عرض مشاركة واحدة
قديم 04-13-20, 10:12 AM   #359
أعيشك

الصورة الرمزية أعيشك
غيّمُ السّلام.

آخر زيارة »  يوم أمس (06:33 PM)
المكان »  عاصِمة النساء.

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



شكرًا للأيام الحادّة أن صُنعت مني
هذا الإنسان التي تُحاول أن تستعيد
طفولتها وأحلامها بالكِتابة.
في البداية أنا مُمتنة جدًا للحياة ولذاكرتي
التي تلتصق بها المواقف الحَزينة لسنواتٍ طويلة،
وهذا ماجعلني أكتُب مُعتمدة على دواخل الإنسان
ومشاعره بكُل اختلالها المُفرطة أو اتزانها القائم.
كنتُ طفلة ولكن دواخلي كانت أكبر،
وهذا ماجعلني مُعترضة دائمًا،
وأُحاول تصحيح الأشياء حولي.
قد يسكُن ذاكرتي لسنواتٍ طويلة منظر قطٍ
مريض يُنازع الموت على طرف أحد الأرصفة.
لا أستطيع الفكاك من ذاكرتي أبدًا حتى لو
كنتُ نائمة أيضًا.
لم أكُن في طفولتي أُحب اللغة ولا أرغب في
أن ينحرف توجهي بهذا الشكل شبه الثقافي،
رُغم أنني لا أُحب الأدب حينما يكون مؤدبًا بشكل مُبالغ فيه،
لم أختر الكِتابة يومًا،
ولكنني كنتُ أكتب خيباتي وانكساراتي،
أهدافي وأحلامي،
أكتب أسماء الأصدقاء الذين خذلوني،
أصف شحوب وجهي عندما تنغزني الأشياء
التي تكون بحاجة لها ولا أجدها.
كنتُ أكتب فقط،
ولا شيء غير الكتابة،
لحظتها أدركت أن الكتابة ستُحفظ في ذاكرتي إلى الأبد،
ستُحفظ أسماء من صفعوني،
ستُحفظهم لأبنائي حتى يصفعوا أطفالهم عني،
بهذه الطريقة رأيت الكتابة مُحاولة إنجاب طفل مِن
شجرة دونَ أن تقول أنت كَكاتب بأنّ هذا مُستحيل.
كبرت بهذا الشكل العادي جدًا،
الشكل الذي كبر به الأصدقاء وأبناء الحي،
اتجهت نحو نحو إصلاح أشياء لم أجدها في حياتي،
بل حاولت إيجاد أمور كانت غائبة،
كنتُ أرغب في حياة مثالية جدًا وما زلت،
ولكن الحياة لا تُعطيك كُل شيء،
لحظتها فكرتُ بالكتابة،
لكن لا أعرف لمن أكتب أو عن ماذا بالضبط،
بدأت بكتابة كُل الأشياء التي تدعوني للكتابة،
مثلًا أرغب بالكتابة عن نفسي ..
هذه النفس الروحية التي أحملها من مكان إلى آخر،
ومن مأزق إلى مأزق،
عن دواخلي وأفكاري التي تضعني دائمًا في المواقف التافهة،
المواقف التي تجعلني أكثر الناس خسارة وخيبة.
الكتابة عن رحاب العالم بكُل جغرافيته وإختلافاته ومخلوقاته.
عن القُرى البعيدة التي لا زالت معزولة،
عن المُدن التي أُصيبت بلعنة التحضر السريع،
عن الموتى، والمجانين، وعابري السبيل،
عن الله وعن إبليس،
وعن كُل الأفكار التي إبتلعها الإنسان الأول دون ماء،
عن البُكاء نفسه،
عن اللحظة التي تتدفق فيها مشاعري نحو الخوف من المُستقبل،
عن الأفكار المسمومة التي تغذيتُ بها،
عن عدمية سيو ران،
وعبثية كامو،
وتأمُل أوشو،
وصرخة مونك،
عن الأشياء التي دخلتُ فيها بلا رغبة،
وعن الرغبة التي تورطتُ بها،
وعن النهايات التي لا يحمل فيها الفائز إلا نفسه بلا جائزة،
أكتب لكم عن اللاجدوى،
عن الحُب الذي يُفسد الحياة،
وعن الحُب الذي لا يُفسد الحياة،
عن الموت بلا داعي،
وعن الموت بداعي،
عن المطر، وعن الجفاف،
عن الإنسان ونقيضه،
عن لوحة لا نعرف كيف نتأملها،
وعن قصائد كُتبت بلا رغبة ولا مُناسبة.
أرغب بالكتابة عن تفاصيل لم تُكتشف،
عن لحظة التحديق بلا تركيز،
عن العين التي لا تُخترق الجدار،
لكن تخترق الأفكار المدسوسة في أرواح الآخرين،
الفقير الذي ينام بهدوء تحت سقف من السماء المُوخزة بالنجوم،
وعن الغني الذي دفنه القلق والسأم.
أرغب بالكتابة عن النمل،
وعن خوف الشجرة من العاصفة،
وعن ما يُمكن كتابته ومالا يُمكن،
إنها اللحظة التي أشعُر فيها بالسقوط على نفسي،
اللحظة التي أشعُر فيها أن
الكتابة مُحاولتي الأخيرة قبل الإنتحار،
الشعور الذي يجرني نحو المشاعر الأُحادية،
التي بلا خيارات،
والتي سنكون جميعًا ضحايا فيها بالنهاية.
لم أتوقف عند محطة مُعينة،
قاتلت أعدائي بالأحذية والأحجار وأخيرًا بالكتابة،
لعنتُ من أُريد،
انتصرتُ لأبي،
وقفتُ مع أخي،
انخلعت ذراعي وأنا أمدُّ يدي نحو أصدقائي
وهم يتساقطون في بئر الخسارات،
أنقذتُ من أنقذت،
وسقطَ من سقط.
لم أتوقف يومًا عن فعل شيء أُحبه،
ولم أتوقف يومًا عن فعل شيء لا أُحبه.
أنا مُجرد كائن لا بوصلة لي،
لا ملامح،
لا آثار لقدمي على الرمل،
لا بصمة لي،
أنا خشبةٌ !
لوحٌ، زُجاجةٌ.
لا يهُم من أكون،
كُل مايهمني كيف أنجو من الطوفان بأقدامي المبتورة !.