عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-17, 04:33 AM   #41
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي







تابع قصة موسى الكليم عليه السلام



والمقصود: أنه لما أضافه وأكرم مثواه، وقص عليه ما كان من أمره بشره بأنه
قد نجا، فعند ذلك قالت: إحدى البنتين لأبيها: (يا أبت استأجره) أي: لرعي
غنمك، ثم مدحته بأنه قوي أمين. قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك
وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد لما قالت ذلك، قال لها أبوها: وما علمك
بهذا؟ فقالت: إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة. وإنه لما جئت معه تقدمت
أمامه، فقال: كوني من ورائي، فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاه أعلم بها
كيف الطريق.


(قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج، فإذا
أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من
الصالحين). ثم :
(ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول
وكيل)، يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت، فأيهما قضيت فلا عدوان
على والله على مقالتنا سامع وشاهد، ووكيل علي وعليك، ومع هذا فلم يقض إلا
أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة.

فلما أراد فراق شعيب سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون
به، فأعطاها ما ولدت غنمه، من ما له لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه
سوداء حساناً، فانطلق موسى عليه السلام إلي عصا قسمها من طرفها ثم وضعها في
أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها. قالوا: واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة،
وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلي السلوك في الدرب المألوف، وجعل يوري زناده
فلا يوري شيئاً، واشتد الظلام والبرد.


فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد ناراً تأجج في جانب الطور ـ وهو الجبل
الغربي منه عن يمينه ـ (فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً) وكأنه، والله
أعلم، رآها دونهم؛ لأن هذه النار هي نور الحقيقة، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد،
(لعلى آتيكم منها بخير) أي: لعلى استعلم من عندها عن الطريق (أو جذوة من
النار لعلكم تصطلون) فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة
ومظلمة. لقوله: في الآية الأخرى:


{ وهل أتاك حديث موسى * إذا رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً
لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى } (سورة طه:9ـ10)

فدل على وجود الظلام وكونهم تاهوا عن الطريق، وجمع الكل في قوله في النمل:


{ إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون } (سورة النمل:7)

وقد أتاهم منها بخبر وأي خبر، ووجد عندها هدى وأي هدى، واقتبس منها نوراً وأي نور؟!.

قال الله تعالى:

{ فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين }


أي: أنا رب العالمين الذي لا إله إلا هو، الذي لا تصلح العبادة وإقامة
الصلاة إلا له. ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما الدار
الباقية يوم القيامة، التي لابد من كونها ووجودها (لتجزي كل نفس بما تسعى)
أي: من خير وشر، وحضه وحثه على العمل لها ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى
مولاه واتبع هواه، ثم قال مخاطباً ومؤانساً ومبيناً له أنه القادر على كل
شيء، الذي يقول للشيء كن فيكون:


{ وما تلك بيمينك يا موسى } (سورة طه:17)


أي: أما هذه عصاك التي تعرفها منذ صحبتها


{ قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى } (سورة طه:18)


أي: بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها،


{ قال ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى } (سورة طه:19ـ20)


فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها
الأولى) فيقال: إنه هابطها شديداً، فوضع يده في كم مدرعته، ثم وضع يده في
وسط فمها. وعند أهل الكتاب: أمسك بذنبها، فلما استمكن منها إذا هي قد عادت
كما كانت عصاً ذات شعبتين، فسبحان القدير العظيم، رب المشرقين والمغربين!.
ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه، ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر
بياضاً من غير سوء، أي: من غير برص ولا بهق،

ولهذا قال:

{ اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم يدك إلي جناحك من الرهب } (سورة القصص:32)


قيل معناه: إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك. والمقصود أن الله سبحانه وتعالى لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلي فرعون


{ قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني
لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني، إني أخاف أن يكذبون * قال سنشد عضدك بأخيك
ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون }
(سورة القصص:33ـ35)


قال الله تعالى مجيباً إلي سؤاله: (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً)
أي: برهاناً (فلا يصلون إليكما) أي: فلا ينالون منكما مكروهاً بسبب قيامكما
بآياتنا، وقيل ببركة آياتنا (أنتما ومن اتبعكما الغالبون).


وقال في سورة طه:

{ اذهب إلي فرعون إنه طغى * قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * وأحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي } (سورة طه:24ـ28)


قيل: إنه أصابه في لسانه لثغة، بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه،
والتي كان فرعون أراد اختبار عقله، حين أخذ بلحيته وهو صغير، فهم بقتله،
فخافت عليه آسية، وقالت: إنه طفل، فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه فهم
بأخذ التمرة فصرف الملك يده إلي الجمرة، فأخذها فوضعها على لسانه فأصابه
لثغة بسببها؛ فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله: ولم يسأل زوالها
بالكلية.

فأتياه فقالا له ذلك، وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلي عباد الله تعالى
وحده لا شريك لك، وأنه يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته،
ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا، ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه.
فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى، ونظر إلي موسى بعين الازدراء والتنقص
قائلاً له: (ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين؟) أي: أما أنت
الذي ربيناه في منزلنا، وأحسنا إليه، وأنعمنا عليه مدة من الدهر؟.

وقوله:


{ وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } (سورة الشعراء:19)


أي: وقتلت الرجل القبطي، وفررت منا، وجحدت نعمتنا.


{ قال فعلتها إذا وأنا من الضالين } (سورة الشعراء:20)


أي: قبل أن يوحي إلي وينزل على


{ فقررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين } (سورة الشعراء:21)


ثم قال مجيباً لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان إليه:


{ وتلك النعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل } (سورة الشعراء:22)


أي: وهذه النعمة التي ذكرت؛ من أنك أحسنت إلي وأنا رجل واحد من بني إسرائيل
تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله، واستعبدتهم في أعمالك وخدمتك
وأشغالك.


{ قال فرعون وما رب العالمين * قال رب السماوات والأرض وما بينهما، إن كنتم
موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربكم ورب آبائكم الأولين * قال
إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما، إن
كنتم تعقلون } (سورة القصص:21ـ24)