أيا (( بدر )) لا تدري بحالي
آه (( يا بدر )) وعمري قد مضى
هنا الأبيات في توجيه الحوار المباشر للنديم الذي اخترته وهو (( البدر )) ’ تبث له الهموم وكم هي عادة منذ القدم عند الشعراء باتخاذ من يبثون إليه الهموم من الجمادات , ومن أبرزها ذاك القمر وقد أشرت سابقا لميلي إلى اتخاذ القمر مناجيا ’ كما إن الوقت الذي يظهر به القمر مناسب لمن لديه هموم يبثها ’ وقد شكوت لذلك القمر ’ بحرقة فهو لا يعلم الحال الذي ألت إليه ’ وكأن كائن يستشعر أحاسيسك ’ فتقول له من فرط ما بك من الهموم إن تلك الهموم قد جاوزت حدها ’ ولا يعلم عن الآلام التي ألمت بك فالوصب أي الوجع والألم الذي بك ’ وقعه النفسي كبير عليك ’ وكأنك تشكي لشخص غالي عليك ’ فتسأله أين أنت عني ؟؟؟ في اللهجة العامية عندما يفتقد أحد بشدة ويكون هذا الشخص سند يقول له وينك ما دريت بحالي ’’ أنا كذا وكذا ’ هنا أنت كذلك في شكواك’’ وتصف الآن على الأرض وأنت هنا ترمز (( للوطن )) فقد بات ذاك الوطن من بعد الاخضرار كالروابي المعشبة ’ إلى أرض متجردة جرداء من معاني الحياة لما طالها من الدمار المستبد ’ فقد يبست وجفت ’ من ما نالها من تحطيم ’ وتجف لسواقيها وعدم الاكتراث بتخصيب أرضها ’ فتزفر هنا الآه ذلك اللفظ الذي يدل على الضيقة والألم ’ مناديا لنديمك البدر تشكي له مرور سنوات العمر ’ ومن الهموم التي وجدتها في تلك السنوات سكبت رماديتها واصطبغت به خصلات الشعر ’ كأن المشيب جاء قبل أوانه ’ وكأنه أصبح في ذلك كفريسة طريدة افترسها وحش كاسرممن يطلق عليه وحوش الافتراس ’ فالنهش بذلك الوصف يناسب تلك الأجواء ’ وكم أجد هنا من الروعة الكبيرة وأنت تصف كم يكون الشيب قبل أوانه من إجهاد نفسي ’ وأي شئ أكبر من التعب بما آل إليه الوطن ’’ رائع ما ذهبت إليه
الصور والمحسنات والأساليب :
(يا بدر ) : أسلوب إنشائي طلبي نوعه : نداء (( يا )) ’ غرض بيان كمية الهموم الثقيلة
( عند الوصابي ) : كناية عن الآلام والوجع
( يا بدر ): استعارة مكنية شبهت البدر (( القمر )) كإنسان يُخاطب الغرض منها مقاسمة الهموم وبثها
( سنين الشيب تنهش ) : استعارة تصريحية شبهت الشيب كحيوان وحشي مفترس الغرض منها بيان همومك قد فاقت قدرتك العمرية (( أكبر من عمرك ))
( في شبابي ) : استعارة مكنية شبهت الشباب كاللحم الذي يؤكل بشراهة الغرض منها بيان الاعتداء على الوطن وما خلفه من هم بان على الأشخاص في هيئتهم الخارجية
عن الشيب يقول زكريا عليه السلام في آيات الله المحكمات (( واشتعل الرأس شيبا )) وهنا كناية عن انتشار خصلات الشيب من الهموم روعة في كيفية التوظيف ,,
أحسنت فعلا ,,