عرض مشاركة واحدة
قديم 08-03-20, 08:28 AM   #10
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (10:22 AM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





حكاية_العهد_الجديد

(٩/١٠)
ثاني أيام التشريق


صباح ثاني أيام التشريق، استيقظنا نشكر الله على فضله ومنه وكرمه أن بلغنا هذا اليوم الجديد، وأنعم وتفضل علينا أن جعلنا ضيوفه في هذا البلد الحرام..

كان تجمعنا في منى ومكوثنا فيها نهاراً يزيد من أواصر التعاون والتلاحم، وكل ضيفة من ضيوف الرحمن هي صحبة صالحة تعيننا في الدين والإحسان..

وقت الضحى استعدت الحملة للخروج للرمي، حتى يتم الرمي بعد الزوال مباشرة فتلحق الخروج من منى قبل أن يدركها المغيب.
أما نحن غير المتعجلين فقد أخرنا الخروج إلى العصر حتى تكسر أشعة الشمس

خرج كل من كان في الخيمة من نساء حملتنا متعجلات إلا أنا.. بقيت وحيدة أتأمل خلو المكان فجأة من بعد أن كان ممتلئا بالحياة ..
سمعت أصوات النساء من الحملة المجاورة، وكنا نسمع مواعظهن دوما ونعيش معهن أجواءهم من خلف الحاجز وهن لا يدرين. قلت هذه فرصتي كي أتعرف عليهن وأعرف من يكنّ..

أقدمت على هذه الخطوة وأنا أشعر بالخجل ولا أعرف ماذا سأقول..
لما وصلت إلى الباب وجدت قائمة بأسماءهن.. كان من بينهن نساء من أهلي!

فتحت الباب أسأل عن قريباتي، فلم أجد سوى أربعة نسوة قلن لي البقية غادرن متعجلات.. أخبرتهم أني وحيدة في خيمتي وجئت أنضم إليهن فأكرمنني وضيفنني وتبادلنا أطراف الحديث بودٍ أخوي يطفر من قلوبنا قبل أفواهنا..

كانت بينهن امرأة كبيرة في السن، بدأت تحدثنا وتعظنا، أعطيتها سمعي احتراماً ثم أعطيتها تركيزي إعجاباً وتعطشاً للمزيد..

تعودت أن أسمع من النساء في هذا السن ما يخرج من قلوبهن النقية، ويكون حديثاً بسيطاً لا يرتكز على علم شرعي كبير، لكن هذه المرأة أذهلتني بغزارة علمها.. فلم تكن تحدث حديث النساء العاديات، بل حديث أهل العلم..

سمعت إحداهن تناديها أم سعيد، فنُقش اسمها في ذاكرتي، ولم أحفظ من أسماء الحاضرات غير اسمها..
ودعتهن عصراً، ذاهبة للرمي، وكن هنّ أيضاً يوشكن على الخروج..

وخرجت مع زوجي، نمشي خلف من تبقى من رجال الحملة،
كان السير إلى الجمرات، لذيذاً بمعنى الكلمة.. وكان يسيراً وأقل إزدحاماً، لم أشعر أبداً بالتعب، بل شعرت باللحظات حتى جاء في نفسي أن هذا أجمل مناسك الحج..

كان الوقوف للدعاء، مولين وجوهنا القبلة، مستشعرين أن الكعبة قريبة، فقط تحجبها الجبال، كل منا في مناجاة عميقة لرب العالمين، نرفع أكف الذل والضراعة، مقبلين بإنابة، نسأله الغفران والقبول، نبث إليه الشكوى، ونبكي حالنا وتقصيرنا..
وكان ذلك في وقت الأصيل، والشمس أهون ما تكون، والسماء صافية، منظر روحاني يزيدك خشوعاً..

من الجمرات، مشينا إلى السوق في العزيزية، وصلينا في مسجد الشيخ عبدالعزيز بن باز، ومن ثم ركبنا سيارة أجرة تأخذنا إلى الفندق.
وهنا تلقى زوجي اتصالاً من ابن الخالة مريم: "أمي تسلم عليك وتقول أحضر زوجتك عندنا، لا تتركها وحيدة."

تبسمنا ابتسامة كبيرة من رقة قلب هذه السيدة، كانت كل مرة تذهلني أكثر بطيبة قلبها وحنانها

وصلت الفندق، في فرحة عامرة أبدتها الخالة مريم غير مصدقة أنها تراني من جديد
-رجعتِ! حسن ما عملتِ جزى الله زوجك المطيع خير الجزاء
- رجعت أودعكم يا خالة قبل أن تسافروا لأني لن ألحق عليكم، سأعود أبيت في منى

ودعتهن والقلب يتفطر ولا أنسى أبداً مشاعر الأخوة التي كانت بيننا، حديثنا الودي، خوفهن علي، وشدهن على يدي في المشي اهتمامهن بصحتي، وخوفهن وتفقدهن لحالي، كن خير ونعم الصحبة..

يتبع