عرض مشاركة واحدة
قديم 03-18-20, 11:25 AM   #302
أعيشك

الصورة الرمزية أعيشك
غيّمُ السّلام.

آخر زيارة »  اليوم (04:07 AM)
المكان »  عاصِمة النساء.

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



أنجبتني أُمي وأنا أُعاني مرضًا في الدم،
مرض وِراثي لا عِلاج له ويستمر لنهاية العُمر.
رقدت في المشفى لمُدة شهرين مُتتابعين،
أكتفيت بهما من الصراخ والإبر وتلك الأسلاك
الغريبة المُلتصقة بشكل مؤلم في يدي.
استبعد الجميع أن أبقى على قيّد الحياة.
لكن ها أنا الآن أكتُب لكم مُعاناتي الأولى،
والوحيدة والمُستمرة أيضًا.
عندما بلغت العامين لم أكُن كأي طفلة
تُحب اللعب وحضن أُمها.
لقد كُنت مُنغمسة في غُرفة قديمة من غُرف المنزل،
وحولي مناشف لففتُها على شكل أطفال.
لقد أعتنيت بدُمى المناشف أكثر من عنايتي بطفولتي آنذاك.
في الرابعة من عُمري أحببت الكُتب،
لقد كُنت أدخل مكتبة أبي خلسة وأقرأ بالمقلوب كُتبًا لا أفهمها.
جميع أطفال العائلة في ذلك الوقت كانوا مُنهمكين في
الركض بالشوارع وفي ممرات المنزل الضيّقة،
أما أنا فقد كُنت ساكنة وعقلي يركُض إلى
أماكن مازال يجهلها حتى الآن.
لازلت أذكُر عندما يُسافر أبي يسألني في مُكالمة هاتفية حنونة :
ماذا تُريدين أن أجلب لكِ معي؟.
كُنت أُجيبه بنبرة يحشوّها البُكاء والتحنان :
أُريد قصصًا يا أبي، أُجلب لي قصصًا جميلة معك.
وعندما يأتي كُنت أسلم عليه وأسأله عن كُتبي فيعطيني إياها.
ما ألبث أن أمسك بها حتى أركض لتلك الغرفة،
أتصفحها بِشغف ثم أبدأ في القراءة إلى أن أنام.
لقد كُنت طفلة ثرثارة بِطريقة تُزعج من حولي لدرجة أنني
أضطررت لمُحادثة بطانيتي ودرج ملابسي
بِلا إدراك إنها لن تُجيب علي.
وقت ما دخلت المدرسة تولت مُعلمة خاصة أمر تدريسي.
لكن كانت أحداثها معي نُقطة تحول
في أيامي التي أعيشها الآن.
كانت تضربني ضربًا مُبرحًا،
نعتتني بالغباء وجعلتني إجبارًا أكتُب
بيدي اليمين عوضًا عن اليسار،
بسبب التشدُد الديني الذي كانت تؤمن به.
أذكُر مرة أنها ألصقت على ظهري عِبارة : "أنا كسلانة"
وجميع أطفال المنزل يركضون خلفي وهم ينعتوني :
"يا كسلانة، يا كسلانة".
أصابتني لعنة التأتأه وباتت لا تخرج
مني كلمة إلا بصعوبة بالغة،
ضحك علي الأهل والزملاء في المدرسة.
رُبما حتى أنا سخرت من نفسي.
لم يكُن لديَّ صديقات في المدرسة.
كُنت منبوذة والكل يهرب من الحديث معي،
لأني شخص مُمل لا يتحدث.
أو بالأحرى أنا اتجنب الحديث مع الآخرين.
ولا أتحدث مع أحد بتاتًا،
بالكاد يسمعون صوتي بالمُشاركات بين الحصص.
لدرجة عرضت المُعلمة في المدرسة على أبي
بزيادتي لطبيب نفسي أو ماشابه.
لا أدري رُبما كان الكلام أكبر من حجم
فمي الصغير في ذلك الوقت.
أنهيتُ دراستي ولازلت لا أستطيع الإجابة عن حقيقتي.
ولا حتى فكّ تلك العُقدة في لساني.
أصبحت أكتُب بِكلتا اليدين.
أنا مازلت مُبهمة ولا أعرف وجهتي.