الموضوع: بريد وارد-إليك
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-20-18, 05:14 PM   #1
شَغَف

الصورة الرمزية شَغَف

آخر زيارة »  يوم أمس (07:37 PM)
الهوايه »  الكتابه&القراءة
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي بريد وارد-إليك





سلامٌ عليكم معشر العُقلاء ،
لن أسأل عن أي حالٍ لأحدكم ، بل سأروي لكم حالي ،
"مجنون"
هكذا ينعتني أطفالُ الحي هنا ،
يركضونَ خلفي بضحكاتٍ تملأ شفاههم ،
"مجنون ، مجنون ، مجنون"
أشمئزُ من نفسي حينها وأنا أركُضُ أمامهم أبحثُ عن مأوىً لأرتمي به ،
مأوى يحتويني بجنوني ، باللاعقل الذي أحمله ،
بآخرِ مرة ، استمرت مطاردتهم لي كثيراً ،
حتى لجأت إلى حاوية قمامة كانت على الطريق ،
احتضنتني كما لم يحتضنني أحد ،
على الأقل هي لا تنعتني بالجنون ،
كنتُ خائف ،
لا أعلم من ماذا ، لكنني خائف بالفعل ،
إلى اللحظة التي أكتب بها رسالتي إليك أنا خائف .

قبل سنتين من الآن كنتُ مثلك -قارئي- ،
أظنني كنتُ كذلك ، رجل راجح العقل ،
أعمَلُ في غسيل السيارات ،
غالباً ما أوبخ ،
وفي بعضِ الأحيان يمتنع صاحب السيارة عن إعطائي أجرتي ،
أو قد ينقص منها تحت مبرر كونه لا يمتلك أي مال ،
لا بأس في ذلك .

كنتُ أعولُ أبي حينها ،
حيث أنه رجلٌ قد أنهكهُ الزمن ،
انحنى ظهره وشاب شعره وتساقطت أسنانه واحداً تلو الآخر ،
في ذلك اليوم ،
لم أَعُد للبيت ،
كنتُ أشعرُ بالضجرِ منه ، من والدي ،
عاتبني كثيراً ذلك النهار ،
مللتُ منهُ ،
عزمتُ على ألا أعود إلا عندما يهدأ كلانا ،
أمضيتُ اليوم بالتفكيرِ به ،
أتراهُ بخير؟! هل تناول شيئاً اليوم أم لم يفعل؟! ،
لكنني أزحت تلك الأفكار من رأسي فورَ هطولها عليَّ ،
في اليومِ التالي لم أَعُد للبيت صباحاً ،
بل بعدما أكملتُ عملي ليلاً ،
بحثتُ عنه ، لم أجده ،
خرجتُ إلى الشارع ، تلفَّتُ حولي ،
أحسستُ بيدٍ تمَس كتفي ،
ابتسمت واتسعت ابتسامتي ، ظننته والدي ،
قلت: لماذا تخيفني عليك يا رجل؟ .
والتفتُ لأراه ، لم يكن هو ،
جارنا سالم ،
كان ينظرُ إليَّ بعيونٍ ملؤها الشفقة ،
قال لي بأنه على ما يبدو قد خرج للبحثِ عني ليلة أمس ،
ورفض أن يعود للمنزل إلا وأنا معه ،
فضَّلَ النوم في الشارع بليلة باردة من ليالي سبتمبر اللعين على أن ينام بالبيتِ وحيداً ،
سكت قلبه .

أظنك قد علمتَ بديهياً بأنني منذُ ذلك اليوم وأنا على هذا الحال ،
الآن..
أشعُر بعتمةٍ تملؤني ، تتكاثَف حول قلبي بصورة مريعة ،
أَشعُرُ بأنني أحد الذين يتكاتف الجميع حوله ليقتلوه ،
أشعرُ بأنني محاطٌ بالظالمون ،
والذين ربما تكون أنت منهم ،
لكن..
أرجوك -قارئي- لا تنعتني بالجنون .

[عبق]