الموضوع: هذا الحبيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-03-21, 08:45 AM   #201
عطاء دائم

آخر زيارة »  يوم أمس (07:46 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



هذا الحبيب « 188 »
السيرة النبوية العطرة (( غزوة بني المصطلق وموقف المنافقين ))
______
نحن الآن في مطلع السنة الخامسة من الهجرة ، وقد بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -أن قبيلة {{ بنو المصطلق }} تستعد لغزو المدينة ، فمن هي هذه القبيلة ؟ هي أحد بطون قبيلة {{ خزاعة }} ،

ومعنى مصطلق في اللغة الصوت العالي في الغناء ، فقد كانوا مشتهرين بالغناء والأصوات الجميلة . و ديار خزاعة منتشرة على الطريق من مكة إلى المدينة ، ولذلك فإن موقعها مهم جدا في الصراع بين المسلمين و قريش ، لذلك اتخذت خزاعة موقفا محايدا بالنسبة لهذا الصراع ، فهي لم تدخل مع قريش في عداء المسلمين ، وفي نفس الوقت لم يدخلوا في الإسلام ؛ ذلك أنّ خزاعة في طريق تجارة العرب إلى الشام ، وأيضا فيها أحد أصنام العرب الشهيرة وهو (( مناة )) – كما يُقال - ، فكان العرب يحجون إلى هذا الصنم، لذلك كانت خزاعة لها مصالح مادية ومعنوية ، فاتخذت موقفا محايدا مع الجميع باستثناء بني المصطلق .

وقد اتخذ بنو المصطلق موقفا معاديا للمسلمين ، لدرجة أنهم اشتركوا مع قريش في حرب المسلمين في غزوة أحد، وسيّدهم هو {{ الحارث بن أبي ضرار }} والذي اتخذ قراره الآن بتجميع القبائل لغزو المدينة ، فوصلت هذه الأخبار إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم – وبعد أن تأكد من نيّة بني المصطلق في غزو المدينة ؛ جهز جيشا يتكون من {{ ٧٠٠ مقاتل و ٣٠ فارس }}

وخرج معه من نسائه السيدة عائشة – رضي الله عنها - ، وكانت المسافة بين المدينة وبني المصطلق حوالي {{ ٤٠٠ كم }} ، وأعطى لواء المهاجرين لأبي بكر – رضي الله عنه – و أعطى لواء الأنصار لسعد بن عبادة – رضي الله عنه - [[ و مباغتة الأعداء من صفات القائد الناجح ، وكان من سنّته – عليه الصلاة و السلام – أن يباغت عدوه في داره ، فكان يسير ليلاً ويكمن في النهار حتى يُعمي عيون الأعداء عنه قدر المستطاع ]] .

وصل المسلمون قريبا من بني المصطلق ، وعسكروا هناك عند عين ماء اسمها {{ المريسيع }} [[ سمّيت بذلك لأنّها ماءها يخرج ببطء، ويحتاج وقتا حتى يتجمع و يحملونه ؛ وشبّهوها بعين الإنسان لأنها تدمع قليلا قليلا ]] .
فلما وصل بنو المصطلق إلى عين المريسيع ليشربوا منها ، ويتجهزوا للمضي لغزو المدينة ، باغتهم المسلمون ، وأغاروا عليهم عند عين الماء، فوقع رجالهم في الأسر، وأصبحت نساؤهم سبايا للمسلمين ، وقد بلغ عددهن أكثر من 100 سبيّة ، وغنموا منهم الآلاف من الإبل و الأغنام ، و الكثير من الأموال والمتاع والمصاغ والسلاح ، وحقق المسلمون انتصارا ساحقا وسريعا .وكان في الجيش رئيس المنافقين

{{ عبد الله بن أبي سلول }} الذي سالت لعابه على هذه الغنائم الكثيرة ، و كان في الجيش أيضا ابنه الصحابي عبد الله رضي الله عنه .
قسّم النبي – عليه الصلاة و السلام – الغنائم ، أربعة أخماس وزّعها على الجيش فورا ، وخمس يُصطفى لله والرسول ، فلما قُسّمت الغنائم دخلت النساء في السبي ، وكان في السبايا ابنة الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق واسمها جويرية - رضي الله عنها -


[[ لأنها أسلمت وأصبحت بعد ذلك أمّا للمؤمنين وزوجة النبي صلى الله عليه وسلم ]] ، وهي فتاة عاقلة راشدة تحسن تدبير الأمور، ووقعت الآن في السبي ، و أصبحت من نصيب أحد الصحابة وهو {{ ثابت بن قيس بن شماس }} ، فعرضت عليه على الفور المكاتبة ، فكاتبته على نفسها . [[ يعني اتفقت معه أن تدفع له مبلغا من المال مقابل أن يعتقها ، وكذا يفعل السيد وعبده ليصبح حرّا ، وكان هذا النظام موجودا عند العرب ، وقد أقر الإسلام هذا النظام ،قال تعالى : {{ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا }} بل وجعل الإسلام هذا النظام واجبا، فكان ذلك من أساليب الإسلام في إلغاء الرق ]].

ثم استأذنته كي تذهب وتدبّرأمرها ، واتجهت نحو خيمة النبي - صلى الله عليه وسلم – و كان في خيمته أم المؤمنين عائشة . قالت : أنا جويرية بنت الحارث سيد القوم ، وأنا {{ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله }} ، وقد أصابني من البلاء ما لا يخفى عليك ، فكاتبت على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي ، وأطلب منك العون .

(( وحقيقة فإنّ ما أشغل تفكير النبي في هذه الغزوة سبي النساء !! كيف نسبي 100 بيت من أعز بيوت العرب ؟؟ فكانت الفرصة الآن أمام النبي لتجنّب ذلك ما أمكن )) ، فقال لها عليه الصلاة و السلام : " أقضي كتابك مع ثابت بن قيس و أتزوجك " . بمعنى أدفع لثابت بن قيس المبلغ كله، وتكونين حرة، ويكون هذا المبلغ هو مهرك . قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت .

فشاع الخبر بين الناس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تزوج بنت الحارث بن ضرار ، فقال الصحابة : أصبح بنو المصطلق أصهار رسول الله ، فردّ كل الصحابة الأسرى الذين في أيديهم إلى ذويهم حبّا و كرامة للنبي – صلى الله عليه وسلم - ، وهذا ما كان يرجوه عليه الصلاة و السلام من هذا الزواج . وكان هذا حدثاً فريداً لم يحدث في تاريخ الجزيرة ، تقول عائشة – رضي الله عنها - : "

فلقد أُعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها " . فلما رأى بنو المصطلق هذه الأخلاق والكرم ، دخلوا في الإسلام .
وعودة إلى صورة المنافقين الآن ؛ فقلوبهم تمتلئ غيظاً من المسلمين ، خاصة {{ ابن أبي سلول }} ،

فقد استرد المسلمون الغنائم من أيديهم ، وردوها إلى بني المصطلق ، و المنافقون ما خرجوا أصلاً إلا لهذه الغنائم ، فغاظه ذلك وأخذ يترقب فرصة كيف يوقع فتنة بين صفوف المسلمين ؛ وحانت الفرصة له عندما تنازع عند عين الماء رجلان أحدهما من المهاجرين و الآخر من الأنصار، و كل واحد يريد أن يسقي قبل الآخر، وتطور الأمر إلى الضرب ، فصاح الأنصاري : يا للأنصار ، وصاح المهاجر : يا للمهاجرين . فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - الصراخ كما سمع الناس ، فخرج من خيمته مسرعاً نحو الصوت ، ورفع كلتا يديه يؤدبهما أمام الناس ويقول : أبدعوى الجاهلية ، وأنا بين ظهرانيكم ؟

دعوها فإنها منتنة . [[ يعني إياكم والتعصب لأحد بالباطل ، كالتعصب للقبيلة والبلد وإنما شأن المؤمن أن يقف مع الحق ، وأن ينصر المظلوم برفع الظلم عنه ، وينصر الظالم بحجزه ومنعه عن الظلم ، ويجب أن نبتعد عن عادات الجاهلية الذميمة ، ويجب أن يكون انتماؤك للإسلام ]] . وأصلح – عليه الصلاة و السلام - الأمر في نفس اللحظة ، و تصافى المتخاصمون ، وانطلق كل في حال سبيله .

لكن المنافقين وجدوها فرصة لهم ، لإحداث فتنة بين المهاجرين والأنصار ، وعلى رأسهم {{ ابن سلول }} حيث قال : " أَوقد فَعلُوها ؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل "

[[ يعني جاء الوقت للمهاجرين أن تقوى شوكتهم علينا ونحن اللي آويناهم ؟ يجي واحد منهم يرفع السيف بوجهنا ؟؟!! احنا الأنصار أعزاء و أصحاب الديار ، و المهاجرين جايين هاربين مشتتين غلابة لاجئين فهم أذلاء ... ؟؟ !! ]] . وكم من أناس مسلمين هذه الأيام يعيشون بيننا وهم يقتدون بعقل وتفكير ابن سلول ؛ فهو ابن بلد وغيره دخيل !!


فسمع كلام ابن سلول غلام صغير عمره 14عاما اسمه {{ زيد بن أرقم }} من الخزرج ، وهو غلام صادق الإيمان ، حافظ للقرآن ، فذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان جمع من المهاجرين والأنصار حوله ، فأخبره بمقولة ابن سلول ، فقال له النبي : يا فتى ، لعلك أخطأت السمع ؟ أو ربّما في نفسك على صاحبك شيء فقلت عليه ما قلت ؟؟

قال : لا والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، ليس بيني وبينه إلا أخوة الإسلام . فقام عمر بن الخطاب وقال : يا رسول الله دعني اضرب عنق هذا المنافق . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يا عمر ، كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟؟ [[ لأن ابن أبي سلول مسلم ، وقتله سيعطي أعداء الإسلام فرصة لتشويه صورة الإسلام ]] .

وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرحيل على الفور حتى يشغل الناس عن الكلام في هذا الموضوع ، لأنه فتنة .

بلغ ابن أبي سلول أن كلامه وصل للنبي -صلى الله عليه وسلم - فذهب إلى النبي حالفا يكذّب الخبر ، ومعه بعض أصحابه من المنافقين ، لكنّ الله سبحانه و تعالى أنزل آيات جاءت تصديقا لكلام الغلام – زيد – وتفضح المنافقين ،

قال تعالى : {{ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}} .

فلما سمع الصحابي الجليل عبد الله بن عبد الله بن أبي أن آيات نزلت بحق أبيه استأذن النبي بقتل والده المنافق ، لكنّ النبي رفض ذلك ، وعند وصول الجيش إلى المدينة منع عبد الله والده من الدخول ، ووضع السيف على عنق أبيه وقال : تزعم يا عدو الله بأنك عزيز ورسول الله ذليل ؟؟ والله لن تدخل المدينة حتى يأذن لك النبي بذلك . فوصل النبي وأمر برفع السيف عن رقبته وقال : سنحسن صحبته ما دام بين أظهرنا .

اللهم اجمعنا به - صلى الله عليه وسلم - في جنّات النّعيم