عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-20, 08:05 PM   #339
أعيشك

الصورة الرمزية أعيشك
غيّمُ السّلام.

آخر زيارة »  05-10-24 (06:59 PM)
المكان »  عاصِمة النساء.

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



جمعتُ في صندوقٍ قديم،
الأحذية الناقِصة التي عثرتُ عليها.
كنتُ أميل إلى الطريق،
وأسير أغلب الأحيان مُطأطأة الرأس،
كوّنت مُلاحظات هامة عن تفاصيل
صغيرة لم يُلاحظها أحد سواي.
أصبحت خبيرة في أماكن تجمهر القطع الناقصة،
أعرف "لماذا أسقط، ومتى سأسقط، وأين سأسقط".
وحين أجد ما أُريد،
أُكافئ نفسي،
أفرُش ذراعيّ وأدور حول المكان بِحركات بهلوانية.
أعجبتني فكرة حصولي على الأشياء المُستخدمة،
فأتنازل بذلك على أن أكون أول من تتلف،
وأول من تستخدم،
وأول من تُمزق،
وأول من تسقط منها الأشياء، وتضيع.
لم تعُد تروق لي الأحذية الجديدة، أو بالأحرى،
لم أعُد استئلِف أن تكون للحذاء زوجٌ آخر.
وانعكس ذلك على حياتي التي عُشتها بِمُفردي.
ذات مرة، جربت استخدام يدي اليُمنى في تنفيذ شؤوني،
وفي يومٍ من الأيام قررت أن أرى الأشياء
بعينيّ اليُسرى فقط.
ومرة سديت إحدى أُذنيّ بالقطن
وانصتّ للأصوات بأذن واحدة.
ولم تقتصر هذه الثيمة الفردانية على الإستخدام،
بل تماديت بذلك، وانعزلت عن مُشاركة الآخرين آرائي،
أفكاري، همومي، مشاكلي، مشاعري.
أشعُر بأنني كائنة مثيولوجية مخلوقة من الأقاويل.
لقد بلغت ذروتي في حُب هذه العادة الغريبة،
وأدمنت الأثر العالق أسفل الأحذية التي أحصل عليه.
كنت أكتشف نوع الطُرقات التي أسلكها،
وإلى أي الطبقات الإجتماعية أنتمي.
استمريت على هذا الحال لأعوام طويلة،
ولأن الصندوق لم يعُد يكفي،
خصصتُ في منزلي غُرفة خاصة لها.
جربت ذات يوم إرتداء واحدة منها،
ذهبت بالحذاء إلى أماكن أُحبها،
شككت يومها أن الأحذية تمتلك ذاكرة تقودني إلى ماضييّ.
" للحذاء ماضٍ أيضًا، ومؤكد أن لهم بيت وأُناس،
ومُناسبات خاصة، وأصدقاء كالبشر، ومن خلال جودتها
أستطيع أن أُخمن كم بلغ عُمر ارتدائها،
ومقاساتها تُشير إلى نوع صاحبها، هذه الأحذية فاتنة ".
وبعد أن وصلت إلى هذا التحليل،
شعرت بنشوة عارمة،
بينما الحِذاء كان يسير بي،
وفي كُل خطوة أُلاحظ أن سرعتي تزداد أكثر،
انقلبت الموازين،
أصبحت القيادة بأمر الحذاء، لا بأمرٍ مني.
سيطرت الحذاء على إرادتي،
لم أعُد أعرف ما الذي يحدُث معي،
غير أن السير أصبح ركضًا !
لأن الحذاء يرغب بذلك،
كنتُ أقع، أتعثر، أرتطم بالأشياء التي تعترض طريقي،
فاقدة للسيطرة، فاقدة خياراتي أيضًا،
مخرجي الطارئ هو إتمام المُهمة.
حين وصلت إلى المكان، توقف الحذاء،
تغيرت ملامح وجهي،
تعرقت جبيني،
وسرت رعدة مُخيفة بِجسدي،
وبِشتى الوسائل حاولت أن أتخلص منه،
حركتُ قدمي،
وبإحباط خاطبت حذائي :
" ليس هُنا، تقدم هيّا، لا تضعني بهذا الموقف،
تقدم يا صديقي، ساعدني، أرجوك ".
حاولت تحريك قدمي، تخلصيها من الحِذاء،
لكن عبثًا،
باءت كُل مُحاولاتي بالفشل،
فقدت توازني،
ثم سقطت على الأرض، مهزومة،
أصرُخ في مكان الحادث القديم،
الذي خَسر به قدمي.