عرض مشاركة واحدة
قديم 06-08-20, 11:13 AM   #1
الزعيم1

آخر زيارة »  10-26-21 (04:58 PM)
المكان »  القاهرة-مصر
الهوايه »  قراة القران الكريم وارضاء الله عز وجل

 الأوسمة و جوائز

Icon N22 وفي السماء رزقكم وما توعدون



وفي السماء رزقكم وما توعدون

يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23].

جاء في تفسير الكشاف (4: 318) "وعن الأصمعي قال: أقبلتُ من جامع البصرة، فطلع أعرابي على قعود له، فقال: ممن الرجل؟ قلتُ: من بني أصمع، قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يُتلى فيه كلام الرحمن.
فقال: اتل عليَّ، فتلوت ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ﴾، فلما بلغت قوله تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ﴾، قال: حسبك.

فقام إلى ناقته فنحرها، ووزَّعها على مَن أقبل وأدبر، وعمَد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولَّى، فلما حججتُ مع الرشيد طَفِقت أطوف، فإذا أنا بمن يَهتِف بي بصوت دقيق، فالتفتُّ فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفرَّ، فسلَّم عليَّ، واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربُّنا حقًّا، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: ﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ [الذاريات: 23]؟ فصاح وقال: يا سبحان الله! مَن ذا الذي أغضب الجليل حتى حلَف، لم يصدِّقوه بقوله حتى ألجؤوه إلى اليمين، قالها ثلاثًا وخرجت معها نفْسُه".

قام حاكم طاغية ظالم في بلد عربي بتسريح عدد من الموظفين المؤمنين، يظن أنه سيقطع أرزاقهم، وأنهم بذلك يخضعون أو يموتون.

ولكنهم لم يخضعوا ولم يموتوا، بل تقبَّلوا قضاء الله بقَبُول حسن، وشرعوا يُفتِّشون عن مجالات للكسب، وهي كثيرة، وكانت لهم طرق في الكسب الحلال مختلفة، فقام أحدهم فأعدَّ (بسطة) ووضع عليها أشياء يرغب الناس بشرائها، وصار يبيع، وعادت عليه هذه الطريقة بالمال الذي يؤمِّن به ضروراته، واستمرَّ في عمله هذا حتى أغناه الله من فضله، وجاء قريب له يواسيه، فقال له: مسكين هذا الظالم الطاغية ظن أنه سيقطع رزقي، ولكنه لم يستطع، إن رزقي في السماء وقد قُسِم وكُتِب لي من قبل أن أُولد، ولن تكون هناك قوة في الدنيا تستطيع أن تمنعني قرشًا واحدًا مما كتبه الله لي، وكلُّ ما في الأمر أن هذا الطاغية الظالم كان أداة جرى على يده ما قدَّر الله - سبحانه - ليبوء بالإثم الكبير، ولأفوز أنا بالثواب الوفير، أنْ رضيت بما قسم الله وقدَّر، وصبرت وأعانني الله، ولقد زادتني المحنة إيمانًا بصدق هذه الآية: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ﴾ [الذاريات: 22].

إن هذا الطاغية الظالم جاهِلٌ لم يعرف الحديث الصحيح الذي يقول فيه الصادق المصدوق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أحدكم يُجمَع خَلْقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون عَلَقة مِثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه المَلَك فيَنفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد))؛ رواه البخاري 3208 ومسلم 2643.

إنه لا يستطيع أن يفعل معي إلا ما قدَّره الله عليَّ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح 2516.

وقد يكون الحادث الحاصل مؤدِّيًا إلى خير مادي كبير، قال الله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]، وقال أيضًا: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، والعرب تقول: رب ضارة نافعة، وقد شهِدتُ في حياتي كثيرًا من الحوادث تجلَّت فيها هذه الحقيقة، فليرضَ المرء بما قدَّر الله، فمن رضي فله الرضا، ومن سخِط فله السُّخط.

ذُكرتْ لي قصة واقعيَّة من هذا القبيل عن آذِن مدرسة أُميٍّ كان يقوم بتنظيف المدرسة، وفوجئ بتعيين مدير جديد، وكان النظام يُعطي المدير صلاحيات واسعة من التوظيف والفَصْل.

فطلب المدير من الأساتذة والموظَّفين أن يوقِّعوا في كشف الحضور عند قدومهم في الصباح، وعند خروجهم في المساء، فاستجابوا جميعًا لذلك إلا الآذن، فسأله المدير عن سبب امتناعه من التوقيع، فأجاب: لم أمتنع يا سيدي، ولكني إنسان أميٌّ لا أقرأ ولا أكتب.

وهنا ثارت ثائرة المدير وصاح بأعلى صوته: أنت أُمي في معهد العلم؟! لا يكون هذا أبدًا، أنت مفصول من العمل منذ الآن، حاول هذا الموظف الفقير أن يستثير فيه الشفقة والرحمة وقال له: يا سيدي، لا علاقة لعملي بالقراءة والكتابة، أرجوك ارحم عيالي! فأنا الكاسب الوحيد لهم، ولكنه لم يَستجب، وصرفه لساعته، فخرج هذا الموظف مكسور الخاطر، مُحطَّمَ الآمال، يُفكِّر في مستقبله وفي تأمين لقمة العيش لنفسه وعياله، واسودت الدنيا في عينيه، وظلَّ يمشي هائمًا على وجهه إلى أن انتهى إلى صاحب دكان يصنع أكلة شعبية، لا يُتقِن صنعها أحد مثله في البلدة، فشرح له حاله، فرقَّ له ورضي أن يُشغِّله عنده، وما زال هذا الفقير في عمله الجديد إلى أن أتقن صُنْع هذه الأكلة، وبعد سنوات مات صاحب الدكان، ولم يكن في البلد مَن يُتقِن صنع هذه الأكلة سواه، واستقلَّ بالعمل، وانهمرت عليه سحائب الثروة، وأضحى من الأغنياء الكبار، وتَجمَّعت عنده الأموال الطائلة، فذهب إلى بنك كبير ليُودِع هذه الأموال، وعندما ذكر لمدير البنك رغبته بإيداع هذا المبلغ رحَّب به، وطلب إليه أن يترك عند الموظف نموذجين من توقيعه، فأجابه يا سيدي: أنا أمي لا أكتب، فقال له المدير: الله أكبر أنت أمي واستطعت أن تجمع هذه الأموال! فكيف لو كنتَ متعلِّمًا؟ فأجابه: لو كنت كذلك، لكنت ما أزال آذنًا في المدرسة، أكنسها وأُنظِّفها.

إن الأمر المؤلم يبدو في أول الأمر شرًّا، ويكون في حقيقة أمره خيرًا كبيرًا، وهكذا يتَّضِح أن الرزق مقسوم مكتوب للإنسان وهو في بطن أمه.

فلنؤمن بهذا ولنتوكَّل على الله، وصدَق الله العظيم: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ﴾ [الذاريات: 22]، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((لو توكَّلتُم على الله حقَّ التوكل، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا، وتروح بِطانًا))؛ رواه أحمد 1: 30 والترمذي 2344، وغيرهما بسند صحيح.

والحمد لله رب العالمين.