عرض مشاركة واحدة
قديم 07-31-20, 07:37 AM   #7
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (08:31 AM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





حكاية_العهد_الجديد

(٦/١٠)

المبيت في مزدلفة

ركبنا القطار إلى مزدلفة، استغرقنا بضع دقائق حتى الوصول. كانت خلايا دماغي تتفكر في حال حجة النبي صلى الله عليه وسلم والقرون الأولى، يقطعون المسافة على دواب أو سيراً على الأقدام.. ليست المشقة التي نجدها نحن بشيء يذكر أمام ما كانوا يجدون.

الحج كلمات تبدو لك أعماله بسيطة، إلا أن تفاصيله عميقة، وفي كل ركن مئات من الدروس والعبر، تحاول فقط أن تجمع منها قدر المستطاع..

وصلنا مزدلفة وكان الزحام شديداً والقوافل تسير بكل مجموعة إلى بلدها. وقائد حملتنا ينادينا لأن نتحد ونجتمع وألا نسمح لأي شيء أن يفرق بيننا.

وصلنا المكان المهيأ لنا. أذهلني منظر الفرش المتراصة جنباً إلى جنب من غير مسافات للممرات حتى!. وكانت ثمة مراوح منتشرة وموزعة بشكل لا يغطي المساحة كلها
كان الحر شديدا جدا، ورغم أننا كنا أول الواصلين لكننا لم نظفر هذه المرة بموقع استراتيجي يهب عليه هواء المراوح.
أخذنا مكاننا، ثم بدأت الحملات الأخرى بالوصول وازدحم المكان..

استلقيت على ظهري في تأمل للحال والمكان وجماله، أنام وسقفي السماء، أستشعر تغير ظلمة الليل وأرى الجبال.
ومع تزايد الحر يعود فكرك يتأمل في حجاج الماضي، وكيف كانت حياتهم وكيف قضوا هذه الليلة، فحتى الفرش المتواضعة لدينا الآن لم تكن متوفرة لديهم.. بل إننا في هذه اللحظة كم من حاج الآن مفترش الأرض لم يتوفر له ما يتوفر لدينا..

حاولت أن أنام، ونمت ولا أظن أحداً غيري نام، ولكن هكذا السنّة ولابد أن آتي بها، ولكي أتقوى على العبادة القادمة..

نمت بشكل متقطع، أصحو كلما أرادت امرأة ما العبور إلى فراشها مروراً بفراشي، أجمع رجلي تارة وأمدها تارة أخرى حتى حل منتصف الليل. غادرت أغلب الحاجِّيَّات مزدلفة آخذات بالرخصة، وبقيت أنا وفاطمة وعدد محدود جدا من النساء، و استغلينا الوضع بتجميع المراوح حولنا، فصار الجو أهون علينا بكثير..

جاء آخر الليل. توقفت المراوح عن العمل لنفاد الشحن، وعاد العرق يتصبب وعدت لتأملاتي ومناجاتي..

ما أجمل أن يرانا الله يباهي فينا الملائكة.. وما أجمل ما نجده من العناء والمشقة في سبيل تطهير نفوسنا من عوالق ورواسب تجمعت في قلوبنا وعكرت صفو إيماننا..

تخاطبني نفسي، لأجل كل هذا تتفهمين لماذا الحج فرض مرة في العمر. وتسألني نفسي : بعد كل هذا العناء، هل ستفكرين بإعادة التجربة؟ فأصرخ عليها : بل سأعود، ويارب اكتب لي الحج كل عام.. لأجل رضاك ربنا يهون كل شيء..

بدأت خيوط الفجر تظهر في منظر يشرح الصدر، { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } لقد اقتربت اللحظة التي أنتظرها، الموقف الثاني للدعاء في الحج. صلينا الفجر وبدأنا ندعو بقلوب خشعت لمولاها وتذللت من بعد ليلة شديدة .. ثم نادوا علينا وقت السفر للانطلاق قبل أن تشرق الشمس..ووهنا بدأت أعراض المرض تظهر علي.

يتبع