عرض مشاركة واحدة
قديم 02-28-21, 04:13 PM   #1
الفيلسوف

آخر زيارة »  اليوم (02:20 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي امهات المومنين (عائشة بنت أبي بكر)



مع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الزوجة الثالثة، وهي من أحب الزوجات إلى قلبه الشريف؛ إنها السيدة عائشة رضي الله عنها .
أيها الأخوة الكرام, مر بنا من قبل أن خولة بنت حكيم، اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن يتزوَّج عائشة بنت أبي بكر، إن فَعَلَ هذا, تمتَّنت هذه الصلة بينه وبين أحب الخلق إليه؛ إنه سيدنا الصديق رضي الله عنه .
الحقيقة: أن الزواج يقرِّب، الزواج أحد أكبر وسائل التقارب بين الأسر، لأن علاقة النسب، وعلاقة الزواج، هي من أقدس العلاقات على الإطلاق, قال تعالى:

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾

[سورة النساء الآية: 21]

﴿ميثاقاً غليظاً﴾

قالوا: هذا الميثاق الغليظ هو عقد الزواج الذي هو أقدس عقدٍ على الإطلاق.
الآن: ندع الحديث للسيدة خولة بنت حكيم تحدثنا عن هذه الخطبة.
تقول:
(دخلت بيت أبي بكر, فوجدت أم رومان، -أي أم عائشة- فقلت لها: ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ فقالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب له عائشة .
-فأقول لكم بصراحة: إذا سخَّر الله إنساناً ليكون شفيعاً بين زوجين، يدخل على قلب الأسرتين كل السرور، ففرحة من أفراح الدنيا الكبيرة أن الله سبحانه وتعالى سخَّر لابنتك شاباً مؤمناً، الشاب المؤمن إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها، من نِعَم الله الكبرى أن يمنحك الله زوجاً لابنتك من ذوي الخلق، من ذوي الحسب، من ذوي التديُّن الصحيح، هذه نعمةٌ كبرى .

لذلك كل من يُسهم في التوفيق بين زوجين، أو يسهم في إنشاء زواجٍ ميمون، مبارك ، إسلامي، له عند الله أجرٌ كبير, قال عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

فهذه الأسرة التي تقوم على التفاهم، والمودة، وإنجاب الأولاد، وتربية الأولاد, الذين يُرجى أن يكونوا الأولاد عناصر طيِّبة في المجتمع، كل هذا المشروع الضخم، في صحيفة من سعى بزواج الزوج بالزوجة .
مرة حدثني أخ فقال: نحن الآن خمسة وثمانون شخصاً، أساسهم زوج وزوجة، طبعاً أنجبوا أولاداً، وزوَّجوا أولادهم، كما أنجبوا بنات، وزوجوا بناتهم، الأولاد والبنات، وأولاد الأولاد، وأولاد البنات، وأصهار بنات الأولاد، وأصهار بنات البنات، عددهم خمسة وثمانون شخصاً, إذا كانت أسرةٌ صالحةٌ، أب راقٍ، تربية عالية، انضباط، التزام، النساء كلهن محجَّبات ، الأصهار كلهم ديِّنون, فمن بصحيفته كل هذا الخير؟ الذي كان له شفاعة حسنة بهذا الزواج, من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

((من أفضل الشفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح))

لا تقل كما يقول الشياطين: امش بجنازة ولا تمش بزواج .
ورد بالأثر: أنه من مشى بتزويج رجلٍ بامرأةٍ, كان له بكل كلمةٍ قالها، وبكل خطوةٍ خطاها, عبادة سنةٍ قام ليلها، وصام نهارها, لا تزهد أن تكون شفيعاً بين زوجين، لا تزهد أن تسعى لإقناع زوجٍ بشابةٍ مؤمنة، لا تزهد أن تسعى بإقناع شابةٍ مؤمنةٍ بزوجٍ طاهر، لا تقل: ليس لي علاقة، الأفضل لي ألا أتدخل, هذا كلام الشيطان .

((الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ, وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ, خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ, وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

الحياة دار ابتلاء، اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله- .
قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب له عائشة, فقالت: وَدِدْتُ, -والله شيء جميل، سيد الخلق، فإذا الإنسان جاءه صهر دكتور، يظل يعيدها مليون مرة، صهرنا دكتور, خير إن شاء الله، صهرنا مهندس، صهرنا عنده معمل، انظر إلى الأب والأم إذا زوَّجوا ابنتهم من شخص مهم, فهذا شيء جدير بالتنويه والاهتمام، لا يفتؤون يتحدثون عن شهاداته، وعن علمه، وعن أخلاقه، وعن مستقبله المرتقب, إذاً: شيء كبير جداً أن يكون النبي صهراً لهذه الأسرة .
لذلك العلماء قالوا: طالب العلم كفؤٌ لأي فتاة, طالب العلم يعرف ما له وما عليه- .
قالت: وددت، انتظري أبا بكرٍ فإنه آتٍ, وجاء أبو بكر، فقلت له: يا أبا بكر, ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب له عائشة , -تصوروا ماذا قال؟- قال الصديق رضي الله عنه: وهل تصلح له؟ -رأى مقامه أكبر بكثير من أن تكون عائشة الصغيرة زوجته، إنما هي بنت أخيه- .
فرجعت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقلت له ما قال أبو بكر, فقال عليه الصلاة والسلام:

((ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: أَنَا أَخُوكَ وَأَنْتَ أَخِي فِي الإِسْلامِ, وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي فَرَجَعَتْ))

[أخرجه أحمد في مسنده]

فأتيت أبا بكرٍ فذكرت له ذلك، -فبرزت مشكلة ترفع مقام سيدنا الصديق للأوج- قال : انتظريني حتى أرجع .
قالت أم رومان توضِّح الموقف لخولة: إن المطعم بن عدي كان قد ذكر عائشة على ابنه زبير، ولا والله ما وعد أبو بكرٍ شيئاً قط فأخلف .
ذكر المطعم بن عدي أنه يرغب في أن يزوِّج ابنه زبير من عائشة، -سيدنا الصديق ما أقر ولا نفى، ولكن سكوته شبه وعد، فلا يقدر أن يبت في الأمر، للوفاء بالوعد، الزبير بن المُطعم بن عدي هل يوزن مع رسول الله؟ الوفاء والعهد هو الدين، فأنا أتصور أن سيدنا الصديق كاد يتمزَّق إن فاتته فرصة زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، أو لم يخطر في باله أبداً أن يخطب النبي عليه الصلاة والسلام ابنته عائشة, طبعاً كل أب إذا جاءه شاب جيد, وأعلن عن رغبته, فمن الممكن أن ترحب وبالترحيب يصير شبه وعد، لا يستطيع أن يقول: نعم للنبي, حتى يُنهي هذه المشكلة- فذهب من توِّه إلى المطعم بن عدي .
دخل أبو بكر على مطعم وعنده امرأته أم زبير، وكانت مشركةً، فقالت العجوز: يا بن أبي قحافة, لعلنا إن زوَّجنا ابننا من ابنتك, أن تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه .
-نحن عندنا مشكلة معك، نخاف أن نزوِّج ابننا من ابنتك, فتصبئه معك وتدخله في دينك، هذا كلام الزوجة, سيدنا الصديق لم يرد عليها إطلاقاً- بل التفت إلى زوجها المُطعم فقال: ما تقول هذه؟ هل حقاً تخاف إن زوَّجت ابنك ابنتي أن يدخل معي في الإسلام؟ فقال: إنها تقول كذلك, -أي أيدها، ووافقها، واعتمد قولها- .
فخرج أبو بكرٍ رضي الله عنه, وقد شعر بارتياحٍ لما أحلَّه الله من وعده، وعاد إلى بيته فقال لخولة: ادعِي لي رسول الله .
-يبدو أن هناك تقليداً في الحياة العربية أن الخاطب لا بد من أن يأتي إلى بيت المخطوبة هكذا، انظر إلى الموقف الأخلاقي:

((لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ, وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ))

[أخرجه أحمد عن أنس بن مالك في مسنده]

أنا قرأت عن الصحابيِّات الجليلات كثيراً، لكن لفت نظري إحدى الصحابيات، عندها خمسة أولاد، وقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم، أيَّة امرأةٍ أتيح لها أن تكون أم المؤمنين فترفض؟ أية امرأةٍ يمكن أن تكون السيدة الأولى في المجتمع فترفض؟ .
قالت: يا رسول الله, عندي أولادٌ خمسة, أخاف إن رعيتُ مصالحهم أن أقصر في حقك ، وأخاف إن رعيتُك أن أقصِّر في حقِّهم، فأنا لا بدَّ ظالمة واعتذرت, فقال عليه الصلاة والسلام:

((يرحمك الله, إن خير نساء, ركبن أعجاز الإبل, صالح نساء قريش, أحناه على ولد في صغر, وأرعاه على بعل بذات يد))

[أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس في مسنده]

ما هذه المواقف؟ فسيدة يتاح لها أن تكون السيدة الأولى، يتاح لها أن تكون أم المؤمنين ، يتاح لها أن تكون زوجة رسول الله، فتحتار لا بد من أن أظلم زوجي أو أولادي، فأرادت أن ترعى أولادها، وقد فوَّتت حظها من أن تكون أمّ المؤمنين، هذه الجنة لمثل هؤلاء.
امرأة في الطريق رأت عالماً أزهرياً, قالت له: يا سيدي, أيحق للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقول عنا: ناقصات عقلٍ ودين؟ هذا العالم الأزهري فطن, قال لها: والله ما له حق ، لكن هذا الكلام ليس لكُنَّ، هذا الكلام للصحابيات, أما أنتن فلا عقل ولا دين .