عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-21, 10:47 AM   #11
الفيلسوف

آخر زيارة »  اليوم (09:22 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



حادثة اﻹفك


حديث الإفك من أخطر ما واجه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من الأهوال والصعاب, فالمنافقون كانوا يقصدون من ورائه إلى محاربة النبي صلى الله عليه وسلَّم بإساءة سمعته .
أنت أحياناً تحارب إنساناً عن طريق مقاومته، وأحياناً تحارب إنساناً عن طريق تشويــه سمعته، فحديث الإفك بشكلٍ أو بآخر محاولةٌ من المنافقين لتشويه سمعة النبي عليه الصلاة والسلام، ومع تشويه سمعة النبي, القصد البعيد تشويه هذا الدين الحنيف .
المعركة بين الحق والباطل معركة أزلية
المعركة بين الحق والباطل معركةٌ أزليةٌ أبديَّة، فكل واحد له ولاء, أهل الإيمان يوالون المؤمنين، وأهل الفسق والفجور يوالون بعضهم بعضاً، فينبغي أن يعرف الإنسان هو مع من؟ هذا الذي يوالي المؤمنين, ويتبرَّأ من الكفار والمنافقين، مؤمنٌ ورب الكعبة, أما الذي له ولاءٌ لغير المؤمنين, هذا في إيمانه ضعف .
لذلك: فالمنافقون أرادوا أن يشوِّهوا هذا الدين, عن طريق تشويه سمعة النبي عليه الصلاة والسلام من خلال اتهام زوجته بالفاحشة .
متى جاء حديث الإفك؟ بعد أن قال عبد الله بن أُبَيّ بن سلول للنبي وأصحابه: سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل, يقصد الأعز هو ومن معه، والأذل يقصد به النبي عليه الصلاة والسلام والمهاجرين .
أيها الأخوة, قال هذا المنافق رئيس المنافقين: ماذا فعلتم بأنفسكم؛ أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالك؟ أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم, لتحوَّلوا إلى غير بلادكم .
عملية تهجير، فالهدف البعيد جداً من حديث الإفك, تهجير المهاجرين إلى بلادٍ أخرى ، عن طريق تشويه سمعة الدين، من خلال تشويه سمعة النبي، من خلال اتهام زوجته الطاهرة بالفاحشة, قال تعالى:

﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً﴾

[سورة الطارق الآية: 15-16]

فماذا يعنينا من هذا الموضوع؟ أنت كمؤمن وطِّن نفسك أن هناك من يناوئك، هناك من يطعن في نزاهتك، هناك من يريد أن يشوِّه سمعتك، الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء، والإنسان يرقى على قدر ما يُبتلى به .






خبر حديث الإفك ورد في الصحاح، تقول السيدة عائشة رضوان الله عليها:



((كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إذا أراد سفراً, أقرع بين نسائه، فأيَّتهن خرج سهمها, خرج بها معه، فلمَّا كانت غزوة بني المصطلق, أقرع بين نسائه كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهن, فخرج بي رسول الله .

-هناك حكمةٌ بالغة من اصطحاب الزوجة في السفر, يعرفها المتزوجون، النبي عليه الصلاة والسلام في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، وفي صفاته مشرِّع، فكان إذا أراد سفراً, حتى ولو كان السفر غزوةً, أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، صحبها معه- .
قالت السيدة عائشة: وكان النساء إذ ذاك إنما يأكُلن العُلَق, -والعلق ما فيه بلغةٌ من الطعام، أي طعامهن قليل، إذاً: أوزانهن خفيفة- لم يهبجن اللحم فيثقلن, -أي أن نساء الصحابة كنَّ نحيلات- وكنت إذا رُحِّل بعيري, جلست في هودجي، ثم يأتي القوم الذين يرحِّلون هودجي في بعيري يحملونني، فيأخذون بأسفل الهودج، فيرفعونه على ظهر البعير، فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير, فينطلقون بي .
-كلام واضح؛ كان هناك هودج تجلس فيه، يرفعه رجلان، يضعانه فوق ظهر الجمل، يربطانه، ثم يأخذان بخطام البعير، ويقودان هذا البعير في مسيرة الجيش- .
قالت السيدة عائشة: فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلَّم من سفره، وجَّه قافلاً حتى إذا كان قريباً من المدينة، نزل منزلاً فبات فيه بعض الليل، ثم أذَّن في الناس بالرحيل، فلما ارتحل الناس, خرجت لبعض حاجتي .
-ذكرت هذا من قبل: أن هناك عشرات الاحتمالات التي كان من الممكن ألّا يقع حديث الإفك.
أريد أن أعلمكم أن الأحداث التي وقعت في عهد النبي أحداثٌ مقصودةٌ لذاتها، لم يقع حدثٌ صدفةً، بل كل حدث مركَّز مقصود لذاته، ليقف النبي الموقف الكامل، فيكون موقفه تشريعاً- .
فقالت هذه السيدة الجليلة: ثم أذَّن في الناس بالرحيل، فلما ارتحل الناس, خرجتُ لبعض حاجتي، وفي عنقي عقدٌ لي .
-لو أنها لم تشعر بحاجةٍ إلى قضاء الحاجة لما خرجت، ولم يكن حديث الإفك, قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾

[سورة النور الآية: 11]

قالت: خرجت لبعض حاجتي, وفي عنقي عقدٌ لي، فلما فرغت، انسل من عنقي ولا أدري, -انقطع خيط العقد, فوقع في الأرض، لو كان الخيط ثخيناً أو متيناً لما انقطع، لو لم ينقطع هذا الخيط, لما كان حديث الإفك، لو لم تشعر بحاجةٍ إلى قضاء الحاجة, لما كان حديث الإفك- فلما رجعتُ إلى الرحل, ذهبتُ ألتمسه في عنقي, فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل, فرجعت ألتمسه حتى وجدته، وجاؤوا خلاف القوم الذين كانوا يرحِّلون لي البعير، فأخذوا الهودج, وهم يظنون أني فيه, كما كنت أصنع .
-وزنها خفيف جداً لم ينتبهوا، فلو انتبهوا لما كان حديث الإفك, لو أنها تبحث عن العقد في مكانٍ قريب, لما كان حديث الإفك، لو أنهم رأوا شخصاً من بعيد, لتفقَّدوها وذهبوا إليها, ولما كان حديث الإفك، معنى ذلك الحدث مقصود لذاته .
أحياناً تقع معك مشكلة؛ لو لم أسافر لما كانت، لو لم أسلك هذا الطريق لما كانت، لو لم أركب هذه المركبة لما كانت، لو لم تظهر لي حاجة للسفر لما كانت, فلذلك:

((لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ, وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ, حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ, وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))

[أخرجه أحمد في مسنده]