عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-17, 04:30 AM   #40
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






تابع قصة موسى الكليم عليه السلام



قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة والحسن وقتادة الضحاك
وغيرهم (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً) أي: من كل شيء من أمور الدنيا إلا من
موسى (إن كادت لتبدي به) أي: لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة (لولا أن ربطنا على
قلبها) أي: صبرناها وثبتناها (لتكون من المؤمنين) وقالت لأخته، وهي ابنتها
الكبيرة (قصيه)


أي: اتبعي أثره، واطلبي لي خبره (فبصرت به عن جنب) قال مجاهد: عن بعد. وقال
قتادة: جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده، ولهذا قال: (وهم لا يشعرون) وذلك
لأن موسى عليه السلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة فلم
يقبل ثدياً ولا أخذ طعاماً، فحاروا في أمره، واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن
فلم يفعل؛ كما :
(وحرمنا عليه المراضع من قبل) فأرسلوه مع القوابل والنساء إلي السوق؛
لعلهم يجدون من يوافق رضاعته، فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه إذ بصرت
به أخته، فلم تظهر أنها تعرفه بل قالت: (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم
وهم له ناصحون) قال ابن عباس: لما قالت ذلك، قالوا لها: ما يدريك بنصحهم
وشفقتهم عليه؟ فقالت: رغبة في سرور الملك ورجاء منفعته.


فأطلقوها وذهبوا معها إلي منزلهم، فأخذته أمه، فلما أرضعته التقم ثديها
وأخذ يمتصه ويرتضعه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وذهب البشير إلي "آسية"
يعلمها بذلك، فاستدعتها إلي منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها، وأن تحسن
إليها، فأبت عليها، وقالت: إن لي بعلاً وأولاداً، ولست أقدر على هذا إلا أن
ترسليه معي، فأرسلته معها، ورتبت لها رواتب، وأجرت عليها النفقات والكساوي
والهبات، فرجعت به تحوزه إلي رحلها، وقد جمع الله شمله بشملها.


قال الله تعالى: (فرددناه إلي أمة كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد
الله حق) كما وعدناها برده ورسالته، فهذا رده، وهو دليل على صدق البشارة
برسالته (ولكن أكثرهم لا يعلمون). لما ذكر تعالى أنه أنعم على أمه برده لها
وإحسانه بذلك، وامتنانه عليها، شرع في ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى، وهو
احتكام الخلق والخلق، وهو سن الأربعين في قول الأكثرين، آتاه الله حكماً
وعلماً، وهو النبوة والرسالة التي كان بشر بها أمه حين قال: (إنا رادوه
إليك وجاعلوه من المرسلين).


ثم شرع في ذكر سبب خروجه من بلاد مصر، وذهابه إلي أرض مدين، وإقامته هنالك
حتى كمل الأجل وانقضى الأمد، وكان ما كان من كلام الله له، وإكرامه بما
أكرمه به، كما سيأتي. ف:
(ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة
وقتادة والسدي: وذلك نصف النهار، وعن ابن عباس: بين العشاءين. (فوجد فيها
رجلين يقتتلان) أي: يتضاربان ويتهارشان (هذا من شيعته) أي: إسرائيلي. (وهذا
من عدوه)


أي: قبطي، قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد ابن إسحاق.


(فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) وذلك أن موسى عليه السلام، كانت
له بديار مصر صولة، بسبب نسبته إلي تبني فرعون له وتربيته في بيته، وكانت
بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة، وارتفعت رءوسهم بسبب أنهم أرضعوه،
وهم أخواله أي من الرضاعة، فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى عليه السلام
على ذلك القبطي أقبل إليه موسى (فوكزه) قال مجاهد: أي طعنه بجميع كفه، وقال
قتادة: بعصاً كانت معه (فقضى عليه) أي: فمات منها.


وقد كان ذلك القبطي كافراً مشركاً بالله العظيم، ولم يرد موسى قتله
بالكلية، وإنما أراد زجره وردعه، ومع هذا (قال) موسى: (هذا من عمل الشيطان
إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور
الرحيم * قال رب بما أنعمت علي) أي: من العز والجاه (فلن أكون ظهيراً
للمجرمين).


يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفاً ـ أي: من فرعون وملئه ـ أن
يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره، إنما قتله موسى في نصرة رجل من
بني إسرائيل، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم، وترتب على ذلك أمر عظيم. فصار
يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم (خائفاً يترقب) أي: يتلفت، فبينما هو
كذلك، إذا ذلك الرجل الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس يستصرخه، أي: يصرخ به
ويستغيثه على آخر قد قاتله، فعنفه موسى ولامه على كثرة شره ومخاصمته، قال
له: (إنك لغوي مبين) ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي، الذي هو عدو لموسى
وللإسرائيلي، فيردعه عنه ويخلصه منه، فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي
(قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس أن تريد إلا أن تكون
جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين).


والمقصود أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس فأرسل في طلبه،
وسبقهم رجل ناصح من طريق أقرب (وجاء رجل من أقصى المدينة) ساعياً إليه،
مشفقاً عليه، فقال (يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج) أي: من هذه
البلدة، (إني لك من الناصحين) أي: فيما أقوله لك. قال الله تعالى: (فخرج
منها خائفاً يترقب)، أي: فخرج من مدينة نصر من فوره على وجهه لا يهتدي إلي
طريق ولا يعرفه، قائلاً:


{ رب نجني من القوم الظالمين * ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني
سواء السبيل * ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من
دونهم امرأتين تذودان، قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء
وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي
من خير فقير } (سورة القصص:21ـ24)


يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفاً يترقب، أي: يتلفت،
خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون، وهو لا يدري أين يتوجه، ولا إلي أين يذهب،
وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها. (ولما توجه تلقاء مدين) أي: اتخذ له
طريقاً يذهب فيه: (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) أي: عسى أن تكون هذه
الطريقة موصلة إلي المقصود، وكذا وقع، فقد أوصلته إلي المقصود وأي مقصود.
(ولما ورد ماء مدين) وكانت بئراً يستقون منها، ومدين هي المدينة التي أهلك
الله فيها أصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب عليه السلام، وقد كان هلاكهم قبل زمن
موسى عليه السلام في أحد قولي العلماء.


ولما ورد الماء (وجد عليه أمة من الناس يسقون * ووجد من دونهم امرأتين
تذودان) أي: تكفكفان عنهما غنمهما أن تختلط بغنم الناس. وعند أهل الكتاب
أنهن كن سبع بنات، وهذا أيضاً من الغلط، ولعلهن كن سبعاً ولكن إنما كان
تسقى اثنتان منهن، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظاً، وإلا فالظاهر أنه
لم يكن له سوى بنتين.


(قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) أي: لا
نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور الرعاء لضعفنا، وسبب مباشرتنا هذه الرعية
ضعف أبينا وكبره، قال الله تعالى: (فسقى لهما). قال المفسرون: وذلك أن
الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم، وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتجئ
هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس، فلما كان ذلك اليوم جاء
موسى فرفع تلك الصخرة وحده، ثم استقى لهما وسقى غنمهما، ثم رد الحجر كما
كان، قال أمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه إلا عشرة، وإنما استقى ذنوباً
واحداً فكفاهما.


ثم تولى إلي الظل، قالوا: وكان ظل شجرة من السمر، وروي ابن جرير عن ابن
مسعود: أنه رآها خضراء ترف (فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير). سمعته
المرأتان فيما قيل، فذهبتا إلي أبيهما، فيقال إنه استنكر سرعة رجوعهما،
فأخبرتاه بما كان من أمر موسى عليه السلام، فأمر إحداهما أن تذهب إليه
فتدعوه (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) أي: مشي الحرائر، (قالت إن أبي
يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة، وهذا
من تمام حيائها وصيانتها (فلما جاءه وقص عليه القصص) وأخبره خبره، وما كان
من أمره في خروجه من بلاد مصر فراراً من فرعون، (قال) له ذلك الشيخ (لا تخف
نجوت من القوم الظالمين) أي خرجت من سلطانهم فلست في دولتهم.


وقد اختلفوا في هذا الشيخ من هو؟ فقيل: هو شعيب عليه السلام، وهذا هو
المشهور عند الكثيرين، وممن نص عليه الحسن البصري، ومالك بن أنس، وجاء
مصرحاً به في حديث، ولكن في إسناده نظر.