الموضوع: (عَلِّمُوهم)
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-15-19, 09:51 AM   #6
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (07:23 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



علِّموهم أن يدعوا لأنفسهم بالإصلاح، والهداية، والطمأنينة، ويتركوا عنهم الدعاء ضد غيرهم دعاء"اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبقي منهم أحدا، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وسلط عليهم الزلازل والبراكين، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم واجعل كيدهم في نحورهم...إلخ"؛

فليس هذا ما تعلموه من نبيهم العظيم -عليه أفضل الصلاة والسلام- وهو يمسح دمه في غزوة أحدٍ وقد أصيبت رباعيته(سِنه الشريفة) وشُجَّ وجهه الكريم، فلم يدعُ على المشركين وإنما دعا الله بقوله:" اللهم اغفر لقومي فإنهم لايعلمون"..! وليس هذا امتثالاً لقوله تعالى "ولوْ شاء الله ما أشْركوا وما جعلْناك عليْهمْ حفيظًا وما أنْت عليْهمْ بوكيلٍ" (الأنعام:107).

علِّموهم الإيمان بأنَّ الطالب إن لم يفهم فليس عيباً فيه، وإنما العيب في أوله على المعلم، كذلك على المسلم أن يتحمَّل مسؤولية أداء رسالة الدين للعالمين بأمانةٍ وإخلاصٍ قبل أن يقاتل، أو يتهم أو يدعو عليهم "وصدها ما كانتْ تعْبد منْ دون الله إنها كانتْ منْ قوْمٍ كافرين"(النمل:43).

علِّموهم أنَّ الدين جَوْهر قبل أن يكون مَظْهرًا؛ فالجوهر هو إخلاص النية، وسلامة القلب. أما الاعتناء بالظاهر دون الجوهر فهو الرياء المشؤوم، والنفاق المذموم.

علِّموهم أنَّ من يتخطى رقاب الناس ليصل إلى الصفوف الأولى في الصلاة وسيارته خارج المسجد تعيق المارة، وتسد الطريق أن ذنبه أعظم من أجره!

علِّموهم أن تتَّسع صدورهم لخلق الله، وأن يجعلوا التسامح خلقا، واللطف ديدنا، والرفق منهجا؛ فصاحب الخلق قد رفع بخلقه إلى منازل عليا "إنَّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار".

علِّموهم أنهم ليسوا في مقام الحُكم على الناس من مظاهرهم، أو تأويل أقوالهم؛ فـ"رُبَّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره"، وأنَّ الحُكم على الناس يفتح باب الاستعلاء، والتفضيل، وهو ما يقود إلى البطر والغرور!

علِّموهم أن يروا في الحياة إشراقة التفاؤل، لا قتامة التشاؤم، وأنْ يروا في الناس يسر الجانب، لا بؤس المآل. علِّموهم أنه ليس صحيحاً أن الدنيا -كما يقال- جنة الكافر وسجن المؤمن؛ فالله أكرم وأعظم من أن يخلقنا ليودعنا سجناً، ومع ذلك يوصينا بالتمتع بالطيبات من الرزق: "قلْ منْ حرم زينة الله التي أخْرج لعباده والطيبات من الرزْق قلْ هي للذين آمنوا في الْحياة الدنْيا خالصةً يوْم الْقيامة"(الأعراف:32).

علِّموهم أنَّ العبادة الحقيقية ليست هي طول المكوث في الصلاة، ولا الزهد في الدنيا بمعنى الإعراض عن طيباتها، بل هي في ميادين العمل، ومعترك التنافس على العمران. وأنَّ قوة المؤمن هي في مدى ما يملكه من قوة العلم والمعرفة والاقتصاد ومنافسة القوى العظمى إلى جانب يقين الإيمان، والصلة بالرحمن.

علِّموهم أنَّ للجنة ألفَ بابٍ وليس باباً واحداً؛ فكلُّ عملٍ صالحٍ هو بابٌ من أبوابها، والحياة ملأى بأبواب الجنة، وأنَّ للخير ضروباً وأصنافاً أعظمها ما نفع العباد، وأسهم في تقدم البلاد.

علِّموهم مبدأ العدل حتى مع الأعداء "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"(المائدة:8). فلا "يجوروا" في الحكم، ولا "يفجروا" في الخصومة، ولا "يثخنوا" في العداوة!

علِّموهم الحياةَ في سبيل الله قبل الموت في سبيله؛ فليس الموت في سبيله بأعظم أجراً من الحياة في سبيله. علِّموهم كيف يسعدوا ويسعدوا في دنياهم لا أن يشقوا ويشقوا غيرهم فيها. يقول الشيخ مُحمَّد الغزالي رحمه الله:"أريد أن أفهم أبناء جماعة المسلمين أن الحياة في سبيل الله كالموت في سبيل الله".

علِّموهم كلَّ ذلك وأكثر من لطائف ديننا، ورحمات ربنا.. ينشأوا على محبة الله، وقد طهُرت أنفسهم وزكت، فعطرت الدنيا بشذاها، وأضاء على الخلق سناها، فكانت خير من يمثل دينها، وينهض بأمتها.


دمتم بخير