ودعته بحرقة
والالم يعتصر قلبها ..
رغم ازدحام المكان بالمسافرين ..
الا ان صوت نحيبها كان واضحا ..
تبكي فيمسح بكفيه دمعتها والابتسامة تعلو وجهه
ولمعة خفيفة تشع من عينيه ..
تزداد غزارة دموعها ..
تشد وتتمسم بيديه بقوة
رافضة تركه .. طالبة منه البقاء ..
تود لو ان هذه اللحظة تدخل بغيبوبة ..
تتعالى اصوات المسافرين المغادرين
فهناك أب يودع ابنه ..
يقبل الابن راسه والده ويدخل قاعة المغادرة ..
فتنساب دمعة انحبست فترة طويلة على خدي الاب ..
مسحه وشفتاه لا تتوقف عن الدعاء له ..
في زاوية اخرى عائلة مكونة من اب وام وابنة ..
والسعادة واضحة على محياهم ..
جميلة هذه الرحلة .. فلا دموع ستنذرف ..
وفي مكان ليس ببعيد عنهم ..
فتى شاب يشعر بالحرج من والدته المسنة التي
تنصحه ودموعها لا تتوقف " بني لا تنسى ان تطمني عليك
وقت وصولك .. لا تنسى ان تأكل جيدا .. وتلبس ملابس دافية
سمعت بأن الجو بارد جدا هناك .. بني لا تنسى ان تتصل علي يوميا "
يزداد غيظه فكيف لها ان تنصحه وهو شاب كبير
فيقوم بإلقاء كلمات قاسية على مسامعها ..
تسكت فيبتعد عنها ملوحا لها بأنه راحل ..
تسمرت الام بمكانها ولولا دموعها المنسابة لظن الجميع انها
لم تعد موجودة معنا ..
واحداث و مواقف اخرى كثيرة ..
ولا اي منها انتبهت له ..
لا تشعر بشيء الان سوى انه سيرحل ..
سيرحل عن عالمها ..
بعد ان ايقنت ان لا حياة لها من بعده ..
من ناحية اخرى دمعة هاربة اخذت مجراها على خده
فقام بمسحها سريعا لكي لا تشعر به ..
يتألم كما تتألم ولا يود الرحيل عنها ..
لكن ما للظروف موعد .. تأتي بغتة ومن دون سابق انذار ..
تعالت الاصوات معلنة عن فتح باب الرحلة
المتجهة ل باريس - فرنسا ..
واتجه جميع المسافرين بإتجاه البوابة ..
انتبه للنداء .. أخذ شهيقا وزفيرا ..
فقد حان الموعد ..
فك يديها منه ولازال يحاول جاهدا
ابقاء ابتسامته بارزة على وجهه ليطمئنها ..
وهي تأبى الا وتتشبث به ..
قبل جبينها بحنان .. وهمس بإذنها " سأعود .. انتظريني "
لم تقوى على الحراك ورحل هو متوجها
لذلك الممر ..
الذي بنظرها الممر المظلم الذي سيسلب منها حبيبها ..
بقيت متسمرة قرابة ربع الساعة الا ان ايقنت
انها وحيدة .. وحيدة رغم جميع الملأ من حولها ..
عادت أدراجها ..
خرجت واستوقفت سيارة اجرة ..
" الي اين يا سيدة " .. تسأل السائق ..
لم تجبه فعاود سؤاله بأدب ..
" سيدتي .. الي اين ترغبين بالذهاب ؟ "
" خذني إليه .. "
احتار السائق ..
أدار المحرك وانطلق
دون ان يعلم الي اين ..
استندت بجانب الباب وبدأت الدموع
تنساب دون التوقف ..
وكأنه سيعود اذا زاد نحيبها ..

تمت ...