عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-17, 04:37 AM   #43
مجرد إنسان

آخر زيارة »  03-07-18 (05:44 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  الرسم - كتابة الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي







أخر قصة موسى الكليم عليه السلام



فلما تفاقم الأمر، وضاق الحال، واشتد الأمر، واقترب فرعون وجنوده في جدهم
وحدهم وحديدهم، وغضبهم وحنقهم، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، فعند
ذلك أوحى الحليم العظيم القدير، رب العرش الكريم، إلي موسى الكليم: (أن
اضرب بعصاك البحر)، فلما ضربه يقال إنه قال له: انفلق بإذن الله، ويقال:
إنه كناه بأبي خالد، فالله أعلم.


قال الله تعالى: (فأوحينا إلي موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فريق كالطود العظيم)،


ويقال: إنه انفلق اثنتي عشرة طريقاً، لكل سبط طريق يسيرون فيه، حتى قيل:
إنه طار فيه أيضاً شبابيك ليرى بعضهم بعضاً! وفي هذا نظر؛ لأن الماء جرم
شفاف إذا كان من ورائه ضياء حكاه.


فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه، لئلا يكون
لفرعون وجنوده وصول إليه، ولا سبيل عليه، فأمره القدير ذو الجلال أن يترك
البحر على هذه الحال، كما قال وهو الصادق في المقال:


{ ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم * أن أدوا إلي عباد الله،
إني لكم رسول أمين * وأن لا تعلوا على الله، إني آتيكم بسلطان مبين * وإني
عذت بربي وربكم أن ترجعون * وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون * فدعا ربه أن هؤلاء
قوم مجرمون * فأسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون * واترك البحر رهواً، إنهم
جند مغرقون * كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا
فيها فاكهين * كذلك، وأورثناها قوماً آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض
وما كانوا منظرين * ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين * من فرعون،
إنه كان عالياً من المسرفين * ولقد اخترناهم على علم على العالمين *
وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين } (سورة الدخان:17ـ33)


فقوله تعالى: (واترك البحر رهواً) أي: ساكناً على هيئته، لا تغيره عن هذه
الصفة، قاله عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع والضحاك وقتادة وكعب
الأحبار وسماك بن حرب وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم. فلما تركه على
هيئته وحالته وانتهى فرعون، فرأى ما رأى وعاين ما عاين، هاله هذا المنظر
العظيم، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم،
فأحجم ولم يتقدم، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا
ينفعه الندم، لكنه أظهر لجنوده تجلداً وعاملهم معاملة العداء، وحملته النفس
الكافرة والسجية الفاجرة، على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه، وعلى باطله
تابعوه: انظروا كيف انحسر البحر لأدرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين عن
طاعتي وبلدي؟ وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم، ويرجو أن ينجو هيهات، ويقدم
تارة ولكنه يحجم تارات!.


فذكروا أن جيريل عليه السلام تبدى في صورة فارس راكب على رمكة حائل، فمر
بين يدي فحل فرعون لعنه الله، فحمحم إليها وأقبل عليها، وأسرع جبريل بين
يديه فاقتحم البحر، واستبق الجواد وقد أجاد، فبادر مسرعاً، هذا فرعون لا
يملك من نفسه شيئاً، ولا لنفسه ضراً ولا نفعاً، فلما رأته الجنود قد سلك
البحر اقتحموا وراءه مسرعين، فحصلوا البحر أجمعين أكتعين أبصعين. حتى هم
أولهم بالخروج منه، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه إليه أن يضرب
بعصاه البحر، فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان، فلم ينج منهم إنسان.


قال الله تعالى:

{ وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية، وما
كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم } (سورة الشعراء:65ـ68)


أي: في إنجائه أولياءه فلم يغرق منهم أحد، وإغراقه أعداءه فلم يخلص منهم
أحد، آية عظيمة وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة، وصدق رسوله فيما جاء
به من ربه من الشريعة الكريمة والمناهج المستقيمة.