عرض مشاركة واحدة
قديم 09-16-20, 11:01 PM   #2
الشيخ حكيم

الصورة الرمزية الشيخ حكيم
!حفظه الله ورعاه!

آخر زيارة »  04-17-22 (08:45 PM)
المكان »  الأردن
الهوايه »  لا شيء مهم..

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



من يكتب التاريخ؟

يقال إن المنتصر هو من يكتب التاريخ، ويبدو للوهلة الأولى أن هذه العبارة صحيحة، وربما أنها كانت صحيحة وصادقة. خلال الفترات الماضية من ينتصر في معركة أو حرب هو من يدون في الكتب والمقررات الدراسية ما يريد ذكره من أحداث وبيانات ومعلومات، في حين يغفل عمداً معلومات أخرى ذات أهمية وقيمة في اكتمال الصورة بشأن الحدث، فلو قدر أن دولة من الدول دخلت حرباً مع دولة أخرى، واستخدمت الدولة المنتصرة في هذه الحرب أسلحة محرمة دولياً - هذا إذا كان هناك شيء محرم - فما يذكر بشأن هذه الحرب يبعد منه ذكر هذه الأسلحة، وعدد القتلى، والمصابين، ولا يظهر إلا الجانب الإيجابي، وما يمكن أن يلمع صورة الدولة المنتصرة. هذا على مستوى الدول، أما على مستوى الأفراد والزعماء فالأمر كذلك صحيح بالنسبة لهم إذ لا يذكر بين تاريخهم إلا ما هو جميل، أما ما هو سيئ فيطمر في عالم النسيان، وإن قدر وذكر فيذكر داخل الأوراق وفي الملفات، وذلك بهدف المحافظة على الصورة المشرقة البراقة لهذا الزعيم أو القائد، ولا تظهر هذه الحقائق إلا بعد ذهاب صاحبها، وهذا يتسق مع المقولة المتداولة بين الناس إن التاريخ الحقيقي لا يظهر إلا بعد ذهاب أو زوال صاحبه فرداً كان أو دولة. تأملت في بعض كتب التاريخ وتساءلت: هل كل ما ورد في هذه الكتب صحيح ويعكس الحقيقة أم أن جزءاً مما ورد مزور، وتتبرأ منه الحقيقة؟! لو فتشنا في تاريخ الشعوب وفي ذاكرتها وفي سجلاتها لوجدنا الكثير مما يحار المرء بشأنه، ويجد نفسه محتاراً بين التصديق والتكذيب لأحداث أقرب ما تكون إلى الخيال، وذلك لضخامة الأحداث الواردة في الوثيقة أو السجل الذي وردت فيه هذه الأحداث، أو لقلة ما ورد، وعدم وضوحه وغموضه. هل تدوين التاريخ وكتابته ونقله بصورة صحيحة وصادقة في الوقت الراهن مثله مثل العصور السابقة حين لا وجود للكاميرا والتسجيل الصوتي، والمرئي، والتقنيات الحديثة كافة؟ بلا شك أن ثورة التقنية أحدثت، بل فرضت واقعاً جديداً في آلية كتابة التاريخ وتدوينه مما يقربه بصورة كبيرة إلى الواقعية والموضوعية، وقلة التحيز في نقله وعرضه على الناس. في التاريخ المعاصر حدثت حروب ووجدت أحداث جسام تمثل جزءاً مهماً من تاريخ الأمم، والعلاقات فيما بينها، ولو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر حرب أمريكا الأخيرة على العراق، وما فعلته في مدنها وشعبها، لوجدنا أن التقنية الحديثة كشفت كثيرا مما أراد قادة أمريكا إخفاءه والتستر عليه، حتى أنهم عمدوا إلى منع الإعلاميين من تغطية الحرب، وإن سمح لهم فيسمح لهم بمقدار وبشروط، وبأماكن دون أخرى، بل إن الأمر وصل إلى حد قتل الإعلاميين. الحرب على الفلوجة كانت مثالاً حياً على محاولة تزوير التاريخ وإظهار جانب هامشي منه، وإخفاء الجزء الأكبر والمهم منه، لكن الأمر لم يعد وفق ما يريد القادة السياسيون والميدانيون، إذ إن الوفيات والتشوهات التي حدثت للمواليد الجدد، وكذلك الدمار الشامل للمدن، والبنى التحتية أمثله حية شاهدة للعيان لا يمكن لمؤرخ مهما كانت قدرته أن يخفي ما حدث. كما أن ما حدث من أحداث في بعض دول العالم العربي كما حدث في تونس، مصر، ليبيا، اليمن، وسورية، كشف ما هو مستور طوال هذه السنين، وتبينت للناس داخل هذه الدول وخارجها حقائق مريرة كان البعض يعرفها لكن البعض الآخر، والكثير يجهلها، فمن كان يدري عن ثروات زعماء هذه الدول؟! ومن كان يعلم بالأدوار التي كانوا يمارسونها ضد مصالح شعوبهم وأمتهم. إن المناقشات والمراجعات التي تحدث في تلك الدول بشأن تاريخها الذي انقضى تحت إدارة هؤلاء الرؤساء يؤكد أن هناك من امتهنوا تزوير التاريخ وتزييفه طمعاً في منصب أو مكسب مادي، لكن هؤلاء المزورين للتاريخ، وما أكثرهم، يتجاهلون أن التاريخ لهم بالمرصاد، ولن يرحمهم، كما أن أبناء أوطانهم يدركون ويعلمون بالأدوار التي يمارسونها من تزييف للحقائق، وعرض مبالغ فيه للأمور، وتحسينها بدلاً من العرض الموضوعي الدقيق الذي يكشف الإيجابي والسلبي على حد سواء، وذلك خدمة للمصلحة العامة التي يفترض أن يشترك الجميع في تحقيقها بدلاً من التضليل واللعب بالكلمات والصور. ترى هل سيكتب التاريخ بشأن الأحداث المعاصرة والثورات العربية بشكل صحيح، وسليم، لماذا حدثت؟ وكيف كانت مجرياتها؟ وما الألاعيب التي حكيت لإجهاضها؟ وماذا انتهت إليه؟ هذه الأسئلة وغيرها تمثل الإجابة عنها بصورة دقيقة، وموضوعية تاريخاً من تاريخ أمتنا يحق للأجيال الحالية والقادمة أن تقرأه بصورته الصحيحة، لذا فإن مؤسسات التربية والتعليم معنية بكتابة تاريخ هذه الحقبة، خاصة تاريخ ثوراتها، لأن ما حدث يشكل درساً قيماً ليس لأجيال أمتنا، لكن للمجتمعات كافة. لأن من عملوا هذه الثورات غيروا في مسيرة التاريخ، لذا لا بد من معرفة مقدار ما أحدثوه من تغيير .. فهل نشهد كتب تاريخ مختلفة تدرس لأبنائنا؟!

د. عبد الرحمن الطرطيري