالد في بكاء مرير وكأنه طفل…
سلوته الوحيدة أنه كان يتمتم بآياتٍ كان يحفظها…

التفت الطفلة إلى خالد …
تقدمت باتجاهه…
أمسكت برأسه…
قربت وجهها منه…
همست في أذنه بصوتٍ طفولي عذب: لا تخف, لن يؤذيك بعد الآن!!!
و كانت هذه أول مرة يسمع فيها خالد صوت الطفلة و هي تتكلم.

في هذه الأثناء رأى خالد أشباحاً تعبر الأبواب و النوافذ…
رأى رهطاً منهم يتحرك في الظلام باتجاهه…
منهم من يمشي على قدمين و منهم ما يزحف زحفاً…
و منهم أيضاً ما يبدو أنه يطير…

أغتم خالد لهذا الأمر كثيراً…
لم تعد كلمة “رعب” تصف ما يشعر به…
تمنى أن يتوقف قلبه عن النبض علَّه يرتاح…
تمنى أن يشرق قرص الشمس و يزيح هذا الظلام…
و بيأس الغريق الذي فقد الأمل في النجاة بكى…
اتسعت عيناه هلعاً وهو ينظر إلى الطفلة تسقط على ركبتيها…

نعم!!!
لو استطاعت الطفلة على ذلك الكائن الغريب فلن تقوى على المجموعة القادمة…
بدأ عدهم يزداد و هم يتقدمون باتجاهه…
لسان حاله يقول: كم شيطاناً منهم سيتلبسه؟!!

حين وصلوا إلى حيث استطاع خالد أن يتبين أشكالهم شرع في قراءة آية الكرسي بصوت عالٍ…
وقفوا أمامه برهة, يتقدمهم شيخ مهيب كامل الخلقة بلحيةٍ بيضاء…
في الأمر شيء واحد غريب جعل خالد يتأكد بأن الشيخ أيضاً من الجن!!!

كانت قدما الشيخ حافيتان والأغرب من ذلك أنهما لا تلامسان الأرض…
قامت الطفلة من جلستها و تعلقت بيد الشيخ و هي تشير إلى خالد…
أنقطع صوت خالد و أصبح يقرأ آية الكرسي همساً…
تبسم الشيخ في وجه الطفلة و تقدم من خالد…

انحنى الشيخ و سأل خالد بصوتٍ غليظ: ماذا تقرأ و على من؟!!!
أبتلع خالد لعابه و هو يفكر: لماذا لا تردعهم حتى آية الكرسي؟!!
لمن سيلجأ بعد الله و بمن يحتمي؟!!
ماذا سيكون مصيره الآن و قد عجز عن دفعهم عنه؟!!

لم يجب خالد على كلام الشيخ و الذي بدوره استرسل قائلاً: يا خالد!!! لا تقلق فلن يؤذيك أحد, نحن مثلك ندين بالإسلام و نعرف حرمة أذية المسلم…
قال خالد بوجل: من أنتم و ماذا تريدون مني…
أجاب الشيخ باسماً: نحن قوم من الجن وأنا ملك الجن في هذا الوادي و قد أمرت القبيلة بحسن استقبالك بعد ما فعلته لابنتي”زيزفونة” و أشار الشيخ إلى الطفلة…

نظر خالد إلى الطفلة و قد بدأ يزول ما به من خوف فابتسمت له بوداعة…
نظر خالد إلى الشيخ و سأله بصوتٍ متهدج: هل تحلف باله بأنكم لن تؤذوني؟!!
رَبْتَ الشيخ على رأس خالد فشعر بيده دافئة دفئ يسري إلى القلب سكينة و هدوء…
تنحنح الشيخ قبل أن يقول لخالد: لا تقلق فلن يعصي أمري احد من القبيلة…

تلفت خالد حوله فرأى الفتى واقفاً
أشار إليه و هو يسأل الشيخ: و هذا الفتى هل هو أبنك؟
أجاب الشيخ:لا أنه “طارخ” أبن أخي و هذا الذي بجواره والده, أخي ” هيدبا”…
قال خالد و قد أكتسب ثقة أكبر و مسح دموعه: لكن لماذا كانت الطفلة وحيدة هناك و كيف تغفلون عنها؟
قبل أن يجيب الشيخ تدخل الفتى”طارخ” قائلاً: أراك قد مسحت دموعك و صرت تتكلم بحرية و للتو كنت تبكي كالطفل الرضيع…

صمت خالد و هو يشعر أن الفتى”طارخ” يمقته و قد يضره
هنا تدخل “هيدبا” والد طارخ موجهاً كلامه إلى أبنه: ومن سمح لك بالكلام؟
أطرق الفتى برأسه إلى الأرض بطاعة في حين اقتربت الطفلة من خالد و أمسكت بيده تحثه على الوقوف…
قال ملك الجن بصوتٍ حنون: هيا يا خالد, قم بنا إلى قصري سأشرح لك كل شي قبل أن يحل الصباح فأنت اليلة في ضيافتنا…

وقف خالد و عن يمينه الطفلة” زيزفونة” و عن يساره ملك الجن و “طارخ” و “هيدبا”…
وقفوا مواجهين لأفراد قبيلة الجن قبل أن يقول ملكهم بصوت عالٍ:
مرحباً بك يا خالد في قرية الجن مرحباً بك خارج عالم البشر!!مرحباً بك…
أنت الآن في ضيافتنا, أنت الآن!!!!!!!!
"في ضيافة الجن".!!!!
امتلأ الوادي بالترحيب و ضجت أركانه بالهتافات و الصيحات الغريبة…
أما خالد فقد تلفت ينظر إلى تلك الشخوص في الظلام …
فلا يدري كيف ستكون الضيافة…

أنطلق خالد معهم و خلفه باقي أفراد قبيلة الجن…
شعر بهم يحتفون به و ستقبلونه استقبال الأبطال…
حين يلتفت حوله يراهم يزدادون عدداً…
الذين يستطيعون التشكل بأشكال قريبة من أشكال البشر هم القريبون منه أما اللذين تنقصهم الخبرة و المهارة فهم في الصفوف الخلفية…
و يستطيع أيضاً أن يرى بعض الأشكال المرعبة و الأعين المتوهجة لكنه و بعد طمأنة ملك القبيلة له وجد نفسه أكثر ثقةً…

ساروا جميعاً و هو مسك بيد الطفلة حتى إذا وصلوا إلى جبل عظيم التفوا حوله ليراه خالد من الجهة الأخرى قصراً منيفاً…
رحبوا بخالد كثيراً و أجلسوه في صدر المجلس عن يسار ملك القبيلة, جوار خالد جلست الطفلة و كان على يسار الشيخ شقيقه “هيدبا” و يليه “طارخ”…
مجلسٌ كبير امتلأ بالجن المتشكلين على هيئات بشر
أما المجلس المقابل فقد جلس فيه أنصاف البشر!!

دارت أقداح القهوة على الحضور, تذوقها خالد ليجدها من ألذ ما ذاقه يوماً…
دار الحديث بين خالد و ملك الجن و “هيدبا” .. أحياناً يتدخل الفتى “طارخ” فبدا ذا عقلٍ راجح يسبق سنه بكثير عكس ما توقع خالد…

قال الشيخ: يا خالد!! سأخبرك الآن سبب استضافتنا لك و استقبالك في عالمنا…
نحن يا خالد من قبائل الجن المسلمة و هناك حرب دائرة بيننا و بين قبيلة أخرى من الجن و هذه القبيلة لا تدين بالإسلام, فهم من عبدة النار و قد جعلنا بيننا و بينهم منطقة عازلة و حدوداً يراقبها مجموعة من خيرة شباب القبيلة و في مقدمتهم قائدهم “طارخ”…
في بعض الأحيان تغير علينا تلك القبيلة فيتصدى لها “طارخ” و الذين معه حتى يلتحق بهم باقي أفراد القبيلة…
و بين حدود قبيلتنا و حدود القبيلة الأخرى هناك منطقة عازلة نستطيع بلوغها لكن بحذر !! فهم لا يؤمن جانبهم…

في تلك اليلة ابتعدت ابنتي”زيزفزنة” كثيراً عن حدود قبيلتنا…
و المشكلة أن عيناً من تلك القبيلة رصدت تحركاتها فأوصلت الخبر إلى ملك تلك القبيلة لينطلق في إثرها و معه الكثير من أتباعه ناوٍ اختطافها…
و من فضل الله استشعرت “زيزفونة” الخطر و حاولت العودة قبل أن يظفروا بها…

طارت “زيزفونة” في محاولة منها الوصول إلى حدود القبيلة حيث يستطيع “طارخ” حمايتها!!!

نظر خالد إلى الطفلة” زيزفونة” قبل أن ينقل بصره إلى الشيخ و هو يسأل بدهشة: و هل تطير “زيزفونة”؟
أجاب الشيخ بابتسامة: نعم يا خالد, منا نحن معشر الجن من يطير و منا من يمشي و هناك أيضاً من يعيش في الماء كالسمك…
نظر خالد إلى طارخ و هو يسأل: و هل تطير أنت يا “طارخ”؟
أجاب “طارخ”: نعم يا خالد فأنا أيضاً من عائلة الملوك و طبعاً أفضل الجن هو الجن الطائر…

أعتدل خالد في جلسته و نظر إلى “زيزفونة” المبتسمة و هو يمسح على شعرها لتغمض عينيها في سكون آسر…
عاد الشيخ يتابع كلامه: حين طارت” زيزفونة” في محاولة منها النجاة أجبرتها أضواء سيارتك على أن تتشكل بسرعة إلى أي صورة فلم تجد إلا أن تتشكل بصورة طفلة حتى لا تُرعِبك…

و قد أدركوها على مشارف سيارتك حتى قبل أن نعلم بما بيجري…
حين أوقفت سيارتك و حملت زيزفونة صار من الصعب عليهم الاقتراب أتدري لماذا؟
أجاب خالد باستغراب: لماذا؟!!
قال الشيخ: لأنك و قبل بداية رحلتك قرأت دعاء السفر فجعل الله لك حافظاً من عنده يمنعهم عنك…

استرسل الشيخ في كلامه قائلاً: وصلنا الخبر من طارخ بأن زيزفونة في يد إنسي ما جعلنا نغتم كثيراً فانطلق أهل القبيلة في إثرك لأننا خفنا أن يكون ساحراً من الأنس قد تمكن منها…
أول من وصل إليك كان”طارخ” ناوياً الهجوم و القضاء عليك لكنك كنت في حفظ الله فوقف طارخ حائراً…
قر أن يخلصها رغم أمكانية احتراقه للأبد و لأنك في حفظ الله ,فلن يستطيع أن يلمس منك شعرة , غير إن زيزفونة شرحت له الموقف بلغة لا تعيها أنت و أخبرته بأن الموت قادم و أبن ملك القبيلة الأخرى في إثرها…

أخذ”طارخ” “زيزفونة” منك و قد أدركهم فرسان القبيلة الأخرى في نفس المكان الذي كنتَ تقف فيه…
كانوا ينتظرون ابتعادك فقط فلن يستطيعوا العبور مادمت واقفاً…
وحين اختفى “طارخ و زيزفونة” في الظلام شرعا أجنحتهما و طارا مبتعدين…
في هذه الأثناء كنت أنت ساكن تفكر ما منحهما الوقت الكافي للابتعد عن الخطر, فتقابل طارخ مع باقي أفراد القبيلة و قد تجمعوا فأرسل “زيزفونة” مع أحدهم و عاد مع باقي الفرسان لصد الهجوم فوجدوك و قد أسندت رأسك بمقود سيارتك ساكنا…

قال خالد: نعم فقد كنت أفكر في “زيزفونة” و جمالها الطفولي و رائحتها العبقة, لأني حين قبلتها…….
قاطعه الشيخ هازاً رأسه و هو يقول: نعم.. بلغنا يا خالد أنك كنت تقبل زيزفونة في سيارتك…
أجاب خالد باسماً: لا بد انه “طارخ” أنت من أخبرهم يا طارخ أليس كذلك؟
أجاب “طارخ” بغلظة: نعم أنا من أخبرهم , هل هناك ما يمنع؟
لم يجب خالد بل اكتفى بالنظر إلى “زيزفونة” و هو يسأل باسماً: تطيرين أيضاً؟ و ماذا بعد؟
لم تجبه” زيزفونة” بل ابتسمت و هي تشيح بوجهها عنه بهدوء و خجل؟؟؟

قال خالد و هو موجهاً كلامه إلى الشيخ: و ماذا حدث بعد ذلك أيها الملك؟!!
قالت “زيزفونة” و هي تلكز خالد : أيها الملك؟ ثم ضحكت…
رد عليها خالد قائلاً: حسبتك لا تحبين الكلام…
ضحك الملك و هو يقول: الحظات التي كنت مسنداً فيها رأسك بمقود السيارة كانت كانت كافية لفرساننا بأن يشكلوا صفوفهم و يقدروا عدد العدو و تشكيلاتهم و لم يكن سيتسنى لنا تجاوزك و معرفة وضعهم لولا أن كنا من المسلمين خاصةً أننا لم نكن نوي أذيتك فدعاء السفر الذي قرأته قبل أن تبدأ رحلتك لم يحمك بفضل الله من السوء فقط بل كان سلاح معنا و كأنك في صفوفنا…

صمت الشيخ قليلاً قبل أن يقول: هل تذكر يا خالد تلك الحجارة التي انهمرت على سيارتك؟!!
اتسعت عينا خالد و هو ينتظر الإجابة فقد كان يظنها من أبناء البدو…

تابع الشيخ كلامه قائلاً: لقد لاحظ أحد فرساننا أن في سيارتك الكثير من أشرطة الغناء و المعازف فخشينا أن تدير آلة التسجيل فينطلق منها صوت الموسيقى و كما تعلم فإن المعازف من المحرمات…
و لو حدث ذلك لكانت فرصة للقبيلة الأخرى بأن تؤذيك
فكيف ترجو الحفظ من الله و أنت تصدح بالأغاني و في قلب الظلام؟
وهذا يا خالد ما جعل فرساننا يرمون على سيارتك بعض الحجارة علك تنطلق مبتعداً في حفظ الله و هذا ما حدث بالفعل…
و بمجرد ابتعادك اندلعت حرب طاحنة كانت الغلبة فيها لنا و كان الفضل لله ثم لك بقراءة دعاء السفر و بذلك تكون قد ساعدتنا مرتين
مرة بإنقاذك “زيزفونة” و مرة بمنحنا فرصة معرفة تشكيلة العدو و معرفة عدته و عتاده…

قال خالد مبتسماً: حماها الله من كل شر
نظر إليها فرآها تبتسم , انحنى خالد و طبع قبلة حانية على خد الطفلة ليطلق “طارخ” زمجرة خفيفة جعلت خالد ينظر إليه بتعجب و يرجع ليطبع قبلة ثانيه على خذ الطفلة الآخر قبل أن يستطرد موجهاً سؤاله إلى الشيخ: لكن ما قصة المجنون المربوط إلى الشجرة و الشاة المسلسلة إلى قدمه؟

رفع خالد رأسه ليلاحظ نظرات قاسية موجهه إليه من كل من في المجلس و لاحظ أن “طارخ” يغلي غضباً لكنه أطمأن حين سمع ضحكة الشيخ و هو يقول: ذلك الذي رأيته ليس مجنوناً يا خالد, لو عرفت من هو لتعجبت!!! انه…………..

انه أبن ملك القبيلة الأخرى أسرناه بعد المعركة و قد حاول الهجوم عليك لأنك السبب فيما هو فيه…

قال خالد: لكن شكله كالبشر و لو ظهر لي بشكله الحقيقي ربما مت رعباً…
ابتسم الشيخ و هو يجيب: ليس ذلك باختياره إلا لفعلها لكنه مجبر على ذلك فهو أسيرنا, و ما رأيته سلسلة في قدمه ليس كذلك في حقيقة الأمر لكنه جهاز تعذيب و تحكم نحول شكله كيف نشاء و نتركه عليه, عندنا يا خالد من العلم ما لم تصلوا إليه انتم بنو البشر…

سأل خالد: و الشاة المربوطة بقدمه الأخرى…
الشيخ: تلك كانت دابته!!!

قال خالد بجدية: إذاً هو أبن الملك و أنتم أسرتموه!! ألا يعني هذا أنهم سيهجمون عليكم باستماتة بغية تخليصه؟
الشيخ: بلا!!! و قد يهجمون في أي وقت…
خالد: إذا فكوا وثاقه و أكفوا القبيلة شر الحرب…
الشيخ: سبب احتفاظنا به يستحق المخاطرة…

خالد: لم أفهم يا شيخ!!
الشيخ: كما تعلم يا خالد فإن السحرة يستعينون بالجن أو بمردة الجن و الكفرة منهم و بالجن العاصي, و قبيلة الجن تلك هي خير معين للسحرة على أذية الأنس و لذلك ترى في القرى المجاورة لهذا الوادي الكثير من البشر بين من به مس من جن أو سحر قضى عليه أو عين أقعدته, و بعض البشر هداهم الله لا يذكرون اسمه في الخلاء و في دخولهم و خروجهم, فذكر الله خير يا خالد…
تابع الشيخ حديثه و خالد يستمع باهتمام: سنقايض أبن ملكهم بخروج أفراد قبيلتهم من المسوسين و المسحورين و المجانين و تقريباً وُفِقنا في ذلك إضافةً إلى أنهم قد طلبوا هدنة معنا رغم أننا نخشى الغدر منهم فليسوا بمسلمين حتى نعاهدهم على اسم الله لا ينقضوه و من الممكن أن يهاجمونا في أي وقت…