|| بين أسرار يوميَّةٍ قدريَّةٍ .. و مصادفاتٍ محضة ||
...
تمتلئ حياتنا اليوميَّة بالأسرار القدريَّة
و المصادفات المحضة
منذ صدوح آذان الفجر و حتَّى يتغشَّى المساء السَّواد
و يتمطَّى بجسده على نصف الكرة الأرضيَّة
و يفصل ما بأجسادنا من تيَّار الطّاقة الحركيَّة
فيسكن النَّشاط الجسدي
و نتمطَّى نحن الآخرون وثير أسرَّتنا أو حصير أرضنا
فـنستغرق في مُعجزة النَّوم السُّباتيَّة ..
و مع هذا
تستمرُّ حياتنا اليوميَّة القدريَّة ،
و مُـصادفاتنا المحضة ..
حتَّى مع فصل التَّيار الحركي الجسدي ..
و لكن في صورة الأحلام و المنامات
و الرُّأى الحيَّة ..
هنا يكون النَّشاط حركي ذهني بـمعجزةٍ و قُـدرةٍ إلهيَّة ..
لتستمر أقدار الله فينا
.. حتَّى و نحن في الموتة الصُّغرى ..
...
سادتي ..
ما أسلفته ليس بالجديد عليكم ..
و ما قد أردفه من حديثي قد يكون ــ أيضاً ــ ليس جديداً
و لكن ربَّما يكون غائباً عن أذاهنكم فقط ..
...
(( الأسرار اليوميَّة القدريَّة ، و المصادفات المحضة ))
لا أقصد بها ما يجري في حياتنا من حوادث و أحداث الطبيعة الكونيَّة ..
كالأكل ، و الشُّرب ، و النَّوم ، و المطر ، و إرتفاع درجة الحرارة و انخفاضها ،
و كل ما هو من جنسها ..
بل أعني :
الأشخاص المارِّين بأقدارنا ..
المارقين بأرواحنا ..
الزَّارعين البصمة بأعماقنا ..
المخلِّفين وراءهم إمَّا ابتسامةً صادقةً ..
أو جُرحاً غائراً ..
أو شيئاً بين هذا و ذاك ..
في كل لحظة تُكتب لنا فيها حياة
تمتدُّ بأرواحنا معها مساحةٌ شاسعةٌ من البياض ..
تبحث عن أصباغٍ أخرى ،
و بصماتٍ أخرى ؛
لتشبع حاجتها الفطريَّة ..
.. بـحكم أنَّ الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه ..
فما استطاع آدام البقاء بلا أنيس و هو في جنَّة الخُلد بـعظمتها .. !
فكيف بنا نحن البُسطاء على هذه البسيطة ؟!
من هنا وُجدنا و تزاوجنا و تكاثرنا و استمرَّينا ..
و التقينا مع هذا وذاك ..
نصافح حيناً ، و نتبادل الأفكار والأخبار حيناً أخرى ..
و قد يؤول بنا الحال إلى اجتماع حول زاد و زواد ..
واتِّحاد أرواحنا و اختلاطها ثم تقاسُمها في أجسادٍ عدَّة ..
.. حتَّى يستمر بَنْدُول حياتنا بالحراك إلى أن يشاء الله ..
لكن ما شأن تلك المساحات البيضاء .. !
برأيكم هل من السُّهولة النَّقش عليها بأيِّ أصباغٍ كانت ؟
و ما شأن تلك الأرواح !
هل من السُّهولة ــ أيضاً ــ المروق بها لأيٍّ كان ؟
أم أنَّنا صنُعٌ معقَّدٌ ، و مُعجزةٌ ربَّانيَّة ،
و مخلوق مكرَّم على مدى العصور و الأزمان ..
ليس من مقامنا كـطين سجدت له الملائكة
أن يُعبث معنا ، و ربُّ الأرباب أعلى شأننا
و لا أن يُستهان بكينونتنا و كياننا و فالقُ الإصباحِ كوَّننا .. ؟!
حقُّنا أن تُنقش بأرواحنا أجمل الزَّخارف و الآثار ..
و أن تُربَّى حدائقٌ من أطيب الثِّمار و الأزهار ..
و أن تحتفل بنا مخلوقات الكون أجمع ..
و أن نُسعد لِنَسْعِد ..
و أن تُبنى بأعماقنا جسور الثِّقة ، و الإطمئنان ، و الأمان ..
و أن نحيا كما ينبغي لنا .. و كما يليق بنا ..
لكن ماذا إن كان العكس .. ؟!!
ما ذا لو صُنعت من أعماقنا كهوفٌ مهجورةٌ ؟
و مخابئ ضباعٍ مسعورةٍ ؟
ماذا لو سكنتنا الغربان و الخفافيش قسراً .. ؟
ماذا لو صهل حصان الذَّاكرة بباعثٍ جديدٍ لكلِّ المموياءات الجراحيَّة
القابعة على مركز الألم فيها .. ؟
تُرى أيُّ لجامٍ سيحجمه ؟!
أو على الأقل يُهدِّئ من روعه ؟!
فـلنفرض أننا سنكذب على أنفسنا و نقول التأمت الخلايا الجراحيَّة ..
و تمهَّد الجلد ، و زال النَّدب ..
لكن ماذا عن التصدُّع العابث في جدران الذَّاكرة
و أيُّ طلاءٍ سيمحوه أو سيلحم أجزاؤه ؟
و أيُّ سنونٍ ستتوالى عليه تترى دون أن تنحته ؟