عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-19, 08:45 AM   #1
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (01:24 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي إذا دُعِيتُم إلى ذلك السفر الذي لا بُدّ منه



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمة الله عليه :

ركبت من بيروت ، وكان معي أخي ناجي ، فقعدنا في المقصف (البوفيه) نأكل شيئاً قبل السفر ونشرب الشاي .
وكان المقصف ممتلئاً بالناس ، كراسيّهم مزدحمة يكاد الكرسي يمسّ الكرسي ، وكلٌّ يأكل ويشرب كما كنا نشرب ونأكل ، فإذا بالمكبّر يخرج منه الصوت :
" ركاب الطيارة الهولندية المسافرون إلى جزيرة جاوة " فيترك ناسٌ طعامَهم وشرابَهم ويقومون ..
ثم ينادي : ركابَ الطائرة البريطانية المسافرة إلى لندن
فيقوم ناس ..
ثم ينادي : ركابَ الطائرة البلجيكية المسافرة إلى الكونغو ..
و طائرة البان أمريكان المسافرة إلى نيويورك ..

فرأيتُ أن هذا هو مثال الدنيا :
ناس يعيشون ، يأكلون ويشربون ويجمعون الأموال ويحرصون عليها ويظنون أنهم خالدون ..
لا يدرون متى يخرج النداء ، يدعو هذا أو يدعو ذاك ،
فمن دُعِيَ ترك ما كان فيه وأسرع ، ولا يأخذ إلى الطيّارة مائدة المطعم ولا كرسي القهوة ، بل يتركها ليأتي غيره فيجلس عليها ..
لا يأخذ معه إلا حقيبته ، إن كانت حقيبته مُعدَّة معلقة حملها وسار ، فإن كان عند وصول الطيارة مُفرَّقَ الأمتعة لم يجمع أمتعته ولم يُعِدَّ حقيبته ، اضطرَّ أن يدَعها ويرحل بغيرها.

فإذا أردتم أن تحملوا معكم من حسناتكم حينما تُدعَون الدعوة التي لابدَّ منها للقاء ربكم فكونوا مستعدين .
وكما يجمع المسافِرُ متاعَه في الحقيبة ليحملها ويمشي ، يستعِدّ المرء بالتوبة وقضاء الحقوق .

فكونوا دائماً في حال التوبة ..
انظروا كل يومٍ فيما اقترفتم من سيئات فتوبوا إلى الله منها ، وإن كان عليكم حقوقٌ فأدّوها حتى تكونوا مستعدّينَ ، فإذا دُعِيتُم إلى ذلك السفر الذي لا بُدّ منه ،
السفر إلى الآخرة ، كنتم دائما متهيئينَ له .

وكما كان الناس في مطار بيروت قاعدين معاً ثم أُخذوا ،
هذا إلى حَرّ الكونغو ، وهذا إلى وَحشة الصحراء ،
وهذا إلى ملاهي باريس ، كذلك يكون الناس في الدنيا ،

يكونون متجاورين في المساكن ، مشتركين في التسابق
إلى خيرات الدنيا والحرص عليها ، وإذا بهم يُدعَونَ فجأة ، فيذهب هذا إلى النعيم المقيم ، وهذا الى العذاب الأليم .

دمتم بعافية