في حوالي عام2001 دشن الدكتور عبدالله الغذامي الأكاديمي والمفكر القدير كتابه النقد الثقافي بمحاضرة مفتوحة تشرفت بحضورها. طرح الدكتور نظرية مثيرة للجدل بالفعل ومنذ القديم ان الشعر العربي جنى على الشخصية العربية ، وأورثها عيوب وعاهات خطيرة ، واتى بأمثلة من رموز الشعر العربي في القديم والحديث .

الدكتور حفظه الله ورعاه اجتهد كثيرا في هذا التنظير ،بل ان المدخل وتأصيل نظرية النقد الثقافي في الفكر العربي كلام نفيس جدا ولكن الدكتور جانبه الصواب برأيي ! فالشعر العربي لم يجني على الشخصية العربية ، وكيف يجني الشعر على شخصية أمة ،الشعر هو يقين جميل في هذه الحياة المتهالكة. الشعر العربي بالذات مبهر وأسطوري وهو ديوان خالد لهذه الأمة . حتى الأمثلة التي ذكرها مبتسرة و غير مقنعة فعلى سبيل المثال شعر المتنبي هو فخر للبشرية ، وابي الطيب أبدا ليس شحاذا! درامية الحياة تتقبل شعر المدح والتكسب بالشعر ( فيه خلل هنا بفهم تراجيدية الحياة ، ومناقضة للمشروع الذي هو نقد ثقافي) . ان نظرية الفحل الطاغية الذي بصنعة الشعر غير متماسكة والمشكلة ان الطاغية والأدق الأب الزعيم هو ظاهرة إنسانية محيرة ، بل قد تكون طبيعية ،الشكوى لله.

نذهب لمثال اخر يبين هشاشة التطبيق في مشروع الدكتور وهو مثال نزار قباني . نزار هو شاعرنا نحن العرب في هذا القرن يصبح رجعي! ماذا يقول الدكتور عن قصيدة بلقيس؟ وماذا عن شعره النضالي الكثير والباهر؟حتى الحب والمرأة وفتنتهما خلدهما نزار بقصائده ! شعر الراحل العظيم يرسخ قيم تقدمية كثيرة ،حتى على المستوى الشخصي نزار ليس متفحلا وطاغية نسقي كما يقول الدكتور.

وماذا يقول الدكتور عن الشعر النبطي وفتنته ومكارمه.

مثال ادونيس أيضا متعجل وغير مترابط ، الا يكفي ادونيس ديوان الحصار والذي يرسخ القيم الإنسانية النبيلة كما هو حال الشعر، ويرثي الأوطان والدنيا ويفجر اللغة تفجيرا اضطره له هول ودرامية الحياة .!

ومثال ابو تمام أيضا غير دقيق ، هذا ابو تمام شاعر المعتصم الجبار ومن مفاخر التاريخ العربي وظهر في فترة ذهبية للحضارة العربية الإسلامية .

الدكتور اجتهد كثيرا ولكنه وبرأيي لم يوفق في التطبيق وأبدع في التنظير.

الشعر نفحة من رحمات الله ، وأبدا سيظل سجلا وافيًا وأمينًا لجبروت الله في خلقه ، حتى لو تسربت له بعض القيم الرجعية بقصد او بدون قصد . والشعر العربي بالذات يحق لنا الفخر والتغني به فقد دعى ورسخ وحامى عن الأمة وكرس كل ماهو جميل ورجولي وانساني.

حتى نظرية الدكتور حول تجبر الشعراء وطغيانهم وتفحلهم غير دقيقة ، حتى عن طريق النقد الثقافي ،يميل الإنسان للمغامرة والتكبر والأنفة ،عادي جدا. هذه قيم إنسانية نبيلة ،اما مايبدر من بعض الشعراء من تطرف في العنصرية وقيم اخرى رجعية فالشعر ليس مسئول عنها .
تحياتي