صدقت يا غيث ، كذلك قالوا العلماء : لا تأخذ العلم عن مصحفي ، ولا القرآن عن صحفي ، فقد كانوا الخوارج من القراء أي حفظة القرآن ، ولكنهم أجهل خلق الله في دين الله ، فقد كانوا يقولون لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه : أعترف إنك كنت كافرا عندما حكمت الناس في كتاب الله ، وانك أسلمت فيما بعد ، ثم نبايعك ، وكأنهم يفقهون الاسلام أكثر من أبا الحسن ، وهو من تربى على الوحي ، فلا يعلم حقيقة العلم وفقهه الا من ثنى الركب عند العلماء وتأدب بأدبهم وأدب طلب العلم ، وليس أدب السبورة والطباشير ، كانوا مدرسينا الفلسطيين هم من درسنا القرآن في جيلنا بالمدارس ، ولكنهم لا يحسنون قراءة القرآن ولا فقهه . فلهذا تخرجنا من المدارس ونحن جهلة في الدين وان كنا نحسن القرآة والكتابة . فلا كل من كتب بالقلم وتخرج من الجامعة وحصل على درجة الاستاذية فقيه عالم حتى وان رأس قسم الشريعة ، فالحفظ شيء والفقه شيء اخر خصوصا في السياسة الشرعية وفي زمن تكاثر الفتن ، فإن من علامة فقه الرجل هي قلة كلامه في زمن الفتنة . وأما غيره فتجده لا يكاد يغلق فكيه ويحبس لسانه ، وكأنه أعلم الناس ، ناسيا قوله عليه السلام : من قال : لا أدري فقد أفتى . ان من فقه طالب العلم وعقله هو حفظ اسرار شيخه ، ولا يخرجها الا بعد موت الشيخ ، وفي كتاب يؤلفه بتؤدة ، وليس على رؤوس الاشهاد وفي كلمات مقتضبة ، مما يسبب الفتنة وصرف وجوه الناس عن بعض من لشيخة رأي فيهم ، ولعل ذلك ناتج عن خلاف مذهبي أو فقهي او تحاسد او تباغض بينهم . نسأل الله الثبات .