كنت مع أبي بالمكتب أُريه ملفاته على الحاسوب
طبعاً هذه الملفات جميعها قمت بطباعتها مسبقاً بفترة اعتقاله،
وكانت عبارة عن رسائل مهربة من المعتقل بخط أبي أقوم أنا بطباعتها على الحاسوب
المهم كان يمر عليها ويقرأ
حتى وصل لإحدى خواطره وكانت بعنوان [ربِّ أرجعون]
ظل محدقاً بالعنوان للحظات قبلَ أن تلوح على شفتيه ابتسامة مريرة
ثم قال: ربِّ أرجعون . . صحيح السجن كالموت يتمنى السجين فيه أن يُبعَث للحياة من جديد حتى يصحح أخطاؤه.
وأردف: يا بنتي كانت تمر بي لحظات أشعر بها بندم شديد
سألته علامَ الندم؟
أجابني -وهذا ما قاله لا ما رأيته منه أنا- :
لم أكن قريبٌ بما فيه الكفاية، كانت أغلب أوقاتي للعمل، لم أخصص لكم وقتاً حتى، لم أراجع نفسي قط إلا بفترة السجن هذه، حتى قطعت على نفسي عهداً بأني إن خرجت إن شاء الله فسيكون لكم نصيب أكبر من وقتي.

كلماته أوجعتني،
يبدو أن فترة اعتقاله كانت طويلة للدرجة التي جعلته ينسى
كل الأوقات المستقطعة من أوقات عمله لأجلنا،
وكل طلباتنا المُجابة مهما كانت،
نسيَ لِمَ كان يعمل ولأجل من وكل تلك الالتزامات والمسؤوليات التي كانت على عاتقه ومع ذلك فقد كانَ يحاول الإلمام بجميعها.

برأيي . .
لا بأس على من أنسته سنين السجن المريرة قيادة السيارة وأشياء أخرى اعتاد عليها لعقودٍ كثيرة أن ينسى تلك التفاصيل أيضاً،
والتي وإن نسيَها فسيظل أصغر تفصيل بها له حيز كبير جداً من الذاكرة.