الموضوع: دهشة
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-18-21, 10:23 PM   #75
عَسيب

الصورة الرمزية عَسيب

آخر زيارة »  يوم أمس (09:23 AM)
المكان »  Saudi arabia

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



" هيّا معي "





لديك دعوة لإقامة مسرحية .. سيدي
اِعتذر .. وضع الدعوة مع أخواتها هُناك ،
قال ذلك وهو يُشير بيده ناحية صندوق ورقي مُهتريء
مليء بالدعوات التي تماسك بعضها والبعض منها
سقط سقوط الملول المُتعب ،
ومازال يدس رأسه بين صحيفته وكأنه خبر يبحث بعين القاريء عن اليقين ،
لم أستطع ،
أصرت السيدة على ذلك وأبلغتني بضرورة إيصال الدعوة لك ..
أزاح النظارة وصعد بعينيه ناحية الرجل وقال :
أنت تعلم أني مُتوقف عن الحضور المسرحي ،
وتعلم أن المسرح قد أُغلق منذ مايقارب العشر سنوات ..
" كان أخر من وقف على هذا المسرح محمد عبده
وهو يُنشد " هيا معي " ومازال يسكن ذلك النداء
كل شيء كأنه الصدى ، ومن بعده أُهمل حتى أُغلق "
أعلم ذلك سيدي ، لكنها أصرت ،
ثم أعتقد أنه ينبغي عليك قراءة الدعوة فهناك مايستحق ..
هاتها .. وهو يُعاود لبس النظارة واضعاً صحيفته داخل أحد الأدراج ،
فتح الدعوة التي كان يُحيط بها شريط أنيق من الستان
وتزفها رائحة أنثوية من " أو دو كلوي " وقرأ ..
" أنا أُحبك .. أُحبك جداً
كفتاة تجاوزت أعرافها منطلقة مؤمنة بك ،
وبكل معتقداتي الراسخة أن الحب جنون وضرب من خيال أحبك ..
أحبك كمن بجيد المشي بعد ركود
طويل يهرول إلى أحلامه يتجاوز كل ما يُثنيه ،
بنشوة القدرة والتحرر من قيود الضعف ،
أحببتك بعيداً عن كل شيء ، بلا سبب ولا دافع ،
أحبك بإتقان قلب أمن بك ، كمحتل لذيذ وكصديق حقيقي ،
أحببتك كحلم في طور البداية وبختام الإستفاقة ..
هذه دعوتي ، أعتذر عن دفعها بهذا الأسلوب ، لكنني أُحبك "

صمت لبُرهة وهو يعيد النظر مرة أخرى خاشياً
أن يكون شغغه قد تجاوز به شعور أو مفردة ..
أعاد ترتيب الدعوة وخبئها في جيب سترته الداخلية وقال لمدير مكتبه :
أعد تهيئة المسرح ،
وقم بالإعلان عن المسرحية واعرض التذاكر للبيع ،
سنُقيم العرض الليلة ،
حاضر سيدي .. لكن التذاكر جميعها تم شرائها .!!
ممن .؟
من ذات السيدة ..
حلق بنظره وبخشية تغمره ناحية الرجل
ممسكاً بالدعوة من على السترة وكأنها أمُه ،
بفؤاد يسكنه وجل الفراغ إلا منها . !
دخل المسرح وحيداً بشعور واختلاف وأوجه السبعة مليار شخص
من سكن هذه الأرض ،
بكل همومه واندفاعه وشغفه وعشقه وخوفه وراحته
يحملها في حقيبة بشعور المغترب بلا عودة ،
بشعور العائد دون رجعة ..
وقف على المسرح ،
ووقفت على الناحية الأخرى هي ،
وقفت وهي واحدة بمقاعد ممتلئة ، كانت كثيرة كثيرة جداً وجميلة ..
وجمالها قادر على أن يجعل منها إمرأة واحدة
بألف يد تصفق وتحتضن ،
وبألف عين ترى وتُغرِق ،
وبألف قلب يطرق ويعشق ،
وقفا بصمت رهيب بمسافة قريبة وبذكرى بعيدة ،
وقف وهو يشعر أن الروح التي ما فتأت تملئ جوانحها
بغاز الهيليوم ، قد طارت إليها كأنها منطاد ..
بتردد نتيجة تبحث عن سببها ،
بخشوع مهيب وبجهد مضني وكأن أحدهما
قد حرث الأرض قبل أدم والأخر سيواري جثث الخلق بعد
الشروق المختلف الأخير ،
صمت رهيب يهدر كأمواج المحيطات ،
كأصوات النياشين
صمت يلتقط كل النظرات والأنفاس التائهة ،
وبذهول يشبه لحظات تلمس المولود بصراخه على الحياة ..
تهادت قدماه إلى الكرسي القريب وجلس
بينما ظلت واقفة تطل عليه بهدوئها وشموخها
وعمقها في صدره وكأنها البتراء ..
لم يكن هذا عرضاً ، كان موعد ، طوق نجاة ،
بفرحة أخر الناجين من قوم موسى ، أخر الباقين ،
أول الواصلين / العاشقين
إن كان هذا أول لقاء ؟ فمنذ متى تُحبها ؟
قبل أن تأتي ،
منذ عرفت نفسي وأنا أُحبها ،
وأنا أُثث هذه الروح بما يناسبها ،
شيء يشبه استباق العرش لسليمان قبل سبأ ..
جَلست ، وتسربل شيئاً فشيئاً صوت محمد عبده ..
" هيَّا معي .. هيَّا
هيَّا تعالي .. وأسرِعي
خطوه على رِمش الهوى
نِسرح .. نِغنَّيها سوا
كِلمه معِك .. وكِلمه معي
تِضحك تِعانِق مسمعي
وإنتِ معي ..
أنسى كل النَّاس .. لامِنِّك معي "


 

رد مع اقتباس