عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-21, 10:51 AM   #13
الفيلسوف

آخر زيارة »  05-07-24 (05:23 AM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





فأصعب شيءٍ على المرأة الشريفة الطاهرة أن تتهم بشرفها، أصعب شيءٍ على الإطلاق, أن تتهم المرأة العفيفة الطاهرة بشرفها- .
قالت: وقلتِ لأمي: هل علمت أمي بهذا الخبر, يغفر الله لكِ, تحدث الناس بما تحدثوا به، وبلغك ما بلغك, ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً, قالت: أي بنيتي! خفِّضي الشأن, فو الله قلَّما كانت امرأةٌ حسناء عند رجلٍ يحبها، لها ضرائر, إلا أكثرن عليها .
-أي هذا شيءٌ طبيعي، معنى ذلك أن هناك حسداً، أحياناً الإنسان يُحسد، فالحسود يلقي بالتهم جزافاً, ليشفي صدره من محسوده- .
قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في الناس يخطبهم, ولا أعلم بذلك, ثم قال:
أيها الناس ما بال رجالٍ يؤذونني في أهلي, ويقولون عليهن غير الحق، والله ما علمت منهن إلا خيراً، ويقولون ذلك لرجلٍ, -أي صفوان بن المعطَّل السلَمي- والله ما علمت منه إلا خيراً، وما دخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي .
-تألَّم النبي عليه الصلاة والسلام، لقد آذوه أشد الأذى، آذوه في عرضه- .
قالت: وكان قد كَبُرَ ذلك عند عبد الله بن أبي سلول في رجالٍ من الخزرج مع الذي قال مسطح .
-أي صار في أناس من الصحابة تألموا أشد الألم لهذا الحديث، وأناسٌ آخرون تساهلوا قليلاً، ومنافقون كُثُر شمتوا، وفرحوا، وأحبوا أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا- .
قالت: ثم دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وعندي أبوايَ، وعندي امرأةٌ من الأنصار، وأنا أبكي وهي تبكي معي، فجلس وحمِدَ الله وأثنى علي, ثم قال: يا عائشة, إنه قد كان ما بلغك من قول الناس, فاتقي الله، إن كنتِ اقترفتِ سوءاً مما يقول الناس, فتوبي إلى الله, فإن الله يقبل التوبة عن عباده .
قالت: فو الله ما هو إلا أن قال ذلك, تقلَّص دمعي, حتى ما أحس منه شيئاً، وانتظرت أبويَّ أن يجيبا رسول الله، فلم يتكلَّما .
قالت: وايم الله لأنا كنت أحقَر في نفسي، وأصغر شأناً من أن ينزِّل الله عزَّ وجل فيَّ قرآناً, يُقرأ به في المساجد, ويصلَّى به، ولكنني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في نومه شيئاً, يكذب الله به عني, لما يعلم من براءتي، أو يُخبر خبراً، فأما قرآنٌ ينزل فيَّ, فو الله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك .
-تصوَّرتْ أن الله يبرِّئها بمنام يراه النبي عليه الصلاة والسلام، بطريقة أو بأخرى، أما أن ينزل وحي، قرآن يُتلى إلى يوم القيامة في براءة هذه السيدة المصون, قالت: والله كنت أحقر في نفسي من أن ينزل قرآنٌ فيَّ- .
قالت: فلما لم أرَ أبويَّ يتكلَّمان, قلت: ألا تجيبان رسول الله؟ فقالا لي: والله ما ندري بماذا نجيبه؟ .
-شيء مسكت، تهمة كبيرة جداً لامرأةٍ طاهرةٍ عفيفة، زوجها رسول الله، أبوها أبو بكر، أمها أم رومان، قِمم، والتهمة كبيرة، فأية امرأةٍ إلى يوم القيامة, اتُهمت كما اتهمت السيدة عائشة, ففي هذه السيدة المصون أسوةٌ حسنة- .
قالت: وايم الله ما أعلم أهل بيتٍ دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكرٍ في تلك الأيام.
-الحياة فيها متاعب كثيرة، فأحياناً هناك متاعب لا يعلمها إلا الله تصيب الإنسان, إن أشد الناس بلاءً؛ الأنبياء، ثم الأمثل, فالأمثل .
الإنسان يُبتلى على قدر إيمانه، فإن كان قوي الإيمان اشتد بلاؤه، وهذا البلاء يرفع درجاته عند الله عزَّ وجل- .




فلما قال لها النبي الكريم: يا عائشة, إنه قد كان ما بلغك من قول الناس, فاتقي الله ، وإن كنتِ اقترفتِ سوءاً مما يقول الناس, فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده .
قالت: فو الله ما هو إلا أن قال ذلك, حتى تقلَّص دمعي، هنا استعبرت فبكيت، ثم قلت : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً، والله لئن أقررت بما يقول الناس, والله يعلم أني بريئةٌ منه, تصدقونني عندئذٍ، لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما تقولون, لا تصدقونني .
قالت: ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره، ولكنني أقول كما قال أبو يوسف: فصبرٌ جميل, والله المستعان على ما تصفون .
-أخواننا الكرام, كنت أقول لكم دائماً: الحُزن خلاَّق، المصائب أحياناً تصنع الرجال وتصنع النساء، المصائب مِحَك، الإنسان حينما يمرُّ بظروف صعبة, يصبح رجلاً بالمعنى الكبير، والمرأة حين تمرُّ بظروف صعبة تصبح أماً كبيرةً, قال تعالى:

﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾

[سورة يوسف الآية: 18]

قالت: والله ما برح رسول الله مجلسه, حتى تغشَّاه من الله ما كان يتغشَّاه، فسُجي بثوبه، ووضعت وسادةٍ من أدمٍ تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت, فو الله ما فزِعت كثيراً ولا باليت، وقد عرفت أني بريئة، وأن الله غير ظالمي، وأما أبوايَ فو الذي نفس عائشة بيده ما سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم, حتى ظننت أن نفسيهما ستخرجان فَرَقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما قاله الناس .
-هي مطمئنة لأنها بريئة، أما أبوها وأمها في قلقٍ شديدٍ جداً، فلربما يُثَبِّتُ الوحي ما قاله الناس- .
قالت: ثم سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فجلس, وإنه ليتحدر منه مثل الجُمان في يومٍ شاتٍ، فجعل يمسح العرق عن جبينه, ويقول: أبشري يا عائشة, لقد أنزل الله براءتك .
-الإنسان أحياناً كثيرة ما له إلا الله، سمعت كلمة من أحد الأخوة, يقول: الحمد لله على وجود الله، الله يعلم الحقيقة، إذا كان قلبك سليماً، وإذا كنت مستقيماً، وإذا كنت بريئاً, فلا تخشَ أحداً، الله عزَّ وجل سوف يبرِّئك- .
قالت: فقلت: بحمد الله وذنبكم, ثم خرج إلى الناس فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله عزَّ وجل من القرآن فيَّ .
-لدينا تعليق على هذه الرواية-: أن السيدة أم رومان لما نزلت براءة السيدة عائشة قالت لابنتها السيدة عائشة: يا بنيتي, قومي إلى رسول الله فاشكريه, قالت: والله لا أقوم إلا لله, فتبسَّم النبي عليه الصلاة والسلام, وقال: عرفت الحق لأهله))





براءة الصديقة بنت الصديق، الطاهرة المؤمنة, قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

[سورة النور الآية: 11]

بيَّنتُ لكم من قبل أن التوحيد لا يُلغي المسؤوليَّة، إذا عزوتَ هذا إلى الله, فليس معنـى ذلك أن الذي روَّج هذا الحديث لن يُحاسب, قال تعالى:

﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

[سورة النور الآية: 11]

يقول الله عزَّ وجل:

﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً﴾

[سورة النور الآية: 12]


علامة الإيمان أن تُحسن الظن بأخوانك, قال تعالى:

﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

[سورة النور الآية: 12-14]


أيها الأخوة, رضي الله عن هذه السيدة الحصينة العفيفة التي امتحنها الله عزَّ وجل في أعز ما تملك، وصبرت، واحتسبت، فأنزل الله براءتها .


الحكمه من هذه القصه
يمكن أن يستنبط من هذه القصَّة: أن الله هو الحق، وأنه لا بدَّ من أن يحقَّ الحق، فإن كنت واثقاً من براءتك واستقامتك, فالله سبحانه وتعالى يتولَّى الدفاع عنك, ولكن إيَّاك أن تجلس مجلساً فيه مظنة اتهامٍ لك، وتلوم الناس إذا اتهموك، لا تضع نفسك موضع التهمة, وتلوم الناس إذا اتهموك، كان عليه الصلاة والسلام يمشي مع زوجته صفيَّة فرأى صحابيين جليلين, قال:

((هذه زوجتي صفيَّة))

تعلَّم من هذه الواقعة: أن تكون واضحاً إلى أبعد الحدود، وقد قيل: البيان يطرد الشيطان .
عوِّد نفسك أن تفعل شيئاً, لا يمكن أن يفسَّر إلا تفسيراً واحداً، الشيء الذي يمكن أن يفسَّر تفسيرين, ابتعد عنه، وإذا تلبَّست به؛ وضِّح قصدك ومرادك، فلو أن الناس اتبعوا النبي عليه الصلاة والسلام فيما قال:

((هذه زوجتي صفيَّة))

لقطعوا كل لسانٍ يريد اتهاماً للآخرين, فمثلاً: إنسان مسافر، يوكِّل أخا زوجته أن يتفقَّد أخته، هناك جيران يرون أن جارهم قد سافر، وأن شاباً يدخل على بيته في غيبته، ماذا يقولون؟ قد يتهمونك، يجب أن تُعلم جيرانك أنك مسافر، وأنك وكَّلت أخا زوجتك أن يتفقَّد شؤونها، وضِّح .
فلو أنك دخلت لمحل صديقك، والمحل فارغ، والصديق غائب، إذ ذهبَ لبعض شأنه وقال لك: انتظرن, معك خمسمئة ليرة, أردت أن تفكَّها، فتحت الدرج ووضعتها, وأخذت خمس مئات، وقد دخل صديقك، لا تبق ساكتاً, بل قل له: سأصرف الخمسمائة, والأولى ألّا تفعلها في غيبته، لو نقص صندوقه خمسمئة، يأتي الشيطان بوسوسته: رأيت صديقي يمد يده إلى الدرج, عوِّد نفسك ألّا تفعل شيئاً له تفسيران، عوِّد نفسك أن توضِّح، أن تبيِّن، البيان يطرد الشيطان .
مرَّة أذكر حادثة وقعت في محل تجاري، صاحب المحل معروف بالصلاح، وبالمحل غرفة داخليَّة, وعنده تاجر من حلب, تاجر له قيمته, وله زيه الديني، جاءت امرأةٌ، رحَّب بها صاحب المحل ترحيباً أكثر من كونها زبونة تشتري، أنا من حسن ظني بأخي وصديقي, قلت: لعلَّها أخته, الشيخ الحلبي تغيَّر لونه، فقلت له: لعلها أخته, فلما ذهبت سألته, فقال: هي أختي, فيجب أن يبلِّغ .
أما أن تضع نفسك موضع التُهمة, ثم تلوم الناس إذا اتهموك، هذا ليس من الدين في شيء, هناك علاقات الجوار، والعلاقات الأسريَّة، والعلاقات مع الشركاء، دائماً وضِّح ، وبيِّن ، ودقِّق، وإلا هناك أشخاص يلوكون سمعتك دون أن تشعر، وهناك فتن قد تجري في المدينة يروِّج لها المنافقون، وهذا الحديث درسٌ بليغٌ للمؤمنين .
أول استنباط: إذا أراد الله شيئاً وقع .
الاستنباط الثاني: إذا كنت على حق، فالله عزَّ وجل سوف يتولَّى تبرئتك .
الاستنباط الثالث: لا ينبغي أن تضع نفسك موضع التهمة، ثم تلوم الناس إذا اتهموك .