تالله أعجب ممَّن يغمس فرشاته بأصباغٍ قاتمة ليلطٍّخ مساحاتنا البيضاء
غير مبالٍ بحجم التَّشوِّه الذي سيخلِّفه ، و لا للبشاعة التي سيلدها
جرَّاء المسخ الدَّامغ لأعماقه ..
و أهتف لمن يتخيَّر الأزهار و الثِّمار التي يستخلص منها أصباغه الزَّاهيَّة ..
و كيف يعتني بفرشه النَّاعمة ، و يستغرق في الشَّهيق و الزَّفير
لينقش إبداعاً زُخرفيّاً على مساحاتنا ، مُراعياً حساسيَّتها و بياضها النَّاصع ..
* صدقوني أيَّها السَّادة ..
ليست مشاعرنا تافهةً ليُعزف عليها بأعواد القش ..
و لا هي مسودَّة تحتمل عبث الأطفال ..
و لا هامشاً تُمارس به المسائل الرِّياضيِّة الصَّعبة ..
و لا ضمادات تُلوَّث بالدِّماء لتوقف نزيف غيرها ..
فقط ..
عتبي على من نمنحهم مساحةً حُـــــرَّةً بيضاء ..
و جسراً صلباً صلداً من الثِّقة ..
فيلطِّخون مساحاتنا ..
و يهدمون الجسور ..
!!
أتدرون يا سآدة ؟
أسوأ الصَّدمات على الإطلاق تلك التي تلامس مبدأ الثِّقة فتزعزه ..
و تسحق الصُّورة المعنويّة الحسيُّةالعذبة
التي نقشناها نحن لأولئك بأصباغٍ من خُلاصة الأزهارالنديَّة ..
و نحتناها بأعماق الرُّوح ، و أطَّرناها بإطار الذَّاكرة ..
فتضحى بقايانا مخلّفات بعبق الشّظايا
و نكهة الحُطام ، و رائحة الهلاك .. !!
أعزائي ..
ليس نحن من نرسم حياتنا اليوميَّة القدريَّة
و لا مُصادفاتنا المحضة
ففي صحائفنا قد دُوِّنت منذ الأزل ..
و لا نحن من نرسم خطواتنا لأقدارنا و مصادفاتنا تلك ..
و لا نحن من نتخيَّر من ترمينا أقدارنا عليهم ..
و لا نحن من شكَّلنا شخصياتهم و ذواتهم ..
و لا نحن من رسمنا حدود أبعادهم و تخيُّلاتهم ..
و لا نحن من علَّمناهم إزدواجية الرّسم و التَّلوين ..
و لا نحن من أعطيناهم الفرشاة ، و استخلصنا لهم الأصباغ ..
لكن نحن من نمتلك مساحتنا البيضاء
و نحن من نقرِّر ما إذا كنَّا راغبين في امتصاص الأرواح الأخرى
أم غير راغبين ..
و إن رغبنا ما مقدار المساحة المسموحة بها لهم ..؟
و بأيِّ أصباغٍ تُنقش و تُرسم علاماتهم .. ؟
و ما دقَّة الفرش المستعملة لعملهم .. ؟
و قَبْلاً ..
من أيِّ المعاهد تخرَّجوا ؟
و على يد من تتلمذوا ؟
تخيّر صاحابي من تُمكِّنه من نفسك فتقف أمامه ، و تكشف له مساحتك ..
و ليس بالضَّرورة أن تُطيل المدى في المكوث في حظيرته و بين يدي حضرته
لتُقرِّر ما إذا كان أهلاً لمساحتك أم لا ..
فأغلب الأشخاص هم عابرو سبيل تجمعك بهم مصلحةٌ ما للحظات معدودة ..
و مع هذا حتماً و من غير أن يُدرك سيقتطع جزءاً من لحضاته
و يحمل فرشاته ليرسم نقشا بأصباغه
على مساحتك البيضاء ..
و من غير أن تشعر أنت ، أو تُقرِّر برفضٍ أو قبولٍ
ستمنحه جزءاً من مساحتك ..
تلك مُسلَّمات في عالمنا الإنساني الإجتماعي ..
و أقدارٌلا مفرَّ منها و لا مهرب ..
لكنيكمن دورك في توجيه مسارات
و انحناءات تلك الفرشاة على مساحتك !
أنت من سيتحرَّك أمامها حتى ترسم النَّقش الذي تريد ..
لا الذي يُراد ..
و أنت من ستربِّي مساحتك لتمتصَّ الأصباغ التي تريد ..
لا التي تُراد ..
معادلةٌ سهلةٌ ممتنعةٌ ..
حلّها : ( أنت )
ختاماً :
أجزم بأنَّ أعماقنا تمتلئ بالمساحات البيضاء الشَّاغرة
لكنَّها ما زالت تبحث عن فنانين محترفين يُحسنون
استخدامها لرسم لوحةٍ فنيَّةٍ زُخرفيَّة بشتى الألوان الزَّاهية ..
و بنَّائين آخرين ينصبون فوقها جسور الثِّقة الحيَّة ..
و بين الرَّسم و النَّصب تلد مساحاتٌ مساحاتٌ ..
و تمتدُّ مساحاتٍ من مساحاتٍ ..
لتُرسم و تُنقش ما دمنا أحياء نمارس
(( الأسرار اليوميّة القدريَّة ، و المصادفات المحضة ))
...