الموضوع: أشباه الظلال
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-23-17, 12:54 PM   #4
حسين سلطان

الصورة الرمزية حسين سلطان

آخر زيارة »  10-15-23 (07:46 AM)
المكان »  البحرين
الهوايه »  القراءة والكتابة

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



الفصل الخامس









رنيم




لابد وأنكم تريدون معرفة تفاصيل باقي ما حدث هنا بعد خروج المحامي سأحكي لكم كل شيء
فتحت عينيا بصعوبة ابحث عن شيء يخبرني أين أنا ثم تذكرت شيئا فشيا ما كان قبل قليل ووقوفي في ذاك
الموقف الرهيب حينما كنت كمن يبحث عن حقيقة ضائعة منه ويتمنى أنه لم يجدها بعد ليجد شيئا مختلفا
عنها سألت المحامي وكلي أمل أن يكون كل ما قاله مجرد دعابة من والدي شامخ ليأتيني رده القاطع ولتظلم
الدنيا في عينيا من جديد وكأني بوالدي الذي رباني يموت مرة أخرى اليوم
ولم أشعر بشيء إلا وأنا على السرير الذي نمت عليه ليلتي الأولى هنا والخالة سماح تتحدث معي بكلمات لم
أكن أفهم منها شيئا حتى وضح الصوت ثم تحدث أحدهم من الخارج وسألتني إن كنت أحتاج للطبيب
أي طبيب هذا الذي ستأتونني به أيوجد لديكم أطباء يغيرون الواقع لتجلبوه إلي , فأجبتها بالنفي فلا طبيب في
العالم يعرف علاجا لي سوى رحمة الله
قالت بحنان " هل أنتي بخير يا ابنتي بما تشعرين الآن "
قلت مطمئنة " بخير خالتي لا تقلقي علي , هل حقيقة هوا ما حدث قولي لي أنني أتوهم كيف يجبرني
والدي شامخ على الزواج من ابنه المكره أيضا أنا لا أصدق ذلك "
أجابتني بحزن " هل تري في ابنه عيبا , لقد رباه من رباك وهوا كان ساعده الأيمن دائما "
أجبت موضحة " لم أقصد ذلك لا تفهميني خطأ أرجوك ولكن هذا إكراه وإلا الزواج لا يكون بالإكراه
هوا لا يريدني ولكل منا حياته ودولته وعالمه المختلف تماما "
ربتت على كتفي وقالت " ما بيدي حيلة يا ابنتي إن كنتي لا تريدي فارفضي فلا أحد مكره على شيء "
لقد زادتني ألما فوق ألمي بدل مواساتي , كانت جملتها كالسيف الذي وضع على عنقي حيثما التفتت سيقطعه
بعد عدة ساعات أمضيتها في البكاء والحزن والحيرة جاءتني الخالة مجددا طرقت الباب ثم دخلت بهدوء
تحمل طعاما وآه ليس هذا ما كنت أحتاجه أنا أريد فقط أن أعود لبيتي ولا أفارقه أبدا
قالت وهي تقترب مني مبتسمة " هيا كلي شيئا يا رنيم فأنت لم تأكلي منذ الصباح "
قلت بهدوء " لا أريد فأنا حقا لا أشعر بالجوع شكرا لك واعذريني على كل ما أتسبب لك به من تعب "
قالت بحنان " ما هذا الذي تقولينه يا ابنتي يسعدني حقا وجودك هنا لقد كان شامخ يحدثني كثيرا عنك
لقد أحببتك قبل حتى أن أراك "
قلت بلطف " أنا حقا ممتنة لك أنتي طيبة جدا ولم يخطأ والدي في اختيارك "
قالت بابتسامة " باركك الله يا رنيم , إن كنتي تشعرين بتحسن فعليك مرافقتي لحيت أبنائي سنتحدث جميعا
بشأن الوصية وأنتي جزء منها , وإن كنت متعبة أجلنا الحديث في الأمر "
يا الهي ألن تنتهي هذه المسألة , قلت برجاء " ألا يجدي ذلك بدوني أرجوك يا خالتي "
قالت بجدية " لا إنهم في انتظارك , الجميع موجود ما عداك أنتي "
قلت باستسلام " حسننا "
لبست حجابي وخرجت معها توجهنا لمكان لا أعلم هوا مجلس عائلي أو غرفة ضيوف أو شيء آخر
دخلت وألقيت التحية وجلست في بداية المكان في طرف الأريكة متجنبة قدر الإمكان النظر لصاحب
النظرات النارية , كان يجلس مقابلا لي زبير يليه أديم ثم غيث وبجانبي تجلس الخالة سماح بجانبها بحر يليه
صهيب , عمّ صمت قاتل وكأن كل واحد فيهم ينتظر أن يتحدث الآخر كان أول من تحدث زبير قائلا بهدوء
" علينا أن نتناقش فيما حدث ونخرج من هذه المشكلة بحل يرضي الجميع "
قال صهيب بحدة " أي حل هذا الذي تتحدث عنه إما أن يرضى كل منا بشرط الوصية الخاص به أو أن ينسى
وننسى أن له وجود في هذا المكان فلم يترك لنا والدي أي حل يكون وسطا بينهما "
قال أديم معقبا " اصمت يا صهيب أنت الوحيد الناجي بيننا "
قال صهيب بجدية " هذا في مخيلتك يا أُديم , وحتى إن فرضنا ذلك فبما سأنتفع أنا إن غادرتم القصر والعائلة
واحدا بعد الآخر هل سأبقى ووالدتي وحدنا هنا ما الذي سأجنيه حينها برأيك "
قال بحر بصوت هادئ " أنا أرى أن لا يعلم أحد بما في الوصية وتسير الأمور على طبيعتها أمام الجميع لكي
لا نكون سخرية وملهى لحديث الناس "
أنا أشهد أن بحر يصمت يصمت ثم ينطق دُررا
عقب زبير على كلامه قائلا " وأنا من رأيك وسنتحدث مع المحامي عارف والسيد راجي بذلك "
شعرت أن لا مكان لي في نقاشهم هم عائلة يناقشون قضية قد تربطهم وقد تشتتهم أما أنا , آه لو لم يضع والدي
ذاك الشرط لكنت استغنيت عن أي نصيب لي في تركته حتى إن كان نصفها ولكنت تركته لهم وعدت من حيث
أتيت
" آنسة رنيم ألن تتحدثي ألن تبدي رأيك أنتي جزء من هذه الوصية "
كان هذا صوت أديم توقعت بحر أو زبير أن يقولا شيئا يخصني ولكن أديم أو صهيب لم أتوقعهما أبدا جلت بنظري
بين الجميع وهم محدقين بي فيما عدا غيث الذي كان مطأطأ برأسه للأسفل سكتت لبرهة أجمع الكلمات في رأسي
المشوش ثم قلت
" لا أعلم ما أقول لقد وضعني والدي شامخ في موقف لا احسد عليه, لو كنت مكاني ما كنت ستقول أو تقرر "
نظر للأرض وقال بصوت هادئ " لم أعد أعلم من منا الأكثر ظلما في هذه الوصية كلما نظرت لأحدنا وجدت
أن موقفه هوا الأسوأ بيننا "
أردت أن أقول حينها أنني أنا الأسوأ بينكم لأنكم على الأقل يمكنكم الفكاك من قيودها والنجاة بأنفسكم دون أن
تلحقوا الضرر بالبقية ولكني فضلت أن لا أجرح مشاعر غيث أمام أشقائه فمهما كان رفضه لي فمن غير اللائق
أن أقول أنني كارهة الزواج به حد التنازل عن كل شيء حتى إن كانت تلك حقيقة ما أشعر به , خصوصا أنه
لم يجرحني برفضه لي علنا حتى الآن
" آنسة رنيم هل لي أن أسألك سؤالا وتجيبيني عنه بصراحة "
نطق غيث الصامت طوال الجلسة أخيرا ليوجه سهمه الأول لي
رفعت نظري إليه وقلت " لما لم تقل بصدق فالصراحة قد تكون جارحة أكثر "
قال مجيبا " بالاثنين إذا "
أجبت ببرود " حسننا لك ما تريد "
نظر لهاتفه المحمول بين يديه وقال " هل تحدث معك والدي بشيء من أمر الوصية قبل وفاته "
وقفت من قوة وقع ما سمعت أذناي فقد فهمت ما كان يصبوا إليه من سؤاله كما فهم ذلك الجميع فلا
أغبياء بينهم على ما يبدوا عليهم , ضننت أنه يتجنب إهانتي أمامهم ولكن يبدوا أنه كان يخبئها لي مفاجأة
فقلت بغضب وأنا أشد من قبضة يداي
" ما تعنيه بما تقول هل تضنني على اتفاق مع والدك بشأن ما يجري الآن , لقد اخترتُ الصمت كي لا أجرح
مشاعرك أمام الجميع عندما أبدي اعتراضي رغم علمي لكرهك الزواج بي لكن هذا لا يعني أنني أرحب
بالفكرة لأني على علم مسبق بها و اتفاق مع والدي شامخ , أنا لا اسمح لك أن تتهمني هذا الاتهام "
قالت والدتهم موضحة " يا ابنتي لا تفهمي ما عناه غيث خطأ نحن هنا لنتفاهم لا لنتشاجر "
قلت بغضب وأنا أشير بأصبعي عليه " بل عنى كل ما قال فلينكر ذلك إن كنت مخطئة , اسمعني يا هذا
لا يصل بك غرورك لتعتقد أنني أرمي بنفسي عليك , وقسما برب البيت لولا هذه العائلة التي هي من صلب
الرجل الذي كل ذرة نبتت في جسمي تذكرني بأفضاله علي ما كنت لأفكر في الأمر لمجرد التفكير ولكنت
اتخذت قراري منذ الصباح ولكنت الآن نائمة بحضن والدتي هناك "
نظر إليا بنظراته النارية تلك وكأنه يريد إحراقي وإحراق كل شي وقال بغضب
" لا اسمح لك أن ترفعي صوتك علي ولا تضني أن كون ثروتنا مصيرها مرتبط بموافقتك أو رفضك سيعطيك
المجال أن تتطاولي علينا أو تفكري أننا سنترجاك ونتوسل رضاك لترضي عنا "
قلت بغضب مماثل " تلك أفكارك أنت وحدك فلا تحملني إياها , لقد حملت هم أخوتك كما حملوا هم همي ولم
يتجرءوا على إهانتي مثلك , ولكن الحق ليس عليك بل عليا أنا لأني أجلس بمكان لا داعي لوجودي فيه "
أكملت جملتي تلك وخرجت من فوري دون أن أسمع أي رد أو تعليق ولا أعلم ما دار بينهم بعدي توجهت للغرفة
جمعت ثيابي واتصلت بخالتي لتحضر هي وزوجها ويأخذاني من هنا ثم أخرجت الورقة التي تركها لي والدهم
في وصيته وخرجت عائدة لحيت كان الجميع كان النقاش محتدا بينهم فسكتوا بمجرد دخولي رميت بالورقة
على الطاولة وقلت
" هذه هي الرسالة التي تركها لي والدكم وهي بخط يده كما التي لدى كل واحد منكم يمكنك يا سيد كما يمكن للجميع
قراءتها لتعلموا أنني لست كما تعتقدون "
وغادرت خارجة خارج القصر ووقفت أنتظرهم في الحديقة ليأتوا ويأخذوني معهم
بعد لحظات جاءت والدتهم إلي اقتربت مني وقالت بهدوء
" أدخلي يا أبنتي للداخل لنتحدث فلن تُعالج الأمور بهذه الطريقة "
آثرت الصمت فأنا لا أريد أن أكمل ثورتي في هذه السيدة الطيبة
أمسكت بيدي وقالت " اسمعيني يا ابنتي أنا لم يبقى لي من العمر ما أتحسر فيه على تقلبات الحياة ولكن أبنائي
لازالوا في ريعان شبابهم ولهم أحلاما لم يحققوها بعد فلا تجعلي المشاكل بينك وبين غيث تصل لأن يضيع
الجميع ليُرضي كل منكما غروره وعناده وتندما حين لا ينفع الندم أعلم ما تشعرين به ولكنني أم وأنا أترجاك
أن لا تتسببي بضياع أبنائي "
نزلت دموعي دون شعور مني وأنا أتلقى كلماتها كالملح فوق جراحي فقلت بهدوء
" لا تترجيني يا خالتي أنت ارفع من ذلك بكثير "
ابتسمت وقالت بدمعة تملأ عينيها تكابر السقوط " أنتي لم تجربي شعور الأم لكنتي عذرتي أن اركع تحت
قدميك حتى "
قلت معترضة " حاشا لله يا خالتي ما عاش من تركعي تحت قدميه أو حتى تترجيه , أنا أريد الابتعاد فقط فلا
تضغطي علي أرجوك , أنا وابن زوجك لا يمكننا التفكير وأنا هنا لأننا لن نتوصل لحل سوى الشجار ومن
ثم التهور , عليا العودة لدولتي لأعرف ما سأقرر وفي حال توصلنا لاتفاق مشترك بالزواج فثمة أمور سوف
تسبب لي المشكلات هناك وعليا حلها أولا لذلك أعفيني من البقاء هنا حتى انغلاق الوصية أرجوك "
ربتت على كتفي وقالت " ليثني أملك خيارا واحدا لأوقف كل شيء ولو دفعت ثمنه عمري , لا أريدك أن
تجبري نفسك على مالا تريدين ولكن .... آه سامحك الله يا شامخ سامحك الله "
لم أعرف ما أقول فالموقف اشد من كل الكلمات وصلت حينها خالتي وزوجها وغادرنا من فورنا بعد أن
ودعتها وداعا حزينا تائها حائرا مثلنا








غيث



ما إن دخلت تلك الفتاة وجلست في طرف الأريكة حتى شعرت بالبراكين تفور بداخلي لما وجدت هذه على وجه
الأرض لما لا تختفي نهائيا دون أن يخسر أي منا شيء , كان الجميع يتحدث ويتحاور وأنا لا تدور في رأسي
إلا فكرة واحدة هل لرنيم والسيد راجي علم بما كان في الوصية ولو فكرة مبسطة هل يعلمان عن زواج الفتاتين
من أبناء هذه العائلة ولو دون تحديد من منا سيكونان أزواج لهما
لقد أجابت عن سؤال أديم وقد تجنبت ذكر رأيها في الأمر وحتى عند قراءة الوصية قررت الخروج والانسحاب
ولم تعترض , كان عليا أن أفهم فبادرت بالسؤال الذي أخرج كل ما في جوفها من استياء كانت تكتمه ولم أكن
لاحتمل هجومها علي فبدل أن أطفأ النار سكبت فوقها المزيد من الوقود فأفرغت كل ما كانت تكتم وخرجت
من فورها
قال زبير مستاءً " لا تُحل الأمور بهذه الطريقة يا غيث "
قلت بغضب أعمى كل بصيرتي " لا تنزلوا بأنفسكم تحت قدميها لكونها تتحكم بمصيركم "
قال بحر بهدوء يعاكس الموقف تماما " أنت المخطئ يا غيث فالفتاة لم تقل شيئا "
قلت بسخرية " وهل سننتظرها حتى تقول , كيف لوالدي أن يضع لها شرطا كهذا ولم يضعه لابنة صديقه
الأخرى "
قال زبير بحدة " ها قد قلتها بنفسك يا غيث وضع شرطا قاسيا لتوافق , هذا يعني أنه كان يجزم برفضها "
دخلت حينها رنيم ورمت بالورقة بعد أن ألقت سهامها النارية في وجه الجميع وخرجت , لاذ الجميع بالصمت
لوقت ثم أخد بحر الورقة وقال " سأقرئها أمام الجميع لنرى وجهة نظر من هي الصحيحة "
ثم فتحها وبدأ بقراءة محتواها " بعد التحية والسلام ابنتي العزيزة رنيم ابنتي وطفلتي وصغيرتي التي لم
أنجب , عز عليا فراق الدنيا وأنتي لازلت أحوج من قبل إلى وجودي لأرد عنك كل ذلك الظلم والخطر
الذي يحدق بك , كوني قوية وواجهي قدرك واعذري ما سأقوم به ولو كان ضد رغباتك
أعلم أن خُطابك كثيرين وأنك اخترتِ رفضهم جميعا لأنك تريدين إتمام دراستك والنجاح في عملك بها ولأنني
طلبت ذلك منك مرارا رغم جهلك للسبب ولم تسأليني حتى لما فعلت ذلك , ابنتي الغالية على قلبي لا تغضبي
مني ولا ترفضي ما سأطلبه منك طاعةً لي ولأكون مطمئناً في قبري , حفظك الله ورعاك يا رنيم "
طوى بحر الورقة وقال وهوا يضعها في جيبه " سأحتفظ بها لأعيدها إليها فهي من حقها وعليها الاحتفاظ بها "
قال أديم بملامح تعلوها الحيرة " ما قصد والدي بالظلم والخطر الذي يحدق بها ولما هي تحتاج لوجوده "
نظر الجميع إلي وكأن الإجابة موجودة لدي فقلت مستاءً
" لما تنظرون جميعا إلي لا إجابة لدي كما تعلمون "
تابع أديم " تُرى هل أراد والدي أن يزوجها منك لذاك السبب المجهول "
نظر لي صهيب وقال " هل ذكر لك شيئا من ذلك في رسالته لك "
أخرجت الورقة من جيبي ونظرت إليها بتمعن وقلت " لا شيء غريب سوى هذه الجملة
( أحفظ الأمانة التي أمنتك بها في وصيتي فهي تحتاج لك خاصة دون الجميع ) "
قال زبير بحيرة " هل عناها هي أم الوكالة يا ترى "
أجبت في حيرة مماثلة " الوكالة تحدث عنها بشكل منفصل عن هذه "
عقب زبير " هي المعنية إذا , يبدوا أنها تحمل حكاية خلف صمتها الدائم "
قال بحر بصوته الهادئ " ولكنك ظلمتها يا غيث هي لم تكن تعلم شيئا عن الوصية "
قلت بحدة " لقد سألتها فقط وما كان عليها إلا الإجابة "
قال أديم باستياء " أنت اتهمتها ولم تسألها هي كانت تراعي مشاعرك طوال الوقت ما كان عليك أن تجرح
كرامتها هكذا "
قلت بضيق وأنا أشعر بالغضب مما يحل بي " هل أصبحت أنا المخطئ الآن وهي المسكينة الوديعة لقد رأيتم
بأنفسكم أنها أخذت بحقها وزيادة "
تنهد صهيب بضيق وقال " أرى أن ننهي الكلام في الموضوع كي لا يكبر أكثر من كبره "
دخلت حينها والدتي وقالت " لقد غادرت عائدة لدولتها "
كانت الصدمة والصمت هوا حال الجميع ثم تابعت قائلة
" لقد كانت في حالة سيئة جدا وأخبرتني أنها تحتاج لأن تبتعد لتفكر في قرارها وليتخذ غيث قراره أيضا بعيدا
عن التوتر والمشكلات وقالت شيئا لم افهمه عن أمور هناك ستتسبب لها بمشاكل إن تم تنفيذ ما جاء في الوصية
وعليها حلها في حال قررا الزواج "
كلمة زواج تلك التي قالتها أمي أشعرتني بانقباض في صدري وكأن أحدهم عصر لي ضلوعي حتى هشمها
لو تعلم تلك الفتاة مدى كرهي للزواج وللنساء لاختارت الموت على الزواج بي مهما كانت الأسباب
قال بحر بهدوء " يبدوا أن هذه الفتاة تحمل الكثير من الأسرار كيف لها أن تواجه ما تقول عنه دون سند تستند
إليه , لهذا هي انكسرت لموت والدي شامخ رحمه الله "
تنهدت بضيق وحيرة , لما يختارني والدي أنا لما ليس غيري لو انه أوصانا بحمايتها فقط كما كان يفعل وانتهى
الأمر , ما الذي تخفيه ورائك من أشياء يا رنيم
















صهيب
















لقد كان اليوم من أصعب الأيام التي مرت بي اشعر أنني كنت أشاهد فيلما أو مسرحية أو أي شيء لا يمد
للواقع بصلة , وكأن والدي قد ضرب عائلتنا ضربة قوية ليحدث صدعا قد لا تعالجه السنين , لو لم أكن
أعرف والدي جيدا لقلت أنه يكرهنا ويريد تحطيمنا
قررت التوجه لاستراحة العائلة بالمنطقة الساحلية , عوف هناك مع أصدقائنا منذ الأمس سألحق بهم لعلي
أخفف عن نفسي قليلا , وصلت هناك وفور دخولي استقبلني عوف بمرح وترحيب كبيرين كعادته دائما
عوف هوا الابن الأصغر لعمي جسار وصديقي المقرب , وهوا الوحيد المختلف عن باقي أبنائه والرجل
الثاني في حياتي بعد شقيقي بحر , بادلته السلام وجلست بعد أن سلمت على الجميع
كانوا جميعا يتبادلون الأحاديث والضحكات أما أنا فلم أزدد إلا شرودا وتيهاً ورسالة والدي لا تفارق عقلي
وأحرفها ما تزال مطبوعة أمام عيناي وتلك الجملة تتكرر في راسي عشرات المرات
( أعد الحق لأصحابه يا صهيب استله من بين أنيابهم كما عرفتك وأكمل ما بدأت به للتو فالعمر لم يسعفني
لأفعل ذلك أعرفك لا ترضى بالظلم أنا اعتمد عليك ولتعلم أنك ستُسأل أمام الله عما كلفتك به )
آه يا والدي ما هذه المصيبة التي كلفتني , كيف لي أن اسكت على ذلك لن أكون صهيب إن لم أستله من بين
أنيابهم كما طلبت فلست أنا من يرضى بذلك ولكن ما يحيرني لما لم يكلفني بذلك في الوصية هل أراده أن
يكون سرا أم لسبب آخر , لا افهم لما لم يقيدني بشرط لأفعل ذلك كما فعل مع البقية لابد وأنه كان يتق بي حد
الاستغناء عن ذلك , لن أخذلك يا والدي ولو افقدني ذلك أغلى الناس لدي
" ما بك يا صهيب لا تبدوا لي بخير "
أجبته نافيا " لاشيء يا عوف مشكلة بسيطة تشغل بالي "
قال متبسما " مشكلة تتغلب على صهيب ما تكون هذه لنعطيها وساما "
نظرت له بضيق وقلت " هل تعطي للمشكلة وساما لتغلبها علي يالك من ابن عم وصديق "
قال بعد ضحكة طويلة " أتحداها أن تتغلب على الأسد صهيب , هل سمعت الخبر الجديد "
قلت بحيرة " ماذا هناك أنا لم اسمع شيئا "
قال بحماس " إنه إساف ابن عمنا لقد تم إيقافه في قسم الشرطة وأخرجه والدي وعمي عاصم بصعوبة قبل
أن تكبر القضية "
قلت باهتمام " ولما أوقفوه "
قال ضاحكا " هل تسأل هذا السؤال يا صهيب لم أتوقع أن تكون نسيت "
قلت باندهاش " لا تقل ذلك هل نجح الأمر وتلقى الدرس "
قال بابتسامة " نعم لقد كنت عند تهديدك لهم لم أتوقع منه ذلك "
ابتسمت وقلت " وما فعل أنيس شقيقك "
ضحك وقال " يتوعدك بالويلات طبعا لقد نجي من الأمر بأعجوبة "
ثم قال لي بشرود " أخشى أن يحاولا الانتقام منك تعلم جيدا مدى العداوة بينكم "
قلت بلا مبالاة " فليفعلوا ما يحلوا لهم فأنا لست أخشاهم وعليهم أن لا يورطوا الأبرياء معهم ما كنت
لأرد ماجد وهوا يستنجد بي "
اقتربت منه وقلت بهمس " أحتاجك في خدمة يا عوف هل أنت لها "
قال بجدية " لها بكل تأكيد فأنت تعرفني جيدا "
قلت بذات الهمس " أريد صعلوكان مهددان بالخطر ومصيرهما تحت يدينا دبر الأمر ووفرهما لي "
قال بحيرة " ألا تقدر أنت على ذلك هوا سهل عليك جدا "
قلت بهدوء " اجل ولكن أريدهما بعيدان عني كل البعد ولا يعرفانني ها ما قلت "
قال بجدية " أبشر بما يسرك ولكن لما تريد ذلك "
أبعدت عينيا عنه وقلت " لا تسألني عن شيء الآن قد أخبرك بذلك ولكن في وقته "

( صهيب شاب في السادسة والعشرين من العمر ذو شعر بني فاتح كشقيقيه يصل طوله من الخلف حتى نهاية
عنقه وطويل قليلا ومقصوص بتدريجات متناسقة من الأمام والأطراف وذو عينان سوداء كوالده وخلافا لأخويه
ولحية بنية خفيفة محددة بإتقان تنزل بخط عريض تحت شفته السفلى حتى نهاية الذقن ثم تمر بحافة الفكين حتى
أسفل أذنيه وشارب خفيف , صهيب يحب الأناقة والترتيب مظهره يشبه عارضي الأزياء تماما )











حور










كنت أشاهد التلفاز وأرى برنامجي المفضل ومرام ابنة عمي تجلس بالمقربة مني
قلت بضيق " مرام توقفي عن رمي قشور الفستق هكذا "
قالت بلا مبالاة " وفيما يضايقك ذلك ستأتي الخادمة لتنظيفها أنا لا آكله إلا بهذه الطريق , لما لا تغيري
هذا البرنامج الممل "
نظرت لها نظرة استياء وعدت لمشاهدة التلفاز فقفزت بجواري وقالت
" حور لقد سمعت والداي يتحدثان صباحا "
قاطعتها بضيق " لما لا تتركي هذه العادة السيئة يا مرام كيف تتجسسي على والديك هذا لا يجوز "
قالت بلا مبالاة " أنا لم أتجسس لقد سمعتهم مصادفة ثم كيف سنعلم ما يدور حولنا إن لم نسمع , قلت نسمع
وليس نستمع فلا توبخيني "
تنهدت وقلت " لا فائدة ترجى منك "
لم تعر ما قلت اهتماما وتابعت حديثها بحماس " إنهم يتحدثون عن خاطب ومشروع للزواج "
قلت بضيق " وما الجديد في الأمر لطالما جاءنا الخطاب "
قالت بحماس " يبدوا الأمر مختلفا هذه المرة يا غبية "
قلت وأنا أشيح بنظري عنها للتلفاز " وما المختلف في الأمر أنتي لن يزوجك عمي حتى تنهي دراستك وأنا
عليا أن أنتظر موافقته على أحدهم والأمور متوقفة تماما فما من جديد "
أمسكت وجهي بيدها ووجهته نحوها وقالت
" قلت لك أن الأمر مختلف الآن يبدوا أن مشروع زواج حقيقي سيتم تنفيذه "
شعرت أن الجدية بدت واضحة في كلامها فقلت بفضول " ماذا سمعتي "
ضحكت وقالت " أليست تجسس "
قلت بضيق وأنا أعود لمشاهدة البرنامج " ابتعدي عني إذا واتركيني انهي برنامجي "
قالت باندفاع " حسننا حسننا اسمعي سأخبرك ما سمعت "
أنا اعرف مرام جيدا إن شعرت باهتمامي بالأمر فلن تخبرني مطلقا نظرة إليها نظرة باردة فتابعت قائلة
" لقد سمعت والدتي تقول لوالدي ( هل سألت عنهم جيدا هل أنت متأكد مما ستقدم عليه ) فقال والدي : أعرفه
وأعرف عائلته دون أن أسأل فعائلة آل يعقوب لا تحتاج للسؤال عنها "
توقفت عن الحديث لبرهة ثم قالت بحيرة " وبعدها قال والدي شيئا لم أفهمه شيئا عن وصية وصديق لوالدك
وعهد قديم بينهم ومحكمة وزواج بكلمة لم أفهمها فقد قال أنه زواج ..... آه لم أعرف معناها ولم اسمعها جيدا "
قلت بحيرة مماثلة " من منا هل هي أنتي "
قالت بفزع " ولما أنا من تتورط بهذا الزواج المليء بالألغاز لما ليست أنتي فأنا لم أكمل دراستي بعد ثم هوا
قال أنه صديق والدك "
قلت ببرود " أنا أكملت دراستي منذ عام ولم يفكر عمي بتزويجي مطلقا فقد تكوني أنتي "
قالت بجدية " يستحيل أن يزوجني والدي قبل أن أنهي دراستي الجامعية أعرفه جيدا هذا قانون ولا نقاش فيه "
تنهدت بضيق وقلت " ألم تسمعي شيئا آخر أسمه مثلا "
نظرت لي نظرة بنصف عينها وقالت " حور أمازلتِ تعيشين على ذلك الوهم "
أجبت بضيق " عن أي وهم تتحدثي سألت عن الاسم فقط "
قالت بحدة " بلى أعلم ما تعنيه جيدا , حور إنها أربع سنين مضت عليك أن تنسيه "
قلت بضيق " لما تحبي التحدث في الأمر كلما سنحت لك الفرصة أنا لم أقل شيئا مما تعني "
قالت بحدة " حور أنا أعلم جيدا لما ترفضي الزواج وسبب راحتك لرفض والدي لخاطبيك لأنك لم
تنسي الماضي فلا تنكري "
تنهدت بألم وقلت " بحر ليس من هذه المنطقة وليس من العائلة التي ذكرت للتو فتوقفي عن التوهم فالموضوع
انتهى منذ سنين "
هزت رأسها بيأس وقالت " إذا جهزي عقلك وقلبك فإن كنتي المعنية بحديث والدي فيبدوا الأمر جديا هذه المرة "
عدت بنظري جهة التلفاز كان البرنامج قد انتهى ولكن عينيا علقتا عليه وتفكيري سافر بعيدا





الماضي قبل أربع سنين



لقد انتقلت للعيش مع عائلة عمي بهذه المدينة بعد أن قرر الاستقرار هنا , لم أحب حياة الخارج وكم تمنيت كثيرا
أن نعود لبلادنا ولكن ليس لأعمامي بالتأكيد التحقت بالجامعة وكانت هذه سنتي الأولى هنا
كان الأمر صعبا في البداية علي لولا صديقتي رنا التي تعرفت عليها بداية العام , مضت عدة أشهر الآن وقد
تأقلمت بعض الشيء مع الوضع بوجود أمرين صديقتي وذاك الشاب صاحب العينين الخضراء
الشاب الذي أصبح يأخذ حيزا من تفكيري كنت الحظ جيدا رصده لكل تحركاتي كم يعجبني هدوءه في
كل شيء حتى في حركته وكأن هالة من السكون تحيط به يبدوا غامضا ومثيرا جدا وسامته في كل تقاسيم
ملامحه عيناه الخضراء , كل شيء فيه جذبني إليه وحتى تجنبه للتحدث معي رغم أنه لا حدود بين الطلبة
هنا كنت أحب سماع همسه وهوا يلقي عليا التحية عندا يمر بجواري كم اعشق صباح الخير الهامسة من
شفتيه كل صباح كم اخجل من نظراته لي وكم أحب النظر إليه
أذكر يوما كنت مستاءة بسبب أستاذ لأحد المواد لقد وبخني بشدة ولا ذنب لي بالأمر كنت أقف مع صديقتي
رنا وهي تخبرني أنه قرر فصل المجموعة من مادته فنزلت دموعي دون شعور مني لهول ما سمعت وأنا
أعلم أن عمي سيوبخني كثيرا لو علم بالأمر ولم أشعر إلا وقدمي شاب تقف أمامي رفعت بصري إليه بحذر
فكان هوا الشاب ذاته صعقت لوجوده أمامي وبهذه اللحظة بالذات فأنزلت عينيا خجلا منه ومن الموقف فجاءني
صوته الهادئ قائلا " لما تبكي يا حور ... ما بك هل ضايقك أحدهم "
من صدمتي بوجوده ومعرفته لأسمي وتحدثه معي لم أعرف بما أجيب فكرر قائلا
" حور ما الذي يبكيك "
فقلت بارتباك وعينيا في الأرض " لا ...لا شيء مشكلة مع مدرس المادة "
قال بذات هدوئه الذي يقتلني به " حور أنظري إلي "
رفعت عينيا ببطء حتى التقت بعينيه في مسافة هي الأقرب منذ التقيت به , قلبي كاد يخرج من صدري لشدة
دقاته فتابع قائلا " إن ضايقك شخص ما هنا فأخبريني حسننا "
قلت بخجل وعيناي عادتا لتعانق الأرض من جديد " حسننا "
علمت لما قال ذلك فهوا تشاجر مع أحدهم هنا لأجلي منذ أيام , كانت هذه المرة الأولى التي يخاطبني فيها كم
كنت أتحرق شوقا لسماع كلماته هوا دونا عن الجميع , تركني بعدها ومضى وكانت صديقتي شبه بكماء من
الصدمة وانحلت عقدة لسانها حينها فقالت بدهشة " حور من أين تعرفي هذا الشاب "
قلت بارتباك " أنا .... أنا لا أعرفه "
قالت بمكر " لا تحاولي خداعي فما الذي حدث أمامي للتو "
لم أجد مفرا من قول الحقيقة لها فأنا اعرفه ولا أعرفه أيضا
كنت واقفة وكل هذه الأفكار تدور في رأسي عندما شعرت بيد تضربني على كتفي بقوة فقلت بفزع
" رنا يالك من فتاة لقد أفزعتني "
قالت بابتسامة " فيما كنتي تفكري , في بحر أليس كذلك "
قلت بحيرة " من بحر هذا "
ابتسمت بمكر وقالت " من برأيك ’حبيب القلب’ طبعا "
قلت بهدوء " بحر ... هل أسمه بحر "
قالت باندفاع " أجل بحر جابر جُبران يدرس بالسنة الرابعة وعمره ستة وعشرون سنة يعيش مع والده وزوجة
والده ولديه شقيق وشقيقة هوا من يقوم برعاية شقيقيه ويصرف عليهم بسخاء وهوا يعمل خارج هذه المدينة حيت
تعيش والدته هذا كل ما لدي , ها ما رأيك بي "
كنت أشعر بأشياء لم أعرف ما هي , أشياء كثيرة تدور برأسي وقلبي ومشاعري وكل ما علق بدماغي هوا اسمه
( بحر) اسمه مثله تماما
قلت " ولما يرعى هوا شقيقيه أين والده "
قالت وهي ترفع كتفيها " لا أعلم شقيقتي تدرس مع شقيقته هي من قالت لي كل هذا ولا اعلم غيره "









الحــاضر




أحسست بدمعة حارقة تنوي التسلل من عيني وكل ما بي يردد بألم لماذا يا بحر لماذا أخلفت بوعدك لي
لما رحلت وتركتني
" حور البرنامج انتهى من مدة لم أكن أعلم أنك تحبين الإعلانات التجارية هكذا "
تنهدت بضيق وقلت " أحببتها الآن هل لديك مانع "











ميس





كنت أقفز محاولة رؤية ما يخفيه هذا الرأس الكبير عني كدت أقع فأمسكت بصاحبه طبعا فالتفت لي وقال
بحدة " ما بك كدتي توقعينني يا فتاة "
قلت بتذمر " ابتعد قليلا دعني أرى اللوحة إنك تحجبها عني "
أشار بأصبعه للجانب الآخر من الممر وقال " طلبة السنة الأولى لوحتهم هناك إذهبي إليها "
قلت بغيض ويداي وسط جسدي " لست من طلاب السنة الأولى أنا معكم في السنة الثالثة يا عديم النظر "
نظر لي من أعلى لأسفل ثم قال " أنتي في السنة الثالثة "
قلت ببرود " نعم ألا أملأ عينيك "
ضحك كثيرا وقال " ظننتك من طلاب الثانوية الجدد "
قلت بحدة " لا بل في السنة الثالثة ولأنه يبدوا أنك من معيدي السنة الأخيرة لا تعرفني "
نظر لي باستياء ثم قال " لا بل السبب هوا طولك وجسدك وحتى شكلك يا طفلة "
لوحت بيدي وقلت ببرود " هيا هيا ابتعد ودعني أنظر "
ضحك وقال " هل أحملك على كثفي لتري "
قلت بغيض " ابتعد هيا فلست قصيرة لهذا الحد فقط أنت الطويل يا راسب يا فاشل "
نظر لي بغضب ثم غادر كنت أعلم أنه لن يفعل لي شيئا المدارس الثانوية هنا تتبع للكنائس لذلك هم يدعون
الاحترام فيها ويتجنبون المشاجرات يا لهم من جاهلين حمدا لله على نعمة الإسلام لا أعلم لما لا توجد مدارس
إسلامية هنا بعد الإعدادية هؤلاء سيصيبونني بالغثيان
خرجت من المدرسة احمل حقيبة الكتب , هذه السنة بدأت للتو لو أنهيها أخرج من الثانوية قبل من هم في سني
بعام كامل فقد تم تقديمي سنة دراسية كاملة آه بقي أمامي الجامعة لكي أتخرج و أتوظف , لما أنا وحدي من لا
تكبر في العمر بسرعة كالبقية فجميعهم يتخرجون في لمح البصر نظرت لجسدي وقلت بضيق
" عديم الدوق الطويل المنمش ذاك هل يبدوا جسدي ضئيلا لهذا الحد وشكلي يوحي أنني من الطلبة الجدد ياله
من مغفل وطفل أهكذا يخاطب فتاة "
كم أكره وقفة الرصيف هذه لما تأخر سائق الحافلة ياله من مهمل نظرت للجانب الآخر حيث يقف شاب مستندا
بعمود النور كعادته اليومية وينظر لي ويبتسم أشحت بنظري عنه ثم نظرت له فوجدته لازال على حاله فصرخت
به غاضبة " إلى ما تنظر أنت لما لا تذهب لتفعل شيئا ينفعك بدلا من احتضان عمود الكهرباء "
اقترب مني وقال " هل تحدثينني "
قلت بسخرية " لا أتحدث مع العمود "
وصلت الحافلة فقلت بضيق " ابتعد من أمامي هيا "
ابتسم وقال " تفضلي "
دفعته وصعدت الحافلة صعاليك لا أعلم ما يفعلونه أمام باب المدرسة دائما جلست في الحافلة نظرت للكرسي
بجواري كان موضوعا عليه طبعة لأحد صحف اليوم أخذتها وبدأت أقلب فيها يبدوا أن أحدهم نسيها هنا
قلبت صفحاتها بسرعة ثم وقفت جامدة أمام الخبر المعنون فيها تحت عنوان
( مؤسسة أبناء آل يعقوب الخيرية في العاصمة الأيرلندية دبلن تقدم عمرة مجانية للعائلات المسلمة من
أصل أيرلندي)
رميت الجريدة وقلت بغيض مكتوم " يالكم من قلوب تواقة لفعل الخير ولستم سوى نكرة "
أتمنى أن لا ترى أمي هذا الاسم لأنها لن ترحمني وسنرجع لذات الاسطوانة ولا أستبعد أن تذهب لهم بنفسها
آآآخ كم أكرههم وأكره أسمهم وسيرتهم لو كانت جمعية أخرى لسجلت والدتي للذهاب أما هؤلاء فلا وألف لا










الجزء السادس





رنيم



ضننت أن رحلة الذهاب إلى هنالك وحدها ستكون سيئة بسبب التوتر ولكن رحلة العودة كانت أسوء بملايين
المرات بسبب الصدمة والحيرة والإهانة والتجريح , كان الصمت رفيقي طوال الرحلة فقد أغمضت عيني
متظاهرة بالنوم كي لا يسألاني عن صمتي وذهبت لوحدي لعالمي المظلم الذي لن يرى بصيص النور
وصلت منزلنا عند المساء ألقيت التحية على والدتي وصعدت للأعلى من فوري وأنا في حيرة هل أخبرها
بالأمر أم أتكتم , هم طلبوا أن يكون طي الكتمان ولكن ما سأقوله لوالدتي لو تم الزواج , آه ما أقساها من كلمة
ليتها لم تكن في الوجود , عليا كتم الأمر حتى أنظر ما قرر المتعجرف غيث ذاك أولا فقد يرحمني مما أنا فيه
لو فقط يرفض فسأرتاح تماما ولكن لو ترك كل أملاك العائلة فستضيع أيضا موقفه ليس بأفضل من موقفي
ذاك الناري القاسي لن أنسى له إهانته لي أبدا , ما يضن بي ذاك المجنون كنت أفضل الزواج بابن خالتي على
أن أتزوجه
ترى هل أخبره حقيقة ما يحيط بي من خطر فقد يرحمني منه للأبد وهل سأخفي عنه حقا , عليه أن يعلم ولكن
ليس قبل أن يقرر وأقرر أنا , لو أني فقط أجد مخرجا من هذه الورطة ولكن لا مخرج سوى الرفض
وكيف لي أن أرفض و أرمي بكل هذه العائلة للشارع وأكافئ من رباني وعلمني ووفر لي كل ما أحتاجه وعاملني
كأنني ابنته المدللة بأن أرمي عائلته للفقر , هوا يعلم جيدا أنني سأرفض لذلك حاصرني بما فعل لقد تركني بين
خيارين أحلاهما مُر
وها قد مرَ عليا أسبوع من أسوأ أسابيع حياتي كانت والدتي تحاول التحدث معي وفهم ما جاء في الوصية ولكني كنت
أتهرب وأتحجج بعشرات الحجج ولم أعلم ما عليا فعله ولا صلة لي بعائلة والدي شامخ ولست أعلم ما قرروا وما
حل بهم
كنت أجلس بحديقة المنزل عندما اقتربت مني والدتي وقالت بحنان
" ألن تخبريني ما بك يا رنيم فحالك لا يعجبني , ماذا حدث هناك يا ابنتي اخبريني "
قلت مطمئنة لها " لا شيء أمي , أعطني بعض الوقت وسأحكي لك كل ما حدث "
تنهدت وقالت " الم ينتهي ذاك الوقت بعد إلى متى ستؤجلينه , وماذا عن موضوع ابن خالتك يا رنيم عليك
أن تتزوجي وتبتعدي في اقرب وقت "
قلت بضيق " لنؤجل كل شيء قليلا يا أمي أرجوك واقسم أننا سنتناقش في كل الأمور "
تنهدت بضيق وقالت " حسننا سنرى إلى ما سنصل من كل هذا , على فكرة فقد اتصل ابن شامخ منذ قليل
وطلب أن تتصلي به لأنك لم تكوني موجودة "
قلت باستغراب " غيث هل هوا غيث من اتصل "
قالت وهي تغادر " نعم وعليك التحدث معه اليوم "
ذهبت أمي وتركتني في حيرة أكبر مما كنت , ترى ما سيقول لي قد يكون قرر عدم الارتباط بي ليرحمني من
ذاك العبء فانا أعرف جيدا مدى كرهه لي , ذاك الكره الذي رايته في عينيه قبل حتى أن يفتحوا الوصية ولكن
إن حدث العكس ووافق فستكون مصيبة فلا خيار أمامي حينها إلا الموافقة















أديم







لقد مررنا بأيام صعبة للغاية كان الجميع يتصرف بتوتر وبأعصاب مشدودة والأيام كانت تركض مسرعة
الواحدة تسابق الأخرى وكأنها تتفق على الإسراع , كان على الجميع أن يقرروا ما سيفعلونه قبل مرور
الأسبوع الثاني والأخير
كيف لوالدي أن يفعل بي هذا كيف ,أنا متأكد من انه السؤال ذاته الذي جال بخاطر الجميع ولا زال يسيطر
على أفكارهم , كيف لي أن أتخيل ذلك ... أنا أديم أعمل في قسم متدني هكذا من أقسام الشركة وأي شركة
فرع الجنوب المكان البعيد المنقطع الذي لم أقتنع يوما بوجود شركة لنا فيه مع أناس ليسوا من عالمي
إن رفضت فسوف أؤول لما هوا أسوأ من ذلك وإن وافقت فستكون كارثة خصوصا أنني لا أعلم كم سيطول
الأمر قد يكون لعشرة سنين أو يزيد , آه فلا خيار أمامك سوى الموافقة وأمرك لله يا أديم ولكن عليا القيام ببعض
الترتيبات فلن أسمح لأحد أن يسخر مني عندما يعلم أني أعمل هناك , من الجيد أن أخوتي اختاروا التكتم عن أمر
الوصية وعن فحواها فلوا أنتشر أمرها بين الناس فسأكون المتضرر الأول والأخير حمدا لله أن والدي لم يجبرني
على الزواج من واحدة من اختياره كي لا يوقعني في الزواج بفتاة دون طبقتنا فأنا أعرف والدي لا تهمه كل هذه
الأمور أمام أصدقائه المتوفين
وقفت مستندا بمرافقي على حافة الشرفة أتنهد بضيق رن هاتفي نظرت للمتصل ثم ابتسمت وأجبت من فوري
قائلا بابتسامة " احجز لي جناحا لديكم "
ضحك وقال " في السجن أم في التحقيق "
قلت بتذمر " لا في المقبرة ما رأيك "
ضحك وقال " مقبرة الشهداء أم المجرمين "
ضحكت وقلت " هل يعني ذلك أنك قسمت الناس لقسمين فقط "
قال " وهل أنت وحدك لك الحق في تقسيم الناس أنت قسمتهم حسب الطبقية وأنا قسمتهم حسب ظروف
ماضي الجنوب هنا فالمقابر إما للشهداء أو لمجرمي الحرب "
ضحكت وقلت " ألا توجد مقبرة لعباد الله المخلصين "
ضحك وقال " ما كل هذه الثقة , لا طبعا فلا يوجد من هذه المقابر ولا من المخصصة للأغنياء "
قلت بضيق " خيري يالك من مزعج "
قال ضاحكا " ما قصتك قل بسرعة "
تنهدت وقلت " سأعمل في شركة الجنوب "
ضحك مطولا فقلت بغيض " ما يضحكك في الأمر يا خيري "
قال من بين ضحكاته " أبغض أملاككم لديك ستعمل فيه "
قلت بضيق " هكذا حكمت الظروف اسمع أريد شقة مناسبة لي "
قال " في الحال ولكن أين "
قلت بحدة " في المقبرة "
ضحك وقال " على الفور ولكن حدد في أيهم تريدها "
قلت بضيق " خيري دعك من المزاح أريدها عندكم في الجنوب طبعا وفي أفضل بقعة هناك سأعتمد عليك "
قال " المقابر كلها متشابهة "
قلت بغيض " خيري أقسم أنــ ..... "
قاطعني قائلا بهدوء " حسننا حسننا رغم أنني لا أفهم شيئا ولكن سيكون طلبك جاهزا في الغد "
قلت بامتنان " شكرا لك يا خيري وداعا الآن وسنلتقي قريبا "
خيري صديق لي منذ درسنا المرحلة الثانوية بعدها سافرت أنا ودرست إدارة الأعمال والتحق
هوا بكلية الشرطة وهوا الآن ضابط في المخابرات وتم نقله للجنوب منذ فترة لا بأس بها ولم أعد أراه
إلا في الإجازات وها نحن سنعيد ليالينا السابقة لأني سأصبح لديه













زبير








كنت أجلس بمجلس القصر ومعي أديم وغيث وكل منا يلتزم الصمت والشرود أنا لا ألومهم فلكل منا ناره
المشتعلة بداخله ولكني استغرب من حال غيث فالفتاة جميلة وتبدوا كثيرة الصمت فلما هوا مستاء من الزواج
منها فهوا سيتزوج على أية حال أم أنه كان جادا حينما كان يقول أنه لن يتزوج أبدا
و أديم في مأزق وبحر أيضا وحتى صهيب الذي لم يذكره والدي في الوصية يبدوا لي سيء المزاج وشارد
الذهن ,أما أنا فناري لا يمكنها الخروج خارج صدري لأعبر مثلهم عما يحرق جوفي وستكون أمامي المهمة
الأصعب وهي التفاهم مع زمرد , كيف سأشرح لها مالا يمكنني البوح به فقد اتفقنا أن تكون الوصية طي
الكتمان ولا يمكنني الزواج بها حتى اقتسام الإرث ولا أحد يعلم متى سيكون ذلك , هل كان على والدي أن
يختارني دون الجميع وأنا الأصغر بينهم ألم يفكر كيف ستكون حياتي مع تلك الفتاة ..... آه ما أقساها من وصية
" ماذا قررتم "
كان هذا صوت غيث الذي انتشلني من ظلمة الواقع لسواد الحقيقة فقلت بجدية
" سبق وقلت لكم رأيي لن أخالف أوامر والدي أبدا "
لحقني أديم قائلا " وأنا سأوافق فلا حل أمامي "
حل الصمت طويلا ثم قلت " وأنت يا غيث "
تنهد بضيق وقال " لا أعلم لم استطع أن أتوصل لأي نتيجة مع عقلي حتى الآن "
قال أديم " نحن نحتاجك يا غيث وأنت تعلم ذلك جيدا فلا تتخلى عن مركبنا لأنك ربانها ومن دونك ستغرق
بكل تأكيد "
قال ببرود " ولكنني أطلعتكم على كل شيء "
قال أديم بحدة " الأمر ليس بالسهل يا غيث وأنت تعلم ذلك جيدا "
قلت مقاطعا لهما " عليك أن تفكر جيدا وتقرر ما تراه الأنسب إليك وأعلم أننا نريدك معنا دائما "
قال بهدوء " فلنأمل من الله خيرا "
نظر لي أديم وقال متسائلا " وماذا عن عم الفتاة هل وافق "
قلت مجيبا بهدوء " نعم فقد أخبرني المحامي بذلك "
قال أديم بحيرة " ولكن لما لم يرفض لقد كان بإمكانه الرفض , ترى هل الأمر متعلق بالورقة التي تركها له
والدي "
قلت مغادرا المكان " لا علاقة لي بالأمر هذا شيء بينهما على ما يبدوا وعليا مواجهة قدري فلن أكون أفضل
من البقية "
















غيث







أنا أحسد أخواي لاتخاذهم القرار رغم قسوة ما سيمرون به , أديم الذي أختار النفي عن هنا والنزول لتلك
المنزلة بكل كبريائه وغروره ليكون موظفا عاديا , وزبير الذي يحب ابنة عمي زمرد منذ صغره اختار أن
يتزوج بغيرها بفتاة أخرى لا يعرفها ولا يحبها ليدفن مشاعره في التراب ويدوس عليها , ما أقساه من عذاب
فليس بإمكانه حتى أن يتزوجها عليها , إنها لعنة كسابقتها التي حلت بي
ليثني أتمكن من اتخاذ قراري مثلهما , الكل يعتمد عليا هنا ولكن .... أهن مما يجري فأمامي حل واحد فقط وعليا
تنفيذه فهوا طوق النجاة الذي سيخلصني من كل هذا الأمر نهائيا
وقفت مغادرا صعدت لغرفتي واتصلت بوالدة رنيم فأخبرتني أنها غير موجودة , أين تكون سيدة الحسن
والجمال تلك هل تتسكع هل هذا ما اخترت لي يا والدي ولكن الأمر لن يطول
بعد نصف ساعة عاودت والدتها الاتصال بي أجبت فكان الصوت لابنتها وليس لها
قالت بهدوء بارد كالجليد " مرحبا "
قلت بضيق " مرحبا "
قالت بذات البرود " أخبرتني والدتي انك تريد التحدث معي "
قلت ببرود أكبر " أجل اتصلت وقالت انك غير موجودة "
قالت بهدوء " نعم كنت عند خالتي فهي متعبة بعض الشيء "
آه جيد أنها وضحت كنت سأتهور وأرميها بسهم ناري قاتل
قلت " كنت أود سؤالك ماذا قررت بشأن الوصية "
صمتت لبرهة ثم قالت ببرود " وماذا قررت أنت "
أجبتها بحدة " سألتك فعليك الإجابة لا السؤال "
قالت ببرود أكبر " أنت الرجل وأنت من عليه التحدث أولا هل ترى ذلك لائقا "
قلت مجاريا لها في البرود حد المستطاع " هل تحددي إجابتك على حسب جوابي "
أجابت مباشرة " بالتأكيد فإن كان جوابك رفض شرط الوصية فما من داعي لأقول قراري "
قلت مقاطعا " وإن كان الموافقة "
سكتت حتى ضننت أنها أقفلت الخط ولم أشعر بها ثم قالت بذات البرود القاتل الذي لا يزيدني إلا غيضا
واشتعالا " في تلك الحال سأوافق من اجل عائلة والدي شامخ فقط "
ما أن يصبح أخوتي جاهزون لحمل مسئولية ثروة والدي فسأتحرر منك نهائيا , قلت محاولا كتم غيضي
من كلامها قدر الإمكان " إذا فأنا موافق ومن أجل عائلتي ووالدي فقط "
تنهدت بضيق واضح وقالت " هناك ما عليك معرفته قبل كل شيء "
جيد ها قد بدأت تظهر مصائبها وماضيها الغير معروف قلت بسخرية
" إن كنتي تحبين شخصا وتريدي الارتباط به فأطمئنك أن تخبريه أن ينتظرك قليلا "
قالت بضيق ظهر على صوتها أخيرا " ما الذي تهدي به أنت "
أخيرا أصبحت متضايقة أيضا قلت ببرود لأزيد غضبها " إذا ما تعني بعليا معرفته "
خانت توقعاتي وعادت لبرودها الجليدي وقالت " ألا تعرف ما تعني كلمة معرفة "
قلت بسخرية " أعرف طبعا "
ثم قلت باستياء " ما هوا ذاك الأمر "
قالت بجدية " لن يجدي التحدث به عبر الهاتف "
شعرت بأن الموضوع جدي ويبدوا خطيرا وتذكرت ما قاله والدي فقلت بهدوء
" ولن يجدي سفر أحدنا لنتحدث عنه فقد يضع حدا لكل المسألة وينتهي كل شيء "
سكتت لبرهة ثم قالت " ثمة خطر يهددني ويترصد بي "
قلت بضيق واضح " آه جيد عروس بالإكراه وبمصائب وماضي اسود كذلك , ما أسعدني بك "
قالت بغيض " لا داعي للسخرية يا غيث أنا أتحدث معك باحترام فاحترمني أرجوك ودعنا نتحدث
كراشدين ولو لمرة واحدة "
تنهدت بضيق وقلت " حسننا تابعي "
قالت بنبرة استياء " والدي قتل شخصا في الماضي دفاعا عن نفسه وعرضه وحكمت المحكمة ببراءته
ثم غادر للحرب ومات فيها , أهل المقتول ضلوا يطاردوننا طلبا للثأر كانوا يهددون بقتلي لأني أبنته ولا
أقارب له ثم أخدي كخادمة لأني ثمن جريمة والدي كما يرون وكان والدي شامخ يحمينا منهم طوال
السنوات الماضية ويستخدم نفوذه لتهديدهم حتى كف شرهم عنا وبعد وفاته بأشهر عادوا لتهديدي من
جديد بشتى الطرق "
ألجمتني الدهشة مما اسمع ثم قلت بتساؤل " وبما يهددونك "
قالت بعد صمت " بالقتل وبتشويه سمعتي و .... "
سكتت عند تلك الكلمة فقلت مصرا " وبما يا رنيم "
قالت بعد تردد " باغتصابي "
سحقا لهم من رجال قلت باستياء " كيف يأخذون ثأرهم من فتاة ولما لم تبلغي الشرطة عنهم "
ضحكت بسخرية ثم قالت " من ...الشرطة , هم يطلبون الدليل ويقولون أن علينا حل المشكلة وديا ودفع الدية "
سألتها قائلا " وما الحل الذي كنت ستفعلينه قبل الوصية "
قالت بهدوء " كانوا يريدوا تزويجي بابن خالتي لأنه يعرف بالأمر ومن ثم نسافر خارج البلاد "
لو لم أكن قد قرأت رسالة والدي لها لقلت أنهما متفقان على تزويجها بأحدنا لتسافر وتعيش معنا هنا
قلت بلهجة سخرية "إذا أنتي مكرهة على الزواج في كل الأحوال "
قالت بسخرية مماثلة " أجل ولكن الفرق أن ابن خالتي يرغب بالزواج بي وليس مكرها على تقبلي "
سكت قليلا ثم قلت " وأنا لدي ما عليك معرفته "
لم تعلق بشيء فتابعت " زواجنا سيكون على الورق فقط حتى يذهب كل منا في حال سبيله "
قالت من فورها ساخرة " حقا ما أسعدني بذلك "
صرخت بها غاضبا " ولما لا تحترمينني أنتي الآن أم أنه أنا وحدي من عليه احترامك "
قالت بغيض " وماذا كنت تريد مني أن أقول لك , لا تفعل هذا بي أرجوك مثلا "
قلت بغيض مماثل " رنيم لا تدفعي بي لقول أشياء قد تجرحك "
قالت بهدوء ممزوج بالضيق " دعنا ننهي هذه المكالمة يا غيث رجاءً "
قلت باستياء " سيكون ذلك أفضل ... وداعا "















زمرد








زبير الأحمق ذاك يغلق هاتفه على الدوام يبدوا أنه عاد للتهرب مني من جديد لقد فتحوا الوصية منذ عشرة أيام
فما به الآن , عليا الذهاب لقصرهم بأي حجة ولكن المشكلة أن جدي معنا هنا ألم يجد ذاك العجوز وقتا غير هذا
للمجيء إلينا
" علياء لما لا تتوقفي عن هز ساقك بهذا الشكل إنك توترينني "
أجابت بلا مبالاة " لما لا تصعدي لغرفتك لتدعيني وشأني وترتاحي مني ومن ساقي "
قلت بضيق " أسمعي أنا سيئة المزاج دون إزعاجاتك لي فهلا توقفت عن ذلك "
أجابت بغيض " وأنا مزاجي أسوء منك , هل كان على جدي المجيء للمكوث عندنا كل هذه الفترة لما
لا يعود هناك "
ابتسمت بمكر وقلت " آه لذلك تبدين بهذا السوء هل اشتقتِ للعينين الناعسة , علياء حبيبتي لا تسجني نفسك في
القفص لوحدك كوني حرة طليقة حتى يدخل هدفك إليه ثم ألحقيه واقفليه خلفك "
قالت بضيق " هل تضنيني مثلك , أنتي لا تستحقي حب زبير لك "
قلت بابتسامة " ومن قال لك أني لا أحب زبير ولكن ليس عليا أن أكون مكبلة بقيود مشاعري اتجاهه فافعل
ما يحلوا لي ويوم يقرر الزواج بي أكون له وحده , هوا من اختار ذلك لو يريدني له وحده لتزوج بي من
سنين "
تنهدت بأسى وقالت " لو يحبني أديم كحب زبير لك لبقيت رهن إشارته كل حياتي ولكن العقبات تلفني من
كل جانب "
قلت بضحكة " يالك من حمقاء علينا الدفاع عما نريد أعرف والدتهم جيدا هي لا تحبنا ولا تحب والدتي
, عقبة عمي قد انزاحت وبقيت هي إن جلبتي ابنها لمصيدتك فلن تؤثر في قراره بشيء "
تنهدت وقالت بقلة حيلة " ولاشيء أصعب من جلب ابنها لمصيدتي "
قلت بهمس " اسمعي لما لا تتركي عنك المغرور ذاك وتنصبي شراكك على صهيب "
شهقت بدهشة وقالت " من .. صهيب هل تريدي أن ترمي بي للجحيم سيدق عنقي إن فكرت فقط في جدب
انتباهه لي تعرفيه جيدا شرس منذ طفولته يا لها من نصيحة سديدة "
اقتربت منها وقلت " يا حمقاء لا تغرك القشور فمهما كان الرجل قويا وشرسا فهوا ضعيف أمام سحر النساء "
نظرت لي بنصف عين وقالت " لما لا تثبتي ذلك لي وتوقعي غيث في شراكك لأرى "
قلت بفزع " من ... غيث كلهم إلا غيث صحيح أن صهيب حاد الطباع وعصبي جدا ولكن غيث قاسي
وجامد ويشعرك بكرهه لك من نظرته فقط , ثم هم يعلمون جيدا ما بيني وبين زبير أما أنتي فلا "
أشاحت بوجهها عني وقالت " أخبرتك أنني لن أفكر مثلك مهما حدث فأنا أريد أديم حقا وليس أي كان المهم
أن يكون منهم "
قلت رامية بيدي أمام وجهي " لقد نصحتك وأنتي حرة "
قالت بضيق " دعيني وشأني إذا , قال صهيب قال ثم لا تنسي أنه صديق عوف "
قلت بمكر " إذا دعك منهم جميعا وانتقلي لعوف مدام يحبك "
قالت باشمئزاز " من عوف يالك من مقززة "
ثم غادرت وتركتني , تلك الغبية تركض خلف السراب من سنين دون فائدة رفعت هاتفي وجربت الاتصال
بزبير من جديد وكان هاتفه هذه المرة مفتوحا أجاب بعد وقت بصوت هادئ ونبرة غامضة قائلا
" مرحبا زمرد "
قلت باندفاع " زبير ما بك لما تغلق هاتفك كل هذه المدة هل عدت للتهرب مني من جديد "
ألقى بقنبلته علي دون مقدمات وقال " زمرد أنا سأتزوج نهاية هذا الأسبوع بابنة صديق والدي "
لم استطع الكلام من صدمتي بما قال
سكت لبرهة ثم أضاف " زمرد أنا ..... "
قاطعته بحدة " أنت ماذا يا زبير , وماذا عني أنا هل كنت تخدعني طوال الوقت "
قال بحزن " لا تفهمي الأمر كما يحلوا لك يا زمرد "
قلت بغيض " وكيف تريد مني أن أفهمه , كنت تتهرب دائما كان عليا أن أفهم ذلك منذ سنين "
قال بحدة " زمرد لا تحكمي عليا دون أن تسمعي مني "
قلت بضيق " حسننا اسمعني ما لديك إذا "
تنهد وقال " الأمر خارج عن إرادتي زمرد , أقسم بذلك ولست استطيع قول المزيد "
قلت بسخرية " آه حقا لقد صدقتك وكيف يخرج عن إرادتك وعمي ميت "
قال بنبرة هادئة حزينة " زمردتي سنكون لبعض فقط انتظري بعض الوقت "
صرخت به بالكية " لا تقل زمردتي مرة أخرى أنت مخادع وخائن أكرهك يا زبير أكرهك "
ثم أغلقت الخط وصعدت لغرفتي راكضة ببكاء

( زمرد هي الابنة الكبرى لعاصم علياء في العشرين من العمر وزمرد في الثانية والعشرين أما إساف فهو
أكبرهم وهوا في الخامسة والعشرين , زمرد لديها هوس اسمه الزواج من أحد أبناء عمها شامخ حتى أنه لو
سنحت لها الفرصة أن تتزوج باثنين منهم لوافقت بسبب ثروتهم التي تضخمت بكل هذه السرعة ولأن زبير
أحبها منذ طفولتهم فلم تجد أدنى مانع لترتبط به
زمرد ذات ملامح بسيطة وجذابة كما شقيقتها علياء غير أن علياء الألطف بين أشقائها فهي لا تحب المشكلات
ولا تكره أحدا وتعشق شيء اسمه أديم رغم دفنها لذاك الشعور بداخلها )









حور






لقد كان كلام مرام صحيحا فبعد أسبوع طرق عمي باب غرفتي ودخل , جلس بجواري نظر للأرض في
هدوء مطولا ثم تنهد وقال
" حور يا ابنتي لقد خطبك مني ابن صديق والدك رحمه الله وأنا وافقت , أعذري عدم عودتي لرأيك أولا
واعذري ردي لخاطبيك طوال السنة الماضية فالأمر ليس بيدي والدك وشامخ يعقوب تعاهدا منذ أعوام على
أمر وقد قطع له شامخ عهدا عند وفاته وما كان عليا سوى احترام رغبة والدك كما أن السيد شامخ هوا من
أرسل في طلبي لأخذك من بيت عمك في الماضي لأنه حاول كثيرا انتشالك من ظلمهم وجبروتهم ولم يستطع
فعل شيء لأنهم أعمامك فسعى جاهدا لإيصال خبر ما يجري لك لي "
لقد عجز لساني عن النطق عمي راجي كان دائما حازما في تعامله معنا دون استثناء نبرته الهادئة الحزينة
اليوم واعتذاره مني بهذا الشكل كلها أمور لأول مرة أراها كنت أتوقع أن يأتي ليأمرني بذلك ويغادر
قلت بهدوء وخجل " وهل بالشاب ما يعيبه لتتردد هكذا "
قال بجدية " لا فهوا شاب ممتاز بكل المقاييس كما هم أخوته جميعا "
لن أرد عمي رغم أنه جاء لأعلامي وليس لطلب رأيي فهوا وحده من عطف عليا من بين أعمامي وانتشلني من
العذاب والضرب والسجن في الظلام كما تُنتشل الشوكة من الصوف ليحميني من كل مخاطر الحياة ورباني
أحسن تربية
والأهم من ذلك كله أنه لم يعد لدي شيء لأخسره فبحر لن يكون إلا ماضي طبع في قلبي لا يمكنه الزوال ولا
العودة من جديد فقد مرت سنوات لم يتذكرني فيها مطلقا وبقي هناك مع مدينته التي عرفته فيها
قلت بعد صمت " كما تريد يا عمي فحتى لو جئت لأخذ رأيي فما كنت لأرفض من وافقت أنت عليه "
وقف وقال بجديته المعتادة " باركك الله يا حور والزواج سيكون نهاية الأسبوع بسبب شروط الوصية , لن
اشرح لك المزيد إن أراد زبير أن يحكي لك فذلك يخصكما وحدكما "
وصل عند الباب ثم وقف وقال " لا تغضبي مني يا حور مهما حصل سواءٌ الآن أو في المستقبل فعديني بذلك "
قلت بحزن " أعدك يا عمي فما كتبه الله لي لن يكون لأحد السبب فيه وما كان والدي ليتعاهد مع صديقه على
أمر لن يكون فيه الخيرُ لي"
ثم خرج وأغلق الباب وتركني كريشة تلعب بها الريح , وصية وعهد وزواج نهاية الأسبوع مفاجأة وصدمة
وحيرة وكل الأمور التي يصعب فهمها أو تصديقها
كثرة اعتذار عمي لا تريحني أبدا ترى ما يخبئه لي قدري هناك مع رجل لم أعرف اسمه إلا الآن لا شكله ولا
عمره ولا عائلته لا أي شيء يا رب خفف عني ما تخبئه لي الأيام


















صهيب




أجتمع الجميع اليوم فلم يتبقى سوى بضعة أيام قليلة على تنفيذ الوصية وعلينا معرفة ما توصل إليه الجميع
" هل قرر الجميع قبول شرط الوصية "
كان هذا صوت أمي التي كان باديا عليها القلق ويبدوا أنها لم تنم لأيام , عم الصمت ثم تحدث أديم بضيق
" لقد رتبت كل شيء وسأستلم الوظيفة الأسبوع القادم وسأحضر هنا أيام الإجازة "
قال غيث بضيق مماثل " سأتصل بها لتحضر هي ووكيلها ونتم كل شيء "
وقال زبير ببرود " عم الفتاة موافق وسنتزوج نهاية الأسبوع "
قال أديم مازحا " ها قد نلتِ مناك يا أمي زوجتان في وقت واحد لتساعداك "
ابتسمت أمي وقالت " إن كانت الأخرى كرنيم فما أسعدني من أم "
تنهد غيث بضيق وقال " ماذا عنك يا بحر "
نظرنا جميعنا لبحر فهوا الوحيد المتبقي ولكنه لم يتحدث بل وقف مغادرا وضرب الباب بكل قوته وأنصرف
قالت أمي مباشرة " ما به بحر لما لا يتكلم وكل أحواله لا تعجبني "
لحقت به من فوري وكان هذا المتوقع منه بالنسبة لي , أعانك الله يا بحر على ما أتاك
خرجت مسرعا وأمسكت ذراعه قبل أن يركب السيارة وقلت بحدة
" بحر عليك أن تكون أقوى من ذلك زبير لا يعلم كان عليك أخباره "
قال بحرقة وألم " وبما سأخبره , أن عمها رفض تزويجها لي وزوجها بك بكل سهولة فأتركها من أجلي
أرجوك وتنازل لي عنها وعن حصتك في الميراث أيضا , عن أي سخافة تتحدث يا صهيب فزبير أبن
شامخ والأولى بثروته مني "
صرخت به قائلا " بحر لا تتفوه بالحماقات لا تسمح لشيء أن يكون عائقا بينك وبين أشقائك حتى لو كانت
الفتاة التي تحب "
ابتسم ابتسامة حزينة وقال " حتى كلمة تحب لن تكون من حقي بعد أيام لأنها ستكون لأخيك "
ثم ركب وضرب باب السيارة وغادر, أعلم ما تشعر به يا بحر ولكن ما باليد حيلة ليتك فعلت كل أي
يا والدي إلا هذه
عدت أدراجي للداخل صفر اليدين وجدت أمي واقفة بانتظاري سارت نحوي مسرعة وقالت
" ما به بحر هل أخبرك بشيء "
هززت رأسي نافيا وقلت " لا شيء إنه يشعر ببعض الضيق أنتي تعرفي بحر جيدا "
سألتني بلهفة "هل أخبرك عن قراره "
تنهدت بحزن وقلت " لا لم يخبرني وسنعرفه إن عاجلا أم آجلا "
صعدت بعدها لغرفتي وضيقي يزداد كلما تكلم أحدهم عن الوصية وردني اتصال من عوف فأجبت من فوري
" مرحبا عوف هل من جديد "
قال بهدوء " نعم لقد تحصلت لك على طلبك "
قلت بابتسامة "جيد سألتقي بهم بعد أيام فلا تخبرهم عني حسننا "
قال "بالتأكيد هم لا يعرفون من تكون أخشى فقط من الصحف أنت تعلم هي ترصدكم وتترصد أخباركم "
قلت من فوري " لا تقلق بذلك الشأن ماداما لا يعرفان شكلي "
قال بهدوء " صهيب يبدوا لي أنيس و إساف يدبران أمرا "
قلت بحيرة " عن أي أمر تتحدث "
قال " لا أعلم ولكن أنيس يضع من يرصد تحركاتك وتحركه و إساف لا يعجبني "
قلت بلا مبالاة " لا تكترث لهما لن يستطيعا فعل شيء لأحد وداعا الآن "
جربت بعدها الاتصال ببحر كثيرا وبلا جدوى



















رنيم














صحوت اليوم وأنا اشعر بصداع قاتل سيفجر رأسي لو أني فقط أتوقف عن التفكير لقد حُرمت من النوم لأيام
وها هوا موعد غلق الوصية يقترب ولم نتوصل لنتيجة غادرت سريري استحممت وغيرت ثيابي ونزلت للأسفل
وجدت أمي تجلس هناك وعلى ملامحها يبدوا السوء ونظرتها لي كانت غريبة اقتربت منها وقبلت رأسها وجلست
مدت لي بهاتفها وقالت بضيق " لقد وصلتك رسالة قد يهمك رؤيتها "
نظرت لها بحيرة فكيف تصلني رسالة على هاتفها ثم صعقت عندما رأيت أنها من رقم غيث فتحتها فكان فيها
( تعالي وأحضري معك وليك نهاية الأسبوع لننهي الأمر )
نظرت لوالدتي وفتحت فمي لأتكلم ولكنها بادرت الكلام قبلي قائلة
" هل ستشرحين لي ما يجري الآن أم هذا أيضا علينا تأجيله "
تنهدت وقلت " لا لن نؤجله , سوف أتزوج بغيث ابن والدي شامخ كان هذا ما طلبه في وصيته "
نظرت لي بصدمة وصمت مطولا ثم قالت "ماذا تعني بطلبه في وصيته "
قلت " يعني طلب أن نتزوج "
قالت بضيق " وهل يكون طلب الزواج بهذه الطريقة عن طريق الوصايا "
قلت بنفاذ صبر " أمي لا تعقدي الأمور فوق تعقيدها فالأمر خارج عن إرادتي ولا يمكنني غير الموافقة "
قالت آمرة " لم افهم وعليك التوضيح راغبة بذلك أو لا "
تنهدت بضيق كبير ووجدت أنه لا حل أمامي سوى أعلامها بالحقيقة سردت عليها كل حكايتي مع تلك
الوصية بالتفصيل وعيناها كادتا تخرجان من مكانهما من الصدمة
" وهذا كل ما حدث يا أمي فلا يمكنني رمي تلك العائلة للشارع ولو كان على موتي "
عم الصمت طويلا ثم قلت " أمي قولي شيئاً أرجوك "
هزت رأسها بيأس وقالت " شامخ جن قبل موته بالتأكيد "
قلت بحزن " لا يمكنني رد طلبه فلن أكافئه على ما فعل لي برمي عائلته للفقر بعد موته "
قالت بجدية " ولكن ابنه مكره عليك وأنت كذلك فكيف ستكون حياتكما "
قلت بقلة حيلة " عليا التضحية , لا خيار أمامي "
قالت بحزن " أتمنى ألا تندمي على ذلك يوما "
قلت بألم " وهل لديك حل آخر يا أمي فأسعفيني به "
تنهدت وقالت " ليس لدي إلا أن أقول سامحك الله يا شامخ ويوفقك المولى يا ابنتي "












ميس










دخلت المنزل عند مغيب الشمس كالعادة وتوجهت من فوري لحجرة والدتي لأطمئن عليها ثم أقوم
بتحضير العشاء دخلت وجلست بجوارها قبلت رأسها وقلت
" تبدين مشرقة جدا اليوم لابد أنك لم تتحركي كثيرا كعادتك "
ابتسمت وقالت " أنا لا اشعر بالراحة إلا في الحركة صغيرتي "
ثم أخرجت ظرفا بريديا وقالت " لقد وصلك هذا اليوم "
نظرت له بحيرة وقلت " وصلني أنا !!! ممن يا ترى يبدوا من دولة أخرى "
أخذته منها وفتحته كان موجودا به ورقة قرأتها بصدمة وقلت " ماذا ... ما هذا الهراء "
قالت بحيرة " ماذا هناك "
قلت ببرود " لا شيء "
قالت بحدة " ميس تكلمي ولا تخفي عني أعلم جيدا هذا الطابع البريدي لأي دولة "
قلت بضيق وأنا أرمي لها بالورقة لتقرأها لأنها كانت مكتوبة بالإنجليزية
" خذي لتقرئي بنفسك ولكن اعلمي أني لن أوافق على ما ستقولين ولا أريده "
قرأتها بصدمة ثم نظرت لي وقالت " هذا جدك يطلب رؤيتك لما لا توافقين عليك الذهاب "
قلت بحدة " أمي قلت لا أريد يعني لا أريد "
قالت بضيق " ميس لا تتعبي قلبي فوق تعبه هم أهلك وعليك زيارة جدك قبل أن يموت بما أنه طلب ذلك "
قلت بحنق " وهل تذكرني الآن فقط وهل تذكر الآن أن يمرض حد الموت لما لم يمت منذ ولدت "
قالت والدتي بغيض " ميس ما هذا الذي تقولينه أنا لن أبقى لك دائما وها أنتي تري حالتي من السيئ للأسوأ
ولن يتبقى لك بعد موتي أحد وليس لي إلا خالك سيء الطباع ذاك وهوا غير مسلم ولن أؤمنه عليك "
حضنتها بحب وقلت " أمي لا تقولي ذلك من يبقى لي إن رحلتي لا تتركيني أرجوك "
قالت بحنان " إذا عليك الذهاب لرؤية عائلتك هم من سيسندونك بعدي "
جلست ومسحت دموعي وقلت " هم لا يريدونني ولم يريدوني يوما فكيف سيكونون سندا لي "
قالت بهدوء " لو لم يريدوك لما أرسلوا في طلبك إن كنتي تريدين رضاي فأذهبي وزوري جدك المريض
وتعرفي أهلك ثم عودي "
تنهدت بضيق وقلت " لما لا تنسي الفكرة أنا لا أريدهم أقسم لا أريد والفقر والشارع وخالي أرحم لي من
أناس لم يسألوا عني يوما ولم يزوروا والدي في حياته ولم يسألوا عنه لقد كنت أرى الألم في عينيه يبثه قلبه
المتوجع رغم صمته , أخبريني لما كان لا يتحدث عنهم لما عانى ما عاناه ولم يفكر بأن يطلب مساعدتهم لو
لم يحطموا قلبه "
قاطعتني بهدوء " ميس يا ابنتي هذا الكلام لن يغير شيئا أذهبي وزوريه وعودي , أريحي قلبي أراح الله قلبك "
تنهدت وقلت " حسنا أمي حسننا فقط لا تضايقي نفسك من أجل صحتك حبيبتي , سأذهب لأشيع جثمان ذاك
الجد وأعود "
صرخت بي غاضبة " ميس لا تقولي هذا الكلام ما أقسى قلبك "
قلت بحدة " وهل لآن قلبهم علينا وعلى ابنهم الذي أفنى عمره يعمل بسكك الحديد , أسمعي يا أمي سأذهب
طاعةً لك فقط وليس رغبتا مني ولا تطلبي مني شيئا آخر لا أن أحترمهم ولا أتعامل معهم بلطف "
قالت بيأس " لن أطلب منك هذا لأنني أعلم أنه مستحيل , ابنتي وأعرفك جيدا شرسة وتحتاجين لمن يقوم
بترويضك "
قلت بضيق " آه أمي وهل تريني حيوانا ليروضوني "
قالت ببرود " بل أشرس من ذلك وهذا ما سيسبب لك المتاعب طوال حياتك , أخبريني متى ستذهبين "
قلت بلا مبالاة " لا أعلم ولا يهم متى , انظري الآن عليا أن أذهب وحدي أيضا ألا تخافين علي فهم
لم يقولوا أنهم سيكونون باستقبالي لقد أرسلوا لي العنوان والتذكرة فقط ما يضنوا أنفسهم أولئك المغرورين
ألا يفكرون بي كفتاة ستسافر وحدها "
قالت بحدة " ميس لا تخترعي الحجج لكي لا تذهبي أعرفك جيدا تستطيعين السفر وحدك نحن مطرون
لذلك فلا أحد لدينا "
قلت بحزن " وماذا عنك أمي أنتي متعبة كيف أتركك "
قالت بهدوء " أنا سأبقى مع شقيقي فكلها أيام قليلة وتعودي "
خرجت وتركتها وأنا كلي ضيق لما عليا زيارة ذلك الجد لما تذكرني فقط عندما علم أنه سيموت سأحتاج بعدها
لأن يموت شخص آخر ليتذكروني من جديد سحقا لهم كم أكرهم , عليا أن أذهب وأعود وأنهي هذه المشكلة فأمي
لن يهنئ لها بال وترتاح حتى أزورهم