10-26-18, 06:51 PM
|
#1 |
|
نسيم وعواصف الجنون - قصة قصيرة
كان جابر يَمشي قاصِداً وجهَتُه ، تارَةً يُتمتِمُ بكلماتٍ غير مفهومة البتَّة ، وتارةً أُخرى يُدندنُ بذلك اللحن الغريب الذي لم تَطلِقهُ قَط غيرَ حُنجرته التي كثيراً ما قيلَ له بأنها تُصدِر "صَريراً" لا صَوتاً لبَشَريٍّ عادي .
توقَّفَ عند مَدخَل المقبَرَة لِبُرهةٍ من الزَمَن لِيُعدِّل من ياقَةِ قميصُه ومَنظَر بَدلَته ، نَفَخَ صَدرَهُ بالهواء وتَقَدَّم برأسٍ مَرفوع حتى وَصَلَ لإحدى المقابِر ، ابتَسَمَ ابتسامةً مَلَأَت وَجهه تَجاعيداً ، ظَلَّ يَتَحَدَّث معها:
-يا لَكِ من كسولة ، هيا انهَضي صَغيرتي ، انه وَقتُ الدوام .
صَمَتَ قليلاً ، ثم ما لَبِثَ أن عَلا صَوتَهُ الخِشن وصَدَح وهو يَنهَرها:
-قُلتُ انهضي .. هيا ، حالاً ! ، لا أَعذار ، لا أعذار نهائياً .
مَرَّ أَحَدَهم بجانبه ، فهَرَعَ إليه ليُمسِك بيدِه ويستقبِلهُ بأَحَرِّ السلام:
-انها ابنتي ، ابنتي الطبيبة نسيم ، نعم هي گ النسيم لا تسمع لها صوت خجولةٌ للغاية ! ، هل تريد حَجز موعِدٍ لَديها ؟ .
سَحَبَ الرَجُلُ يدَهُ منه وهو يَهتِف: مجنون ! .
-إن كنتُ گذلك فالجنون حظ جميل ليس بالسيء ، لكنها هنا ، أُقسِم لَكَ بأنها هنا لم تَمُت ، جَسَدها نسيَ أن يُدفَن وروحَها گذلك ..
انتظر أرجوك ، لم يأتِها أَيّ مريض مُذ استلمنا شهادة وَفاتَها ، سَتَسعَد بك ، هي تحب عملها كَثيراً ! .
توجَّه ناحية القبر مرة أُخرى ، دنا منهُ قليلاً وهو يقول:
- جُنَّ العالم ! ، جميعهم قد أمسوا مجانين يا نسيم عدانا ، جميعهم ! .
[عبق]
|
| |