عرض مشاركة واحدة
قديم 01-23-20, 08:16 AM   #1
عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (08:16 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } ..

تنَفتحُ بوابات المَعاني في كلِّ كَلمة .. و تَندهش العَربية ؛ أمامَ مَدى هذهِ الآية !

تُرهقُ محابِرنا ؛ وهي تُهروِل خلفَ أمواج التَّدفق في التَّعابير ..
وفي لحظةِ اعتراف .. يُعلن المِداد عَجزه عن الَّلحاق بالكَلمات !

{ فنَادَى } ..
كلمةٌ واحدة ؛ تصِف مسافةَ البِعاد ..
فقد كان الظنُّ ؛ " ناجى " .. ولكنَّها هنا .. تَحمل إشارة العمق الذي غاب فيه يُونس ، وغاضَ فيه نبيّ ؛ { ظنَّ أن لنْ نقْدرَ عليهِ } !

{ نادَى } ..
حتّى كأنَّك تسمعُ الصَّوت في بُعده ، وشدّة استغاثتِه ، وفَيْض الدُّموع فيه ..

يُحاصر يُونس { في الظُّلمات } !

يلتَهمه الحُوت .. مثل بوابة مَجهولة ؛ تفضي به إلى الفناء ..

تَشتدُّ في مسامِعه ؛ صوت المياه الجارِفة تلْطم جوانب الحُوت ..

يظنُّ أنَّ الموت يتَسابق عليه ؛ وقد كانَ يظُنُّ أن لنْ يُقدر عليه !

تَرتطم الأمواج الثَّقيلة بالحُوت من كلِّ ناحية .. ويغيبُ يُونس في ظُلمةِ فَقْدِ الجِهات !

يتحرّك الحُوت به في كلِّ ناحية ؛ فلا يدري المَشرق من المَغرب .. ولا علوِّ البحر من أسفلهِ ؛ وهو الذي كانَ يحمل قناديل الهِداية للعِباد !

ينادي .. ويظلُّ الصّوت حَبيس الصَّدى ؛ وقَد كان صوته يرِنُّ في مسامِع الخَلق ، وعلى رُبى الآفاق !

تشتدُّ الظُّلمة عليهِ .. ويُحيط به عتاب الرُّوح ، وندم ثقيل ..
وهو الذي .. كانَت تهرَع إليه النّاس بخطاياها ؛ تستلهِم منه الطَّريق !

تَبدو الظلمة كثيفة .. البَّحر والليل ، وعُصارات بطن الحوت ؛ التي تُوسوِس له بالذَّوبان القَريب !

لم يكُن يُونس قادرا على عدّ الظُّلمات فقد كانت كلّ موجة تَنهال على الحُوت ؛ تزيدُ القلب وجيبا ، و تُوقِفه على فقرِه ، و عُريِّ العَبد من قدراته !

ربّما لهذا ؛ {نَبذ بالعَراء } .. إذْ كان الله يُرينا في أنفسَنا ؛ أنَّنا دونه لا نملك حتَّى ورَقة التُّوت !

{ فنادَى أنْ لا إلهَ إلا أنْتَ } ..
فما يَرى يُونس في الكون إلا ؛ الله ، وتَبلُغه الرِّسالة جَليِّة ؛ { إنِ الأمر إلا لله } !

تتنحى كَلماتنا .. قَراراتنا .. خَطواتنا ؛ أمامَ إرادة وتوقيتِ الله .. ويظلُّ القَرار { إنِ الحُكم إلّا لله } !

سُبحانك ..
تَنزيهاً لك ؛ أنْ يُقدِّم العبدُ بين يديْ الله اعتراضاً على حِكمة الأَقدار !

{ إنّي كنتُ مِن الظَّالمين } ..
للمرّة الأولى ؛ يسجد يُونس دون سَجود الجبَين ..
يسجُد لله ؛ سجود ذلٍّ ، وفقرٍ وحياء ، وإقرار ؛ بأنّي كنتُ من الظّالمين !

هنا الظلم ظلمٌ في أدقِّ مُستوياته .. الظلم بأن تَنسى أنّك عبد لا يليقُ بك ؛ إلا الرِّضا بأقدارِه !

ظلم .. بالتّولي عنْ منصِب هيَّئهُ لك الله .. فولَّيت { مُغاضِباً } .. و كان الأصلُ فيك الرّباط !

ظلم .. باستشعارِ الذّات ..
وكان الحقّ ؛ التّواضع في طريقِ الدّعوة إلى الله !

لم يكُن الله يُريد من يُونس ؛ سِوى الدُّخول عليه من باب الذُّل والإفتقار ..
فكانَ أنْ ردَّ الله { فاستَجبنا لهُ ونجَّيناه من الغَمِّ وكذلِك نُنْجي المُؤمنين } ..

{ الغَمّ } بأل الإستغراق لكل ّالغُموم والهُموم ؛ ولو كنتَ في أقصَى القَاع !

يتفضل الله عليه بمُواساته .. حيث يجعل نداءه سنّة للمُؤمنين ؛ كرامةً له ، ولِأوبة القَلب الجَميل !

يقولُ صلّ الله عليه وسلم : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْكُمْ كَرِبٌ ، أَوْ بَلَاءٌ مِنْ بَلَايَا الدُّنْيَا دَعَا بِهِ يُفَرَّجُ عَنْهُ ؟ فَقِيلَ لَهُ : بَلَى ، فَقَالَ:
دُعَاءُ ذِي النُّونِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) !

ثمَّ وفّى له الطّريق .. ولم يحْرِمه مَنصب النُّبوة ؛ بل زادَ له { وأرسلناهُ إلى مائَة ألفٍ أوْ يَزيدُون } !

فيا ربّ ..
دَخَلْنا عليكَ بِدَعوةِ ذيْ النُّون .. فارتقْ لنا ثيابَنا ، ونَجِّنا من ظُلمة ما نحنُ فيه !

د.كفاح أبو هنود