عرض مشاركة واحدة
قديم 02-28-21, 04:17 PM   #4
الفيلسوف

آخر زيارة »  اليوم (05:43 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



من صفات هذه الزوجة الطاهرة على صغر سنها: أنّها كانت ناميةً ذلك النمو السريع الذي تنموه نساء العرب، وكانت متوقِّدة الذهن، نيِّرة الفكر، شديدة الملاحظة، وهي وإن كانت صغيرة السن, لكنّها كبيرة العقل .
نحن تعلَّمنا في الجامعة أن للإنسان عمرين؛ عمر زمني، وعمر عقلي، وقد يبتعدان عن بعضهما، قد تجد إنساناً عمره الزمني عشر سنوات، أما عمره العقلي فخمسة عشر عاماً، وقد تجد إنساناً عمره الزمني عشرون عاماً؛ وعمره العقلي خمسة عشر عاماً، فالعقل لا ينمو مع نمو الجسم, بل له نموّه الخاص .
العمر العقلي قد يسبق العمر الزمني
فالسيدة عائشة رضي الله عنها على صغر سنها, نمت نمواً سريعاً, وعلى صغر سنها, كانت متوقِّدة الذهن، نيرة الفكر، شديدة الملاحظة، فهي وإن كانت صغيرة السن, لكنها كبيرة العقل، أي لها دور في الدعوة الاًسلامية .
تروي كتب السيرة: أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج امرأةً فيما بعد، قال لها ضرَّاتها: إذا التقيت بالنبي فقولي له: أعوذ بالله منك, فلما دخل عليها النبي, قالت: أعوذ بالله منك, فماذا قال لها؟ قال:

((الْحَقِي بِأَهْلِكِ))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

رفضها، هل يعقل أن تكون زوجة رسول الله بهذا الإدراك؟ فهي مبلِّغة عن رسول الله ، تبلِّغ عنه الشرع، شيءٌ خطيرٌ جداً أن تكون زوجة النبي عليه الصلاة والسلام محدودة التفكير، لأنها تنقل عنه، وربما نقلت عنه الشيء الذي ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام .
إذاً: هناك حكمةٌ إلهيةٌ بالغة من أن الله سبحانه وتعالى هيَّأ لرسوله الكريم هذه الزوجة العاقلة، المتقدة في الذهن, والذكاء, والفطنة، كثيرة الملاحظة، ذات النفسيَّة الطيِّبة .
يقولون: ولو لم تكن السيدة عائشة رضي الله عنها في تلك السن التي صحبت بها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وهي السن التي يكون فيه الإنسان أفرغ بالاً، وأشد استعداداً لتلقي العلم، لما تهيَّأ لها ذلك .
فالعلم شيءٌ أساسيٌ في حياة المؤمن، والنبي عليه الصلاة والسلام كل شيءٍ يقوله ينبغي أن ينقل عنه، وأفضل امرأةٍ تنقل عنه زوجته، إذاً: فلنطمئن أنّ الله سبحانه وتعالى اختارها على علمٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم.


قال الإمام الزُهري:

((لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء, لكان علم عائشة أفضل))

والحقيقة: أن الشيء الذي يدهش العقول، أو الشيء الذي يلفت النظر, أن تكون المرأة على درجة عالية جداً؛ من الفهم, والعلم, والفقه، فالمرأة عند الناس امرأة، لكن المرأة التي تتمتَّع بعقلٍ راجح، وإدراكٍ عميق، وفهمٍ دقيق، وحفظٍ شديد, هذه امرأةٌ نادرةٌ جداً، وامرأةٌ مؤهَّلةٌ لأن تكون زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
عطاء بن أبي رباح يقول:

((كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة))

من متع الحياة أن يكون من يعيش معك ذكي على شاكلتك
والحقيقة: مِن مُتَع الحياة أن تعيش مع الذكي، ومن البلاء الشديد أن تعيش مع المحدود, تكاد تخرج من جلدك، سمعتم مرةً مني أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه, بينما كان يلقي درساً على أخوانه حول صلاة الفجر، وفيما قرأت كانت رجله تؤلمه، وبينه وبين تلاميذه مُباسطة، ليس هناك كلفة، ولعذرٍ فيه كان يمد رجله، دخل رجل طويل القامة، عريض المنكبين، حسن الهيئة، يرتدي عمامةً وجُبةً، وجلس في مجلس هذا الإمام العظيم .
فأبو حنيفة رضي الله عنه, ظنَّه عالماً كبيراً، فاستحيا منه ورفع رجله، أي أن بينه وبين أخوانه ليس هناك كلفة، أما هذا فضيف غريب لعلَّه ينتقده، فلما انتهى الدرس, سأله هذا الرجل: يا إمام, كيف نصلي الصبح إذا طلعت الشمس قبل الفجر؟ فقال له: عندئذٍ يمد أبو حنيفة رجله .
لذلك فأنا أرى أن من إكرام الله لرسول الله, أنه قيَّض له أصحاباً على مستوى عالٍ من الفطنة، والوفاء، والذكاء، والحُب، والتضحية، والإخلاص، وكلَّما ارتقى مقامك عند الله, هيَّأ الله لك أُناساً قريبين منك، كلَّما ارتقى مقامك عند الله, هيَّأ الله لك أُناساً يفهمون عليك، يفهمون عليك بالإشارة، يقدِّرون ما أنت فيه، يعرفون قدرك حق المعرفة، يعرفون أهدافك النبيلة .
وقال أبو موسى الأشعري:

((ما أشكل علينا أمرٌ, فسألنا عنه عائشة، إلا وجدنا عندها فيه علماً))

وقال مسروق:

((رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الأكابر يسألونها عن الفرائض))

وقال عروة:

((ما رأيت أحداً أعلم بفقهٍ ولا طبٍ ولا بشعرٍ من عائشة))

وقال أبو الزناد:

((ما كان ينزل بها شيءٌ إلا أنشدت فيه شعراً))

أيها الأخوة, أردت من هذه المقدمة أن تعلموا أن عائشة أم المؤمنين، اختارها الله عزَّ وجل لنبيِّه الكريم، لتكون زوجته, وأمينة سرِّه, وراويةً عنه .