عرض مشاركة واحدة
قديم 11-29-19, 08:55 AM   #42
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (02:51 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



تفسير



يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ (44)
﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دابَّةٍ مِن ماءٍ فَمِنهُم مَن يَمشي عَلى بَطنِهِ وَمِنهُم مَن يَمشي عَلى رِجلَينِ وَمِنهُم مَن يَمشي عَلى أَربَعٍ يَخلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ (45)
﴿لَقَد أَنزَلنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهدي مَن يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ (46) النور


{يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، من ليل إلى نهار، ومن نهار إلى ليل، ويديل الأيام بين عباده، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} أي: لذوي البصائر، والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها، كما تنفذ الأبصار إلى الأمور المشاهدة الحسية. فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر لما أريد بها ومنها، والمعرض الجاهل نظره إليها نظر غفلة، بمنزلة نظر البهائم.

ينبه عباده على ما يشاهدونه، أنه خلق جميع الدواب التي على وجه الأرض، {مِنْ مَاءٍ} أي: مادتها كلها الماء، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}
فالحيوانات التي تتوالد، مادتها ماء النطفة، حين يلقح الذكر الأنثى. والحيوانات التي تتولد من الأرض، لا تتولد إلا من الرطوبات المائية، كالحشرات لا يوجد منها شيء، يتولد من غير ماء أبدا، فالمادة واحدة، ولكن الخلقة مختلفة من وجوه كثيرة، {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} كالحية ونحوها، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} كالآدميين، وكثير من الطيور، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} كبهيمة الأنعام ونحوها. فاختلافها -مع أن الأصل واحد- يدل على نفوذ مشيئة الله، وعموم قدرته، ولهذا قال: {يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ} أي: من المخلوقات، على ما يشاؤه من الصفات، {إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} كما أنزل المطر على الأرض، وهو لقاح واحد، والأم واحدة، وهي الأرض، والأولاد مختلفو الأصناف والأوصاف {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}

أي: لقد رحمنا عبادنا، وأنزلنا إليهم آيات بينات، أي: واضحات الدلالة، على جميع المقاصد الشرعية، والآداب المحمودة، والمعارف الرشيدة، فاتضحت بذلك السبل، وتبين الرشد من الغي، والهدى من الضلال، فلم يبق أدنى شبهة لمبطل يتعلق بها، ولا أدنى إشكال لمريد الصواب، لأنها تنزيل من كمل علمه، وكملت رحمته، وكمل بيانه، فليس بعد بيانه بيان {لِيَهْلِكَ} بعد ذلك {مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} {وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ممن سبقت لهم سابقة الحسنى، وقدم الصدق، {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: طريق واضح مختصر، موصل إليه، وإلى دار كرامته، متضمن العلم بالحق وإيثاره والعمل به. عمم البيان التام لجميع الخلق، وخصص بالهداية من يشاء، فهذا فضله وإحسانه، وما فضل الكريم بممنون وذاك عدله، وقطع الحجة للمحتج، والله أعلم حيث يجعل مواقع إحسانه.

تفسير السعدي