عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-16, 09:48 PM   #246
يَعْرُب

الصورة الرمزية يَعْرُب

آخر زيارة »  07-14-23 (03:20 PM)
اصبّر نفسي في الهوى أدبا.
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي




هي الأشياء المُتكالِبة المتجذِّرة التي تمتَدُّ في أعماقنا بخَفاءٍ لا يُضاهِيه خَفاء، تنتَشِر، تَمُدُّ أَذرُعها ومَلامِسها إلى مناطق العقل والنفس، مناطق التوتُّر والغَلَيان والراكِدة، والتي تَعمَل بطريقةٍ مبهمة، حين تُمسِك النفس وتغلُّها، تُكبِّلها، تَسُوقُها سوقًا نحوَ الانحِدار إلى ما يُسمَّى: الحزن، الأَسَى، الشَّجَن، العُبُوس، القُنُوط، دُون أن تَشعُر النفس بأنَّها مغلولة أو مكبَّلة، لكنَّها تغرق بنوعٍ من المجهول، من الغامض الذي ينتَزِع الملامح ويسفك التفاصِيل، ويقتَلِع الفرحة أو بوَّابات الفرحة، فتتحوَّل النفسُ إلى مجموعةٍ من المُتناقِضات القادِرَة على التآمُر على ذاتها، وعلى ما تبقَّى في الذِّهن من سكونٍ قد يَقُود إلى راحة.

هو القلق المُتواصِل الذي يُصبِح زادَ الذات اليومي، مغذيها الأصلي، يأتِي من هنا ومن هناك، من فوق ومن أسفل، يمتدُّ كموجٍ يلفُّ كلَّ التفاصِيل الموزَّعة بالنفس، فلا يُبقي من ذرَّاتها شيئًا غيرَ معلول أو مُصاب، تتدفَّق سُيُولٌ من الصدر، تقتَحِم بسهولةٍ مُفرِطةٍ الدماغَ، تَشعُر بضغطٍ هائل في الجمجمة، تُراوِدك أحاسيسُ قاتلةٌ مستفزَّة، تَشعُر بانهيار تكوينات كلِّ ما تَحوِي الجمجمة، تمسك رأسك بين يديك، تخاف من انفِجارٍ بركاني يَمسَح الرأسَ كلَّه، تَمضِي نحوَ كوب القهوة، تُشعِل دَخِينةً، تُحاوِل سحبَ الهواء من المحيط، تتدثَّر بلون السماء، تتزمَّل بالأُفُق المفتوح على المَدَى، لكن الانفِجار المتكوِّن أو بطريقِه للتكوُّن يهزُّ جدران الدِّماغ، كرجاجٍ يرجُّ الأرض فوقَ بعضها، يكدسها طبقات فوقَ طبقات، يضغطها إلى حدٍّ لا يمكن فصل الأجزاء بعضها عن بعض.

هو الألم المُتَآمِر مع القلق، المندَمِج بكلِّ طاقته؛ ليغذيه، ليمدَّه بالبقاء والحيويَّة والنَّشاط، يسعره حتى يُصبِح نارًا تلفح كلَّ شيءٍ، كلَّ ذرَّة، كلَّ خليَّة، تبحَث بين كلِّ هذا عن طلقة ولادة جديدة، مهما كان حجمُها، ومهما كان مخزون وجعها؛ للخروج من هذا إلى حالةٍ أخرى، لا تطمع أصلاً بأنْ تكون لحظة فرح أو لحظة سعادة؛ لأنَّه يبدو بوضوحٍ يُعانِق كلَّ ما سبَق، إنَّ بينك وبين الفرح والسعادة مسافاتٍ تتجاوَز مسافات الأكوان، التي نعرف ولا نعرف، بل مسافات تعجز تلك المسافات التي يُحاوِل عقلُنا بكلِّ ما امتَلَك من علمٍ ومعرفة أن يصل إلى حَدِّها الأوليِّ، بل تطمَع إلى لحظة هدنة، تُقصِيك عن الأَلَم، تُبعِدك عن القلق، تَنأَى بك عن الأشياء المتجوِّلة بالأعماق بهلاميَّة لاسعة، كثعابين عملاقة أرهَقَها السمُّ المحشوُّ بأعماقها دون أن يجد مخرج، هي لحظاتٌ عسيرة، تلك اللحظات التي يغوص القلبُ فيها بالوحل الثقيل الممزوج بزيت وسخام متفجِّر.

لماذا ولدت هكذا، مقسمًا بين الألم والوجع، بين الحزن والجزع، بين أمنيات مشلولة، ورؤًى كسيحة، بين أحلام عاجزة وتطلُّعات مقموعة؟! أهو القدَر، أم هي تقاسيم الوجود التي مسخت الأشياء وحوَّلتها إلى تشوُّهات مُتلاصِقة، أم هي الذات التي ولدت مع كلِّ ذلك، فكان جزءًا منها وكانت جزءًا منه؟


 
مواضيع : يَعْرُب



رد مع اقتباس